Home»Correspondants»قميص بورقيبة وحذاء بن علي

قميص بورقيبة وحذاء بن علي

0
Shares
PinterestGoogle+

قميص بورقيبة وحذاء بن علي
رمضان مصباح الإدريسي

ذَكَّرتُ نفسي مرات عديدة بأن رئاسيات تونس تقع داخل اتحاد المغرب العربي؛هذا إذا كان لايزال لهذا الاتحاد داخل وخارج.
رغم  » رشد » الحكام و الساسة، الذي يقع دائما د ون الطفولة الأبدية للشعوب؛والذي يؤكد على أن هذا الاتحاد وُلد ميتا ؛فانه سيظل حيا في الوجدان المغاربي الطفولي،لأنه يسكن فرحة مرت من هنا، ذات صباح مراكشي جميل من سنة 1989.
لو ترجل حكامنا،منذ صباح الفرح هذا، عن قممهم الباردة ،وانغمسوا في الصخب الشعبي الدافئ،وسباق الأقدام الحافية السعيدة ،لكانت المغاربية اليوم عقيدة راسخة تؤطر جميع التفاصيل،ولكانت كل التفاصيل بهندسة أخرى،ألوان أخرى،و بطعم آخر . ما كان لأي شيء أن يقع إلا في الداخل المغاربي القوي بشعوبه ،المتفاوض حول مؤسساته ،حتى لا تشتغل إلا متناغمة،مستلهمة للثوابت المشتركة،ومنفتحة على كل التجارب الإنسانية،وبصفة خاصة الجوار الأوروبي.
في كل ما قرأت، للمحللين المغاربيين بالخصوص، عن الانتخابات الرئاسية التونسية، لم يتذكر أحد أنها انتخابات مغاربية أيضا؛وأنها يمكن أن تساعد على فتح نوافذ في الجدار، يتسلل منها الفرح مرة أخرى عائدا إلى قلوب الشعوب.
لم يتذكر أحد حتى « سذاجة » الرئيس المنصف المرزوقي ،وهو يدعوا – بكل البراءة و العفوية الشعبية- إلى لقاء مغاربي
بتونس لإحياء العقيدة المغاربية.  لعل « نداء تونس » غطى على » نداء المغرب العربي » الذي بَكَّر به الرئيس المناضل –وهو وحماسه ضيفان على المغرب- مُستبقا ما قد يصيب مفاصلَه من تكلس في قصر قرطاج البارد.
انهزم نداء المغرب العربي أمام نداء تونس ؛وانهزم معه كُلُّ من حلُم ،على غرار المرزوقي،ببشائر غد مغاربي جديد.
حتى الرئيس الباجي قائد السبسي لا يبدو أنه يحمل – في كل ما يحمله من أثقال السنين- أي هم مغاربي؛يُذَكِّره ،وفي أول تصريحاته،بهذا الاشتغال الرئاسي الذي باشره المرزوقي مبكرا. هكذا يتأكد أن الفرحة الشعبية التي مرت من هنا،ذات يوم ،ولم ينسها المغاربة ،لم تجد بعد موطئا تريح فيه أجنحتها ،في انتظار نبي مغاربي.
نعم لم يعد بوسعنا إلا أن ننتظر نبيا مغاربيا يُبشر بحكمة الشعوب المغاربية،وينتصر لرغباتها  الطفولية المشروعة.
على من صوت البوعزيزي؟
في افتتاح الملتقى الشعري الذي جمع نزار قباني بجمهوره التونسي –منذ عشرات السنين- حيث قرأ لأول مرة رائعته:
ياتونس الخضراء جئتك عاشقا   ***        وعلى جبيني وردة وكتاب
إني الدمشقي الذي احترف الهوى***فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي ***         إن الهوى ألا يكون إِيَّابُ
يقول الشاعر،محتفيا بنثره قبل شعره – وهما سيان- « جئت إلى تونس في عربة من الكلمات.. »
هكذا صارت عربة البوعزيزي ،في ما بعد،عربة للكلمات.  بعد أن كانت مجرد عربة خضر متهالكة ؛تسلل إليها عنفوان الزمن العربي المنقلب على الاستبداد، ليضع ضمن حمولتها كتاب الثورة العربية،ولِيُقدر ألا أحد يفتحه قبل البوعزيزي والشرطية فادية حمدي(17دجنبر2010) .
وكما في الأساطير الهندية يُجهز البطل على الرأس السابعة للساحر الشرير،لتنتفض المخلوقات  المجمدة معاودة مرحها الأول.  تتفتح الأزهار من جديد ،يهب النسيم ،وتتضاحك الجداول في مجراها محتفية باندحار الشر..
هذا في الميثولوجيا الممتعة، أما في الواقع فلا يموت الشر ،هكذا بقطع رأسه السابعة،بل يولد من جديد ،ليعيش عمرا آخر بمسميات وأشكال شتى.
يمكن أن نقول،متسرعين، بأن البوعزيزي صوت لصالح المنصف المرزوقي ؛مادام يجسد حلم الشباب التونسي  الثائر؛ الذي كاد يمسك بزين العابدين الهارب،لولا خفة حذائه.لكن لماذا انهزم مرشحه،ضدا على مألوف الميثولوجيا القديمة ؟هل بقيت للساحر رؤوس ؟وهل لاتزال  طلاسمه محفورة  على أبواب المدينة؟.لم تتفتح أزهار،ولم يغرد طائر ، ولم يضحك جدول لإرادة الحياة.
انهزم الشباب التونسي لأنهم لم يلتفتوا إلى كتاب الثورة ،وقد تناثرت أوراقه ،ضمن ما تناثر من خُضر حول العربة المُعنفة والذات المحترقة فداء .فضل الجميع الرقص خلف الرئيس الهارب،مرددين أحاديث الحذاء الخفيف، والخزائن الثقيلة ، وسيارات الروزرويس التي كانت ليلى تغيرها كما تغير جواربها. وهناك طبعا من ألقى الكتاب الذي بين يديه،إلى حين ،ليسطوا على  كتاب البوعزيزي. لا كتاب اليوم يعلوا على كتاب الثورة؛ولكل زمن نبيه.
لم ينهزم المرزوقي في مواجهة »نداء تونس »؛وإنما أمام  من حملوا – كاذبين-كتاب البوعزيزي على سيوفهم ليدخلوا به قصر قرطاج.  إن سوار الذهب لم يُحط بالمعصم ليزينه ،بل بالعنق ليخنقه.
ويمكن لداهية تونس ،راشد الغنوشي ،أن يرتاح اليوم لانجازه الكبير ،وهو يجز رقاب خصومه العلمانيين والحداثيين ؛لكن خارج مساحات »اليوتوب ».
وكما قيل « إن  عليا شجاع، لكن لا علم له بالحرب؛فكذلك لا يمكن لأحد أن يطعن في صدقية ونضالية المرزوقي – التونسية والمغاربية- لكن الرجل لا علم له بالسياسة ؛خصوصا حينما يلتبس فيها الصديق بالعدو؛ويأتيك من أقصى المنفى اللندني رجل يسعى،بهسيس النمر الواثق من خَدَرِ الفريسة.
إن حركة النهضة التي حملت المرزوقي على الأكتاف إلى قصر قرطاج،ريثما تتبين الخيط الأبيض من الأسود؛كانت تدرك ،منذ البداية،أنها تحمله – ومعه الثورة التونسية كلها- إلى المقصلة؛ولايهم من سيضغط على الزر.
فعلها « نداء تونس » ، بدهاء ديمقراطي،ولولا ما جرى في مصر للإخوان المسلمين ،من شدة غرورهم وتهافتهم،لما « ناب » أحد عن حركة النهضة،في ضرب عنق الثورة.
ولما كان البوعزيزي ببصيرة نبي ،وتضحيته؛فانه لم يصوت على المنصف المرزوقي؛لأنه أبان،منذ البداية، عن تهافت كبير،وصخب ونزق ؛وهو يتسلم رئاسة يعرف جيدا أنه حُمل إليها حملا.اقتيد له الحصان ولُجِّم وأُسْرِج ،وقيل له اعتلِ الصهوة .هذا رغم كل رصيده النضالي ومجالدته للنظام السابق.
هاهو اليوم ينتبه ،متأخرا، إلى سُمِّية العسل الذي استُقبل به،ذات رقص ثوري ثَمِل، بطلا عائدا من معاركه ومنافيه ؛والى جموح الحصان الذي أسرج له،لكن ليطوح به ،بعيدا عن منافسة  سياسية لا يتقنها.هذا هو الحال دائما مع المثقفين الحداثيين والعلمانيين الذين يركبون ،فقط،عربات الكلمات ليصلوا إلى كتب يكاد لايقرأها أحد،في مجتمعات ترى الأمية تاجا دينيا،ولاتُجيز تصريف « اقرأ » وكأنه أمر بخص النبي فقط.
ولما رأى ما رأى،وحصحص الحق ولعلع، لم ينتظر إلى الغد ليؤسس « حراك شعب المواطنين »؛مقدرا- عن تجربة- حجم الخطر المحدق بتونس،والذي يتجاوز مجرد فشل مترشح في رئاسيات ديمقراطية عادية.مرة أخرى يستبق – كما فعل مع  إحياء المغرب العربي- دكتاتورية قادمة بحذاء خفيف.
من قال إن حذاء بن علي يصلح للهروب فقط؟
قميص بورقيبة:
على غرار معاوية بن أبي سفيان مع قميص عثمان ،الذي انتهى دوره كَسِربال  لذي النورين،وارتقى إلى بساط للريح، في السباق من أجل الملك  الدنيوي العضوض ،ضدا على رسالة سماوية لم يجف مدادها بعد؛بحث أصحاب « نداء تونس » عن قميص بورقيبة السحري، الذي لايرتديه أحد إلا وأوصله إلى قصر قرطاج « ولو كان عبدا حبشيا » كما تقول ديمقراطية الخوارج،حينما تفتح سدة الحكم في وجه الجميع.
مرة أخرى تحضر الميثولوجيا ،الباحثة دوما عن بطل لقتل الكائن  الخرافي،وتحرير أسرى الطلاسم،والتزوج بالأميرة .
نداء تونس ،من أجل تونس؛بكل القيم والمكتسبات الحقوقية التي رسختها البورقيبية؛بما فيها طبعا  مخرجات دكتاتورية البطريرك، وهو في أقصى درجات الخرف، التي أيقظت شهية من سيصبح دكتاتور تونس الصغير،صاحب الحذاء الخفيف.
بين يدي الباجي قايد السبسي اليوم كتب العهد القديم والجديد- التوراة والأناجيل – لينقذ تونس الشمال الثري والراقص،من تونس الجنوب ،حيث لايُبرعم غير الفقر والثورة.      تونس الجنوب التي لايرى المرزوقي المغدور،اليوم،خريطة لمستقبله السياسي خارجها.وهاهي ذي ،من اليوم، تبادله ثورته على الهزيمة ،بثورتها على عودة الأحذية الخفيفة.
لكن هل الإطاحة بالمرزوقي هي التي تطلبت كل هذه الكتب الأرضية  والسماوية التونسية؛قديمها وجديدها؟
أيكون الرجل بكل هذه القوة لتُعْجَم له عيدانُ بورقيبة ؛حتى لا يُختارَ منها غيرُ أكثرها عُتِيا ،ويُلبَسَ،فوق هذا، كل أقمصته السحرية؟
ألا يمكن للسباق أن يتم بدون أحذية الرئيس الهارب؟ إنها أسئلة أطرحها على بعض القراءات التي لم تنتبه إلى دولتين تونسيتين حوربتا –خارجيا  وداخليا- في شخص المنصف المرزوقي:تونس البوعزيزي،وتونس الغنوشي.
ومن يتحدث عن نموذج الربيع العربي الديمقراطي الذي أزهر في تونس،كما لم يزهر في دول الثورات الأخرى ،يعلم،مثلي، ظاهرا من الأمر فقط.
ورغم هذا ننتظر،هذه المرة، أن تُخَففَ الأحذيةُ وطأها ،وألا يُطعَمَ أحد السمَّ في العسل.
Ramdane3.ahlablog.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *