Home»International»حكومة الإنجاز العكسي: حين يصبح الفشل سياسة ؟

حكومة الإنجاز العكسي: حين يصبح الفشل سياسة ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

حكومة الإنجاز العكسي: حين يصبح الفشل سياسة ؟..

مصطفى قشنني

في بلادٍ تُدار فيها الأزمات كما تُدار حفلات الزفاف: كثير من الزينة، قليل من المعنى، تقف حكومة عزيز أخنوش في عامها الخامس ككائنٍ سياسيٍّ هولامي غريب، لا يُشبه إلا نفسه، يوزّع الوعود كما تُوزّع الحلوى في المناسبات، ويُراكم “الإنجازات” كما يُراكم المواطن الفواتير غير المدفوعة.

منذ الإستقلال ، لم يشهد المغرب حكومةً بهذه القدرة الخارقة على تحويل كل مؤشر إلى نكتة سوداء. البطالة؟ نحن في المرتبة المُتدنّية عالميًا، خلف دولٍ تنهار تحت وطأة الحروب، لكننا نحتفل بهذا الإنجاز كما لو أنه تأهلٌ لكأس العالم. التعليم؟ في المرتبة 154 من أصل 204، أي أننا ننافس على لقب “أسوأ منظومة تعليمية قابلة للتنفس”. أما الصحة، فحدث ولا حرج، المركز 95 من أصل 98، وكأننا نمارس الطب بالتيمّم لا بالأدوية.

في زمنٍ يُقاس فيه التقدم بعدد الجامعات المصنفة عالميًا، قرر المغرب أن يخرج من تصنيف شنغهاي، احترامًا لذاته ربما، أو لأن الجامعات أصبحت مجرد بنايات تُدرّس فيها المناهج كما تُدرّس الطقوس في الزوايا. التنمية البشرية؟ نحن لا نراوح المرتبة 120، خلف دولٍ تعيش على أنقاضها، لكننا نُصرّ على أن “المغرب يتقدم بثبات”، ربما نحو الهاوية.

أما التسول، فقد أصبح رياضة وطنية، نحتل فيها المرتبة الأولى عربيًا، ونُصدّر فيها الكرامة كما نُصدّر الأفوكا والطماطم. السجون؟ أكثر من 100 ألف سجين (سنقلّص هذا الرقم بحول الله وقوته لاحقا من خلال “الدفع مقابل السجن”)، لأننا نحب أن نحاصر المواطن بين جدران القانون وجدران الواقع. البحث العلمي؟ ميزانية هزيلة، تُصرف أغلبها على الرواتب، بينما تُخصص ميزانيات أكبر للزوايا والأضرحة، لأن عظام الموتى أكثر أهمية من عقول الأحياء (كما سبق وأن أشرت من قبل ).

الديون الخارجية تجاوزت 70 مليار دولار، والدين العمومي بلغ 1250 مليار درهم، وكأننا نشتري المستقبل بالتقسيط، دون أن نقرأ شروط العقد. الفساد؟ تراجعنا في مؤشر مدركاته من المرتبة 73 إلى 97، لأن الفساد قرر أن يخرج من الظل إلى الضوء، محميًا بمساطر قانونية تُشبه النكتة، لكنها مكتوبة بالحبر الرسمي.

في عيد الأضحى الأخير، قرر المغرب أن يصوم عن الأضاحي، لأننا لا نملك ما نقدمه سوى الوعود. في المقابل، وفي إطار المغرب الأخضر على الإقطاعيين الكبار فقط نصدر 100 ألف طن من الأفوكا، ونستهلك ما بين 100 و200 مليار لتر ماء، لأننا نروي التربة الأجنبية بينما نترك المواطن عطشانًا. السمك؟ اختفى من الأسواق الشعبية، والسردين أصبح من الكماليات، رغم أننا من أكبر منتجيه في العالم.

الأدوية؟ انخفض معدل الاكتفاء الذاتي من 70% إلى أقل من 50%، لأننا نفضل استيراد الألم بدل تصنيعه. الحبوب، السكر، اللحوم، النباتات الزيتية، كلها تُستورد، وكأننا بلدٌ يعيش على الشحنات لا على الزراعة. شجر الأركان تراجع بنسبة 40%، رغم تخصيص 12 ألف مليار سنتيم لمناطق الواحات، التي اختفت بدورها، لأن الميزانيات تُصرف على الورق لا على الأرض.

العالم القروي يفقد 180 ألف منصب شغل سنويًا، ويهاجر منه 152 ألف شخص نحو المدن أو نحو المجهول، لأن الأمل لم يعد يسكن القرى. العجز التجاري بلغ 304,9 مليار درهم، رقمٌ يُدرّس في كتب الاقتصاد الكارثي، بينما الحكومة تُخطط لاستضافة المونديال، وكأننا نُراهن على كرة القدم لنسيان كرة النار التي نعيش فيها.

أما المساطر القانونية في عهد الوزير عبد اللطيف وهبي، فقد تحولت إلى مجرّد ممنوعات :منع الفقراء من التقاضي، ومنع الإضراب، ودفن قانون الإثراء غير المشروع و “من أين لك هذا؟”، لأن السؤال أصبح جريمة. الصحافة؟ سيتم في وقت لاحق تعيين مجلسٍ من الإقطاعيين، وسيُغتال ما تبقى من أملٍ في الوصول إلى الحد الأدنى من المهنية، لأن الصحافة أصبحت شركة خاصة، وسلطة راكعة لا رابعة.

إفلاس آلاف المقاولات سنويا، بسبب الفساد والمحسوبية، وإقصاء الصغار من كعكة المونديال ومن الصفقات السّمان، العجز في الميزانية بلغ 53,7 مليار درهم، لأننا نستورد كل شيء، حتى الهواء إن أمكن، لنُرضي الفيفا ونُقنعها أننا جاهزون للثلث الأكبر من مباريات المونديال.

وفي النهاية، تقف الحكومة، بكل فخر، لتُعلن أنها نجحت في تسيير الشأن المحلي، وتُراكم “إنجازات” لم يسبقها إليها أحد، بينما المواطن يُراكم الخيبات، ويُحصي الأيام التي تمر دون أن يشعر بأنه يعيش في وطنٍ يُشبهه. حكومةٌ تُجيد فن التجميل، لكنها لا تعرف كيف تُخفي الندوب والكدمات. حكومةٌ تُراهن على النسيان، بينما الشعب يُراهن على الذاكرة. حكومةٌ تُخطط للمونديال، بينما المواطن يُخطط للهجرة (55 في المائة من الشباب المغاربة يُفضولون مغادرت الوطن بسبب ضيق الأفق ). حكومةٌ تُجيد السخرية، لكنها لا تحتمل أن يُسخر منها أحد.

وهكذا، لا يبقى لنا سوى أن نرفع القبعة للعبث، ونصفّق للخيبة، وننحني أمام حكومةٍ جعلت من الفشل فنًا ومن التراجع بطولة. في زمنٍ تُقاس فيه الحكومات بقدرتها على صناعة الأمل، اختارت هذه الحكومة أن تُتقن فن صناعة اليأس، وأن تُحوّل الوطن إلى مسرحٍ كبير، تُعرض فيه مأساة المواطن على شكل كوميديا سوداء لا تنتهي.

لقد تجاوزنا مرحلة الغضب، وصرنا نضحك من فرط الألم، نكتب السخرية لا لأننا نهوى التهكم، بل لأن الحقيقة أصبحت أكثر فظاعة من أي خيال. لم يعد السؤال “إلى أين نحن ذاهبون؟”، بل “هل بقي شيء لم يُنهب، لم يُفسد، لم يُسخر منه؟”. في هذا الوطن، لا يُطلب من المواطن أن يحلم، بل أن يتحمّل، أن يصمت، أن يصفّق حين يُطلب منه، وأن يبتسم حين يُهان.

لكننا نكتب، لأن الكتابة مقاومة، ولأن السخرية آخر ما تبقى لنا من مناعة. نكتب لا لنُغيّر، بل لنُوثّق، لنقول إننا رأينا، فهمنا، ورفضنا أن نكون شهود زور على زمنٍ يُدار بمنطق السوق، وتُحكم فيه الشعوب بمنطق الصفقة. نكتب، لأننا لا نملك إلا الكلمة، والكلمة حين تُقال بصدق، تُصبح أقوى من كل جيوش التطبيل والسلام…
======
المصدر respress.ma

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *