Home»Correspondants»الارتقاء بالإدارة التربوية ضمانة لتنزيل مشاريع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030

الارتقاء بالإدارة التربوية ضمانة لتنزيل مشاريع الرؤية الاستراتيجية 2015/2030

3
Shares
PinterestGoogle+

بداية أتقدم بالشكر الجزيل للزملاء في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين على دعوتهم الكريمة للمساهمة بمداخلة متواضعة في موضوع الإدارة التربوية ودورها في تنزيل مشاريع الرؤية الاستراتيجية في إطار اليوم الدراسي الذي ينظمه مسلك الإدارة التربوية والذي يدشن نسخته الثانية نتمنى أن يصبح تقليدا سنويا يساهم في تسليط الأضواء على الإدارة التربوية التي بدأ الاعتراف بها شيئا فشيئا  كعنصر فاعل في المنظومة التربوية و الإقرار بأدوارها الطلائعية في الارتقاء بالمدرسة العمومية باعتبارها محركا أساسيا لعملية التغيير التي انخرطت فيها بلادنا بهدوء وعزم وإصرار.
كما أنه من حسنات مثل هذه المبادرات المحمودة، المساهمة في المجهود الوطني للتعبئة من أجل تجديد المدرسة العمومية و التداول العمومي حول قضاياها وجعلها تحظى بعناية قصوى مع التأكيد على أن المسؤولية الأساسية في هذه التعبئة منوطة بالفاعلين المباشرين في المدرسة الذي من المفروض استيعابهم لضرورات الإصلاح ومتطلباته وانخراطهم اللامشروط في تطبيقه وتتبعه وتقويمه مما سيمكن ، كما جاء في الرافعة الثانية والعشرون من الفصل الرابع من خطة اّلإصلاح، من توسيع قنوات التعبئة الضرورية وفتح أفاق الانخراط في المجهود الوطني لإصلاح المنظومة ،أمام كل فئات المجتمع وقواه الحية…
من هذا المنطلق فالإدارة التربوية( والتي سيتم الحديث عنها في هذه المداخلة باعتبارها وحدة وظيفية من المفروض أنها تشكل جسما واحدا له امتدادات عمودية من إدارة مركزية وجهوية وإقليمية ومحلية و أفقية على مستوى المؤسسات التعليمية بمختلف فئاتها..) تعتبر فاعلا  مركزيا في كل تغيير منشود وهي بالتالي معنية أكثر من غيرها من فئات التربية والتكوين بتوفير البيئة الإيجابية لتنزيل الإصلاح وتوطينه من خلال الاضطلاع بدور ريادي في الحد من آثار المقاومات المفترضة للإصلاح ونشر إرادة التجديد في الأساليب ومنهجية الفعل والتدبير والمساهمة في ابتكار حلول ناجعة وعملية لتحقيق أهداف الرؤية الاستراتيجية على مستوى مؤسسات التربية والتكوين…غير أن ذلك المسعى يشترط تأهيل الإدارة التربوية والارتقاء بأدائها وظروف عملها.
لكن قبل الشروع في عرض مقاربة الرؤية الاستراتيجية للتدابير الكفيلة بالرفع من أداء الإدارة التربوية والانتقال بها من الدور الكلاسيكي الإداري والتدبيري الذي يقتصر على تسيير الأمور اليومية والحفاظ على ديمومة الاستقرار وعرقلة التغيير  وانتظار التعليمات دون القدرة على اتخاذ القرارات التي تتطلبها معالجة الاختلالات المحلية والتي من شأنها التأثير إيجابيا في الأحداث متحررة، في حدود ما يسمح به القانون ،من الوصاية والقرارات الفوقية التي تساهم أحيانا في خلق الأزمات بدل معالجتها ،أقول الانتقال بها إلى ممارسة دور القيادة التربوية في إطار نسق إداري عام يضطلع بمهام الريادة ويتمتع بقدرات تدبيرية ناجعة.
قبل ذلك إذن لابد من الوقوف على سؤال الإصلاح التعليمي كما جاء في تصدير الرؤية الاستراتيجية للإصلاح : لماذا لم تنجح الإصلاحات المتعددة والمتوالية في التمكن من تحقيق النتائج المطلوبة…سؤال أجاب عنه التقرير التحليلي الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2014 الذي رصد مجموعة من الاختلالات لعل أبرزها والتي لها علاقة مباشرة بوظيفة الإدارة التربوية ومهامها: الخلل في منهجية التفعيل والتطبيق وآليات التتبع والمراقبة والمحاسبة والتعبئة والريادة الناجعة.
الأمر الذي يعكس فشل الإدارة التربوية بمفهومها الشمولي في أداء وظيفتها ومسؤوليتها المباشرة هذا الفشل الذي يتجلى في عدم نجاعة التدابير والإجراءات والقوانين وأليات اتخاذ القرار المعتمدة و غياب المراقية التي تسهر على السير الجيد للمؤسسة أو المشروع و عدم التحقق من بلوغ الأهداف المسطرة والتأكد من حسن تدبير الموارد وغياب إشراك مختلف الفاعلين مع ضعف في الإعلام والتواصل الفعال وهي أمور يمكن إجمالها في غياب شروط الحكامة الجيدة التي أصبحت في عالمنا المعاصر أداة لا محيد عنها لتحقيق النجاعة والفعالية في التدبير والتسيير على مستوى النتائج والمردودية.
مع العلم أن إرساء أسس الحكامة الجيدة شكل إحدى الرهانات الأساسية لعشرية الإصلاح بالموازاة مع دينامية التجديد وقضايا التحديث المجتمعية من جهة، ولتجربة الجهوية الإدارية ثم الموسعة التي يسعى المغرب المعاصر إلى تطويرها كخيار استراتيجي ….. وبالرغم من الإنجازات الميدانية التي تم تحقيقها (إصدار مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية الهادفة إلى إرساء اللامركزية واللاتركيز في تدبير المنظومة التربوية، اعتماد مشاريع مجددة لدعم القدرات المؤسساتية وتأهيل أطرها في مجالات التدبير والتسيير، تنويع المقاربات في مجال التكوين ،اعتماد مقاربات حديثة من قبيل التخطيط الاستراتيجي والتدبير بالنتائج….)
فإن امتلاك إدارتنا التربوية لآليات الحكامة الجيدة مازال بعيد المنال  ويتجلى ذلك من خلال(كما جاء في مقال للأستاذ العلام عبدالغفور) :
⦁    استمرار  الأنماط التقليدية للقيادة التربوية في طريقة تدبير و إدارة النظام التربوي، حيث أن النظام التعليمي ما يزال يفتقد إلى الآليات اللازمة للقيادة التربوية ، و لم يطور بعد القدرات التدبيرية للمسيرين على جميع مستويات اتخاذ القرار التربوي.
⦁    عدم استكمال تطبيق اللامركزية و اللاتمركز في تدبير النظام التربوي، حيث مازالت لم تفعل بالشكل المطلوب، و يظهر هذا جليا في أن مجموعة من القرارات مازالت بيد الوزارة الوصية و لم يتم بعد تفويضها للأكاديميات و النيابات ناهيك عن كون أبسط القرارات التدبيرية على المستوى المحلي يتم استصدارها من المستوى الإقليمي أو الجهوي.
⦁    – ضعف الشفافية بحيث أن المجال التدبيري الأكثر تعتيما في النظام التربوي هو التدبير المادي و المالي و وخصوصا مجال تدبير الصفقات العمومية ومجال تنفيذ الميزانية، حيث يصعب على غير المتخصص مثلا أن يتتبع و يواكب طريقة و منهجية صرف الميزانية المخصصة للتربية والتعليم مركزيا جهويا و إقليميا.
⦁    ضعف المساءلة و المحاسبة في تدبير النظام التربوي، فرغم وجود أجهزة رقابية فإن بعضها غير مفعلة أو تعاني من اختلالات في طريقة اشتغالها. حيث أن التقييم و المراقبة من طرف الأجهزة الداخلية والخارجية للنظام التربوي هي مراقبة شكلية ، يتم فيها التركيز على إعداد الوثائق و التبرير لا أكثر. فأغلب عمليات التقييم و المراقبة هي عمليات ورقية وثائقية تبريرية. يتم فيها تقييم الإنجاز الكمي لتنفيذ المخططات و الإستراتيجيات التربوية عوض تقييم وقع و أثر هذه المخططات على مخرجات و نتائج النظام التعليمي.
⦁    ضعف إشراك أغلب المتدخلين و الفاعلين التربويين في جميع مستويات صنع القرار التربوي ( هيئة التدريس، التلاميذ، جمعيات أباء أمهات و أولياء التلاميذ، النقابات التعليمية، جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن التعليمي…)
⦁    خلل في اشتغال الهياكل التدبيرية على جميع مستويات اتخاذ القرار التربوي: مركزيا جهويا إقليميا و محليا، بحيث أن الأجهزة التدبيرية الموجودة غير مفعلة بالشكل المطلوب أو لا تمارس الصلاحيات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية و التشريعية. فعلى المستوى الجهوي مثلا نجد المجالس الإدارية للأكاديميات كبنية تدبيرية للتشاور و المشاركة و المحاسبة و المساءلة، تقتصر فقط على مناقشة مخططات العمل و المصادقة على الميزانية الجهوية ، لكنها لم ترقى بعد إلى مستوى وضع المخططات التربوية الاستشرافية و تنفيذها و توجيه السياسة التربوية الجهوية و كذا تغيير القرارات الاستراتيجية المتخذة على الصعيد المركزي و ملاءمتها مع الخصوصيات الجهوية. كما نلاحظ على المستوى الإقليمي ( النيابات الإقليمية) غيابا تاما لبنية تدبيرية تضطلع بمهام المراقبة وتتبع تنفيذ المخططات التربوية على غرار المجلس الإداري للأكاديمية . أما على المستوى المحلي ( المؤسسات التعليمية) فرغم وجود مجالس التدبير فإن غالبيتها لا تشتغل على الوجه الأكمل و ذلك راجع بالأساس لضعف الحكامة المحلية و لغياب ثقافة تدبيرية تنبني بالأساس على تعبئة و انخراط و إشراك جميع الفاعلين و الشركاء في اتخاذ القرار التربوي المحلي
⦁    ….الخ

ولتجاوز هذه الوضعية وجعل الإدارة التربوية تمتلك أليات الريادة والقيادة الناجعة تطرح الرؤية الاستراتيجية ثلاث رافعات متكاملة و متوازية:
.1    الرافعة التاسعة(الفصل الثاني) التي تراهن على تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير واعتبار الرفع من جودة عمل الفاعلات والفاعلين التربويين ومن ضمنهم المدبرون في مقدمة الأولويات الكفيلة بالنهوض بأداء المدرسة مما يستوجب إتقان تكوينهم وحفزهم وإعادة الاعتبار لأدوارهم واحترام كرامتهم وتحسين ظروف مزاولتهم للعمل وذلك من خلال:
⦁    اعتبار المهننة مدخل أساسي للنهوض بأداء الفاعلين استنادا إلى (إعادة تحديد المهام والأدوار، تشجيع كل المبادرات، تحديد المواصفات العامة والنوعية الخاصة بالفاعل التربوي، جعل التكوين الأساس إلزامي….)
⦁    ضرورة بلورة نموذج جديد يحدد ويضبط المهام  والأدوار والانتساب الإداري والوظيفي.
⦁    تحديد المواصفات العامة والنوعية لمهن التدبير
⦁    صياغة أطر مرجعية لكفايات هيئة التدبير
⦁    ….ألخ
2.الرافعةالخامسة عشرة(الفصل الثاني)التي تستهدف حكامة ناجعة لمنظومة التربية والتكوين من خلال:
⦁    تحديد واضح للسلط والأدوار والمهام وكيفية توزيعها على كل المستويات(تكريس دور الدولة الاستراتيجي والناظم، مع التدخل من أجل التتبع وربط المسؤولية بالمحاسبة..)
⦁    إسناد مسؤولية تدبير منظومة التربية والتكوين عبر تفويض الصلاحيات والمهام في إطار الاستقلالية والتعاقد والمحاسبة للأكاديميات ومنها للمديريات الإقليمية ومنها إلى مؤسسات التربية والتكوين.
⦁    وضع هيكلة جديدة للمؤسسات تلائم المهام الجديدة المنوطة بها.
⦁    مأسسة مشروع المؤسسة.
⦁    منح بنيات التدبير المزيد من الاستقلالية فيما يتعلق بتدبير الكفاءات البشرية توظيفا وتكوينا وتقييما وترقية.
⦁    تحديد مجالات الاستقلالية وحدودها في تكامل مع استقلالية بنيات التدبير.
⦁    الخ….
3.الرافعة الثالثة والعشرون(الفصل الثالث) التي تهدف إلى إرساء ريادة وقدرات تدبيرية ناجعة في مختلف مستويات المدرسة اعتمادا على مجموعة من التدابير أهمها:
⦁    الارتكاز على حكامة تزاوج بين المسؤولية والمحاسبة
⦁    الاستناد إلى كفايات بشرية بمؤهلات عاليةمبنية على انتقاء أفضل للقائمين على الشأن التربوي.
⦁    الاشتغال بمنطق القيادة والفريق
⦁    تقديم الحساب بانتظام عن تطبيق الإصلاح وانجازاته وتقييم نتائجه.
⦁    تحيين العدة القانونية والتشريعية في  أمد  زمني محدد.
⦁    تعميم العمل بمشروع المؤسسة كآلية للتدبير والإشراك
⦁    ألخ…..

يبدو إذن أن هناك علاقة جدلية بين ضرورة الارتقاء بالإدارة التربوية وآليات اشتغالها كشرط لتنزيل مضامين الإصلاح وبالمقابل فالإسراع في ترجمة غايات الإصلاح إلى مشاريع وتدابير إجرائية سيسمح بتوفير شروط قيام قيادة تربوية تتبنى الحكامة الجيدة كمنهج في العمل .
وفي انتظار ذلك وبالموازاة معه، اعتقد أن الإدارة التربوية الناجعة ملزمة بالارتكاز على خمسة أسس يجب علينا كأطر إدارية التقيد بها والعمل على تطويرها باستمرار:
أولا: احترام المساطر والقواعد التنظيمية الجاري بها العمل بالرغم من علاتها أحيانا مع الحرص على أن لايصبح تطبيقها سبيلا لإنتاج أزمات إدارية إذ أن المنهج التدبيري والإدارة الموفقة تقتضي العمل بالمساطر مع الحرص عن الابتعاد قدر الإمكان عن الوقوع في الأزمات.
ثانيا: الارتكاز على الخبرات والتجارب المتراكمة لدى مزاولة الشأن التدبيري والعمل باستمرار على صقل القدرات والكفايات المهنية بتطويرها وانتشالها من قوقعة الجمود والاستكانة السلبية
ثالثا:  العمل على ضمان إشراك ومشاركة جميع الموارد والمتدخلين في الشأن التعليمي والتربوي والجنوح نحو القيادة بمعنى التدبير والمراقبة والمحاسبة المتعددة الأطراف حيث يتجاوز اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية الفرد الواحد ليضطلع به مختلف الجهات المعنية على أساس الإشراك والتشاوربما لايسقط المدبر في الإفراط أو التفريط في مبدأ التشارك
رابعا: الربط بين المسؤولية والمحاسبة فلا تعود المسؤولية امتيازا بلا شرط ولا المحاسبة عقابا بدون ضمانات بل اعتماد مقاربة شاملة تحمي الطرف الذي يفوض والطرف الذي يتحمل المسؤولية والطرف الذي يستفيد من الخدمات.
خامسا: الحرص على المساءلة الذاتية للسيرورات التدبيرية و القبول الطوعي بالمساءلة من طرف أجهزة المراقبة والتفتيش شريطة أن تتوفر في هذه الأجهزة معايير الاختصاص والكفاءة.
ختاما،أجدد الشكر على كل من ساهم في تنظيم هذا اليوم الدراسي وأتمنى النجاح لفقراته.
المختار شحلال  مدير ثانوية المهدي بن بركة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبد الكريم السباعي .لجنة الاعلام و التواصل
    09/05/2016 at 00:25

    .نظرا لأهمية العرض الذي تقدم به الأستاذ المختار شحلال مدير ثانوية المهدي بن بركة خلال اليوم الدراسي حول الإدارة التربوية الذي نظمه المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين يوم الجمعة 6 ماي 2016.لا يسعنا الا أن نقول نعم المدير المدبر ونعم الفهم لعملية التغيير.مداخلة في المستوى

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *