Home»Enseignement»ملامح الوعي التربوي عند العرب(*) :الجزء(1) – « مراقي صنافة الجاحظ »

ملامح الوعي التربوي عند العرب(*) :الجزء(1) – « مراقي صنافة الجاحظ »

4
Shares
PinterestGoogle+

ملامح الوعي التربوي عند العرب(*) :الجزء(1) – « مراقي صنافة الجاحظ« 

 بقلم – د: عيادي خالد.

 كان” بنجامين بلوم” العالم التربوي الأمريكي: (1913-1999) يؤمن بالخبرة  المباشرة والتجربة ،ولذلك كان يطلب من تلاميذه استخدام البحث والاستقصاء . وكان يؤمن بأن التعلم في أساسه هو جهد يبذل لأجل الاستفادة الكاملة من طاقات المتعلمين . عملية التعلم في نظره  تمرين ونشاط و تفاؤل ، وقد كان هو نفسه متفائلاً ،غير أن  تفاؤله تجسد في تحقيق أهدافه التربوية ،وتحويل طموحه التربوي إلى حقائق ملموسة.  لقد كانت مبادئ التربية عنده واضحة في تواصله مع تلاميذه.وأهم مبدأ فيها هو البحث والاستقصاء ، فكان شغوفاً بالاكتشاف والوصول إلى المعلومات بنفسه.ولم تكن هذه الروح قصرا على « بلوم » بل هي طبيعة متأصلة في تراثنا التربوي الذي ما زال في حاجة إلى دراسة وبيان.

        الأهداف التعليمية عند “بلوم” عبارة عن نتائج ملموسة، تعبر عن الغايات التي يسعى إليها التعليم، وتؤدي دوراً مهما في كل من عمليتي التعلم والتعليم. وهناك عدة مستويات مختلفة لابد من التمييز بينها، وفي حال عدم وعي المدربين والمدرسين بها، فإنهم على الأرجح سيركزون على مستوى واحد ، مما يسبب الضرر لباقي المستويات. فقد يقوم المدرس بتعليم التلاميذ كميات كبيرة من المعلومات، ولكن دون تعليمهم كيفية تطبيقها أو تركيبها، أو قد يقوم بتعليمهم مهارات تفكير عالية ،دون أن يدرك أن هذه المهارات تتطلب معرفة مهارات أساسية سابقة.

        إن تصنيف “بلوم” لأهداف التعلم من أشهر النماذج التي تصف مستويات الأداء الإدراكي،وتعتبر مستويات هذا التصنيف متسلسلة على نحو منطقي وهي كالتالي:

1ـ المعرفة:  (تذكر مواضيع تم تعلمها مسبقاً)

 2ـ الفـهــم:  (إدراك معنى الموضوع)

 3ـ التطبيق:  (استخدام المعلومات في حالات معينة وملموسة)

4ـ التحليل:  (تجزئة المادة إلى أجزاء، والبحث عن نسقها)

 5ـ التركيب:  (وضع الأجزاء مع بعضها البعض لصنع وإعادة تشكيل الكل)

6ـ التقيـيم:  (الحكم على قيمة معينة، وذلك بالنسبة لهدف معطى، باستخدام معيار محدد)

        إن فكرة وضع مراقي لصنافة تعليمية أو تربوية، ليست غريبة عن حضارتنا العربية والإسلامية، فقد وضع أسلافنا مراقي تربوية ذات تسلسل تربوي و منطقي أيضا.ذلك أن “الجاحظ” المتوفى عام255ه ، أورد  « صنافة تربوية » غاية في الأهمية.والظاهر أنها سابقة على عهده، إذ العمل بهذه الصنافة قديم.فقد قال بها علماء ومحدثون من قبله مثل:”سفيان الثوري”المتوفى عام161هج ،و “عبد الله بن المبارك”المتوفى عام 181هج ، و”الأصمعي” المتوفى عام208هج وغيرهم..كما نجدها في العقد الفريد “لابن عبد ربه”المتوفى عام 328هج.ونجدها في مصدر أخر بعد” البيان والتبيين”، إذ أوردها “ابن المقرئ”المتوفى عام381هج في « معجمه » ،على هذا الترتيب :”أول العلم الصمت، ثم الاستماع ،ثم العمل به ،ثم الحفظ ،ثم نشره”(1).أما ترتيب “الجاحظ” فهو كالتالي .”كان يقال:أول العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العمل به والخامس نشره.” (2). لقد تضمنت صنافة”الجاحظ” العديد من الفوائد التربوية والتعليمية،ففيها معاني عاش “بلوم” من أجلها.تضمنت البحث والاستقصاء،كما تضمنت التواصل الرفيع مع الأستاذ. »إنصات واستماع ».أما التفاؤل فهو الذي يدفع بالمتعلم لينشر المعرفة على أوسع نطاق. لقد اشتملت هذه الصنافة على مراقي خمسة وهي:

 1ـ الصمت:  (ومعناه السكوت لتحقيق التركيز.)

 2ـ الاستماع: (وليس السماع لأن الاستماع يقتضي الإنصات.)

 3ـ الحفـظ:  (ومعناه الحرص على تسجيل المعلومات في الذاكرة أو الورق.)

 4ـ العمل به:  (أي استخدام المعلومات في حالات معينة أوملموسة.)

 5ـ نشره:  (وضع المعلومات في وجه عموم الناس ليتم الانتفاع بها على أوسع نطاق.)

        أعتقد أن مراقي صنافة “الجاحظ”فيها الكثير من الحلول لمشاكل التعلم في الفصول الدراسية ،وذلك لغياب بعض المراقي: »الصمت » ثم « الاستماع ».وصنافة “بلوم” غير مجدية، إذا تم إهمال صنافة “الجاحظ”.إن العلاقة الحاصلة بين الصنافتين هي علاقة تكامل.ولن يصل المعلمون أو المربون إلى نتائج مرضية إلا بعد تحقيق مراقي صنافة “الجاحظ”على الواقع.

       قد ينتبه البعض إلى غياب مرقى الفهم في صنافة “الجاحظ”.وهذا صحيح فالفهم غير مذكور بصريح اللفظ، لكن يمكن تقديره عن طريق الاقتضاء،لأن المرقى الرابع: “العمل به” يقتضي مرحلة سابقة بالضرورة ممثلة  في “الفهم”. وإذا كانت صنافة ”الجاحظ” تتخذ بعدا « أفقيا » في العملية التعلمية ، فإن صنافة “بلوم” تتخذ بعدا « عموديا ».فالأولى تؤسس للمعرفة بينما الثانية تعمقها .

………………………………………………

* )  كنت نشرت هذه المقالة بعنوان : »إرهاصات الفكر التربوي عند العرب »- وذلك بتاريخ :22-01-2015- على موقع جريدة (وجدة سيتي). ثم بدا لي أن أشتغل على الموضوع في شكل سلسلة من المقالات.

1) معجم ابن المقرئ.تحقيق.أبي عبد الرحمان عادل بن سعد- شركة الرياض للنشر و التوزيع- ط -1-1998 .ص152.

2)أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ- البيان والتبيين.تحقيق.عبد السلام محمد هارون-دارالجيل-بيروت-ج-2-ص:198وص:339.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *