Home»International»ابقوا في صباغتكم

ابقوا في صباغتكم

0
Shares
PinterestGoogle+

صندوق التنمية الإنساني هي منظمة تقوم بمراقبة وقياس متوسط العمر المتوقع والتعليم والأمية والمستوى المعيشي في مختلف أنحاء العالم، بواسطة مؤشر التنمية البشرية وهو مفهوم حديث التداول، يستعمل لقياس مستوى التطور داخل دول العالم، يستخدم المؤشر للتمييز بين ما إذا كان البلد بلد متقدم، أو نامي أو من البلدان الأقل نموًا، وكذلك لقياس أثر السياسات الاقتصادية على نوعية الحياة، يحتل المغرب من خلال هذا المؤشر المرتبة 123 عالميا ،وهي مرتبة مخجلة بالنسبة لبلد حصل على استقلاله منذ أكثر من نصف قرن،ولعل ما يفسر هذا الوضع المزري، السياسات اللاشعبية المتبعة منذ الاستقلال حتى بداية « المبادرة الوطنية للتنمية البشرية » في الألفية الثالثة، وللحصول على شواهد حسن السيرة والتصرف، كانت السياسات الوطنية تستجيب حرفيا ودون مناقشة لتوصيات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية القارضة التي فرضت علينا بالقوة ما يسمى « بالتقويم الهيكلي » ،الذي ألح على تهميش القطاعات الاجتماعية، وعدم الاستثمار فيها،وتزامن مع سنوات الرصاص، ويعتبر قطاع الصحة من القطاعات التي طالها التهميش والإبعاد من دائرة الضوء والاهتمام ،وهكذا تحولت الصحة من حق تقع مسؤولية تحقيقه على الدولة إلى مطلب صعب المنال لدى صناع القرار والسياسات في المغرب،و ظل ولازال يعتبر مجالا ثانويا بعيدا عن الأولويات ،و تخلت الوزارة الوصية عن مسؤولياتها الرئيسية في ضمان الحق في العلاج المجاني وتوفير الأدوية اللازمة والكافية لكافة المواطنين، وخاصة منهم ذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أصبح الحصول على الرعاية الصحية متوقفا على قدرة الفرد على دفع تكلفتها، وتحول المرضى من مواطنين لهم حقوقهم وعليهم مسؤوليات إلى زبناء وأرقاما يتاجر بصحتهم، في المقابل استمر الخطاب الرسمي في ترديد اسطوانة « العام زين »، إلى أن جاءت كارثة  » انفكو » التي عرت الواقع المأسوي لقطاع الصحة في البوادي والقرى، وتحرك المسؤولين المغاربة كالعادة بعد خراب مالطة،و ظهرت » الإستراتيجية الوطنية لوزارة الصحة حول وفيات الأمهات والأطفال عند الولادة » 2008- 2012 والتي استهدفت تفادي وفيات الأمهات التي بلغت نسبتها بالمستشفيات 74 بالمائة وفي المنازل5ر13 بالمائة، بينما بلغت 5 بالمائة أثناء التنقل ،ورغم أن نسبة وفيات الأمهات عند الولادة تقلصت من 223 حالة ل`100 ألف نسمة خلال سنة 2005إلى 132 حالة وفاة ل`100 ألف نسمة خلال سنة 2010، لا زالت تعتبر مرتفعة ، علما أن هذه النسبة في تونس لا تتجاوز 50 حالة من كل 100 ألف، وفي سويسرا توفيت امرأتان خلال عشر سنوات،وبالتالي لا قياس مع وجود الفارق، ورغم ذلك يجب أن نعترف أن قطاع الصحة  عرف تطورا كبيرا، لكنه ما زال يشكو من مشاكل، منها ما هو بنيوي ومنها ما يعود إلى ممارسات وعادات ، ومن المظاهر المشرقة وسط هذه العتمة ،افتتاح كلية الطب والصيدلة  بمدينة وجدة، هذا الحلم الذي طالبت به الكونفدرالية الإقليمية لجمعيات أباء وأولياء تلاميذ نيابة وجدة أنجاد منذ سنة2000 ، وتفاءلت خيرا بعد تحقيق المشروع، لكن سرعان ما خاب أملها  وأمل المتتبعين للشأن المحلي ،بعد أن أراد عميدها السابق تحويل هذا المشروع الرائد إلى ثكنة يسير أطرها  بالمزاجية والعصا الغليظة،ويمنع أساتذتها من العمل داخل المستشفيات والمراكز الصحية العمومية، فساندتنا النضالات البطولية للأساتذة، ودعمنا وقفاتهم الاحتجاجية  المشروعة من خلال الكثير من مقالاتنا، إلى أن قضى الله أمرا كان مقضيا…
بعد أن تعبت من زيارة أطباء القطاع الخاص الذين لم يتمكنوا من تشخيص دقيق لحالتي الصحية،فمنهم من كان يصف لي الدواء استنادا إلى أقوالي دون أن يلمسني،ومنهم من أكد لي أن مرضي غريب، وربما يعود لتهيأت ذاتية،ومنهم من وعدتي بالشفاء بعد تناول دواء وصفته،وتم إرهاقي بمختلف الأدوية الغالية الثمن والقليلة الفاعلية وغير المؤدى عنها من طرف التعاضدية، وبنصيحة من أحد الأصدقاء زرت إحدى المستشفيات العمومية بالمدينة، فاستقبلني أحد الأساتذة الأطباء الشباب الذي فحصني فحصا دقيقا وشاملا، وحاورني حوارا هادئا ولطيفا يعبر عن مهنية عالية جعلني أشعر بالشفاء قبل تناول الدواء، لقد تحسنت حالتي الصحية كثيرا، وخلال تواجدي بالخارج خلال العطلة الصيفية، زرت أحد الاختصاصين الفرنسيين الذي سبق له أن عالجني ذات سنة ،فسلمته وصفة الطبيب المغربي المعالج ، فتعجب وتفاجئ لدقة التشخيص وفعالية الدواء الموصوف،وسرعة النتائج ، فتساءل عن الجامعة الأوروبية أو الأمريكية التي تخرج منها هذا الطبيب، فازداد تعجبا وحيرة لما علم  بأنه من خريجي الجامعات المغربية،ويمارس في القطاع العام… انظروا المركزية الأوروبية، كأن العلم والمعرفة حكرا عليهم، قلت له إنهم ثلة من أبناء الشعب، أبناء الطبقات الشعبية الذين عايشوا الواقع المر للمريض المغربي ومعاناته في مستشفيات الوطن العزيز، واطلعوا على معاناته سواء في أحيائهم الشعبية أو دواويرهم النائية والمعزولة، وشاهدوا أمهاتهم وأخواتهم وجاراتهم  يمتن خلال الولادة  في قرى وبوادي الوطن ،أوفي الطرق إلى المستشفيات، إنهم فتية كسروا الحلقة المغلقة لإعادة الإنتاج الاجتماعي، وناضلوا مع قوى الوطن الحية من أجل دمقرطة كلية الطب،إنهم أقلية لا تفكر في الضيعات، ولا في تشييد العمارات والفيلات والاستثمار في القطاعات المربحة والبعيدة عن اختصاصها، إنهم عصبة التزمت بقضايا شعبها، تفرح لفرحه، وتحزن لقرحة، لقد شاهدت طبيبا يبكي لبكاء امرأة فقدت طفلها الأكبر، وأخر يسلم الدواء للمحتاجين وأخر يفحص فقراء البلدة ويجري عمليات جراحية مجانا، إنهم مؤمنون يراقبون الله في مهنتهم النبيلة ،ووسيلة من وسائل رحمة الله، لقد نذروا أنفسهم  للجهاد ضد المرض والألم والقلق بأريحية ونكرات ذات، نرجو من الله عز وجل أن يكثر من أمثالهم، وأن يهدي « الشبيحة » للحذو حدوهم، وان يكونوا إخوة وسندا ودعما وتشجيعا لهؤلاء الزملاء في المهنة، متعاونين معهم على البر والتقوى، علما أن بعض هؤلاء قد ضحى بالغالي والنفيس ، ورفض الهجرة والامتيازات الخيالية،وفضل البقاء في الوطن ليساهم في معالجة أبناء وطنه، مساهما في تحسين الأوضاع الصحية في البلاد ، وبالتالي تحسين مرتبتنا في العالم ، وعلى الدولة ومن خلال وزارتها الوصية تحسين الظروف المادية والمعنوية لشغيلة القطاع الصحي العمومي، وتوفير الإمكانيات المادية والتجهيزية وتحسين البنيات التحتية ، بذلا من هذر المال العام في  » ذادا أو مالي »، إن أهم استثمار هو العامل البشري، ولا تنمية اقتصادية بدون تنمية بشرية، وليعلم القوم أن التنمية الاقتصادية هي وسيلة وليست غاية، وأن التنمية التي لا تظهر آثارها على المواطنين ليس تنمية، وأظن أن الوقت قد حان لتصحيح المسار إذا خلصت النيات…اللهم أحفظ أطباءنا الملتزمين بقضايا شعبهم، والمتفانين والمخلصين في عملهم،زاهدين في متاع الدنيا، ونخص بالذكر أطباء المستشفيات العمومية وعلى رأسهم أساتذة كلية الطب الذين يمارسون في المستشفيات العمومية،ونقول لهم « ابقوا في صباغتكم »، واللهم اهدي غيرهم إلى صراطك المستقيم ،وأنت القائل في كتابك الكريم: »إنك لن تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء »صدق الله العظيم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. محمد السباعي
    26/09/2011 at 10:06

    أسأل الله تمام الصحة والعافية لأستاذي وأستاذ أبنائي الأخ العزيز سي حومين. بارك الله في صحتك وفي عملك وأطال الله لنا في عمرك، آمين

  2. Anonyme
    26/09/2011 at 11:54

    شكرا لك على مقالك الرائع والمفيد جدا.
    هنيئا لك بانسانيتك النبيلة
    وأعان الله كل فاعل خير

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *