Home»National»التراث الثقافي المحلي بين الاغتراب و رد الاعتبار

التراث الثقافي المحلي بين الاغتراب و رد الاعتبار

1
Shares
PinterestGoogle+

إن التنمية الثقافية هي في عمقها تحفيز إنساني للانخراط والمساهمة وفق آليات متداخلة يحصل بموجبها الاقتناع ثم الانخراط والمشاركة في قاطرة التنمية البشرية. وكأني بذلك أريد أن أشير إلى مرحلة أساسية في سيرورة التنمية وهي إقناع المواطن وإخراجه من حالة الاغتراب المفروضة عليه في عناصر هويته وتكسير حواجز الممانعة ورد الاعتبار هي –في نظرنا- السبل الكفيلة لإنجاح فكرة التنمية الثقافية التراثية للجهة الشمالية الشرقية موازاة مع إصدار نصوص قانونية لحماية هذا التراث ( المادي واللامادي ).
ظلت الممارسة الثقافية التراثية بالجهة الشمالية الشرقية شفوية القناة جماعية الطابع إلى حدود سبعينيات القرن الماضي حيث ستعرف طريقها إلى الكتابية. وبذلك صارت إبداعا مكتوبا ينطلق من مفهوم جديد للتراث وخلفيات إبداعية وفنية مغايرة لتلك التي يصدر عنها التراث الشفوي. بيد أن هذا التأخر في المرور إلى الكتابية لم يكن بالأمر العادي أو التلقائي، وإنما يجد تفسيره من خلال شروط تاريخية كثيرة بعضها ذاتي وبعضها موضوعي.
لعل أبرز تلك الشروط ما ميز المغرب عموما ومنطقة الشمال الشرقي خصوصا من مناخ سياسي متوتر كان من تبعاته التوجس من كل ما هو محلي وإقصاء جميع التعبيرات الثقافية غير المرتبطة بإيديولوجية الدولة ومرجعياتها. بل ومن العوامل الحاسمة التي يمكن الإلماح إليها في هذا السياق تشجيع الدولة والطبقات السائدة لثقافة  شعبية رديئة ومميعة
وقد كان لهذا الصراع غير المتكافئ بين الدولة والعمق الشعبي داخل الساحة الثقافية أن نشأت حالة غريبة وغير سوية. ذلك أن فئات عريضة من الطبقة المثقفة أصبحوا ينظرون إلى كل ما له صلة بخصوصيتهم الثقافية على أنه إنتاج منحط وغير جدير بالاهتمام في ظل الانبهار بثقافة الآخر ولغته أيا كانت. وهذه الحالة التي لا يمكن وصفها إلا بالاستلاب لا يمكن وصفها إلا من منطلق النظرية الخلدونية في التغلب الحضاري.
وفي ظل غياب الاعتراف الرسمي، وسيطرة أشكال التعبير الرديئة، ونظرا إلى عدم وجود مؤسسات ثقافية قادرة على توفير شروط تغيير الممارسة الثقافية عموما والشعبية على الخصوص ـ ونخص بالذكر هنا مؤسسات النشر ـ  كان لابد من انتظار أن تتهيأ الشروط الموضوعية المناسبة لذلك.ويمكن إجمال أهم تلك العناصر الآتية:

1- تأسيس جمعيات ثقافية تعنى بالثقافة الشعبية على يد ثلة من المثقفين المتخصصين في هذا المجال  تساهم في إخراج الجهة الشمالية الشرقية من وضعية الركود الثقافي وبلورة الثقافة الإقليمية والوطنية والعالمية وإحياء التراث من خلال إحداث لجن متعددة ترتبط بالسكان وثقافتهم المادية والروحية وتنمية طاقاتهم الإبداعية ومواهبهم الفنية عبر اللقاءات والمهرجانات الثقافية والفنية في مقدمة أهدافها وأولوياتها.
تقوم هذه الجمعيات بدور بارز في احتضان إبداعات الشباب وتوجيههم وتأطيرهم من خلال أنشطتها وبرامجها التي ستسهر عليها ثلة من الأساتذة ذوي التخصصات والمشارب المختلفة وتكون غايتها تصب في خانة واحدة هي  تكوين شباب مثقف وواع بهويته وثقافته الشعبية.
2- وعي المبدعين الشعبيين بضرورة تجديد الممارسة الإبداعية من خلال إعادة النظر في مفهوم الفن الشعبي ووظيفته،قصد إعطائه نفسا جديدا بعد أن سيطر على الساحة الأدبية والفنية عموما بالجهة نموذج تقليدي استهلك نفسه وعجز عن مواكبة التحولات التاريخية التي اعترت المنطقة على أكثر من صعيد.
واللافت للانتباه أن نهضة الحركة الثقافية التراثية وتحولها جاءت مواكبة للتحول الذي طرأ على الساحة الجامعية بالمغرب بظهور دراسات لسانية و أدبية نقدية قطعت مع ذلك النمط المبتذل .وهذا ليس بالأمر المستغرب اعتبارا للارتباط الكاثوليكي بين الفكر الشعبي وحضارته  من جهة، ومن جهة أخرى لكون المثقفين أنفسهم في كثير من الأحيان هم في الوقت ذاته نقاد و باحثين و شعراء
3- وعي الطبقة المثقفة أن الثقافة الشعبية لا يمكن أن تظل بمنأى عن حركة تحديث المجتمع. فقد جعلت منها هذه الحركة طبقة حاملة لثقافات متعددة،  ومن ثمة أدركت حاجتها الماسة إلى تجاوز نفسها إن هي أرادت الخروج من هامش الفعل الثقافي.
لقد خلقت الشروط السابقة مناخا ثقافيا جديدا وهيأت المجال لظهور أطر و باحثين في الدراسات التراثية من طينة أخرى، لم تعد تكتفي بتصريف إنتاجاتها بالوسيلة الشفوية التقليدية، وإنما عمدت بالموازاة مع ذلك إلى البحث عن قنوات أخرى تضمن لدراساتهم ثباتها ونصيتها. وقد وجدوا ضالتهم بداية في بعض المطبوعات التي تصدرها الجمعيات أو الجرائد المحلية التي تصدر جهويا والتي جعلت من أولوياتها
1- تشخيص واقع التراث الثقافي  المادي و الروحي المحلي وإبراز الإشكاليات والأولويات.
2- وضع الحلول الممكنة لمسألة تهميش اللهجات المحلية و  الثقافة الشعبية .
3- تعبئة المؤهلات الثقافية ذات العلاقة القوية بالكفاءة وترجمتها في شكل مبادرات تنموية وتحسيس الفاعلين المحليين بالانخراط في حركة تنموية تنطلق من اللهجات المحلية و الثقافة الشعبية.
4- توظيف الديناميات والمبادرات المحلية المنبثقة عن المجتمع المدني في جهود تأهيل المجالات التراثية الثقافية ووضع أسس استراتيجية محلية لتقويم الحس السوسيوثقافي لساكنة المنطقة.
5- وضع بنك للمعلومات والأفكار والمشاريع الكفيلة للمساعدة على تحقيق مختلف الأهداف من خلال جرد كافة المؤهلات المتوفرة والمفروضة بفعل الزمن المعرضة للضياع وربما للزوال.
لا يعود الاهتمام باللهجات المحلية و الثقافة الشعبية إلى حساسيتنا المفرطة، ولا إلى روابطنا الاجتماعية بها فقط، بل يعود كذلك إلى تلك الأحداث والظروف التي أحاطت بهذا التراث من محاولات طمس معالمه عبر فترات تاريخية وسياسية كتسلط الاحتلال الأجنبي، وما واجه المغاربة من صراعات دائمة وعنيفة مع الغزاة الفينيقيين التجار، ثم الرومانيين المستغلين لثرواتهم الطبيعية، وبعدهم الوندال والبيزنطيين. وهو ما نمى فينا الإحساس المبكر بحقيقة تأزمنا واندحارنا. فأصبح من الثابت الآن وعلى نطاق واسع، أننا مطالبون أكثر من غيرنا ببحث مقومات جوهر تراثنا الثقافي والإبداعي باعتباره ظاهرة غير معزولة عن عملية التحول المنشودة حتى نتمكن من النهوض بمشروعنا التنموي الثقافي الوطني.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *