Home»Régional»تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (4)

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (4)

3
Shares
PinterestGoogle+

تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (4)

                                             الأستاذ: الفيلالي عبد الكريم

أصول عرب المغرب وعرب أنـﯕـاد

   دخل العرب بلاد المغرب خلال بداية الفتوحات الإسلامية، وقد كانت كثير من هذه العناصر الفاتحة تعود إلى مواطنها الأصلية بعد توطيد أمر الدين الجديد ونشر مبادئه، بينما العناصر القليلة المستقرة كانت تسكن الحواضر[1].

  وتعود أصول أغلب العناصر العربية التي دخلت المغرب إلى بني هلال وسُليم، وكان ذلك على عهد الموحدين. وقد تمت هجرات هاتين القبيلتين على مراحل: من المشرق إلى مصر ثم إفريقية والمغرب الأوسط وصولا إلى المغرب الأقصى، ولا بد من التنبيه على أن دوافع التحرك من منطقة إلى منطقة بالشمال الإفريقي لكل مجموعة قد تختلف من فترة زمنية إلى أخرى.

1 –  تهجير بني هلال وسُليم من المشرق إلى الضفة الشرقية لنهر النيل.

  ذكر المقريزي أمكنة إقامة بني هلال وسُليم وسبب تهجيرهم إلى الضفة الشرقية من نهر النيل فقال: «وكان من خبر دخول العرب إلى المغرب أن بطون هلال وسليم من مُضر لم يزالوا في البادية، ونجعوا من  نجد إلى الحجاز، فنزل بنو سليم مما يلي المدينة النبوية، ونزل بنو هلال في جبل غزوان عند الطائف، وكانوا يطرقون العراق في رحلة الشتاء والصيف فيغيرون على أطراف الشام والعراق، وكانت بنو سليم تغير على الحاج أيام الموسم وزيارتهم المدينة، ثم تجهز بنو سليم وكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم، وصاروا جندا لهم بالبحرين وعُمَان، وقدموا معهم إلى الشام. فلما غُلبت القرامطة في أيام المعزّ لدين الله أبي تميم معد، ثم في أيام ابنه العزيز بالله أبي منصور نزار، وانهزموا من الشام إلى البحرين نَقَل العزيز بالله مَن كان معهم من بني هلال وسُليم إلى مصر، وأنزلهم بالجانب الشرقي من بلاد الصعيد»[2]. كان قد انهزم القرامطة  في عدة معارك برا وبحرا على عهد المعز لدين الله الفاطمي (ت365ﻫ)، غير أن هزيمتهم كانت على عهد ابنه العزيز بالله (ت 386ﮪ)، وقد قال المقريزي ضمن أحداث سنة 382ﻫ: «وقدم رسول القرامطة بأنهم في دعوة العزيز ونصرته»[3]، فترحيل بني هلا وسليم إلى مصر كان بين سنة 382ﻫ وسنة 386ﮪ عام وفاة العزيز.

 وقال ابن خلدون متحدثا عن الترحيل: «ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله الفاطمي على مصر والشام ، وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام، فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها، وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين، ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم، فأنزلهم بالصعيد في العدوة الشرقية من بحر النيل، فأقاموا هناك وكانت لهم أضرار بالبلاد»[4].

  ولما كان الترحيل قسريا كان من الطبيعي أن يفرز نتائج سلبية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إننا لا ندري أسباب التحاق هاتين القبيلتين بالقرامطة؛ ويذكر المقريزي أن أحياء من العرب دخلت طوعا ومنها ما أرغم على ذلك: «ودعا (حمدان بن الأشعث قرمط) العربَ فأجابه بنو الأضبط من كلاب، وساروا إليه بحرمهم وأموالهم، فأنزلهم الأحساء، وأطمعوه في بني كلاب وسائر من يقرب منه من العرب فضم إليهم رجالا، وساروا فأكثروا من القتل، وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة إلى الأحساء، فدخل الناسُ في طاعته، فوجَّه جيشا إلى بني عقيل فظفر بهم، ودخلوا في طاعته.

فلما اجتمع إليه العرب منَّاهم ملك الأرض كلّها، ورد إلى من أجابه من العرب ما كان قد أخذ منهم من أهل وولد، ولم يرد عبدا ولا أمة ولا إبلا ولا صبيا إلا أن يكون دون الأربع سنين»[5]. لقد عزل الأطفال الذين تفوق أعمارهم أربع سنوات ودرّبهم على القتال خدمة لدعوته.

 

2 – التوظيف السياسي للهجرة من مصر إلى إفريقية والمغرب الأوسط.

  المرحلة الثانية تمت من صعيد مصر نحو إفريقية (تونس)، وكان السبب أيضا سياسيا، إذ سمح المستنصر (ت787ﻫ) الخليفة الفاطمي لقبائل بني هلال وسُليم باجتياز النيل نحو إفريقية بإيعاز من وزيره أبي محمد اليازُوري (ت450ﮪ)، وكان الغرض من السماح بهذا الاجتياز إسقاط دولة ابن باديس (ت454ﻫ).

  وقد عزا المؤرخون ذلك لسببين؛ إذ ذكر ابن عذاري أن الأمر يرجع إلى قطع ذكر أسماء الفاطميين على المنابر بتونس والتحول إلى المذهب السني، بعد نفور العامة من الدعوة الفاطمية[6]، بينما ذكر المقريزي أن ذلك يرجع إلى خلاف شخصي بين المعز بن باديس واليازُوري وزير المستنصر[7].

وعد المستنصر بني هلال وسليم أن يمنحهم أرض إفريقية ومُلك المعز إن هم تمكنوا من الإطاحة به، وفي هذا يقول ابن خلدون: «فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى وأربعين، وأرضخ لأمرائهم في العطاء، ووصل عامتهم ببعير ودينار لكل واحد منهم، وأباح لهم إجازة النيل، وقال لهم: قد أعطيتكم المغرب، وملك المعز بن بلكين العبد الآبق»[8].

   إن المستنصر حين سمح لهم باجتياز النيل كان يعلم طموحاتهم السياسية وقدراتهم القتالية، إذ استطاعت هذه القبائل إلحاق الهزيمة بالمعز والاستيلاء على القيروان سنة 449ﮪ.

 وقد تنبه الدارسون إلى مبالغات ابن خلدون في وصف آثار استيلاء بني هلال وسليم على إفريقية، فاستند مصطفى أبو ضيف أحمد على الإدريسي ليظهر أن الدمار لم يكن بكل السوء الذي وصف به ابن خلدون مدن إفريقية أثناء دخول عرب بني هلال وسليم إليها، يقول مصطفى أبو ضيف معلقا على الأمر: «مما يعطينا الإحساس بمبالغات ابن خلدون واستغلال المستشرقين لها في وصف الآثار المدمرة للهجرة الهلالية بالمغرب لقذف العرب بأشنع التهم»[9].

  وقد استنتج عبد الله العروي أنهم  هم أيضا ضحايا، إذ يقول: «إننا لا نكاد نعرف شيئا عن تاريخ هؤلاء الهلاليين (ربما كانوا في الأصل ضحايا نفس ما تعرض له الزناتيون من انحطاط درجتهم الحضارية، إذ لا ننسى بعد كل شيء أن الفتوحات العربية الكبرى في القرن السابع قد انتهت بصورة متوقعة إلى إفقار شبه الجزيرة العربية الكبرى، وإلى انتقال طرق المواصلات الكبرى في العالم القديم»[10]. ويعود الالتباس إلى غياب مصادر مكتوبة من طرف هؤلاء الأعراب تنقل وجهة نظرهم.

 بعد استيلاء بني هلال وسليم على إفريقية كانت لهم طموحات سياسية للوصول إلى المغرب الأقصى إلا أن قيام الدولة المرابطية حدّ من طموحات أمرائها[11].

 

[1]  ـ ينظر: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى. أبو العباس أحمد بن خالد الناصري. تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري. دار الكتاب. الدار البيضاء. 1954. 2/162.

[2]  ـ اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا. أبو العباس تقي الدين المقريزي. تحقيق محمد عطا. دار الكتب العلمية. بيروت – لبنان.  ط: 1. 2001. 2/64.

[3]  ـ م ن. 1/306

[4]  ـ العبر. ابن خلدون. (م س) . 6/15.

[5]  ـ اتعاظ الحنفا. (م س). 1/22 – 223.

[6]  ـ ينظر: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب- ابن عذاري. تحقيق: ج.س. كولان و ليفي بروفنسال. دار الثقافة. بيروت- 1/277.

[7]  ـ ينظر: اتعاظ الحنفا. (م س). 2/62.

[8]  ـ العبر. (م س). 6/17.

[9]  ـ أثر القبائل العربية في الحياة المغربية خلال عصر الموحدين وبني مرين. مصطفى أبو ضيف أحمد. دار النشر المغربية. الدار البيضاء. ط: 1 – 1982. ص: 62.

[10]  ـ تاريخ المغرب محاولة في التركيب. عبد الله العروي. ترجمة: ذوقان قرقوط. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ط: 1- 1977. ص: 155.

[11]  ـ ينظر: أثر القبائل العربية في الحياة المغربية خلال عصر الموحدين وبني مرين. (م س). ص: 64.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *