Home»Correspondants»كلمة السيد المدير الإقليمي للتربية والتكوين بمديرية وجدة أنجاد بمناسبة انعقاد ندوة ( انغماسية ألفا

كلمة السيد المدير الإقليمي للتربية والتكوين بمديرية وجدة أنجاد بمناسبة انعقاد ندوة ( انغماسية ألفا

0
Shares
PinterestGoogle+

وجدة  :   19 مارس  2016

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله  وحده ، و الصلاة  والسلام  على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى

آله وصحبه أجمعين ، وبعد

            حضرات السيدات و السادة،

         يطيب لي، أن أشارك في الجلسة الافتتاحية لندوة انغماسية ألفا، التي تنظمها رابطة التعليم الخاص بالمغرب فرع وجدة، بشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين لجهة الشرق و المديرية الاقليمية وجدة أنجاد و مركز الدراسات و البحوث الانسانية و الاجتماعية، تحت شعار « الطلاقة اللغوية مدخل للابداع ». طيب يمتد أريجه الى منابع قدسية جليلة، قداسة تنزيل القرآن و معجز البيان، بلسان عربي غير ذي عوج، بشيرا ونذيرا، وقد فصلت آياته لقوم يعلمون.

         طيب هو طيب أسمى مقال، وطيب هو طيب المقام الذي آلف في فضائه بين أطر وأساتذة وفعاليات آنسوا عبقه، وانشدوا الى قبسه، بما تحذوهم من غيره على لغة امتدت جذورها إلى تراث شامخ وحضارة عريقة، وشمت بصماتها على السجل التاريخي للأمم        و الشعوب  بمداد فخر لا يزول.

         إنها بحق غيرة على رأسمال غير مادي، تملك من قيمة الثراء، وقوة الصلادة ما جعله قمينا بتحقيق ثبات الثروة و نمائها على امتداد عقود طويلة، تلكم الثروة التي أصبحت في العشرية الاخيرة المعيار الرئيس لاحتساب القيمة الاجمالية للدول، وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله نصره. في الخطاب السامي الذي وجهه جلالته الى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، إذ قال حفظه الله :  » وكما هو معروف، فقد شهدت المعايير التي يعتمدها المختصون في المجالين الاقتصادي و المالي لقياس الثروة، عدة تطورات. فقد كانت القيمة الإجمالية للدول تقاس سابقا حسب مواردها الطبيعية، ثم على أساس المعطيات المتعلقة بالنتاج الداخلي الخام، الذي يعكس بدوره مستوى عيش المواطن. وبعد ذلك، تم اعتماد مؤشرات التنمية البشرية لمعرفة مستوى الرخاء لدى الشعوب، ومدى استفادتها من ثروات بلدانها. وخلال تسعينات القرن الماضي بدأ احتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي، منذ سنة 2005، من طرف البنك الدولي ، ويركز هذا المعيار على احتساب المؤهلات، التي لا يتم أخذها بعين الاعتبار من طرف المقاربات المالية التقليدية.

         ويتعلق الأمر هنا بقياس الرصيد التاريخي و الثقافي لأي بلد، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري واجتماعي، و الثقة و الاستقرار، وجودة المؤسسات و الابتكار و البحث العلمي و الابداع الثقافي و الفني وجودة الحياة والبيئة وغيرها ».

         وإننا ، إذ نستلهم عمق الدلالة في الخطاب الملكي السامي الذي ينثني على معاني قوية، يتحثم علينا أن نتساءل:إلى أي حد يظهر أثر اللغة العربية في القيمة الإجمالية للدولة، بوصفها رأسمالا غير مادي يمكن أن يكون رافعة للتنمية؟

         إن الاجابة عن هذا السؤال لا يمكن بأي حال أن تكون مباشرة لارتباط تحديد الأثر بدراسة دقيقة لمؤشرات نمو الثروة وتقدم الإنتاج قياسا الى دور اللغة فيه باعتبارها أحد أسسه ومحفزات الاستثمار لتطويره.

         غير أن مجرد التفكير في السؤال في حد ذاته يجعلنا ندرك أن ثمة مواصفات ينبغي أن تحافظ عليها اللغة العربية بوصفها اللغة الرسمية للدولة التي أقرها الدستور الجديد، تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، إلى جانب اللغة الأمازيغية التي تعد أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، والحسانية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وغيرها من اللهجات و التعبيرات الثقافية المغربية، لتظل بما تحافظ عليه من تلكم المواصفات أساسا قويا للثروة، ودعامة رئيسة للإنتاج، قياسا الى ما تقدمه من صورة حقيقية للرصيد التاريخي و الثقافي للدولة. ولعل أهم تلك المواصفات ما حرص دستور المملكة على ترسيخه من خلال التركيز على حرص الدولة على « انسجام السياسة اللغوية و الثقافية و الوطنية، وعلى تعلم واتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط و التفاعل في مجتمع المعرفة،               و الانفتاح على مختلف الثقافات، و على حضارة العصر. »

         فاللغة العربية رغم قوتها في ذاتها، لا يمكن أن تكون وسيلة من وسائل الإنتاج إذا ظلت منغلقة على الذات، ترفض الانفتاح على اللغات الاخرى، وطنية كانت أم أجنبية، وتربأ عن أي تفاعل معها يمكن من تطوير المعرفة. فتطور المعرفة ونموها يؤدي بصورة حتمية الى تطور اللغة و اتساعها لتستوعب شساعة المعرفة، و توقف المعرفة عند حدود الذات دون تلاقح مع أي معرفة غيرية ينتج عنه توقف اللغة وعجزها تدريجيا، بما يثبطها لتكون وسيلة للاستثمار              و أداة للانتاج ينبغي أن تنمو و تتطور بنموه وتطوره . وقد استطاعت اللغة العربية أن تحافظ على قوتها عبر العقود بخيار الانفتاح، فكانت لسان الدستور الإسلامي الحكيم القائم على الوسطية والتسامح والتعايش و الاعتدال، كما كانت خيار دستور وطني معزز لقيم التفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الانسانية، مرتكز على مبادئ التعدد و الحوار و الانفتاح، وظلت في الأمم العربية عامة و الأمة المغربية خاصة لغة معرفة منتجة لا مجرد لغة تواصل و اتصال.

         إننا نعتبر اللغة القمينة بأن تكون مؤهلا لتطوير مؤشرات احتساب الرأسمالي للأمم ، لغة المعرفة التي تنتج دورها الوظيفي في ترسيخ الهوية، والإنتاج الكوني، وتمكن من اكتساب المعارف والكفايات، وتطوير الثقافة و الارتقاء بالبحث، وتحقيق الاندماج الاقتصادي                و الاجتماعي واندماج القيم. وهو الذي يركز عليه المشروع الاصلاحي الجديد لمنظومة التربية و التكوين ضمن مشاريع الرؤية الاستراتيجية التي خصت المشروع الرابع عشر للتمكن من اللغات، متبنيا لهندسة لغوية قائمة على إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المؤسسة التعليمية، واعتماد اللغة العربية لغة التدريس بالأساس، في ظل تفعيل مبدأ التناوب اللغوي الذي يروم تنويع لغات التدريس بصورة تدريجية تمكن من تحسين التحصيل وتجويده، في إطار يسمح لتفاعل المعرفة ويحافظ على تطور اللغة العربية بوصـفهـا

لغة معرفة تنهل من الرصيد المعرفي لغيرها من اللغات، وتوظفه في نمو اللغة العربية، لتظل وسيلة استثمار ومكونا من مكونات رأسمال غير مادي تقاس به القيمة الإجمالية للمغرب التي عرفت خلال السنوات الاخيرة تقدما جيدا نتيجة نموه المتزايد وتطور أسسه و مكوناته .

         وعلى قدر ما نعرب عن اعتزازنا باللغة العربية وغيرتنا الأكيدة عليها،على قدر ما نود أن تحافظ على كونها لغة معرفة ينبغي أن تقبل، كما ظلت عبر العقود، تلاقحها مع غيرها في فلك اللغات، تلاقح معرفة يضخها بمعين العلوم في الحضارات الذي لا ينفذ و لا ينضب،دون أن يفقدها بلاغة البيان و قوة العبارة التي تستقيم فيها و لا تستقيم في غيرها في نموذج مبين لكلمة احتوت جملة من فعل وأسماء و حروف ، قوله تعالى: (فسيكفيكهم) بإعجاز في العربية يكون فيها وفي غيرها لا يكون.

         وليس لي إلا أن أختم كلمتي بتوجيه عبارات تقديري للجهود المبذولة من طرف مختلف القائمين على تنظيم هذا اليوم الدراسي و الساهرين عليه، بما ينثني عليه من قيم مواطنة، آملا أن يخلص إلى تمثل اللغة العربية وسط اللغات الوطنية والأجنبية، لغة معرفة قائمة على الانفتاح المؤهل لتطوير القيمة الإجمالية لوطننا العزيز، ومكونا قويا بين مكونات الرأسمال غير المادي المسهم في بنائه ونمائه، وراء القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله نصره وعزه.

وفقكم الله و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *