Home»Régional»تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (12)

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (12)

0
Shares
PinterestGoogle+

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (12)

                                             الأستاذ: الفيلالي عبد الكريم

  • صورة متخيّلة: رحلة العبدري.

  تحدّث أبو عبد الله العبدري عن القفر القريب من تلمسان أثناء ذهابه إلى الحجّ وإيّابه، يقول عن مرحلة الذّهاب: «ولمّا انتهينا إلى المفازة التي في طريق تلمسان وجدنا طريقها منقطعا مَخُوفا، لا تسلكه الجموع الوافرة إلا على حالِ حذر واستعداد، وتلك المفازة  مع قربها من أخطر بقاع الأرض على المسافر لأن المجاورين لها من أوضع خلق الله وأشدّهم أذاية»[1]، يتحدّث العبدري عن مفازة أنـﯕاد بمفهومه الواسع آنذاك، كما وصف مجموعتين قامتا بتأمين عبوره المفازة، وليس مستبعدا أن يكون أفراد المجموعتين من عرب أنـﯕاد، فهم على علم بمجاهل الطريق، يقول العبدري: «فبينما أنا أوصي من أردت إقامته متنغصا بهذه الحال أعرّفه بما يصنع، إذ وقف علينا جماعة من متسلحين عارفين بالطرق عازمين اعتساف المجاهل (..) فسرنا معهم، فلمّا وصلنا إلى موضع تحقق الخوف- وهم لا يعرفون سوى الجادّة المخوفة- خطر لنا أن نخاطر في متن الفلاة بلا دليل، وذلك حين غروب الشمس ولما حصحص الياس ولما تحقّق الالتباس»[2].

  فالمجموعة الأولى أمّنت للعبدري ومرافقيه الطريق إلى مكان معلوم، وبعد ذلك تحدّث عن مجموعة ثانية عملت على حمايتهم إذ قال عنها: «فوقف علينا خمسة أشخاص أثّر فيهم الدّؤوب وعلا وعلى ألوانهم الشّحوب، عانقوا البراري والقفار حتى أخلصَهم خلوص العسجد بالنّار..»[3].

  ليس مستبعدا أن تكون هذه الجماعة من عرب أنـﯕاد وإن كانت عبارة « أثّر فيهم الدّؤوب » توحي أنهم قد أتوا من مكان بعيد. إن المجموعة على علم بمسالك الطريق الوعرة إذ يشير العبدري إلى ذلك بقوله: «وسَرَوْا بنا في مجاهل يضِلُّ بها الدّليل، ويذهل فيها الخليل عن الخليل..»[4]، لا يمكن للمرء أن يكون عارفا مجاهل الطريق إلا إذا استوطن ذلك المكان أوأقام به مدّة.

  إن اجتياز بسيط أنـﯕاد من طرف المسافرين كان يخضع لنظام خاص، فنظرا لتعرُّضهم للنّهب من قِبل الأعراب المتسكّعين كان المجال يخضع لمراقبة  القبائل القاطنة بالمنطقة من أجل توفير الحماية، يقول « مارمول كربخال » عن هذا الأمر: «ومن أجل ذلك يلزم (المسافر) أن يؤدّي مبلغا من المال لأوّل رئيس جماعة يصادفه فيسلم إليه راية صغيرة على رأس رمح، حتى لا ينهب عبر منطقته كلها، ويفعل نفس الشيء لدى وصوله إلى آخر فيتم المرور دون خطر»[5]، فهؤلاء الأعراب يراقبون مجالهم، ويخضع المسافر الذي يجتاز المنطقة لقواعد المرور، وهو أن يؤدي مبلغا من المال مقابل توفير الحماية له.

  إن العبدري حين قطع مفازة أنـﯕاد كانت تسيطر عليه المخاوف، من خلال ما روي له عن مخاطر المفازة، فأثناء عودته من الحج اجتاز المنطقة  دون أن يتعرض لأذى ومع ذلك يعيد الرواية نفسها، إذ يقول: «ثم وصلنا إلى تلمسان وكانت نيَّتي أن أقيم بها مدة حتى أجد صحبة قوية أقطع معها المفازة التي في طريقها إلى رباط  تازة، وهي منطقة موحشة لا تخلو من قطاع الطريق البتة، وهم أشدُّ خلق الله ضررا وأكثرُهم جرأة، وأقلُّهم حياء ومروءة، لا يستقلُّون القليل ولا يعفون عن ابن السبيل، ليس في أصناف قطاع الطرق أخسَّ منهم همما، ولا أوضع منهم نفوسا (..) فلما وقفنا على باب تلمسان صادفنا العادة الكريمة من لطف المولى سبحانه، فألفينا قافلة تخرج..»[6].

  لم يكن العبدري دقيقا في تحديد هؤلاء الذين يقطعون الطرق، غير أنه أمعن في وصفهم بشتى الأوصاف رغم أنه لم يتعرض للأذى منهم، ويبدو أنه اعتمد في ذلك على ما كان يتناقله المسافرون.

  وإذا تصفّحنا رحلة الحسن الوزان ينجلي الغموض واللبس العالق بهذه الصورة التي رسمها العبدري عن المنطقة وساكنتها.

[1]  ـ رحلة العبدري. حققها: علي إبراهيم كردي. دار سعد الدين. دمشق. ط: 2- 2005. ص: 45.

[2]  ـ م ن. 45-46.

[3]  ـ م ن. ص: 46.

[4]  ـ رحلة العبدري. ص: 46.

[5]  ـ إفريقيا. مارمول كربخال. (م س). 2/292.

[6]  ـ رحلة العبدري. (م س). 562 -563.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *