Home»Correspondants»أي مدرسة لجيل الغد؟ رؤية استشرافية – الجزء الثاني: آثار الدارجة على العملية التربوية والتعليمية والهوية الوطنية

أي مدرسة لجيل الغد؟ رؤية استشرافية – الجزء الثاني: آثار الدارجة على العملية التربوية والتعليمية والهوية الوطنية

1
Shares
PinterestGoogle+

أي مدرسة لجيل الغد؟

رؤية استشرافية

الجزء الثاني: آثار الدارجة على العملية التربوية والتعليمية والهوية الوطنية

بقلم نهاري مبارك(*)، مكناس، في 06 فبراير 2016؛

مقدمة:

من خلال رؤية استشرافية، تتأسس على إسقاطات وأحكام استباقية، تغوص في مسارات زمنية مستقبلية، وانطلاقا من أوضاع أسرية واجتماعية قد تزداد تفاقما، وانطلاقا من واقع منظومة تربوية وتكوينية تحتضر وفق شهادات الفاعلين التربويين، وقد شلت مكوناتها، وتعالت أصوات الإصلاح والإنقاذ، وانبرت أقلام عديدة من مختلف الفاعلين التربويين والمهتمين بالمجال التربوي، انكبت على الكتابة والبحث حول نظام تربوي بديل، حرصا منها على وضع أسس جديدة لتكوين الناشئة وأجيال الحاضر والمستقبل بشكل يضمن حقوقهم في الشغل والعيش الرغد والحرية والكرامة. كما بادرت جهات مختصة ومهتمة رسميا بالشأن التربوي، إلى تنظيم مشاورات موسعة، انطلقت من تشخيصات وأفضت إلى مقترحات شكلت رؤية إستراتيجية، تحت شعار  » من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء ».

ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تم إرساء مجموعة من التدابير تحت عنوان  » التدابير ذات الأولوية »، التي تبدو ذات طابع استعجالي، تمتد على مدى خمسة عشرة سنة، وتندرج ضمن مشروع الرؤية الإستراتيجية المعدة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، من أجل النهوض بالعملية التربوية والرفع من مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ، وذلك بالتركيز على معالجة مختلف الاختلالات لإرساء مدرسة ذات جدوى وجودة وجاذبية، والتمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس، باعتماد اللغتين الوطنيتين المحددتين دستورا وتشريعا: اللغة العربية واللغة الأمازيغية، واللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم: اللغة الفرنسية واللغة الأنجليزية ولغة أجنبية ثالثة، على سبيل الاختيار، يتم إدراجها في سلك التعليم الثانوي التأهيلي.

إلا أنه عمليا وميدانيا، وخلال العملية التربوية، وأثناء تلقين محتويات الدروس المقررة ونقلها إلى التلاميذ، يتم تسجيل حضور مكثف للسان الدارج والعامية المحلية، حيث يتواصل أساتذة أغلب المواد مع المتعلمين بالدارجة، تحت عدة أسباب ومبررات، ودون الانتباه لآثارها على العملية التربوية والرصيد اللغوي والتحصيل الدراسي عند التلاميذ واللغة العربية والهوية الوطنية.

§        فما هي أسباب ومبررات استعمال الدارجة أثناء العملية التربوية؟

§       وما هي آثارها على العملية التربوية والرصيد اللغوي والتحصيل الدراسي عند التلاميذ؟

§        وما هي آثارها على اللغة العربية والهوية الوطنية؟

§       وما هي لغات التدريس التي يجب أن يحسم فيها الإصلاح التعليمي؟

سنحاول سبر أغوار هذه الإشكالية، التي أخذت تغزو الخطاب اللغوي التواصلي داخل حجرات الدرس، وخلال العملية التربوية ونقل مضامين المقررات الدراسية إلى التلاميذ، في إطار مجموعة من المواد المقررة، مع تقديم مقترحات، تبدو في نظرنا، ناجعة لإرساء لغات التدريس ببلادنا من أجل النهوض بمدرسة جيل الغد، وذلك من خلال الفقرات التالية:

       I.            لغات التدريس وتدريس اللغات:

لما يتبنى أي بلد نظاما تربويا وتعليميا محددا، فإن ذلك لا يتم اعتباطيا، وفق مزاجية أو مرجعيات خاصة، ترتبط بجهات دون أخرى، أو أفراد وجماعات، بل يستند إلى تشريعات ونصوص وقوانين مؤطرة تترجم قيم وهوية البلد ونظامه وفلسفة مقوماته الدينية والثقافية والاجتماعية، كما يستند إلى المرتكزات والثوابت التاريخية والحضارية التي ينهض عليها البلد ويستمد منها قوة سيرورته واستمراريته ومواصلة مشوار نموه وتقدمه ورخاء شعبه، فيتم تحديد لغة التدريس الرسمية تعبيرا وكتابة، كما تتم الدعوة إلى الانفتاح على اللغات الرسمية الأكثر انتشارا وطنيا وعالميا حفاظا على التراث الثقافي والحضاري للبلاد ضمانا لوحدته الوطنية ثقافة وهوية، وضمانا لنموه الاقتصادي والاجتماعي والبشري، وضمانا لإشعاعه وانفتاحه إقليما وعالميا من أجل مسايرة ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي واكتساب القدرة التنافسية وإقامة علاقات التعاون والتبادل في مختلف المجالات ومع مختلف الدول التي تربطه وإياها علاقات تعاون وتبادل ثقافي وغيره.

ولقد حدد الدستور المغربي الجديد في فصله الخامس اللغة العربية كلغة رسمية للدولة التي تعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما حدد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. ودعا الدستور إلى صيانة الحسانية وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، كما دعا إلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم: الفرنسية والأنجليزية والإسبانية وغيرها.

وقد نصت الإصلاحات التعليمية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 ، على ضرورة تمكن المغاربة من اللغة العربية كلغة للتدريس والتواصل والتعبير والكتابة، مع إتقان لغات التدريس الأجنبية والتفتح على الأمازيغية، لعدة اعتبارات دستورية وثقافية وقومية، إقليميا ودوليا.

لكن، ومنذ مدة، علت أصوات جاهرة بضعف الكفايات اللغوية والتواصلية عند التلاميذ تحصيلا وتعبيرا وكتابة، حيث أصبحوا لا يتقنون أي لغة وطنية كانت أو أجنبية، لعدة أسباب، أبرزها في نظرنا استعمال الدارجة للتواصل ونقل محتويات الدروس إلى المتعلمين. 

    II.            استعمال الدارجة خلال العملية التربوية:

وعليه يسجل، على الصعيد الوطني، عدم تعميم طور التعليم الأولي إرساء وموارد بشرية ومقررات ومناهج وعدم توحيد لغة التلقين والتدريس والتواصل.

ونتيجة لهذه الوضعيات المتباينة، من حيث المقررات والمقرات والموارد البشرية غير المتخصصة، ولغة التواصل والتدريس، فإن التعليم الأولي يشهد اختلالات عميقة، إن على الصعيد التربوي أو التعليمي، حيث إن أساليب التربية ومناهج التعليم ومضامين المقررات تختلف من مؤسسة إلى أخرى، فتتباين المفردات والمصطلحات وتعابير الخطاب المستعملة، دارجة وعامية محلية وفرنسية، فتحدث، جراء ذلك، اختلالات تواصلية وتربوية وتعليمية لدى الأطفال الذين يستدخلون ويستدمجون كلمات، غالبا ليست ذات ارتباط بلغة التدريس والتعليم بالمرحلة الموالية، فيألفونها، ويرسخ الاعتقاد لديهم أن تلك الكلمات أو البعض منها، تشكل اللغة التي سوف يتعلمون بها، فينصب اهتمامهم عليها ويصيرون يرددونها في البيت وفي كل مكان.

وعلى امتداد السنوات المشكلة للسلكين الابتدائي والثانوي، لا يفتأ الأستاذ(ة) يخاطب التلاميذ باعتماد الدارجة، ما يكرس الوضعيات المشار إليها أعلاه، وما يعمق الثغرات التربوية المسجلة في صفوف التلاميذ، على الصعيدين التواصلي والتعلمي.

ويضاف بالنسبة للغة الفرنسية الخاضع تدريسها إلى نفس الطريقة البيداغوجية، التي تدهور تعلمها عند التلاميذ بشكل فظيع، يضاف الخطاب التعليمي الشفوي الممزوج والمختلط دارجة وعربية وفرنسية، كما تضاف عزلتها وفصلها عن باقي المواد المقررة سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي، الأمر الذي أدى إلى عدم إيلاء التلاميذ اللغة  الفرنسية الاهتمام اللازم، وأدى بالتالي إلى  ضعف تحصيلهم في هذه المادة لغويا وتعبيرا وكتابة، ما يستوجب معه إعادة النظر في طرائق تدريس اللغات المعتمدة، عموما، وذلك على امتداد جميع الأسلاك الدراسية.

  III.            دوافع استعمال الدارجة خلال العملية التربوية:

من المعلوم أن العملية التربوية تتأسس على تلقين التلاميذ محتويات متنوعة، علمية، أدبية، تقنية، فنية، في مختلف المجالات، من خلال مجموعة من المواد المقررة حسب الأسلاك والمستويات الدراسية باعتماد لغات التدريس المنصوص عليها قانونا وتشريعا وفق طبيعة المواد الدراسية، فتنقل للمتعلمين مضامين باللغة العربية، وأخرى باللغات الأجنبية، الفرنسية منها والانجليزية والإسبانية، حسب المقررات والاختيارات، وحسب المناطق والجهات. ومعلوم أن توصيات التوجيهات التربوية تؤكد على قدرة المتعلم على التعبير السليم والتواصل الوظيفي شفويا وكتابيا باللغات المقررة حسب الأسلاك الدراسية، واكتسابه تحصيلا دراسيا نظريا وتطبيقيا، ومهارات تسمح له بتطوير ملكاته المعرفية والعقلية والحس حركية، وتمكنه من استعمال مفاهيم ومصطلحات في المجالات الأدبية والعلمية والتقنية والفنية.

ويبرر المدرسون التجاءهم إلى استعمال الدارجة كلغة التواصل والتلقين بضعف المستوى المعرفي عند المتعلمين وعدم قدرتهم على استيعاب الخطاب التربوي، وعدم قدرتهم على توظيف المصطلحات والمفردات الأساسية الأدبية والعلمية والتقنية والفنية، التي تتأسس عليها المعرفة في كل مادة تعليمية مقررة. وأضحى استعمال الدارجة في جميع المواد التعليمية المدرسة باللغة العربية، وعلى الخصوص، وبشكل مكثف خلال تدريس المواد العلمية والتقنية والفنية، حيث أصبح التواصل جد هزيل عبارة عن دردشة ومناقشة في جلسات أسرية واجتماعية، لا يمكن تمييزها عن حوارات تسلية وحكي النكت والمستملحات والخطابات الحكواتية والحلقية، ولا يرقى إلى المستوى التعليمي، حيث لا يشعر المتعلم بمفعول العملية التربوية، ولا تؤثر في قاموسه اللغوي والمعرفي باللغة العربية الفصيحة الذي سوف يعتمده في مجالات متعددة.

IV.            دارجة أم دارجات:

وعلى امتداد ربوع وطننا، يتم تسجيل، وبشكل جلي، اختلافات وتباينات ملموسة، على صعيد التواصل باللسان الدارج، مفرداتيا واصطلاحيا وتعبيرا، في جميع المجالات والمعاملات، من تسمية الأشياء، إلى تسمية الحيوانات، إلى تسمية الحشرات والنباتات وغيرها، وذلك باختلاف الجهات والقبائل والقرى والدواوير والمداشر، وعلى العموم، على صعيد مختلف الحواضر والبوادي، حيث يمكن أن يشهد التواصل والتفاهم اللهجاتي، إلتباسات تصعب معها المعاملات وتجاذب أطراف الحديث. وما يزيد الوضعية التواصلية تعقيدا، اقتحام كلمات أجنبية فرنسية أو إسبانية، لهجة جهة أو منطقة معينة. وعليه يمكن جرد دارجات كثيرة ومتعددة، تختلف كلماتها ومفرداتها اختلافا شديدا، قد تشكل معيقات حقيقية للتواصل واستيعاب الخطاب، خصوصا لدى الأطفال الذين لا يزالون متعلقين بقاموسهم الأمي والأسري.

انطلاقا من هذا الواقع الملموس، هل يحقق الخطاب الدارج المستعمل من طرف المدرس أهدافا معينة، تربوية وتعليمية، خصوصا وأن ملخصات الدروس وصياغة الأسئلة الاختبارية تتم بلغة عربية فصحى؟   

   V.            آثار الدارجة على الرصيد اللغوي والمعرفي:

من المعلوم أن التعويد يرسخ المفاهيم ويثير انتباه المتلقي، فماذا يحدث حين يتعود المتعلم سماع كلمات دارجة؟ لا شك أنه يلتقطها وبسرعة، خصوصا، إذا كانت تندرج ضمن قاموسه الأمي وهويته المحلية. أما إذا كانت غريبة عن مرجعياته الأسرية والاجتماعية والثقافية، فإن الطامة لا تفتأ تكبر، والهوة التواصلية لا تفتأ تزداد اتساعا بين المدرس والمتعلم. وقد يقتل المدرس وقت حصة في البحث عن كلمات دارجة متنوعة للتفسير والتبسيط والتواصل مع التلاميذ، دون وضع الأصبع على محتويات الدرس المقرر، ودون طرحها للمناقشة والتعلم. ونظرا للتوزيع الزمني للحصص الدراسية والمقررات الدورية والسنوية، وتحت ضغط الزمن، وبسرعة، ومن حين لآخر، وفي مناخ خليط غير متجانس من مفردات دارجة مستوعبة أو غامضة، يلازم غموضها حصة الدرس، يمزج المدرس بين الخطاب الدارج وملخص الدرس إملاء أو كتابة باللغة العربية الفصيحة، لتزداد الوضعية تأزما لدى كل من المدرس والمتعلم. فالمدرس يجد نفسه ينقل على دفتر التلميذ، مفردات ومصطلحات عربية فصحى لم يستعملها خلال الشرح والتفسير، والمتعلم يجد نفسه أمام وضعية جديدة وغريبة، مكوناتها مفردات ومصطلحات وتعابير تختلف ولهجة أو لغة التواصل التي يستعملها الأستاذ، فيعيش وضعيات التنافر والنشاز، ما يؤثر عليه نفسيا حين يشعر بعدم وجود خيط رابط بين الخطاب الدارج، والملخص باللغة العربية الفصحى، حيث تتكدس الملخصات دون استيعاب مدلول مصطلحاتها وتعابيرها، فيتضاءل تلقائيا الرصيد اللغوي والمعرفي عند المتعلم، حيث إنه لا يخضع لمنهجية التسلسل والبناء بنفس المضمون ونفس اللغة ونفس الأسلوب.   

VI.            آثار الدارجة على التحصيل الدراسي ومتابعة الدراسة:

ولما يشعر المتعلم بعدم الانسجام وعدم التكامل بين خطاب الشرح والتواصل باللسان الدارج وملخص الدرس باللغة العربية الفصحى، تعترضه صعوبات جمة على صعيد الاستيعاب والفهم والتأويل، فيجد نفسه عاجزا عن التطبيق والإنتاج، فلا يجد مخرجا من هذه الوضعية المأزمية إلا بالالتجاء إلى الحفظ الأعمى، واستدخال المعطيات والمعلومات ومحتويات الملخصات، وتكديسها وحشوها بشكل آلي، يستظهرها ويستدعيها آليا عند الحاجة، دون معرفة المطلوب والقصد، وقد يصيب الهدف صدفة، والغالب يخطئ ويفشل في وضعيات متعددة.

وهكذا يمكن الجزم، أن الدارجة تسهم في تقهقر وانحدار التحصيل الدراسي عند المتعلم، حيث إن رصيده المعرفي يتآكل إلى درجة الاضمحلال، وقاموسه المفاهيمي واللغوي لا ينبني بل يتهاوى ويفرغ باستمرار، فلا تنمو معارفه اللغوية، وبالتالي، يجد نفسه عاجزا عن التعبير والتواصل والكتابة باللغة الرسمية للتدريس، حيث جراء عدم قدرته على فهم المقصود من سؤال معين في وضعية اختبارية، يفشل في الإجابة والإنتاج فيكون مصيره الإقصاء.

فعلى صعيد الامتحانات، نسجل بكثير من الأسف وخيبة الأمل، أن عدة تلاميذ، وفي جميع المواد المقررة، لا يفتأون يطرحون أسئلة، سواء على أساتذتهم أو على الأساتذة المداومين أو المراقبين، للحصول على توضيح، بغية معرفة وفهم قصد سؤال أو أسئلة معينة، كونها مصاغة بعبارات عربية فصيحة أو بعبارات غير مألوفة، طغت عليها الدارجة خلال حصص الدروس، ولم تنل ما تستحقه من التفسير والتوضيح والمعالجة بلغة التدريس الرسمية، عربية فصحى كانت أو أجنبية.    

VII.            آثار الدارجة على الانفتاح على الآخر:

يرى كثير من المتتبعين والمهتمين بالشأن التربوي والتكويني أنه من العبث أن تحل الدارجة أو أي لهجة محلية محدودة الانتشار، مكان اللغة الرسمية للتدريس، لأن اللهجة تسهم في التقوقع والانغلاق كونها تفتقر لأبسط قواعد اللغة، هذه القواعد التي تعير اللغة الفصحى وتوطد وحدتها نحوا وصرفا وتراكيب.

إن الدارجة تسهم بشكل جلي في تقوقع المتعلم، فلا يعدو أن يتجاوز معرفيا حدود وسطه الأبوي، ولا يتشكل لديه أي رصيد معرفي يمكنه من الانفتاح على ثقافة الآخر محليا ووطنيا، وثقافة شعوب وأمم أخرى، قطريا وعالميا.

فاللغة العربية واللغات الأجنبية أنجع وأفضل آلية لربط جسور التواصل والتعاون في مختلف الميادين، والتعامل ثقافيا وسياسيا وتجاريا واقتصاديا مع شعوب الأمة العربية والشعوب العالمية، حيث إن ترجمة مؤلف من أي لغة أجنبية إلى اللغة العربية أسهل من ترجمته إلى دارجات ولهجات متعددة ومتنوعة تفتقد، غالبا، إلى قواسم مشتركة، في جميع المجالات.

VIII.            آثار الدارجة على اللغة العربية والهوية الوطنية:

ويمكن الجزم، من جهة، أن اعتماد الدارجة، أو على الأصح الدارجات حسب الجهات والمناطق، كلغة أو كلغات للتدريس، قد يؤدي إلى تغريب اللغة العربية الفصحى، وطمس هويتها، فتنال منها الحملات الشرسة التي تشنها الدول الغربية، حقدا على القرآن الكريم والدين الإسلامي، حيث إن أداء الصلاة لا يصح إلا بقراءة القرآن الكريم باللغة التي أنزل بها وهي اللغة العربية الفصحى.

كما يمكن الجزم، من جهة أخرى، أن اعتماد دارجة معينة للتدريس قد يثير نعرات، ويزرع أحقادا ونزاعات جهويا ومحليا، ما قد يؤدي إلى المساس بالهوية الوطنية ووحدة البلاد، حيث قد تتشبث كل جهة بلسانها الدارج، فتحاول فرضه وإرساءه على الصعيد الوطني، وما قد يؤدي إلى ظهور خلافات وتنافرات ومواجهات تنعكس على الوحدة الوطنية والترابية.

إن اللغة العربية الفصحى تسهم في توطيد الوحدة والهوية الوطنية وتقوية لحمتها ولم شملها، والحفاظ على مقوماتها وثوابتها وحضارتها الراسخة منذ فجر الإسلام.  

واللغة العربية الفصحي، لغة معاملات موحدة، منذ زمان، على صعيد الدوائر والمؤسسات الحكومية والاجتماعية الوطنية، والأوراق الرسمية والقوانين والتشريعات والعقود والالتزامات المعمول بها على الصعيد الوطني.

IX.            أي مدرسة لجيل الغد؟ الحسم في لغة التدريس:  

لا يختلف اثنان أن أنجع الطرق لتقدم المجتمعات والأمم هي النهوض بمنظومتها التربوية والتعليمية، والرقي بثقافتها، والحفاظ على مقوماتها وحضارتها، حتى لا تتراجع وتتقهقر في سلم التخلف، وحتى تساير ركب الدول المتقدمة على الصعيد العالمي. ويعتبر التعليم المحرك الأساسى والوسيلة الأنجع لإحداث التغيير الإيجابي والتقدم والازدهار. فإذا تقهقر التعليم وتراجع إلى الوراء باعتماد أساليب ضعيفة، ولغة ركيكة كالدارجة واللهجات الأمية والعامية المحلية والجهوية، فلا أمل يرجى في الرقى  ومسايرة ركب الشعوب المتطورة والمتقدمة، لذا يجدر بالجهات المسؤولة والفاعلين التربويين والمؤسسات الرسمية، النهوض بالطبقات والفئات الأمية وذلك بدمجها في ركب التعليم بتعميم محاربة الأمية والتربية غير النظامية وإلحاقها بالتعليم، لا النزول بالتعليم إلى الحضيض باعتماد لهجات لا تتوفر فيها أبسط قواعد اللغات المعيرة.

إن الدعوة إلى التدريس باللسان الدارج والعامية المحلية، تنطلق من خلفيات جد ضيقة، وتروم أهدافا خاصة، لا تخدم المصلحة الوطنية، حيث إن أغلب الأطفال المسايرين تعليمهم بالمؤسسات الخصوصية، يتواصلون وأفراد أسرهم باللغة الفرنسية ويولون اهتماما بالغا للغات الأجنبية، ويعبرون، بالمؤسسات التعليمية، باللغة الفرنسية واللغات الأجنبية، ولا يركزون على اللغة العربية الفصحى.

إن الدارجة ليست لغة معرفة، ولا يمكن أن تصبح لغة التدريس بمدارسنا الوطنية، نظرا لصعوبة أو استحالة معيرتها وتقعيدها، تراكيب ونحوا وصرفا. وعليه، يبدو الحسم في لغة التدريس من أولويات الإصلاح التعليمي، وذلك باعتماد اللغة العربية الفصحى واللغات الأجنبية مع مراعاة المصلحة العليا لبلدنا حفاظا على هويته ووحدته الوطنية.

أن اللغة العربية الفصحى أو اللغة الفرنسية ليست هي السبب في تعثر التعليم في المغرب وتخلفه، بل الأفكار الهدامة والخلفيات الإيديولوجية واستهداف اللغة العربية الفصيحة وعدم الحسم في لغة تدريس المواد العلمية والتقنية والفنية، هي السبب في تدهور التعليم في بلادنا، وعليه، واستنادا إلى ما أسلف،  تبدو المقترحات التالية، في نظرنا، ذات فعالية لإرساء لغات التدريس:

§       تعميم التربية غير النظامية ومحو الأمية في جميع الأوساط الاجتماعية وتحفيز غير المتعلمين على التعلم والتمكن من القراءة والكتابة والحساب والتعبير باللغة العربية ولغة أجنبية حسب الرغبة والحاجة؛

§       إصدار نصوص قانونية تمنع الإشهار والكاريكتور والتواصل الإذاعي والتلفزي بالدارجة والعامية المحلية حتى لا تؤثر على الرصيد اللغوي والمعرفي عند الكبار والتلاميذ؛

§       اعتماد اللغة العربية بشكل مبسط وقريب من الطفل منذ طور التعليم الأولى، كمنهج ناجع لترسيخ اللغة العربية لدى المتعلمين، بالإضافة إلى لغة أجنبية يتم الاتفاق حولها وفق التوجهات السياسية للدولة؛

§       إصدار نصوص تشريعية تنص على إلزامية التواصل والخطاب داخل الفصول الدراسية بلغة التدريس عربية كانت أو أجنبية حسب طبيعة المادة المدرسة، وتمنع تداول الدارجة أو العامية المحلية خلال إلقاء الدروس؛

§       إصدار توجيهات تربوية تحدد بوضوح الاختيارات والتوجهات العامة والمنهاج والطرائق والوسائل الديداكتيكية، ومواصفات المتعلمين عند نهاية السلك الدراسي، والتوزيع السنوي للمكونات والمضامين المقررة؛

§       إصدار قاموس الخطاب وتواصل المدرسين مع المتعلمين، لغة وتعبيرا، داخل الفصول الدراسية حسب الأسلاك الدراسية، والمستويات التعليمية، وطبيعة المادة المدرسة، خصوصا بطور التعليم الأولي، والسنتين الأوليتين بسلك التعليم الابتدائي؛

§       إحداث لجان التتبع ومراقبة مدى الالتزام بالنصوص التنظيمية والتوجيهات التربوية، وذلك بمؤسسات التعليم العمومية والخصوصية على حد سواء.

(*) مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية.     

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *