Home»Correspondants»الطبقة العاملة بجرادة : رواية LUMIERE DU NOIR للكاتب الفرنسي JOSEPH LEPINE (1)

الطبقة العاملة بجرادة : رواية LUMIERE DU NOIR للكاتب الفرنسي JOSEPH LEPINE (1)

1
Shares
PinterestGoogle+

اـ  تقديم   :  أردت من خلال هذا التقديم  أن  أضع رواية LUMIERE DU NOIR  للكاتب JOSEPH   LEPINE  في إطارخاص ،رأيت أنه يليق بها  ، كما أردت من خلاله، أن أبرز موقع  الطبقة العاملة ومنها  الطبقة العاملة بجرادة ، في الرواية الواقعية ، وأهميتها في الزمن الذي دارت فيه أحداث الرواية .
حدد الناقد الحواري  باختين وجود الحوارية ، أو التفاعل الحواري اللفظي ،  بين  المرسل والمتلقي ،  انطلاقا  من  الوحدة  الدنيا ممثلة في الكلمة ، أما الباحثة جوليا كريستيفا في  نفس  الاتجاه  ، عرفت الكلمة  بكونها لا تحمل معنى جامدا ، بل هي تقاطع  مجموعة  من  المجالات النصية  التي   تعكس رأي الكاتب  والقارئ والسياق  المعاصر لهذه  الكلمة والسابق  عنها (1).
إذا كان الأمر هكذا بالنسبة لكلمة واحدة ، فكيف لا يتفاعل القارئ  ويتحاور مع رواية بكاملها خاصة وهي تعنى بآبائنا من الطبقة العاملة .
المناخ  العام  الدولي  والثقافي ،والظرفية التاريخية الموجودة في قلب المد الاستعماري  و التي ظهر فيها الفحم الحجري(1927) بجرادة،  والتحول العجيب  والقسري من  محيط قبلي حافل بالتناقضات ،
ووسط فلاحي غابوي  رعوي يتنقل فيه البدو الرحل بحثا عن الماء والكلأ ، محاط  بصحاري تمتد امتداد البصر ، تلتقي في أفقها الممتد النجوم بالأرض ليلا  ، وتقترب فيه الشمس المحرقة من الأرض نهارا  ، وتتعايش فيه  الأسر تحت  الخيام  المفتوحة  على  محيطها خاصة بالليل، مع وحيش المنطقة من ضباع  وخنازير برية  وذئاب  …بما تثيره في النفوس  ،   إلى مدينة عمالية  بكل  المقاييس  ، في ظل  الاستعمار الفرنسي في  بداية  استغلال الفحم ،  وضمن المغرب   (المستقل ) بعد رحيل  الاستعمار المباشر .
كل هذا جعل من الطبقة  العاملة بجرادة ، تجربة فريدة  من نوعها ، قلما جاد بها الزمن ، منحت  فرصة  ثمينة لكاتب متنور   و مرهف الحس ، ومهتم بالإنسان في إنسانيته  المطلقة ، ومهووس بالحياة الاجتماعية وبقيم التسامح والتعايش بين الثقافات ، وتفاعلت  مع تجربته الغنية  وقراءته للأحداث لتثمر رواية واقعية ، يقول الكاتب الفرنسي الجنسية     JOSEPH   LEPINE    أنه كتبها ليكون جديرا باللحظات التاريخية الممتعة  التي قضاها في المغرب الشرقي جنبا إلى جنب مع الطبقة العاملة .
الطبقة العاملة في  لجة  المتغيرات وقلب الأدب ا لواقعي  خاصة الرواية .
الشك والريبة التي أصبح ينظر بها  إلى التوجه من العام  إلى الخاص ، و من الكليات إلى الجزئيات  . خاصة في عصر النهضة ، وظهور فلسفات  ذات نزعة  علمية لا تقبل التعميم  ،وترى  أن كل شيء مرتبط  بظروفه الخاصة  وبوجوده  الزماني والمكاني (2)، هي من بين الأسباب الرئيسية التي أدت  إلى ظهور الواقعية  في الرواية  ، رافق هذا التغيير ، الثورة  على سلطة الكنيسة ، وعلى الإقطاع والفلسفات والآداب  التي تشرعنه وتسانده .
على المستوى الاجتماعي ارتبطت الواقعية  بمرحلة  التوسع الاستعماري الذي أيده ساسة  ومفكرو البورجوازية الغربية  طمعا في تحقيق الربح المادي الذي أصبح محدودا في مواطنها الأصلية  ،وبعد التطورات الاقتصادية  والاجتماعية والثقافية  التي  رافقت تحول  المجتمعات  الفلاحية  إلى  مجتمعات  صناعية ،هذه التغيرات أدت  في النهاية  إلى  تحول كامل الاهتمام   إلى  الفئات الأكثر  عددا والأقوى تأثيرا في النشاط الاقتصادي وهي الطبقة  العاملة  التي  ازدادت أهميتها  بعد ان تأكد زيف الادعاءات بأن الرأسمالية  قادرة  على حل  أزماتها بشكل تلقائي ، ،وتأكد بالملموس التناقض بين الرأسمال  والعمل ،و حتمية   أزمات  الرأسمالية  وخاصة  بعد  الأزمة الاقتصادية 1929  . ازدادت  أهمية الطبقة العاملة مع ظهور الوسائط أي التنظيمات العمالية من نقابات وغيرها ،واتساع قاعدة الضمان الاجتماعي  والحق في التعليم …….. ، ومارافق ظهور الكينزية  من مكاسب . (3)
على امتداد هذه الفترة قامت الدراسات الفلسفية  بتحويل أنظار الباحثين والمفكرين  من الاهتمام  بالغيبيات والنظريات المجردة إلى معا لجة الواقع  .
انطلاقا  من كل هذا تكتسي الطبقة العاملة التي ظهرت في هذه الظرفية ومنها الطبقة العاملة بجرادة أهمية بالغة على مستوى الواقع وفي الرواية الواقعية على الخصوص .

ب ـ      قراءة في رواية     LUMIERE DU NOIR
1 ـ المكان في الرواية

رواية LUMIERE DU NOIR     هي رواية وواقعية ، أخذت من  العامل بجرادة ومحيطه الأسري  والاجتماعي موضوعها   ، وهي أيضا رواية المكان   ، وقعت أحداثها وتقع في جرادة  ، وفضاء جرادة بالنسبة  للسارد ، ليس مجرد فضاء عادي وقعت فيه أحداث الرواية وتحركت  فيه شخصياتها فقط ، بل أن الشخصيات ارتبطت  ارتباطا وثيقا بأبعاد جرادة التاريخية والجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ……وتفاعلت معها إلى حد كبير . بمعنى آخر لم تكن  جرادة بالنسبة للكاتب وسطا محايدا، بل له سلطته وتأثيره  ، حتى ملامح الشخصية الروائية انسجمت كليا مع جرا دة  ، ونمت وترعرعت بها  ، ولا تجد شخصياتها نفسها إلا في فضائها ، حتى وإن غادرته  فذلك من أجل العودة  إليه ، وهذا هو حال معروف لخضر بن عبد القادر وهو من إحدى القبائل بجرادة ،وابن الشخصية النموذجية في الرواية عبد القادر بن العيد  ، غادر المدينة  من أجل الدراسة في فرنسا التي  عاش بها ثلاثة عشرسنة  .
، حيث يقول  السارد  على لسانه وهو في الحافلة بين جبال جرادة عائدا  ليعيش بجانب أبيه (ص8) ،  » …وهو  ينظر إلى الجبال المتراكبة  الممدة في الأفق ، يحس وكأنه غزالة تتنقل بخفة في بيئتها   ، لا يوجد شيء  يسامي  الذاكرة التي  تستدعي الخيال، كل شيء يظهر في عمق المناظر الخلابة المختلفة منسوجا بالحقائق والإحساسات   » .
يثير هنا الكاتب الإيكولوجيا البشرية ،أي علاقة الإنسان بالبيئة : حين شبه لخضر وهو يتأمل جبال جرادة ويتنقل بينها ببصره  بغزالة في مجالها البيئي .
ويستطرد  السارد  على لسان نفس الشخصية أي لخضر، وهو كله شوقا للحظة لقاء والده  بعد الغيبة  الطويلة (ص8) ، » ….جرادة مدينتي أحسك في ماضي  ، من خلالك أتخيل طيف أبي .وأنا ابن عامل أستنير بفكره ،  متلهف أنا الآن لرؤيته والعيش  معه ، وجودي ووجوده ينصهران في أعماق وجداني ، ويتماهيان حتى يغزوان لا شعوري….  » .
السارد يسهب في كتابة الأحداث  ووصفها ،  لكنه لم يكتب إلا القليل عن  لحظات  لقاء لخضر بابيه  بعد الغياب الطويل واقتصر على  الأساسي  فيها ،  وخرج لخضر للتو ليتفقد تضاريس المدينة   ويتجول  في  أحيائها  ويتفحص وجوه المارة  ويتسقط أخبارهم ولو خلسة ، وكأن فضاء المدينة هو امتداد طبيعي لأبيه ، رؤيته كرؤية أبيه  وأهله ، مما يؤكد أن فضاء المدينة وعمالها هما امتداد للأهل   في نظر السارد  .
حتى سماء جرادة بما تحمله السماء من حمولة دينية ورمزية يجعل منها الكاتب جزءا من أرضها ، وفحمها ، حيث يقول (ص9) …. « عند النظر إلى السماء ، تجذ النفايات (نفايات الفحم ) ثقيلة ، وفائض صخور الشيست ( وهي صخور طينية تغطي طبقات الفحم ) يتراكم   » . في إشارة منه ربما إلى علو الجبل الاصطناعي المكون من  ركام الفحم والذي أصبح معلمة من  معالم    جرادة  ، يظهر من بعيد  شامخا  في عنان  السماء.
كغيرها من الروايات ،  التي تلتحم فيها  شخصيات الرواية بالمكان ، يسهب الكاتب في وصف جغرافيا جرادة ، وطوبوغرافيتها وتفاصيل تضاريسها ،  وبيئتها ، وإيكولوجيتها البشرية  ،وغاباتها وما عرفته عبر تاريخها وما روي عنها من قصص وأساطير غذت خيال الكبار والأطفال قبل اكتشاف  الفحم .

2ـ          العنـــــــــــوان
يقول الأستاذ  عبد الفتاح معكوس ، العنوان  هو أكثر العتبات  ارتباطا بالنص  الأساسي  ،لأن معانيه إيحائية  ورمزية وتفسيرية  (4) ،  فالعنوان  قد يرغب  في قراءة المنتوج الإبداعي  أو ينفر منها ، ويشكل مع صورة الغلاف وباقي النصوص الموازية أيضا  تحريكا للتجارب القرائية .
وعنوان الرواية LUMIERE DU NOIR     ، إذا  ترجمناه حرفيا   » ضوء السواد   » وهذا هو الأصح في نظري، جزؤه الأول  يتكون من الضوء أو النور وهو الذي يبدد سواد الظلام   ، وتتكشف من خلاله ألوان   الحياة ، ويجدد الطاقة  والحياة  بالنسبة للنباتات  الخضراء وسائر الكائنات الحية ……
، وللنور دلالات رمزية  فهو مرتبط بالمعرفة  (عصر الأنوار ) ، ويرتبط بالوضوح والشفافية والأمل .
و يتكون جزء العنوان الثاني من الأسود وهو لون يمتص الألوان،  فسواد الظلام لا تظهر فيه الألوان ، والسواد يحيلنا على الثقب الأسود ، وعلى العدم .
وله دلالات رمزية حيث يدل على الحداد والحزن ،  والموت . في سواد الليل يفقد الإنسان حاسة البصر ، الحاسة التي تننقل إلينا نسبة عالية من المعلومات عن محيطنا ، وفيه أيضا يحس البعض بانعدام الأمان .. ….
و العنوان  LUMIERE DU NOIR     أعطاه السارد دينامية خاصة ، متطورة مع النص الروائي ، وأشار إليه      بمعان مختلفة تاركا للقارئ  فرصا  للقراءات المتعددة و للتأمل والتشويق ، قال عنه في الصفحة 5  « ….. في أعماق أنفاق الفحم ،  » نور السواد  »  أليس هو الإنسان الذي يبعث الحركة في طبقات الفحم   ؟…..  »
ويقول  لخضر في نهاية الصفحة 108  وهو يتكلم عن عبد القادر « …. الثقب المظلم ،العميق بتفكيره (تفكير عبد القادر)  والتزامه النقابي والسياسي يمنحه ضوءا أكثر في مواجهة سواد الفحم ….. ».
وفي الصفحة 134 ورد العنوان بمعنى آخر   « …. ضوء السواد يأخذ معناه الكامل عندما يتعاظم  العامل المنجمي أنسانيا…. . »
وفي آخر الرواية يكشف السارد لمن يعرف المبنى والمعنى عن خبايا العنوان ..
عنوان الرواية  LUMIERE DU NOIR  ، يعني  من جملة ما يعنيه أن الكاتب ينظر أيضا إلى الجوانب المشرقة في حياة الطبقة العاملة  ، على خلاف مجموعة من الكتاب  ومنهم جل أبناء المدينة الذين  تطرقوا إلى جرادة في كتاباتهم ….:  حتى لو افترضنا  وجود سبب واحد يدعو إلى النظرة  السوداوية  والحزن ، وعشرات الأسباب تدعوا إلى التفاؤل لرجحوا كفة الحزن والبكاء في كتاباتهم  ، حتى ارتبط  لذى من لا يعرف  المدينة إسم الطبقة العاملة والساكنة عموما ، بالحزن والكآبة ، والفقر المدقع ، وسوء التغذية ، والسواد ، وجميع الأوبئة الاجتماعية ، وكأن هذه الأزمات وجدت لتكون لصيقة  بالطبقة العاملة في جرادة وحدها.
وغطت  هذه  النظرة التي  أصبحت كموضة  يلجأ إليها البعض ممن يكتب على جرادة (5)   ، على أمجاد الطبقة العاملة ،وما أسست له وغرسته من قيم ، كمقاومة الاستعباد ، والاستبداد ،والاستغلال والاستعمار، والجهل والفقر ، لم يكتب  لها ( الأمجاد) أن تدون كما  يجب ولم يعط للطبقة العاملة في  جرادة حقها ولم تقدر حق قدرها . وهذه  النظرة السوداوية هي في الحقيقة هروب  إلى الخلف ، لكل من ينهجها كأسلوب أوحد لتناول  الطبقة العاملة ، أوتحيز طبقي ، وتعال وترفع  عن حياة الطبقة العاملة .
وعلى  العكس ربط JOSEPH   LEPINE    في خطابه  السردي دائما بين  السواد  والضوء انطلاقا  من العنوان . ويقول في جملة أخرى ،الضوء ينبعث من السواد ، ويعطي معنى لليومي بالنسبة للعمل  في الفحم   ،  و بين سواد بشرة وجه العامل بغبار الفحم  ، وبياض أسنانه  ، وربط عمل العامل  المضني المشحون بالحزن والحاجة بالأمل La lampe allumée trace un labeur  démmesuré de peine de misére et  d’epoir

 3 ـ الصيغ السردية في رواية . LUMIERE DU NOIR

لإعطاء الحيوية والدينامية لروايته قدم السارد أحداثها  بمختلف الصيغ ، سأتطرق إلى بعض منها .
من أهم الصيغ التي تميزت بها هذه الرواية الحوارات الممتعة ، بين العامل معروف عبد القادر ، وابنه لخضر .ففسح المجال للشخصيتين ، وهما شخصيتان  حقيقيتان  ، عبد القادر عرف كمقاوم ، وكنقابي محنك ، أعطى دفعة هامة لأحدات الرواية ، وأضفى عليها من القيمة الجمالية  الشيء الكثير بفضل إبداع الكاتب ، وتصرفه .
كما وظف الكاتب صيغا أخرى  هامة على سبيل المثال أذكر مايلي :
عندما وصل خبر إغلاق شركة المفاحم إلى لخضر ، ازداد تشبثه بجرادة ، وكرد  فعل دخل في حوار مع نفسه  قدمه السارد على الشكل التالي :

خطاب   منقول مبا شر :
الصفحة 11و 12    لخضر  : جرادة مدينتي أنت متماسكة  وجميلة  حتى في واقع وحقيقة أحشائك ، الفحم نتاج وثمرة العمل المضني لأبنائك ، غني  بتأنيك وتبصرك ، في أعماق الحفرة.
سأرسم ، إذا أراد الله على جدرانك .  من فني في الرسم ، رسوم  جدارية  ستندفع ، سأثير اهتمام المقاومين  ، سيتوقفون أمام أعمالي ، سأنقل إليهم انطباعا جديدا عن أرضهم المهمشة  والحزينة .

الخطاب المسرد  : وفيه ينقل السارد الأحداث التي عاشتها الشخصية وليس أقوالها ، بمعنى أن الشخصية تختفي   أمام السارد  :
من داخل الذات كل شيء يخلق من جديد ، لخضر يحترق من دواخله ، جذوره الثقافية تبيح له  حقوقا ، وتقول ما يكفي .
خطاب  منقول مباشر:
تتاح الفرصة للشخصية ( هنا لخضر ) للتعبير  : ألست ابن عامل منجمي ، الفن : ألا يقودني إلى أعماق الإنسان ؟ .
الإنسان من صميم تمايزه  وتعدده أليس هو نفسه (متشابها ) ؟ .
تحت الأضواء الكاشفة للكون ، كل شيء يصبح شفافا .
روح شعب هي انعكاس لمرآت كبيرة ، وجيهات العالم المتعددة ، والمدهشة  ، تلمع ببريق خصوصياتها الإنسانية والفنية .
في بعض الأحيان السارد يتوجه إلى القارئ الافتراضي لينبهه ، كما وجهه هنا للتفكير  والتأمل  بجملة جميلة وهي ، La réflexion prend le champ de la conscience   ، وأحيانا أخرى يوجهه إلى ما هو ديني  مثلا : ALLAH prend le champ de notre conscience
خطاب مسرد:
التفكير يأخذ مساحة( حقل) الوعي ، على الأرض غبار الفحم يرسم خطوات المارة ، العامل يصعد من  نفق الفحم ، يداه تنعشان جسمه المنهك . بسمة تحفر جوانب شفتيه .
فوق الجبال  السماء تلتحف  الغيوم والشمس تنحدر في الأفق ، ألوان جديدة تظهر ، نظرات تتجاوز الإنسان ، كل شيء يمتزج بالفكر .
لا زال لخضر يسير ويستقبل الانطباعات عن خليط ألوان مطلقة .
الليل يعمق صمت عالم يولد ، السواد يأخذ زاده من الوضوح  .
ـ  ينتقل الكاتب أحيانا من الخطاب المسرود ،  إلى الخطاب المنقول المباشر مباشرة ، دون إثارة الانتباه ، وأحيانا أخرى يعلن عن ذلك كأن يقول  » عبد القادر يتكلم  »  ويرجع إلى السطر لإتاحة الفرصة له  »  أو لخضر يتكلم  »
ـ يستعمل الحاضر أحيانا في أحدات مضت كتعبير عن تحيينها .
ـ يطرح الأسئلة ، وأحيانا في جمله كما في الجمل السابقة  ، يسبق  الفاعل الفعل لكسر الملل.

4 ـ الزمن  في رواية LUMIERE DU NOIR
ا ـ زمن الحكاية : من المعروف أن زمن الحكاية تتتابع فيه الأحداث حسب تسلسلها الطبيعي ، تسلسلا خطيا   من الأقدم إلى الأحدث كما حدثت في الواقع . ، وهذه الأحداث باختصار هي كالتالي :
ظهور الفحم سنة 1927  …ثم ميلاد معروف عبد القادر بن العيد  من قبيلة ولاد سيدي علي بوشنافة في الكعدة وهو   العامل المنجمي و الشخصية النموذجية في الرواية أيضا سنة 1927 …ثم ظهور  شركة  المفاحم تحت اسم مفاحم شمال أفريقيا  سنة 1936  ….عمل  عبد القادرفي المنجم سنة 1947 .. ثم مولد لخضرابنه …… سفرلخضر إلى الخارج للدراسة  وعودته .
ب ـ زمن الخطاب : أما زمن الخطاب  فاختار له  السارد كبداية ..عودة لخضر  من فرنسا ليعيش مرحلة إغلاق المناجم ،  أي عكس زمن الحكاية تقريبا .
اختيار هذه  البداية هو اختيار موفق في نظري ، لأن عودة لخضر من رحلته الدراسية هي أولا عودة لخضر الطفل ،الذي عاش تفاصيل  الحكاية وهو طفلا في أحضان الأسرة وتحت رعاية أبيه ، الشخصية النموذجية في الرواية ، وطرح عليه أسئلته الأولي التي لا شك أن أجوبتها لا زالت عالقة بذهنه .
وعودة  لخضر الشخص المثقف الفنان التشكيلي بعد احتكاكه  بألوان  وأشكال أخرى من الثقافات ، التي امتزجت بثقافته الأصلية والأصيلة  التي نهل منها من معين أبيه  الشريف  معروف عبد القادر،  وهو من قبيلة اولاد سيدي علي بوشنافة .
عاد لخضر وهو يعرف قيمة السؤال وأهميته وطرق صياغته والسياقات التي يطرح فيها ، ليدخله السارد JOSEPH LEPINE  نص الرواية كشخصية من بين شخوصها ،  في حوار ممتع يجد القارئ  متعة كبيرة في التفاعل  معه.
نلاحظ في الرواية أن الكاتب لم يرتب الأحداث حسب تسلسلها الزمني ، بل ينتقل بها حسب  مجريات الحوار بين الأب معروف عبد القادر والإبن معروف لخضر ، والكاتب نفسه  ، ونجذ كذلك أحداثا  توابع استباقية ، وأحداثا توابع استرجاعية ، منها من جاءت على لسان السارد ومنها من جاءت على لسان شخصيات الرواية .
السارد يبرر كل شيء يصدر عن الشخصية كأفعالها وأقوالها وأحاسيسها …. بالرجوع بطرق إبداعية مباشرة وغير مباشرة ، إلى مولدها وظروفه ، ومحيطها الأسري والاجتماعي والثقافي  ، والحيز الزماني والمكاني الذي نمت  وترعرعت فيه كما فعل مع المتحاورين عبد القادر ولخضر…. ،  ويبرر كل شيء بأسلوب أدبي وفني رائع ، وتطرق أيضا إلى الطبقة العاملة  ونضالاتها النقابية والسياسية  ، وإلى الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار ، وإلى العمل  المنجمي ، فبعد قراءة الرواية  تجد نفسك بفضل كثافتها الزمانية والمكانية  ، رغم حجمها المتوسط ، قد عرفت كل شيء عن جرادة :  تاريخها القديم والحديث ، و جغرافيتها ، وساكنتها ، وعاداتها وتقاليدها   .
ج ـ زمن الكتابة . صدرت الرواية  سنة 2001 عن مطبعة شمس بوجدة ، وهي من 146 صفحة ، وتحتوي على إحدى عشر فصلا ، تتراوح صفحات كل فصل بين ستة  وستة عشر صفحة  ، البعض منها بدون عنوان .

5 ـ الحوار في الرواية .
أحيانا استعمل الكاتب في خطابه الواقعي الحوار التعليمي ، بين الشخصيتين عبد القادر ، وابنه لخضر  ، وهذا النوع من الخطاب يكون بين شخصيتين غير متكافئتين  في امتلاك المعرفة والخبر ،وغير متساويتين  ، كما هو الحال بين بطل الرواية عبد القادر بن العيد وابنه لخضر بن  عبد القادر . ويكون الحوار التعليمي في الرواية في أغلب الأحيان على شكل سؤال وجواب بين الشخصيتين ، كما في مقاطع الرواية التالية التي يظهر فيها الأب ،  في رأي ابنه ،  هو مالك المعرفة ،باعتباره هو العامل صاحب تجربة كبيرة ، جلدته المحن وعلمته مدرسة الحياة القبلية  في الصحاري والخيام ،   والحياة المنجمية ، ما لم يعلمه  لخضر  ، الحريص الآن والمتعطش لمعرفة كل شئ، حتى ما فاته وهو صغير السن لا يقوى على الفهم .
أمثلة  للحوار الممتع   ، بين لخضر وأبيه والسارد  .
لخضر معجبا برصيد أبيه المعرفي وشخصيته  ، « ….. أبي  يظهر  أنني أنهل  من  معين  أو ينبوع لا ينضب ، …..  »

(ص 7)  أبي إعجابي وتقديري  لحياتك العملية  المنجمية كبيران  ، ولمسؤوليتك تجاه أبنائك
السارد  :
وكأنه بقي طفلا في إحساساته يعود لخضر ليعيش إلى جانب أبيه قبل أن يموت ، وحتى  لا يندم ، الوقت الذي يعيشانه  معا مهم للغاية .
الأب العامل  يسأل ابنه لخضر بعد تحيته فور عودته من فرنسا ، التي قضى فيها ثلاثة عشر سنة   (ص10)   « …. هل لا زلت على العهد ووفيا  لتربيتك الأولية ؟  »
ويرد لخضر « …. نعم أكيد كيف أفعل غير ذلك ؟ ، جذوري الثقافية تمر عبرك يا أبي  ، جذوري هنا في المغرب الشرفي كيف أنسى هذا  »
السارد : (ص10)
« …….عبد القادر بحكمته ، مشتل للثقافة : الشجرة الطيبة لا تعطي إلا الثمرة السليمة والكريمة … ».

من مميزات  الكاتب في الرواية :
يقول الدكتور محمد حسن عبد الله    » من وجهة نظر النقد ، الزعم بأن الرواية الواقعية ، كل ما فيها واقعي غير صحيح ، فقدرات الأديب تتجاوز دائما حدود المصطلحات وضرورات البناء الفني وتقاليده العامة (6)…. »
وهذا هو حال الكاتب JOSEPH LEPINE  في هذه الرواية .
ورغم أن الرواية  تنطلق من واقع العامل بجرادة  لتعود إليه ،   إلا أن السارد يسهب كثيرا و يستعمل أسلوبا عذبا   وأخاذا مغرقا في التجريد ،  أحيانا يغنيك عن المعنى ، وبعيدا عن الأسلوب المعتاد.
مثلا حين يتحدث عن البدو قبل ظهور المفاحم ، وعن الصحراء وعن الفراغ  الذي يعيشه  البدو الرحل مقرونا بفطرتهم وسرعة البديهة عندهم ، وصفاء ذهنهم  وتقاليدهم ، وكذلك عندما يتكلم عن التربية والقيم  ، فيدخل خلسة إلى الفضاء الروحي مستعملا مصطلحاته ، خاصة وأنه متشبع بالقيم الدينية ،
و يستعمل خطابا وصفيا فوق العادة   .

   6 ـ    شـــخصيات  الرواية
معروف عبد القادر بن العيد وهو الشخصية النموذجية في الرواية ـ العيد أب عبد القادر ـ الزانة أمه ـ معروف لخضر ابنه ـ  فاطنة أم لخضر ـ Alain Stéphan   أستاذ الرسم تعلم على يده لخضر المباديء الأولى للرسم بجرادة  ـ   Jeannot رئيس عبد القادر في العمل وصديقه في النهاية  ـ JOSEPH LEPINE الكاتب  ـ   بلعيد يوسف مقدم الرواية ـ  هناك شخصيات أخرى ثانوية

يقسم السوسيولوجي تزيفتان تودروف الشخصيات في الرواية إلى شخصيات نفسية  وشخصيات غير نفسية ()  .أين يتجلى   في الرواية تركيز الكاتب على  هذه الشخصية أو تلك ؟
من المؤشرات الدالة على الشخصية النفسية ، التركيز على التجربة الذاتية  لها في مواجهة الأحداث   وليس على الأحداث نفسها  .

LUMIERE DU NOIR هي رواية  تجسد مسار جرادة كمسار عرف رجات عنيفة ، وقفزات اجتماعية واقتصادية وثقافية هامة  بالنظر إلى تاريخها ، مسار طبعته مفارقات  وتغيرات  كبيرة قلما انتبهنا إليها ، انطلقت من كون جرادة    » ثمرة للصدفة   »  عندما كانت عبارة عن غابة موحشة غير مضيافة تحيط بها الصحراء من عدة جهات .
طرح السارد سؤالا مشروعا على لسان البدو الرحل بمناطقها .)ص16 (    » هل ستكون  هذه الغابة ، الغير مضيافة يوما آهلة  بالبشر  وقابلة للسكن  ؟؟
حسب عقلية البدو  ، بالطبع  لا
بالكاد نتقبل هذا ، ردد لخضر في نفسه وهو يجيب على السؤال  » لولا الصدفة لما كنا كما نحن الآن » .
في مثل هذا الوسط  الذي يدعو الإنسان إلى الصمت بحيث لا يجد المرء أمامه سوى الملاحظة العميقة وسبر أغوار الذات،  والتأمل الروحي  ، يلجأ السارد في نصه السردي إلى التمركز حول الدواخل النفسية لشخوص الرواية  والتأمل الذاتي  .
يقول عبد  القادر  ص 19
الحياة شبيهة بالواد ، أغلب الأوقات يكون جافا ، وتظهر الحياة معه بدون قيمة تذكر وبدون طائل ومردودية . وهو يتبع قطيعه حاملا عصاه ، الراعي موجود حيث هو، يدقق الملاحظة ، كل شيئ في الصحاري المحيطة بجرادة يدعو إلى الصمت ، والصمت يدعو إلى الغوص داخل الذات  للتفكير والبحث عن الحقيقة …..بعد الانتظار يسري الماء في الواد ويعيد الحياة من جديد .
من  نحن ؟   …….ما يريد الله لنا  .
ويرد لخضر :  أبي ، من لا زال يسير على هذا المسلك الروحي   ؟؟
ويرد الأب « …في الحقيقة يا بني ، من لم يعرف الفضاء الصحراوي تحت شمس الصيف الحارقة  لا يستطيع فهم هذه اللغة …وجود يتجاوز الإنسان ، يفرض نفسه …وآفاق أخرى تلوح كمساحة عميقة بدون قيود  توفر أسسا فكرية لا مثيل لها  …. »
السارد   « …..على الأرض فوق الزربية ينام عبد القادر ، وقد تجددت العلاقة بينه وبين فلذة كبده   ، مطمئنا غاية الاطمئنان ، مغمورا بحب ابنه  ،الغبار الأسود لا يستطيع اللحاق به ، يحلم والحلم ما هو إلا حقيقة حياته …….. »
غابة كثيفة تعج بالحيوانات المفترسة كالضباع والذئاب والخنازير البرية  وغيرها …..كانت تغطي المنطقة قبل ظهور مدينة جرادة وبزوغ الفحم وارتفاع عدد السكان  ، لا يجرؤ الإنسان على المغامرة بدخولها ، لن يخرج سالما إن فعل حسب الاعتقادات التي كانت سائدة . من شدة الخوف  الذي استقر في النفوس من وحيشها  ، نسجت عن هذه الغابة العديد من الأساطير التي استوطنت عقول الصغار والكبار على السواء .صوت الضباع المتعطشة للدماء ، والذئاب الجائعة …… ، والليل والخيام البدوية المفتوحة على محيطها كلها مجتمعة تزرع الرعب في البدوي حتى ولو كان تحت الفراش(7) ، يسهر البدوي على حماية الخيمة والزريبة التي تأوي الماشية مصدر عيشه  .

الشخصية العليمة للكاتب :
يتطرق السارد بالتفاصيل المملة إلى  التقاليد القبلية  ، مما يظهره في هذا المجال متفوقا  على شخصياته أي أنه أكثر علما منها واطلاعا ، أو أكثر جرأة في تناولها ، وكأنه كما قال الباحث الدكتور مرسل فالج العجمي  ، ينظر من خلف الجدران ، ويسمى السارد في هذه الحالة بالسارد العليم (8)، ولهذا اعتذر في بداية الرواية على لسان مقدم الرواية بلعيد بويوسف  من العمال إن وجدوا بعض أسرارهم الحميمية في الرواية ، وقال أن هذه العملية ليست خيانة لثقة العمال ، بل يرى في هذا  إعلاءا من شأنهم وقدرهم
والظاهر أن الكاتب بتركيزه على تغلغل العادات والتقاليد ، ومميزات الرحل والمجتمع البدوي بالشرق  ، وعلى الفراغ الذي كانت تعيشه المنطقة ، سوى من قدرة الإنسان على التأمل الذاتي، والصمود أمام قساوة الطبيعة ، يريد أن يبين الفارق الكبير بين ما كانت عليه المنطقة ، وما ستؤول إليه بعد ظهور الفحم ، والمجهود الجبار الذي بذلته الطبقة العاملة للتكيف والتأقلم مع الأوضاع ،  والأشواط التي قطعتها في تربية أبنائها  .

يغوص الكاتب في عمق تقاليد قبيلة ولاد سيدي علي بوشنافة  ، وفي تغلغل الدين والخطاب الديني في اليومي عندها  . ليبين الظروف العائلية  التي ترعرعت فيها الشخصية النموذجية  في روايته وهو  معروف عبد القادر بن العيد ، وكذلك ابنه لخضر باعتبارهما من هذه القبيلة  ، والشخصية النموذجية في الرواية تمثل شريحة بكاملها وهي هنا  الطبقة العاملة  ، وما يجري على قبيلة ولاد سيدي  علي يجري على سائر القبائل التي عاشت بجرادة  ، والتي انحدرت في غالبيتها من أوساط فلاحية  .
في نظر السارد ، التقاليد والأعراف القبلية هي التي كانت  متحكمة في سلوك الأفراد ، وحياتهم ، أي هي التي تتولى الفصل في شؤون الأسرة ، وفي علاقاتها بغيرها داخل القبيلة ، وهي التي ترسي التوازن في المعاملات والرضى النفسي في الأمور كلها ، فالزواج التقليدي مثلا والذي يتم دون التقاء الزوجين قبل الزواج ودون سابق معرفة بينهما ، يصبح عاديا في ظل التقاليد الراسخة والمتوارثة أبا عن جد ، وعبد القادر نفسه  أمه السيدة الزانة وأبوه السي العيد ، هما من اختارا زوجته  .
ورضوخ الزوجة للزوج وللتقاليد الأسرية المتعارف عليها ، يتم برضاها ودون شعورها بالدونية . والتراتبية التي يخضع لها الأفراد  لا يشعرون تجاهها بأي اشمئزاز ، كل المتناقضات تقريبا تتلاشى في ظل احترام الآخر والتقاليد . لا مكان للشكوى والتذمر من متاعب اليومي ، الخجل والكتمان   مطلوبان لمواجهة ذلك  ، تقاليد القبيلة هي البداية وهي النهاية في المعاملة داخل الأسرة .

الانتقال الصعب .من حياة البدو والترحال بحثا عن المراعي والماء ، وتحت السماء الزرقاء كسقف فسيح يوحي بالحرية ، وفوق أرض الصحراء الممتدة امتداد البصر حيث تتغير الطوبوغرافيا باستمرار ، وحيث يفقد الإنسان كل الإحداثيات ، ويصبح كالفرس  الجموح  و الطليق . ومن صميم العادات والتقاليد القبلية ،وبجانب الغابات الموحشة ، انتقل سكان المنطقة إلى الحياة المنجمية جنبا إلى جنب مع عمال المستعمر . وحده هذا الانتقال تجربة صعبة لها ثقلها . المواجهة مضاعفة مواجهة جشع المستعمر ، وأنفاق الظلمات والنور.
بونيف محمد .

الهوامش

1 ـ كتاب للناقد  أنور المرتجي ، وهو بعنوان  » ميخائيل باختين الناقد الحواري الصفحة 10
2ـ كتاب للدكتور محمد حسن عبد الله بعنوان الواقعية في الرواية العربية .
3ـ عالم الفكر المجلد الخامس والعشرون العدد الثاني ديسمبر 1996 .الصفحة 33 وعنوانه الواقع والتخييل ، أبحاث في السرد : تنظيرا وتطبيقا .
4 ـ مجلة نوافذ العدد التاسع عشر ماي 2003 الصفحة 120 .
5 ـ إذا لاحظنا مدن القصدير المحيطة بالمدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ،  نجذ أناسا يعيشون ظروفا أقسى من تلك التي تعيشها وعاشتها الطبقة العاملة ، لهذا أعتبر أن الفقر والحزن ووووهي مرتبطة بالوضع العام للبلاد ، وإسقاطها فقط على الطبقة العاملة فيه نوع من الهروب إن لم تربط  بالوضع العام .
6 ـ  كتاب للدكتور محمد حسن عبد الله بعنوان الواقعية في الرواية العربية
7  ـ كنا الأسرة الثانية التي سكنت حي الطونو ، القريب من الجبال حيث توجد الآن إعدادية سيدي محمد بن عبد الله ، وكنا تقريبا  كل ليلة نسمع عواء الذئاب قرب منزلنا ، كما كنا نسمع ما يروى على الضباع في المنطقة .
8ـ  الدكتور مرسل فالج العجمي مجلة نوافذ المعرفة العدد السادس ، عدد بالمجان مع عالم المعرفة عدد 418 نونبر 2014 الصفحة 55

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *