Home»Enseignement»يوم آخر ..متقاعد آخر

يوم آخر ..متقاعد آخر

0
Shares
PinterestGoogle+

ما أشبه اليوم بالأمس..غادرنا بالأمس صديق..واليوم صديق أمضى بيننا ردحا من الزمن ليس باليسير ولا بالهين..بما حمله من مشاق حياتية ومهنية..انضباط في الأقوال والأفعال والحركات..وروتين ميكانيكي في أشغال اليوم والشهر والسنة ..كان يوم 21 مارس 2014 يوم آخر ينبغي نقشه في الذاكرة حتى نطلع عليه الخلف يوم نريد جني ثمار دروسه …التقاعد من الإدارة هو موت مهني نهائي في انتظار الموت الحياتي الأبدي…ما اشد تشابههما في خروج المرء من ذاكرة السجلات..فلا ذكر لصاحبنا بعد اليوم بين جدران ولا مكاتب ولا كراسي الإدارة لولا ذكره بين ضلوع أصدقائه الذين ساندوه وتكرموا بتوديعه على أحلى ذكرى وتلاحم وتواد واعتراف بالجميل قد ينسيه نكران الإدارة وتجاهلها لانتصارات جمة خلال مسيرة مهنية زاخرة وحافلة بالصعوبات والماسي وأحداث قد تفقده في أية لحظة صحته أو حياته.. إن بضع وثلاثين سنة خدمة تطوى في هاته اللحظة وتتوقف الكتابة في ذاكرة عمله للأبد…كانقطاع عمله يوم خلود الروح لبارئها..تنقطع أعماله من إدارته إلا من ذاكرة أصدقاء أوفياء يعترفون له بما جنته يداه خلال التصاقه بجنبهم فيقومون بمها تفته بين الحين والآخر ..ودعوته لحظة ذكرى من الذكريات ..وذكر اسمه لحظة تذكر عمل خير قام به…انه موت إداري ..بعث إنساني…ويروح يفكر كيف يستأنف مساره الجديد خصوصا انه لم يتعلم سوى الذهاب والإياب إلى جدران تنكرت له هي الأخرى يوم يريد أن يذكرها في عنفوان شبابه وإخلاصه لها وبعث الروح فيها لكن هيهات..ويستسلم المسكين لكراسي المقاهي والفئة  المتقاعدة التي سبقته لتلك الكراسي
مساء يوم الجمعة ..كزميله السابق قام الأصدقاء.. جزاهم الله كل خير على مجهودهم الجسدي والنفسي.. بتنظيم حفل الوداع ورصعوا الطاولات بالحلوى والشاي والعصير..مع زركشة حلوى بصورته ..وتوسط الزميل الكريم المنصة محاطا بزميليه المتقاعدين السابقين..وتفضل المتقاعد الأول بإلقاء كلمته المعتادة المذكرة بما يزخر به المتقاعد الزميل من خصال إنسانية ومهنية رافقته خلال رحلته القصيرة الطويلة..وما حققه من نجاح وانجازات أخلاقية ساعدته على تخطي صراط حياته ..يؤهله لدخول قلوب الأصدقاء ..شبيه بما يؤهل المرء لدخوله جنان ربه الكريم أكرمنا الله وإياكم بجنة الفردوس..
بعد التصفيق تدخل رئيسه الشاب بإلقاء ثاني كلمة تشابهت وأجمعت على ما ذكره الأول وزاد انه فقد رفيق درب..وبطل حرب..وانه سيظل قابعا بين الأضلع. .ولا يفوتني أن اذكر ما قاله لي حينما قلت له سابقا مالي أراك اليوم متغيرا على غير عادتك ..وأجابني انه هو بالذات واليوم لا يحق له الضحك ولا الهدوء معبرا عن أسفه لوداع صديقه المتقاعد..وكأنه يدفع عبرات عن عيونه يمنعها من الانهمار ..انسحب بهدوء..وجاءت كلمة رئيس المكتب أكثر إطنابا واستوفت صديقنا حقه وذكر ما تربطه به من صداقة في الحي والعمل والحياة ..وما عرفه عنه في دروب الحياة والمهنة..ختمها بطلبه من احد الزملاء أن يتدخل بكلمة في حق زميلنا المتقاعد وكانت أخت كريمة سباقة لهذا العرض لما عرفته عنه من إنسانية وانه قام بمساعدتها ومساندتها خلال رحلته بين جدران الإدارة..وأردف الرئيس انه سيستمر في مساعدتها..وختمتها أنا بالنداء مع التصفيق ..تقاعد سعيد..تقاعد سعيد..
وتدخل أخيرا زميلنا المتقاعد بكلمته المختصرة شاكرا الجميع على ما قاموا به لأجله ..داعيا للجميع أن ينهي رحلتهم بسلام..كل هذا أمام كاميرات المحمول لزملائنا تاركين أثرا موثقا صوتا وصورة لموقف يقل نظيره إلا وسط أناس طيبي القلوب نقيي النفوس..
أمام كل هذا ظل زميلنا الذي سيأتي دوره للتقاعد بعد سنة تقريبا..ظل قابعا وراء كاميرا محموله يأخذ لزميله صورا وكأنه يرى نفسه مكانه وغير قادر على تصور ما سيؤول له حاله.. كأن ذاك المكان منصة إعدام..
تفضل الجميع بأكل الحلوى مع الشاي والعصير قامت أخت أخرى بتوزيعه بالتساوي لكل نصيبه وهي على عجل كي تغادر المقر لالتحاقها بأطفالها الخارجين من المدرسة والواجب اللحاق بهم في اللحظة المناسبة لا سيما وان أمامها 20 كلم..وهذا موضوع آخر ..مشكلة توظيف المرأة الذي لم يسدل الستار عن حلول ناجعة له بعد..وكم من مرة أسرت لي برغبتها عن التوقف عن العمل ..انهاءا لماساتها اليومية ..الشيء الذي دفع بزميلتها وزميلتنا المتواجدة في رخصة إدارية إلى تقديم طلب التوقف عن العمل لمدة سنة غير مدفوعة الأجر بسبب ضغوط العمل والظروف المحبطة المرافقة لها..أعاننا الله وأعانهن جميعا..
سؤالنا الأخير هل نحن محقين حقا في ادعائنا لتنكر الإدارة لموظفيها وخادميها..وما طلبنا المحدد منها إذن..??
من وجهة نظري الشخصي أرى أن الرابطة الإنسانية التي تدفعنا للتفكير في سندنا للزملاء المغادرين في صمت ..أفضل ما يتمناه كل موظف ..والدليل هو السخط والضغط النفسي الذي ينتابنا لو تخيلنا فقط انسحاب لزميل بدون التفاتة ولا لمسة حنان ونسمة صداقة ..إن هذا ما عبر لي عنه زملاء جدد حديثي الالتحاق بمكتبنا على أنهم يفتقدون هذا الدعم والالتفاتة الإنسانية القوية في مقر عملهم السابق حتى من اقرب زملائهم …نحمد الله تعالى على نعمته وندعو كل موظف أن يلتفت للرابطة الإنسانية والتي لا وسيلة للإدارة لتحقيقها غير قلوب صافية خالية من الغل والحقد والكراهية…
إن الموظف يمضي كل مساره المهني في الشكوى ضد تقصير الإدارة تجاهه ويتقاعد حاملا معه ثقله الاستنكاري..
فلو تأملنا طائفة الموظفين نجد فعلا ثلاث طبقات كبرى واحدة منها فقط مقهورة تنادي طوال الوقت بالتحسين ..أول فئة ما أطلق عليها الأشباح ..فكيف بالله عليكم يأخذ الشبح أجرته نهاية كل شهر..?أرى أن ما هذا الشبح إلا صورة مكملة لموظف سام ..وامتداد لاخطبوط ضخم لا يعرف أوله من آخره..اسم أطلق عنوة ليظل البحث ساريا في اتجاهات مبهمة عن شبح لا يراه احد.. بعيدا عن الاخطبوط…ثاني فئة أظن أنها بدون اسم..لكن ما يميزها هو وجود ظل لها داخل جدران الإدارة ..والعقل المدبر مع الجسد المخطط وراء تلك الجدران في حقول الاوراش لتتبع سير أشغال مشاريع تلجا إليها وقت يتقرر طردها خارج الجدران-دير علاش تولي-..آخر فئة تلك المغلوبة على أمرها العاملة للفئتين الأولين وهي الطالبة للتحسين دوما لآخر يوم رسمي لها..تظل تكدح كي تظل الإدارة سارية المفعول ضامنة للفئتين الاستمرارية والتغلغل ..ولتنهي مسيرتها بمرض عضال يقبعها ثانية بين جدران منزل آيل للسقوط في انتظار السقوط..فماذا عسى الإدارة فعله حينها…?

انه حال متقاعدين كثيرين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر..ويومنا هذا يوم لمتقاعد..في انتظام أيام أخر ومتقاعدين جدد..لو قدر لهم التقاعد

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *