Home»Enseignement» » بينهما برزخ لا يبغيان « *

 » بينهما برزخ لا يبغيان « *

1
Shares
PinterestGoogle+

 » بينهما برزخ لا يبغيان « *

ذكريات مر عليها  أكثر من نصف قرن ألهمتني لأبعث بها كرسالة  أسلوبها من ابسط ما يكون للسيد ن.عيوش
أما بعد .
بدأ جيلي مطلع الخمسينات بقراءة وكتابة الحروف الأبجدية لتعلم اللغتين، العربية والفرنسية ضمن فصلين منفصلين منذ  القسم الأول ابتدائي،  لاستعمال هذه الحروف لكتابة جمل أو قراءتها تدريجيا، مع اكتشاف وحفظ كلمات و مصطلحات، حتى أصبحنا متمكنين من هاتين اللغتين تحدثا وكتابة ومعرفة الدين والأخلاق والوطن واكتشاف الدول  والقارات  وحياة الشعوب، ثم الرياضيات والعلوم.
بدأت المعرفة تتكون فتكون الإنسان إلى حين أن وصل إلى مستوى معرفي و تكويني من المتوسط إلى الهائل والممتاز، بغض النظر عن ذوي   المستويات  الضعيفة والغير الراغبين في التعلم و الذين كانوا ينفصلون عن دراستهم  لظروفهم الخاصة، ناهيك عن هؤلاء الذين كانوا لا يتحدثون إلا الأمازيغية خلال السنوات الأولى ومع ذلك تجدهم متفوقين في دراستهم مع إتقان أشياء أخرى.  وأضيف إلى هذا أننا تعلمنا  حسب اختيار كل واحد منا لغة أجنبية أخرى بالسلك الثانوي، فكنا نتقنها إلى درجة أن بعضنا تخصص في تدريسها. فما كان المدرس الفرنسي يدرس لنا لغته بلغتنا عند وجود عقبة ما، وإلا أصبح يدرس لنا الترجمة. كانت هذه الأخيرة من المواد المدرسة في بعض الشعب لتهيئ متعلميها لاستعمالها مستقبلا في تخصصاتهم المهنية.
أظن أن هناك شيئين مختلفين ومرتبطين في باب المعرفة.
أولهما تدريس لغة ما بقواعدها كمادة أدبية الهدف منه هو التواصل شفويا أو كتابة في مرحلة أولية، وثانيهما  استعمالها عند التمكن منها لدراسة مواد أخرى من اجل المعرفة والبحث في مجالات مختلفة.
هذه اللغة كيف ما كان أصلها، تلقن لأي شخص كيف ما كان أصله وسنه ولغة أمه.
هناك من يستوعب بسهولة ومن يستوعب بصعوبة، وذلك حسب الإمكانات الذهنية  التي يملكها المتعلم، وحسب مؤهلات المدرس البيداغوجية والتواصلية.
رأيت المدرس وسمعته يقول لتلامذته الامازيغيين -أثناء درس مادة اللغة الفرنسية بالقسم الابتدائي- : « جو ماج دي با » وهو يأكل الخبز ويشير بأصبعه إلى نفسه، ثم يطلب  من تلامذته أن يقوموا  بنفس العملية كل واحد على حدة، مع إعادة ما سمعوا. كان من السهل أن يقول: « ليغ أتتغ أغروم » ،هذا في حالة ما اذا كان ريفيا.
كان معلم اللغة العربية او المواد المدرسة بها، يلفظ أحيانا بالعامية إذا اقتضى الحال او عند الضرورة في تدريس اللغة العربية او مواد أخرى مدرسة بها.
أضع سؤالا وهو كالتالي :هل درس الأستاذ العروي باللغة الدارجة حتى أصبح  كاتبا  ومفكرا وأديبا؟ وهناك   نماذج اخرى من المفكرين والباحثين ورجال الدولة والشعراء  والمبدعين والفنانين، منهم على سبيل المثال :علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد عابد الجابري وعبد العزيز مزيان بلفقيه وزفزاف  والحبابي رحمهم الله، واحمد عصمان وعلال سي ناصر والأستاذ سبيلا والمهدي المنجرة ونور الدين الصايل ومحمد السهلاوي ورمضان مصباح الادريسي  وصايم نورالدين  ومحمد المقدم، هل تلقن هؤلاء تعليمهم الأولي خلال الثلاث السنوات الأولى بلهجات أمهاتهم ؟
هل درس الأستاذ بناصر البعزاتي باللغة الريفية و الذي يتقن ويتكلم بكل طلاقة  أربعة أو خمسة لغات لاتينية علاوة على الريفية والعربية حتى أصبح أستاذا جامعيا حاملا لشهادة الدكتوراه في  » الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم » مع  نيل جائزة أحسن كتاب منتصف التسعينات، وحظي باستقبال من طرف المرحوم الملك الحسن الثاني بمراكش؟ وهناك آخرون عددهم لا يحصى أذكر منهم  محمد  أقضاض مهندس المعادن سابقا  -ذو الثقافة العامة العالية و الذي يتقن خمسة لغات ضمنها الامزيغية ويتكلم بطلاقة اربع لغات اخرى – و الأساتذة قسو بومدين شفاه الله و الطاهر عطاف و شاكر الميلود وغزال المختار والصحافي والكاتب إسيعلي أعراب و الحسن ابو مريم واحمدو الباز ومحمد أديوان والأخوين احمد وعبد الله عاصم رحمة الله عليهما والمرحوم الفقيه محمد السبيعي الملقب بالسي الفاسي من مدرسة القرويين  الذي انشأ  -تدريجيا بإمكاناته المتواضعة – مدرسة كاملة بمدينة تاوريرت منطلقا من كتابها وروضها الى باكالوريتها مارا بابتدائيتها حيث بدأ بتكوين تلامذته من امازيغ وعرب باللغة العربية جلهم صاروا اساتذة واطرا.
السيد عيوش، لو اطلعت آنذاك على الظروف المناخية والعائلية والاقتصادية التي مر بها هؤلاء في أرياف جبالهم عند تمدرسهم، ولو استوعبت محتوى الكتب التي ادعيت انك قرأتها للأستاذ القدير لما أضعت له ولمقدم البرنامج وقتهما، حتى كادا أن يرتبكا  لما أحسا  بالفراغ ثم بالخجل خلال تدخلاتك المبنية على الوهم وغياب المعرفة .
فمن متابعتي لمواجهة ذ. ع. العروي والسيد  ن. عيوش التي تتبعتها عبر « دو زيم » حول موضوع تدريج التمدرس في بدايته خلال السنوات الثلاثة الأولى بالابتدائي، استخلصت ان الأول تحدث عن كيفية تلقين اللغة العربية كأداة للتواصل بيننا، ومع اي عربي مهما كان أصله،  والحفاظ عليها كرمز للهوية وأساسا للتنمية الفكرية والثقافية، وللتذكير فليس هناك ما يدعو إلى  تبسيط اللغة العربية لأنها معقدة ، بل هناك لغة عربية لها ألفاظها وقواعدها وتراكيبها ، فهناك من  له كفاءة عالية كالأستاذ والأديب ع.العروي  وهناك ملقني هذه اللغة من مدرسين وأساتذة ذوي الكفاءات العالية ، و هناك من له مستوى متوسط   وهناك من  له أسلوبه المتواضع مثل أسلوبي يمكنني من الكتابة و القراءة للأستاذ، و هناك من لا مستوى له و الذي تسمعه يحاور نضيره  بأفكار بسيطة لا فائدة منها.
اما الثاني فهمه وها جسه كيف يبيع سلعته بسهولة  لهؤلاء الأمازيغيين البسطاء .
هذا جعلني أتذكر الآية الكريمة المذكورة في سورة الرحمان: « مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ». لنتمعن قليلا في لغة القرآن ولنتذوق  ما تلتقطه آذاننا وما يصل إلى أذهاننا  من ألفاظ إلاهية قوية ودالة و حلاوة معانيه.  فتفسير الآية كما هو معلوم هو » أن الله تعالى أرسل وأطلق البحرين المختلفين وجعلهما يلتقيان، لكنه تعالى بقدرته منعهما من التجاوز والاختلاط بما جعل بينهما من حاجز «  . هكذا رأيت الرجلين خلال مقابلتهما حول موضوع حساس متعلق بهوية المغاربة بجميع أعمارهم و طبقاتهم ولهجاتهم.
فالهدر المدرسي ليس سببه غياب الدارجة عند الطفل(ة) الامازيغي او عدم فهم اللغة العربية ، بل له أسباب أخرى عويصة ومعقدة كتبت عنها تقارير ومقالات خلال الربع قرن الماضي وما زلنا نتكلم ونخاطب ونكتب لتحقيق أمانينا الا وهي تبليغ رسالتنا للمسؤولين على  التربية والتكوين للنهوض بهذا القطاع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه . اقرأ مقالات ودراسات لاصحابها جلهم ذوي كفاءات عالية في هذا المجال، نشرت بلغة القرٱن واللغة الاخرى على صفحات هذا الموقع.
لقد بقيت اللغة العربية  على أصلها بشيء من المرونة والتخفيف في  النطق  ببلدان منبعها كما يلاحظ ، لكن عندنا خلقت الدارجة المغربية التي أصبحت  هجينة تجمع بين اللغة العربية ولغات أخرى ، وذلك لأسباب  تاريخية  واجتماعية ربما لا يعرف السيد ن.عيوش عنها الكثير، فتجد في بعض الأحيان مصطلحات من  لغات مختلفة لتركيب جملة واحدة يكون  سهلا فهمها  عند سكان منطقة، وغير مفهوم عند سكان منطقة أخرى وما زلنا وللأسف نلتقط  مفردات دنيئة ووقحة مسربة مبتكرة في عالم الانحراف.
فما بال السيد ن.عيوش لو انصرف عن هذا الموضوع وتركه لأهله وللمختصين في علم اللسانيات وغيرهم لإيجاد حل للنهوض بالتربية والتكوين وانحصر على رعاية جمعيته وأموالها والبحث عن تطوير تقنية الإشهار، وإلا سوف نزيد في الطين بلة. فأهل مكة ادري بشعابها.
عوض ان ننكب على انشاء مختبرات للاهتمام بالبحث العلمي الذي لانسمع عنه شيئا والذي هو احد المفاتح لازدهار الصناعة وتثقيف ابناء هذا البلد والنهوض باقتصاده  بتنا نقوم بالتجارب الفارغة والمكلفة  و التي اغنت البعض ماديا وافقرت  ابناءنا فكريا ومعنويا. فكفانا من إقامة  التجارب على أبنائنا ،  لنحاول رد المياه إلى مجاريها بشيء من التفكير والإرادة وإلا  سوف يتحول هذا المجرى إلى واد منبعه الجهل ومصبه الهاوية و  الذي سيجر الأمة بأجمعها،  واتركوا أبناء المغرب يقرؤون « اقرأ »  في ظروف ملائمة مثلما قرأنا في « القراءة المصورة » وسترون النتائج، ففاقد الشيء لا يعطيه.
محمد بوعصابة / فاعل جمعوي                      حرر بالرباط يومه الجمعة 29 نونبر 2013

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *