Home»Enseignement»الإنسان بين اختيار الحرية وإكراه العبودية

الإنسان بين اختيار الحرية وإكراه العبودية

0
Shares
PinterestGoogle+

يقول مونتسكيو : [ ليست هناك كلمة أعطيت معاني مختلفة  كالحرية . ]

صحيح، ليس هناك تعريف جامع مانع ، اهتدى إليه المفكرون الغربيون ، ولم يستعص  على المفكرين المسلمين ، كتعريف مفهوم  الحرية  ، لأنه كمفهوم  أو كمصطلح فلسفي ، له دلالات ومعاني كثيرة ومتعددة بتعدد المهتمين والدارسين ، ومختلفة  باختلاف الفلاسفة أو المدارس الفلسفية  . فسقراط اختزل الحرية في التعبير عن الرأي  بدون قيد أو شرط ، مفضلا الحكم بالإعدام بدلا من التنازل عن حريته في  التعبير. أما تلميذه أفلاطون فيرى أن روح الإنسان عرفت الحرية  وعايشتها في عالم المثل ، ولذلك فهي دائمة الشوق للعودة إليه ، وبدون الحرية لا يمكن للناس أن يعيشوا بسلام في مدينته الفاضلة  .  والحرية عند الفيلسوف جون جاك روسو، هي أن يفعل الفرد كل ما يريد انطلاقا من إرادته الخاصة ، دون الخضوع لإرادة غيره ، على أساس أن لا يخضع الآخرين لإرادته الخاصة .أما  ابن رشد  فيذهب مذهب الأشعرية إذ يجمع بين الجبر والاختيار، مميزا بين عالم الإرادة الداخلي المتروك لاختيار الإنسان وعالم الظواهر الخارجية ، الذي تحكمه المشيئة  الإلهية وإرادة الله  . وانطلاقا من العدل الإلهي ومسألة التكليف والقدرة على الفعل وما يترتب عنه من ثواب أو عقاب، تناول المتكلمون مسألة الحرية ، فذهبت الجبرية وعلى رأسها الجعد بن درهم وتلميذه الجهم بن صفوان ، إلى نفي حرية الإنسان وقدرته على اختيار الفعل حقيقة ، مضيفة الخلق والفعل إلى الله .لأن الأفعال في نظرها تنسب إلى الإنسان مجازا وليس حقيقة ( كقولنا سقط الحجر وطلعت الشمس وجرى الماء …  فالسقوط والطلوع والجريان منسوب للحجر والشمس والماء مجازا وليس حقيقة ، لأن الحجر والشمس والماء  وكل من في حكمهم جماد والجماد لا يتحرك من ذاته وليس له القدرة على الحركة ، فالفعل إذن مخلوق من الله حقيقة ومنسوب لغيره مجازا  ) . وعلى خلاف الجبرية  ربطت المعتزلة بين الحرية والمسؤولية ،  لأن الله عادل كل العدل ولا يمكن أن يكلف العبد دون أن يمنحه  حرية الاختيار والقدرة على خلق أفعاله . فالإنسان إذن قادر على خلق أفعاله وهو مسئول عنها والعدل الإلهي يقتضي ذلك . أما فرقة الأشاعرة فحاولت التوفيق بين الجبرية والقدرية فقالت  بنظرية الكسب  أي أن الأفعال مخلوقة لله  ، مكتسبة للإنسان ، فالفعل الاختياري الواحد ينسب للإنسان كسبا ولله  إيجادا وخلقا .

لكن الحرية عند العلمانيين  والحداثيين بصفة عامة ، هي أن تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء وتكتب ما تشاء ، حتى ولو تعلق الأمر بالطعن  في العقيدة وبالكفر  بالله سبحانه وتعالى  أو بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم . و للحرية عندهم أيضا دلالة ومعنى آخر لا يستسيغه العقل ولا يقبله المنطق وتشمئز منه النفس و ينفر منه الحس السليم ويرفضه الدين والعرف ، لكثرة ما ألحقوا به من تشويه ولربطه بكل رذيلة وخلاعة وخاصة حرية الجسد ، التي لا تتجاوز الدعوة للمثلية والشذوذ والسحاق والعهارة والمخدرات والخمر وكل ملذات الشقاء…ولاستخدامه كوسيلة للطعن والتشكيك في معتقداتنا الدينية ومقدساتنا الوطنية وقد عبر عن هذا الفهم السيئ للحرية ، كل من عبد الصمد الديالمي وخديجة الراضي  في الندوة التي أقامتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيسها ، إذ طالبا كعادة التيار العلماني – الذي ينتميان إليه والذي  يسعى إلى ترسيم مشروعه المعادي للإسلام وللهوية المغربية ولقيم وأخلاق المغاربة ومقدساتهم  – بالنضال من أجل الحرية الجنسية وحرية الإجهاض وحرية التصرف في الجسد وحرية العقيدة والتدين . وأن الزنا إذا كان بالتراضي لا يعتبر جريمة  ولا فسادا في دين وأخلاق الديالمي،لأن ذلك من الحرية الشخصية والحرية الجسدية ، التي على القانون أن يكفلها للمواطنين ، لأنها فوق الشرع والعقل والعرف في نظرهما ، وإن كان دعاة العلمانية يرفضون الحرية الشخصية والجسدية عندما يتعلق الأمر بالحجاب وينعتون لابساته بأقذع الصفات وأسقط النعوت . وبهذا المنطق الأعوج ، منطق التناقض ،  يدعون  إلى حرية الجسد وفي نفس الوقت ينكرونها على من ترتدي الحجاب ، وكأن الحرية لها اتجاه واحد يصب في العري و الفتنة الجسدية وفي الدعوة إلى الإلحاد والفساد الأخلاقي  . تراهم  يتشدقون بالحرية وهم أول من ينسفها ، إذا تعدت أو تجاوزت تعاليم العلمانية الملحدة .

إن رسل المشروع العلماني وصحابته يهدفون إلى نسف الأسرة والأبوة والأمومة وقبل هذا نسف عقيدتنا وأخلاقنا التي استقيناها من الوحي الكريم ، الذي لا يأتيه الباطل  واستبدال مقدساتنا  بالرديء المدنس من الفلسفات الغربية العلمانية الملحدة . وهذا وزير الاقتصاد السابق يعلن بصراحة في برنامج حوار عن رغبته  في استبدال  تعاليم الوحي المقدس من القرآن الكريم والسنة الشريفة  بالفكر الليبرالي ، ويشهد على هذا قوله  : ( إننا كحزب ننتمي إلى صف الليبرالية الاجتماعية .. نريد أن نحدد هويتنا بشكل واضح .. نحن نرفض أن يقحم الدين في السياسية ، نحن نرفض أن يستعمل الدين في السياسة ، نحن نرفض ازدواجية اللغة وازدواجية الخطاب .. نحن سنعمل على تكوين أكبر تنظيم للمرأة في المغرب ، المرأة الحداثية ، لأننا نعتبر أكبر تحد للمغرب هو تربية الأجيال  المقبلة … لهذا سنعمل بكل قوة مع إخواننا الذي ينتمون إلى الصف الحداثي في هذه البلاد لمواجهة الفكر الظلامي لمواجهة كل التوجهات ، التي من شأنها أن تعيد المغرب سنوات إلى الوراء ) (1) . إن دعوة الوزير هذه مجرد ترديد لما أعلن عنه   تشارلز برادلاف  الملحد عام 1866 من ضرورة التخلص من الدين من أجل التحرر من الكنيسة . وتؤكد  هند عروب هذا التوجه في فهم الحرية من خلال قولها  : (… أن النظام المغربي يخشى الفصل بين الدين والدولة ، لأن في ذلك زعزعة للشرعية التي يقوم عليها النظام الملكي المغربي )  (2) وغير بعيد عن الفهم نفس نجد محمد السكتاوي مدير منظمة العفو الدولية ، – بل الغفو الدولية – يطالب بعلمنة المقابر يسانده في ذلك  مدير أمنيستي بقوله : ( لقد فرقونا في الحياة ، ولا يجب أن يفرقونا في الموت  . وأنا أدعو الله بدعاء أهل الأعراف ، أن لا يجمع بيننا وبينهم  في الدنيا ولا في الآخرة  [و إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا  لا تجعلنا مع القوم الظالمين ] ( الأعراف آية 47 ) كما أن تدخل  حافظ إسلامي كان في نفس السياق إذ قال  : (… في الوقت الذي يسمح للآباء بتربية أبنائهم على الدين الذي يشاؤون ، فإنه يمنع عليهم تربيتهم تربية تقوم على أساس الحقد أو العنصرية اتجاه الآخر… مضيفا أن العلمانية تقتضي أن لا يكون للدولة دين رسمي وأن لا يتحول الدين إلى هوية وطنية ، بل أن يكون الوطن فضاء لممارسة كل الشعائر الدينية بكل حرية وكذا الإلحاد…). (3)

أي حقد لهؤلاء العلمانيين على المرأة ، التي يريدون إخراجها باسم الحرية – ( حرية العري والرذيلة  والخلاعة )- من العفاف والصلاح وبلا حجاب ، لتكون لهم أداة للهو والعبث  وقضاء الحاجات . وكم كان محمد الغزالي صادقا حين قال : (  إن تعرية المرأة حينا ، وحشرها في ملابس ضيقة حينا آخر، عمل لم يشرف عليه علماء الأخلاق ، وإنما قام به تجار الرقيق ) . وأنا أضيف على كلامه ، والقوادون المشرفون على الفساد الجنسي ودور الدعارة وما يدور فيها من خمر وحشيش ولواط … وأي حقد لهم على الإسلام والمسلمين ، الذين يريدون صدهم عن الدين ويجردونهم من عقيدتهم .

إن العلمانية الملحدة  لا تؤمن بالحرية ولا بالتعايش السلمي بين الأديان ، بل تهاجم كافة الأديان وتفرض عليهم الحجر والوصاية وتجبر الناس على الكفر والإلحاد ودليلنا  علمانية الصين وروسيا لينين وستالين وبطشهما وقمعهما لكل الأديان . إن الإسلام لم يكره أحدا على اعتناقه بدليل قوله تعالى : [ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا  أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ] (سورة يونس آية 99  -100 )

إن الحرية في الإسلام ، هي أن تكون قادرا على إتيان الشيء أو تركه مختارا غير مضطر ولا مكره وبوعي وإرادة ومتحملا نتائج فعلك سلبا وإيجابا ، وهي ببساطة ضد الظلم : ظلم الذات في حالة العبودية لغير الله . [ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعضه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ] ( لقمان آية 13 ) وظلم الغير في حالة منعه وحرمانه مما تحب لنفسك أو إكراهه على فعل ما تكرهه لنفسك  [ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولائك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ] ( البقرة 114 ) [ الظلم ظلمات يوم القيامة  ] ( رواه مسلم )  وهي في تقديري  ليست حرية واحدة  ، كما يتصورها الفكر الليبرالي والعلماني الغربي ، بل حريتان مطلقتان في حالة العبودية لله ، كما  أن العبودية لغير الله هي عبوديتان . إن الحرية ضد العبودية لغير الله ، ضد الاستسلام لغير الله ، فالعبد المؤمن حين يختار عبادة الله وطاعته ، والله سبحانه وتعالى يعطيه فرصة الاختيار وحرية الاختيار، يكون قد اختار الفطرة واستجاب لمؤثر داخلي،  هو ما أسميه بغريزة التعبد .أما عندما يختار العصيان والتمرد على الله سبحانه وتعالى ، فسيكون مخالفا للفطرة وخاضعا لمؤثر خارجي ، طارئ ، يسترقه ويستعبده ،  قد يكون هو النفس أو الهوى أو شياطين ألإنس أو الجن أو المال …وهذا لن يخرجه من دائرة العبودية لله ، بل يجعله عبدا لله كرها وقهرا لا طوعا رغم أنفه مع استحقاق غضب الله ، لأن الخلق كلهم عباد الله . أما إذا اخترت التمرد على الشيطان والنفس وعصيت دعاة الرذيلة والفساد فستكون أيضا قد اخترت الحرية ومارستها برفضك للاستعباد وعدم الخضوع لتثير مختلف القوى الباطنية ، كالدوافع الغريزية الغير مهذبة والأهواء على اختلافها والقوى الظاهرية ، سواء كانت مادية في شكل فرد أو مجتمع أو فكرية في شكل فلسفة أو إيديولوجية أو سياسية واقتصادية… فالحرية إذا حريتان : (1) حرية في الإقبال على الله وطاعته والاستسلام لأمره واختياره كمعبود لا شريك له .

(2) حرية في اختيار التمرد على النفس الأمارة بالسوء والشيطان والفكر العلماني الضال المضل . ( لأن الاستعباد لغير الله مذلة وتحقير وصغار عند الله ).

إن العلمانيين أطاعوا غير الله ، فأضاعوا حرية الاختيار ، التي تميز الإنسان ككائن عاقل مكلف ومسؤول عن أفعاله الإرادية وسقطوا تحت نير الاسترقاق والاستعباد المزدوج :

(1)      عبيد لله رغم أنفهم مضطرين لا طائعين بحكم الخلق والإيجاد .

(2)      عبيد لغير الله بحكم العبادة والانقياد لغير الله ، لأنهم رضوا بالتحكيم والتحاكم إلى الطاغوت

نستنتج من كل ما سبق ، أن العبودية لله حرية مطلقة ، لا يمكن أن تتحقق ، إلا في ظل العبودية الاختيارية الخالصة لله ، الصادرة عن عقل وقلب المؤمن الصادق مع ربه ، دون إكراه أو إرغام . ويترجم هذا قوله تعالى [ من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ] ( سورة النحل آية 18 )

أما العبودية لغير الله ، فهي استرقاق واستعباد قائم على الجبر والقسر ، صاحبها مملوك لنفسه ولقرينه الإنسي والجني ولهواه ، يعيش حياته نكدة ويقضي أيامه في اكتئاب مزمن وقلق مستمر … ونهايته لا محالة تكون مأساوية . وصدق الله العظيم إذ يقول : [ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ] ( سورة ط 20 )

( 1)  المشرع الحداثي عند مزوار : المرأة الحداثية لا تلبس الحجاب  .

هبة بريس 15112011  إبراهيم بدون .

( 2 ) عروب : النظام يخشى العلمانية لأنها تزعزع شرعيته السماوية

هسبريس 3092012  رشيد البلغيتي

(3 )  هسبريس  1102012

رشيد البلغيتي

 

بقلم عمر حيمري

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *