Home»Enseignement»تقريرعامّ عن أشغال ندوة « أعلام ‘مغمورون’ ونصوص ‘نادرة’، سيرة وفهرسة وتحقيق » أعمال مهداة إلى روح محمد ألوزاد

تقريرعامّ عن أشغال ندوة « أعلام ‘مغمورون’ ونصوص ‘نادرة’، سيرة وفهرسة وتحقيق » أعمال مهداة إلى روح محمد ألوزاد

1
Shares
PinterestGoogle+
 

تقريرعامّ عن أشغال ندوة
« أعلام ‘مغمورون’ ونصوص ‘نادرة’، سيرة وفهرسة وتحقيق »
أعمال مهداة إلى روح محمد ألوزاد

نظّم فريق البحث في الفلسفة الإسلاميّة (كلّية الآداب، جامعة محمّد الأوّل) بتعاون مع ولاية الجهة الشرقيّة-عمالة وجدة أنجاد ندوة علميّة في موضوع « أعلام ‘مغمورون’ ونصوص ‘نادرة’، سيرة وفهرسة وتحقيق (أعمال مهداة إلى روح محمد ألوزاد) » يومي 28-29 ماي 2015 بقاعة نداء السلام بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بوجدة. وقد رامت الندوة بالأساس المساهمة في تحقيق نصوص في المنطق والكلام والفلسفة والتصوّف والحساب وأصول الفقه والتفسير والطبّ وغيرها، ألّفها أعلام قدامى أو محدثون، مسلمون وغير مسلمين، سنيّون وغير سنّيين، ساهموا في إثراء الساحة الفكريّة الإسلاميّة بشكل أو بآخر. ولا يخفى أنّ التراث العلميّ والفلسفيّ والمنطقيّ في الإسلام يحبل بكنوز لم تنشر وبأعلام غطّى عليهم آخرون ممّن كان لهم نصيب أكبر من الشهرة بسبب توافر ظروف ربّما لم تتح لغيرهم مثل المناصب التي تقلّدوها في زمنهم أو أنّهم تركوا تلامذة ساهموا في التعريف بأعمالهم، أو أنّ أعمالهم حظيت باهتمام أكبر فحُفظت في نسخ كثيرة وغير ذلك. وهذا الأمر الأخير لم يتح  لنصوص كثيرة ظلّت مفقودة إلى حين، أو مغمورة في مخطوط وحيد أو ضمن مجموع في ركن ما من أركان خزانة خاصّة أو عموميّة. والنماذج كثيرة جدّا من النصوص التي لم تُنشر بعد والتي تقبع في مختلف خزانات العالم شرقا وغربا. ولعلّه من النافل التذكير بما تزخر به خزانات مغربيّة ومشرقيّة كثيرة من أعمال غير منشورة في المنطق والأصول والطبّ والتصوّف والتفسير والفقه وغيرها. وإنّ مجرّد التعريف بمخطوط ما -عنوانه ومؤلّفه ولغته وخطّه وجملته الافتتاحيّة والختاميّة ووصفه وصفا خارجيّا وداخليّا- وبعض مضامينه والكشف عن أهمّيته في حقل تخصّصه لهو كفيل بأن يسدي خدمة كبرى للبحث العلميّ وأهله، ناهيك عن إخراجه إخراجا علميّا يجعل فائدته في متناول الدارسين. والأمر ينطبق على أعلام الفكر أيضا، من خلال دراسة سيرهم بما يعنيه ذلك من تتبّع مراحل حياتهم وسند تكوينهم وتعليمهم ومدارسهم ووضع فهرسة مؤلّفاتهم والكشف عمّا احتُفظ منها وغير ذلك. ومن المؤكّد أنّ من شأن كلّ ذلك إنارة جوانب قد تكون ظلّت غامضة في عصر من العصور أو في قضية من القضايا، بل وقد يساهم في إعادة النظر في بعض الأحكام السائرة غير المؤسّسة. إنّ الغرض، إذاً، يتجاوز التعريف البسيط إلى محاولة تسليط أضواء جديدة على سير بعض أهل العلم المغمورين ووضع كرونولوجيا مؤلّفاتهم وتحقيق نصوصهم. والغاية القصوى من هذه الندوة هي المساهمة في الكشف عن جوانب خفيّة ومهمّة من تراثنا العلميّ والفلسفيّ والعقديّ بالخصوص، ومن ثمّ المساهمة في تقدّم البحث العلميّ في جوانب من تاريخ الحضارة الإسلاميّة وخاصّة في حقل تاريخ الفلسفة والمنطق والعلوم في الإسلام.
وقد استهدفت الندوة أيضا استقطاب الباحثين المتخصّصين، الشباب منهم بالخصوص، وتشجيعهم على المضيّ قدما في إنجاز أبحاث جديدة تتناول موضوعات ومسائل غير مكرّرة، أو على الأقلّ لم تكن محطّ دراسات وافية في لغات العلم الحديثة وعلى رأسها الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة والإسبانيّة والتركيّة والفارسيّة والعربيّة وغيرها أو أنّها تحتاج إلى تطوير وإعادة نظر في ضوء توافر معطيات جديدة أتاحها تقدّم البحث. فكان هذا اللقاء العلميّ بالأساس فرصة أمام الدارسين الذين يشتغلون على علم من أعلام العلم أن ناقشوا نتائج أبحاثهم مع غيرهم، وكانت مناسبة أيضا في تحقيق سبق علميّ في التعريف بأعلام مغمورين ونصوص نادرة ومخطوطات ثمينة دراسة وتحقيقا وفهرسة؛ وذلك اعتمادا على مناهج علميّة معاصرة، مركّزين في كلّ ذلك على النصّ المخطوط بالدرجة الأولى، أو نصوص منشورة ذات أهميّة خاصّة ولم يُنتبه إليها كثيرا في مختلف اللغات. ومن المؤكّد أنّ مداخلات هذه الندوة لا تندرج في إطار الاهتمام الثقافيّ العامّ أو العقديّ أو السياسيّ بقدر ما رامت الدراسة العلميّة أوّلا وأخيرا من خلال الكشف عن نصوص وأعلام وقضايا بعينها مدعومة بشواهد نصيّة غير متداولة بتصوّر علميّ يشترط الأصالة والجدّة والموضوعيّة. وقد كانت الندوة مفتوحة أيضا أمام الطلبة الباحثين الذي يهيّئون أعمالا أكاديميّة حول شخصيّة علميّة غير معروفة كثيرا، مع اشتراط المنهج العلميّ والتدقيق التاريخيّ بعيدا عن العرض السطحيّ الذي تزخر به كثير من الكتابات التي قد تنقل معلومات غير مؤكّدة وحكايات صيغت في سياقات لا تصمد أمام النقد. وفي العزم الأكيد نشر أعمال الندوة وترتيب سلسة لقاءات أخرى في الموضوع نفسه ضمن أنشطة الفريق العلميّة المقبلة.
في الجلسة الافتتاحيّة، برئاسة طارق مداني، تناول الكلمة منسّق الندوة مذكّرا بواقع المخطوط المغربيّ ومسؤوليّة الجامعة والجامعيّين تجاه الكنوز التي تزخر بها الخزانات المغربيّة العامّة والخاصّة في مختلف المناطق، مشدّدا على ضرورة الانخراط في مشروع إخراج هذه النصوص والنهوض إليها وبها على نحو جماعيّ وفي إطار استراتيجيّ واضح، كما ذكّر بمساهمة أحد العلماء المغاربة المحقّقين، المرحوم محمد ألوزاد، الذي تهدى أعمال هذه الندوة إلى روحه، في تحقيق نصوص الفيلسوف الأندلسيّ المغربيّ أبي بكر بن باجة، وخاصّة نصوصه المنطقيّة. وفي محاضرة الندوة الافتتاحيّة حول « تعاليق ابن باجة على منطق الفارابي: التعليق على كتاب العبارة نموذجا »،  شدّد الأستاذ أحمد علمي حمدان، مدير مركز الدراسات الرشديّة بفاس، على أهميّة هذا النصّ وأهمّية إخراجه إخراجا علميّا. ووقف على تفاصيل دقيقة في تعليق ابن باجة على كتاب العبارة تكشف بالملموس أنّ ما يفهمه الناس بعيدا عن النصوص لا يعكس قطّ حقيقة الأفكار التي تحتويها النصوص في طيّاتها، وأيضا فإنّ النشرات السريعة تسيء إلى النصّ أكثر ممّا تفيده. وقد ذكّر المحاضر، بدوره، بمساهمة المرحوم محمد ألوزاد الذي كان وراء تأسيس مجموعة البحث في الفلسفة الإسلاميّة ودشّن مشروع تحقيق نصوص ابن باجة المنطقيّة تكفّلت المجموعة بإخراج واستكمال النصوص التي تركها المرحوم غير منشورة أو غير مكتملة التحقيق أو غير محقّقة من المتن الباجي المنطقيّ وغير ذلك.
وفي الجلسة الأولى، برئاسة فؤاد بن أحمد، لم يبتعد محمد مساعد، من المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، عن موضوع ابن باجة وألوزاد؛ فتناول « ابن باجة (ت. ح. 533هـ) بين جمال الدين العلوي ومحمد ألوزاد » موضّحا اشتراك هذين المعلّمين العلمين في الاشتغال على ابن باجة ومبرزا بعض أوجه الاتّفاق والاختلاف بين الرجلين في هذا الموضوع. وقدّم خالد الصقلّي، من كلّية الآداب، ظهر المهراز- فاس، عرضا مفيدا حول « أعلام بصموا التاريخ المغربيّ: دفنوا بفاس وأصبحوا في عداد النسيان » مترجما لهم ومبيّنا تواريخهم وأساتذهم وتلامذتهم ومؤلّفاتهم وغير ذلك مثل أبي الحسن الصغير وابن عبّاد وابن غازي المكناسي ورضوان الجنوي وابن عرضون والحبيب الأندلسي وأحمد ميارة وغيرهم. ومن جهته، وقف خلاف الغالبي، من كلّية الآداب بوجدة، عند « مناجم الزمرد في التراث العربيّ الإسلاميّ، نصوص مغمورة في التدوين الحديث لتاريخ التعدين » مبرزا المصادر التراثيّة التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر، وهي قليلة جدّا مثل مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي والجماهر في معرفة الجواهر للبيروني، أو في سياقات أخرى غير مباشرة، ملاحظا أنّ « كثيرا من الدراسات الحديثة التي تُعني بتاريخ تعدين الزمرد تضرب صفحا عن الخبرة العربيّة الإسلاميّة في هذا المجال ». وقدّم نصوصا للبيروني والجاحظ والمسعودي والإدريسي والزهري والتيفاشي وغيرهم، تتحدّث عن « مصادر معدن الزمرد على مستوى العالم المعروف في أزمنتهم »، وخاصّة في مصر.
وقد جاءت الجلسة الثانية، برئاسة خالد شيات، غنيّة ومتنوّعة بدورها؛ فقد عرّف محمد سعيد زكري، من الأكاديميّة الجهويّة للتربية والتكوين لجهة تازة-الحسيمة-تاونات، بعلم مغمور من علماء منطقة الريف هو « ابراهيم بن محمد اليزناسني وتراثه العلمي: جمع ودراسة وتوثيق ». ولي القضاء في فاس « في زمن أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن المريني، وكان رحمه الله –تام النظر، لا يدانيه أحد في ذلك، ملازما للتدريس، وله فتاوى كثيرة ومسائل ناظر فيها ». لم يذكره سوى « صاحب كتاب المعيار المعرب. رام الباحث جمع نصوصه وتوثيقها « من مختلف المصادر والمظان، قصد إبراز مكانة الرجل وعبره مكانة منطقة الريف والدور المبكر الذي اضطلعت به في بناء الحضارة المغربيّة ». وبدوره، عرّف فريد أمعضشو، من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة، برسالة « الطرثوث في فوائد البرغوث » للسيوطي (ت911هـ) »؛ فوقف عند صحّة نسبتها إلى السيوطي ومكانتها ضمن مؤلّفاته وأهمّية موضوعها مسجّلا بعض الملاحظات المفيدة على الرسالة. أمّا الباحثان مراد جدي وجمال لخلوفي، من أكاديميّة وجدة، فوقفا عند كتاب ‘التشوّف في رجال السادات أهل التصوّف’ (التشوّف الصغير) لأبي زيد عبد الرحمان الصومعي التادلي (ق. 11هـ)، قيمته وإشكالات تحقيقه »؛ بدءا بما يطرحه عنوانه من أسئلة وما يثيره من ملاحظات، وما تثيره المخطوطة الوحيدة الموجودة بالخزانة العامة للمملكة بالرباط د 1103، وكذا التنبيه على بعض الأخطاء التي شابت تحقيق المصطفى بن خليفة عربوش لهذا النصّ سواء ما تعلق منها بأسماء وأنساب المترجم أو المناطق التي ينحدرون منها، علاوة على مشكلة جنس القول وقيمته العلميّة والتاريخيّة مع اقتراح إعادة تحقيقه اعتمادا « على الحفر في عمق النصّ المناقبي والسعي إلى إعادة بنائه من خلال اللجوء إلى تقنيّة التوطين في المجال واستغلال الخريطة الضرائحيّة بالمغرب في هذا العمل ». وأخيرا، ترجم محمد عيساوي، من المركز الجهوي لمهن التربية بوجدة، لـ »العلامة أبو حامد العربي الدمناتي (ت. 1253هـ)من خلال فهرسته وإجازاته » الذي عاش في سياق حركة علميّة متميّزة في المغرب في عهد المولى سليمان. ألّف فهرسة بعنوان: « سمط الجوهر في الأسانيد المتّصلة بالفنون والأثر » جمع فيها أسانيده ومروياته من شيوخه، كما تنسب إليه أيضا « مجموعة إجازات من مشايخه المشارقة والمغاربة » بخطوطهم في خزانة خاصّة، وإجازة لثلاثة مستجيزين، علاوة على كناشتين احتفظا بهما في الخزانة الملكيّة وغير ذلك.
أمّا في الجلسة الثالثة، برئاسة فريد أمعضشو، فقد تناول الكلمة أوّلا الأستاذ مصطفى بنعلّة، من المركز الجهوي لمهن التربيّة والتكوين بوجدة، وسلط أضواء مفيدة على العالم اليهودي الأصل، الذي أسلم وأصبح من كبار العلماء النوازليّين، « محمد بن أحمد ميارة (ت. 1072ه) وكتابه ‘نصيحة المغترّين’. فعمد أوّلا إلى التعريف بهذه الشخصيّة الذي « لم يسعفه أصله الأوّل لكي يتقلّد منصبا عاليا » في أواخر العهد السعدي وبداية العهد العلوي، غير أنّه ترك مؤلّفات كثيرة. ووقف، ثانيا، عند كتابه نصيحة المغترين وكفاية المضطرين الذي يعكس واقع التعصّب الدينيّ الذي كان سائدا بين المسلمين واليهود الذين أسلموا (الإسلاميّين) في مدينة فاس بالخصوص. ولم يغفل الدارس التنبيه على بعض صعوبات التحقيق العلميّ للنصوص النادرة وتقنياتها من خلال تجربته في تحقيق الكتاب الآنف « وخاصّة تقنيّة نسبة الكتاب إلى صاحبه ونسبة النصوص المعتمدة  في الكتاب إلى أصحابها، وهي تقنيّات كثيرا ما يغفلها المحقّقون في أعمالهم ». وبعد ذلك، وقفت ربيعة سحنون، من مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفيّة المتخصّصة بوجدة، عند كتاب « شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علاّم الغيوب، لمحمد ابن محمد بن الفقيه بن العافية الزجني (ت1136ﮬ): إضاءات حول النسبة والمحتوى »؛ حيث عرضت أغلب المصادر التي نسبت الكتاب إلى صاحبه المقدسي، كما رصدت « معالم مسار الشارح محمد بن الفقيه، بإضاءة أهمّ محطات حياته »، سيرته العرفانيّة واسمه ونسبه وسمعته وسنده الصوفي ومنهجه ومصنّفاته، علاوة على أهمّ مضامين هذا الكتاب ومنهجه. أمّا عبد العزيز مليكي علوي، من الكلّية المتعدّدة التخصّصات بالرشيديّة، فقد كشف عن « علَم مغمور ومخطوطات فريدة من العهد السعدي »؛ أمّا العلم فهو العلامة الحافظ عبد الله بن علي ابن طاهر الحسني السجلماسي، وهو « علم موسوعيّ متميّز من العصر السعدي جمع بين اللغة والفقه والتصوف والسيرة والشعر وغيرها »، عاش ما بين القرنين الحادي عشر والثاني. وقد أعلن الباحث « لأوّل مرّة عن مخطوطات طالما تناقل بعض الناس أخبارها من الفهارس دون أن يقدر لأحد وضع اليد عليها ولا النظر فيها، وهي: مخطوطات تضمّ رصيدا هامّا من شعر المديح النبويّ؛ مخطوط يضمّ أكبر عدد من أسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ ومخطوط في السيرة النبويّة؛ علاوة على مخطوط في الأحاديث النبويّة الواردة في الجهاد. وأخيرا، طرق عبد العزيز بلبكري، من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بسيدي قاسم، موضوع « فقه النوازل بتافيلالت: مخطوط ‘نوازل مولاي أحمد بن الحبيب المدغري’ (ت. 1956م) » رام فيه التعريف بواحد من المؤلّفات المالكيّة المغربيّة المغمورة في فقه النوازل وخاصة في منطقة تافيلالت، أو حاضرة سجلماسة. وقد وقف عليه الباحث « في ربائد إحدى الخزانات الخاصّة بواسطة، في سياق البحث عن مؤلّفات تاريخ تافيلالت في الخزانات الخاصّة وفي ‘متلاشيات’ بعض الأسر منها ». وهو مخطوط مهمّ « يورد نوازل فقهية كثيرة تعكس الحياة اليوميّة لساكنة المنطقة/مدغرة تافيلالت »، وتطرح قضايا فقهيّة عديدة منها فقه المبايعات وفقه العبادات وفقه الحبس/الوقف وغير ذلك، كما يعرّف « ببعض فقهاء المنطقة المغمورين ممّن كان له باع في فقه النوازل والعلوم الدينيّة وغير الدينيّة، تأليفا وتدريسا ».
وقد هيمنت، على أشغال اليوم الثاني من الندوة، نصوص الفلاسفة والمتكلّمين والمناطقة عموما على جلستي الصبيحة. ففي الجلسة الخامسة، برئاسة محمد لشقر، درس سعيد البوسكلاوي، من جامعة محمدّ الأوّل بوجدة، « كتاب يحيى النحوي ‘في حدث العالم’ وحضوره في العربيّة (إعادة تحقيق ودراسة) »؛ حيث أوضح أنّه كتاب مفقود في أصله اليونانيّ، ولحسن الحظّ فقد احتفظ به في العربيّة بعنوان كتاب يحيى النحوي في الدلالة على حدث العالم، أو بالأحرى احتفظ بملخّصات منه، على ما يبدو، ترد في شكل معاني مقالات ثلاث من هذا الكتاب. وهو الكتاب الثالث الذي ألّفه يحيى النحوي في موضوع حدوث العالم بعد كتابي الردّ على برقلس والردّ على أرسطوطاليس. ويبدو أنّه كان متداولا لدى المتكلمين والفلاسفة. وكان ش. بينيس  Shlomo Pinesأوّل من نشر هذا النصّ مترجما إلى الإنجليزيّة ودرسه عام 1972؛ ولاحقا نشر جيرار تروبو G. Troupeau النصّ العربيّ مع ترجمة إلى الفرنسيّة عام 1984. وقد أوضح الدارس أنّ هذا الكتاب، أو ما احتفظ به منه، وإن كان لا يقدّم أدلّة جديدة مقارنة بالكتابين السابقين إلا أنّه يقدّم أهمّها بعد أن نزع عنها الطابع السجاليّ الذي تشكّلت في سياقه، خاصّة وأنّ صاحبه يصفه بأنّه كتاب جامع رام فيه تجويد الدلالة على حدوث العالم. وقد شرع الدارس، أوّلا، بتبيان أنّه كتاب صحيح النسبة إلى يحيى النحوي من خلال التعرّض للمخطوط، نسخه ونشراته ودراساته؛ وكشف، ثانيا، عن بعض مضامينه والأدلّة التي ركّز عليها يحيى النحوي في هذا العمل؛ وأبرز، أخيرا، بعض مواطن حضوره في العربيّة ودرجة تأثيره. و بعد ذلك، طرق محمد بنتاجة، من ثانوية الكتبية التأهيلية بمراكش، موضوع « الفتح الإسلامي لمصر: شهادة عيان لأسقف قبطي (قراءة تعريفية نقدية لـتاريخ العالم القديم ليوحنا النقيوسي (أسقف نقيوس، عاش الى أواخر ق 7 ميلادي) »؛ حيث كشف عن أهمّية الكتاب لا في التاريخ العامّ فقط، بل أيضا بالنسبة إلى الإسلام لمكان معاصرة مؤلّفه النبيّ محمد عليه السلام والخلفاء الراشدين. فهو شاهد عيان  على الفتح الإسلامي؛ غير أنّ رواياته « لم تخل من تجنّ على المسلمين »، في نظر الباحث، مقدّما عدّة أمثلة على ذلك. ومن جهته، خاض محمد أبركان، من كلية الآداب بظهر المهراز- فاس، « في صحّة نسبة المقالة في هيئة العالم إلى الحسن ابن الهيثم (ت. 432ه) »؛ فناقش تحقيق اسحق صفي لنغرمان وصحّة نسبة المقالة إلى ابن الهيثم؛ « وهو النقاش الذي أثاره ولا يزال الباحث والدارس رشدي راشد »، وقد عرض، أوّلا، الفصول التي يشتغل على تحقيقها من المقالة والمخطوطات التي يعتمدها في ذلك؛ وثانيا، قدّم ملاحظات حول تحقيق اسحق صفي لنغرمان؛ وأخيرا ناقش مضمون المقالة من خلال النقاش الذي أثاره الدارسون بصددها (بيير دوهيم، اسحق صفي لنغرمان، عبد الحميد صبرة، رشدي راشد، بناصر البعزاتي، محمد أبركان). وأخيرا، سلّط فؤاد بن أحمد، من مؤسّسة دار الحديث الحسنيّة، الرباط، « أضواء جديدة على كتاب المنطق لابن طملوس (ت. 620ه) ». وقد جعل مدخله إلى ذلك « الوقوف على نتائج ما أنجز من دراسات ونشر من أعمال بخصوص هذا الرجل منذ عمل أسين بلاسيوص الى نشرة العدلوني اﻻدريسي مرورا بأعمال مارون عواد وعبد العلي العمراني جمال ». وبعد ذلك عرض مضمون كتاب ابن طملوس في المنطق من خلال التعريف بأجزائه غير المنشورة.
وفي الجلسة الأخيرة، توقّف توفيق فائزي، من أكاديمية الجهة الشرقيّة، عند « شرف الزمان المروزي(ق. 6هـ) وكتاب طبائع الحيوان »؛ حيث عرّف بالمؤلّف وعصره وكتابه المخطوط حول طبائع الحيوان وكشف عن قيمته مقارنة مع كتب الحيوان التي ألّفت في زمن سابق. وتناول خالد شيات، من كلية الحقوق بوجدة، موضوع « رؤية الجسد ومعاني الحرية الذاتية والسياسية من خلال كتاب النظر في أحكام النظر بحاسة البصر لأبي الحسن علي بن محمد القطان الفاسي (628 ه-1221م) »؛ فأبرز أهمّية الكتاب وموضوعه وتأثيره « على مسار مفهوم الآخر والحدود التي تحدّد مجالات التواصل من خلال الجسد »، بل أكثر من ذلك إنّه يقوم، في نظره، على خلفيّة فقهية « متأثرة بالعقيدة السياسية للدولة الموحدية باعتبارها حامية لهذه القيم ». ولك يكن مرام الدارس الخوض في التفاصيل الفقهية، وإنّما تتبع « أصول الحرّية في الثقافة الإسلاميّة في الغرب الإسلامي من جهة، وتأثير الأبعاد السياسية على المقاربات الفقهية وعلى مفهوم الحرية المرتبط بالتغيير والتطوّر من جهة أخرى. والكتاب بهذا المعنى وثيقة أصليّة لنشأة الرؤية الذاتيّة والعلاقات المتعديّة مع الجسد الذي أثّر في رؤية المفاهيم الاجتماعيّة عموما، والمفاهيم السياسيّة التي أثّرت طويلا في البنيّة الثقافيّة في الغرب الإسلامي » في نظر الباحث. ومن جهته، عرّف رشيد كهوس، من كلّية أصول الدين بتطوان، بـ »الإمام الحافظ ابن دحية الكلبي الأندلسي السّبتي(ت. 633هـ): سيرة حافلة وآثار نافعة »؛ وقد شرع بالترجمة له (مولده ونسبه ونشأته وشيوخه وتاريخ وفاته وثناء العلماء عليه) ورصد بعض معالم إشعاعه وتأثيره؛ وفي مرحلة ثانية، كشف عن آثاره العلميّة في الحديث الشريف والسيرة العطرة والتاريخ والأنساب والعقيدة والفهارس والتراجم والأدب؛ وقد « حاول رصد جميع مصنّفاته المطبوعة والمخطوطة في جميع الفنون الشرعيّة »، والتعريف بها. أمّا محمد مريني، من الكلّية المتعدّدة التخصّصات بالناظور، فاختار دراسة موضوع « التخييل الشعريّ وسيط لنقل المفاهيم العلميّة (أراجيز ابن ماجد (ت. 904ه) أنموذجا) »، مؤكّدا بدءا أنّ المعرفة العلميّة تنقل أيضا بواسطة التخييل الشعري لا بواسطة الأقيسة العقليّة واللغة المباشرة فقط . والعرب عرفوا بنقل المعارف في منظومات وأراجيز في مختلف فروع المعرفة. وقد تخصّص ابن ماجد في موضوع الملاحة البحريّة على نحو فريد؛ بحيث نظّم فيه « ما يزيد على أربعين منظومة شعريّة ». وأغلبها مخطوطات، مع العلم أن بعضها ترجم إلى لغات أجنبية (البرتغالية، والروسية، والإنجليزية). وقد سلّط الدارس الضوء على هذه الأراجيز بشكل عامّ، وعرّف بها « من حيث مادتها، وتاريخ كتابتها، وأماكن وجود المخطوط…إلخ؛ بما من شأنه تيسير الاستعمال العلميّ لها ». وقد ختم طارق مدني، من جامعة محمّد الأوّل بوجدة، الجلسة بعرض قيّم سلّط فيه أضواء مفيدة على « العلاقة بين العلوم النظريّة والإنشائيّة في التراث الإسلاميّ: نصوص وأعلام »، مبرزا أنّ العلاقة وطيدة وأنّ المسلمين وظّفوا العلوم المختلفة في مراصدهم وحساب مواقيتهم ومعمارهم وغير ذلك؛ وأنّ العلوم لم تنفصل عن الحاجة الاجتماعيّة والحضاريّة عند المسلمين قطّ. وما يقال عن عدم وصول علوم نظريّة إلى منطقة الغرب الإسلاميّ غير صحيح لمكان وجود تطبيقات عمليّة وصناعيّة شاهدة على حضور هذه العلوم في هذه المنطقة؛ فالعالم الإسلاميّ عالم واحد بجناحين أو أكثر، وتنقّل الأفكار والتقنيّات كان دائما قائما.
وعموما، فقد تميّزت جل جلسات الندوة بمناقشات مفيدة، ومستفيضة أحيانا، في قضايا المخطوط والتحقيق بالخصوص، كما في قضايا مختلفة تراثيّة بالخصوص، منها ما يرتبط بسير أعلام وبأحداث تاريخيّة أو مرتبط بنصوص وقضايا نظرية أو عمليّة تسلّط الضوء على جوانب من الحضارة الإسلاميّة، وإن كان حاجز الوقت لم يسمح أحيانا بتبادل أوسع وتفاعل أعمق بين المشاركين والحضور.
وفي كلمته الختاميّة، عاد سعيد البوسكلاوي، منسّق الندوة، فتوجّه بالشكر مرّة أخرى إلى المشاركين وكلّ من ساهم في إنجاح هذا اللقاء العلميّ المتميّز من الجامعة وخارجها، مؤكّدا العزم على نشر أعمال الندوة، محدّدا أجل فاتح شتنبر من أجل استقبال الأبحاث في صورتها النهائيّة والمعدّة للنشر. ثمّ ختم كلمته الموجزة بقراءة إعلان توجّت به أشغال هذه التظاهرة العلميّة كما يلي:
بناء على النقاش الذي أثير أثناء الندوة، وبعد مشاورات وأخذ وردّ بين جلّ المشاركين على مدار يومي الندوة، أعلن منسّق الندوة في كلمته الختاميّة، باسم المشاركين، عن تأسيس مشروع بحث في موضوع التراث المغربيّ المخطوط، فهرسة ووصف وتحقيق. وهذا المشروع له هدف واحد هو المساهمة في فهرسة المخطوطات الموزّعة على مختلف الخزانات العامّة والخاصّة في مختلف ربوع المغرب، ووصفها وصفا علميّا، داخليّا وخارجيّا، وتحقيقها. ومنطلق هذا المشروع هذه الندوة وأرضيّتها. ويتكوّن فريق المشروع من المشاركين في الندوة مبدئيّا، ومن سيلتحق بهم من المحقّقين. وبعيدا عن تقليد التوصيّات، التي تختم بها عادة الندوات والمؤتمرات، وترفع اقتراحات إلى جهات أخرى يتوقّع منها تفعيلها وترجمتها على أرض الواقع، فإنّ إعلان هذه الندوة موجّه إلى المشاركين، بالدرجة الأولى، من أجل استكمال روح الندوة والنهوض بمشروع يجعل غرض الندوة عملا مؤسّساتيّا جاريا في المكان والزمان ولدى المشتغلين على المخطوط آنيا ومستقبلا. ومن ثمّ، فإنّ ما سيرفع إلى جهات أخرى، وطنيّة ورسميّة في الغالب، هو تصوّر مكتمل وبرنامج محدّد في عناصره وأهدافه وأعضائه وزمانه ومكانه وأعضائه غير ذاك. وعليه، فقد تمّ اقتراح خطوات عمليّة، حتّى لا يبقى المشروع حبرا على ورق:
أوّلا، إسناد تنسيق الأعمال التهيّيئية بما فيه تهييء ورقة المشروع وأرضيّته الأولى إلى فؤاد بن أحمد وسعيد البوسكلاوي مستفيدين في ذلك من مشاريع وطنيّة أو دوليّة مماثلة؛
ثانيا، اقتراح الورقة على جميع المشاركين في الندوة من أجل إغنائها والتفاعل معها؛ ويعدّ عضوا فاعلا في المشروع من تفاعل مع الفكرة إغناء واقتراحا بشكل مستمرّ دلالة على الرغبة في الاشتغال في هذا الإطار والالتزام بآدابه وآجاله التي ستحدّد في إطار هذا الإغناء، مع الانفتاح على غير المشاركين في الندوة، أفرادا وفرقا ومراكز بحث، لاحقا؛
ثالثا، صياغة المشروع في صورة نهائيّة بعد إغنائه ومراجعته وتدقيقه وضبط أعضائه وقانونه الداخليّ وغير ذلك؛
رابعا، البحث عن مؤسّسة تحتضنه معنويّا (قانونيّا) ومادّيا (تمويل أعماله ومقرّه وأطره)، أو تأسيس إطار لذلك؛
خامسا، البحث عن مصادر تمويل المشروع وتنويعها؛
سادسا، تنظيم دورات تكوينيّة متخصّصة وتقنيّة في طرائق الفهرسة والوصف والتحقيق ووضع برنامج إلكترونيّ لذلك؛
سابعا، تشكيل فرق عمل وتحديد المهامّ حسب التخصّصات والشروع في العمل على الفهارس والمخطوطات، رصدا ومراجعة ووضعا ووصفا للمخطوطات وتحقيقا؛
ثامنا، تنظيم قنوات إخراج الأعمال من خلال وضع لجنة تحكيم الأعمال والتعاقد مع مؤسّسات ودور نشر وغير ذلك.
إنجاز: سعيد البوسكلاوي
منسّق الندوة
bousklaoui@gmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.