Home»Enseignement»نموذج المعرفة والقيم : الزرنوجي رائد للتربية النشيطة : حرية المبادرة والاختيار في رسالة « تعليم المتعلم طريق التعلم »

نموذج المعرفة والقيم : الزرنوجي رائد للتربية النشيطة : حرية المبادرة والاختيار في رسالة « تعليم المتعلم طريق التعلم »

3
Shares
PinterestGoogle+

الزر نوجي رائد للتربية النشيطة: حرية المبادرة والاختيار

 في رسالة » تعليم المتعلم طريق التعلم . »

من أفطن فقهاء الحنفية ، وافاه المنون سنة 591 هجرية،من أنجب تلاميذ شيخ الأئمة الحنفية المرغيناني ، مؤلف كتاب الهداية ، ينحدر من بلدة زرنوج في تركستان…إنه عالم التربية الكبير، برهان الدين الزر نوجي، صاحب النظرات الفاحصة في التربية، إلى جانب القابسي ،وابن سحنون، وابن جماعة…من خير ما ألف في حقل التربية ، رسالته القيمة : »تعليم المتعلم طريق التعلم « ،التي تقع في ثلاثة عشر فصلا

1-في ماهية العلم والفقه وفضله. 2-في النية في حال التعلم.3-في اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات 4-في تعظيم العلم وأهله.5-في الجد والمواظبة والهمة 6- في بداية السبق وقدره وتربيته 7-في التوكل 8-في وقت التحصيل 9-في الشفقة والنصيحة 10-في الاستفادة واقتباس الأدب 11-في الورع في حال التعلم 12-فيما يورث الحفظ وفيما يورث النسيان 13-فيما يجلب الرزق وفيما يمنع وما يزيد في العمر وما ينقص.

ينطلق الزر نوجي  من مصادرة فكرية مؤداها : » أفضل العلم علم الحال، وأفضل العمل حفظ الحال »ص8 ،ثم يستطرد في تحليلها: » لايفترض على كل مسلم ، طلب العلم وإنما يفترض عليه طلب علم الحال » أي  » كل ما يقع له في حاله في أي حال كان »ص9

 إنها دعوة صريحة لمواكبة علوم العصر، ومسايرة مستجداته، وتحديث سلاح العلم لربح رهان التنمية الروحية ،وكسب تحديات التنمية الذهنية، و التحكم في متطلبات مجتمع المعرفة ،وما يقتضيه من منافسة ومواجهة لثقافة العولمة. وبعد ذلك يطرح أربع فرضيات في ص 6:

1- طلاب العلم يجدون في طلب العلم، لكنهم لم يبلغوا المراد.

2-طلاب العلم يحرمون من منافع العلم، وتطبيقاته المغلة.

3-طلاب العلم أخطأوا طريق العلم، وتركوا شروطه .

4-طلاب العلم، ضلوا طريق العلم.

يتولى  برهان الدين الزر نوجي   فحص هذه الفرضيات في باقي الفصول ،ويستهل تحليلاته المقنعة ،بإبراز مكانة العلم ،واعتباره علامة مميزة بين الإنسان، والحيوان ،ثم يعمد إلى تقسيم العلم إلى قسمين رئيسين :

منطلقا من قول الشافعي : »العلم علمان علم الفقه للأديان، وعلم الطب للأبدان، وما وراء ذلك بلغة مجلس » ص13

1-علم يقع في جميع الأحوال : ويتشكل من جميع صنوف المعرفة الدينية، التي يجمعها مصطلح الفقه وهو : » معرفة دقائق العلم مع نوع العلاج ». وعند أبي حنيفة : « معرفة النفس ما لها وما عليها »، وهو » بمنزلة الطعام، لابد لكل واحد من ذلك »ص12

2-علم يقع في أحايين : ويشمل كل العلوم الدنيوية ،باستثناء علم التنجيم ،لأنه هرب من قدر الله، وذلك غير ممكن وأبرز هذه العلوم، التي يختزلها تعريفه للعلم : »معرفة صفات المذكور، لمن قامت هي به »، علم الطب الذي يؤمن سلامة العقل، والنفس، والبدن لتلقي العلم وتطبيقه : » ماالعلم إلا للعمل به ، والعمل به ترك العاجل للآجل ».

 وإذا كانت قيمة العلم تتحدد بمدى قابليته للقياس ،والممارسة ، ويستدل على ذلك برد محمد بن الحسن على سؤال: لما لا تصنف كتابا في الزهد ؟ قال : قد صنفت كتابا في البيوع ، يعني الزاهد من يحترز الشبهات ،والمكروهات في التجارات ». ص 9 أي الغاية من طلب العلم هو تحقيق الجانب العملي فيه،  وهو تحصين النفس من الوقوع في المحرمات. ثم  اشترط على طلابه سبعة شروط هي :

1-النية :المقصود بها العزم، والإرادة، والهمة،  والرغبة في الاكتساب، والإفادة.

2-العمل به :لاتتحقق الغايات الكبرى من العلم، ولاتكتمل فاعلية، و قيمة تحصيلاته ،إلا بتطبيقاته المفيدة  ،لنفع الناس به ،وتغيير المحيط بإشعاعه.

3-التأثربه: لايكون للعلم المكتسب راهنية ،واستمرارية،  ومعنى ، إلا إذا ترجم إلى ثقافة يتوعى  الفرد بمضمونها، ويحول مبادئها إلى ممارسات عملية، وسلوكات ينتفع ويفيد غيره  بها، فيكون لتحصيله وقع طيب.

4-التواضع : من شروط اكتساب العلم، التحلي  بالتواضع، فهو أكبر حافز  للارتقاء في عملية التعلم، ونبذ الكبر، والخجل ،فهما معيقان عن التدرج في درجات سلم المعرفة.لذلك نصح طالب العلم بالشفقة ،والنصح، وتجنب المخاصمة : »عليك أن تشتغل بمصالح  نفسك ،لابقهر عدوك، فإذا أقمت مصالح نفسك، تضمن ذلك قهر عدوك » ص70

5- الصبر : هو أبرز حركات بلوغ الشأو في العلم ،وشرط أساس لتغلب النفس ،والجسد، على  الهوى ،والخمول ،والتقاعس، والرضى بالجاهز . ومن تمظهراته تحمل قسوة الأستاذ وطلباته، والصبر على الكتاب حتى تفرغ منه، وعلى العلم لغاية التحكم فيه، ولاتنشغل بمادة معرفية أخرى حتى تنتهي من المادة المعرفية  الأولى، ولاتنتقل من مكان لآخر حتى تحقق بغيتك من العلم . ويختصر الإمام علي كرم الله وجهه، شروط نيل العلم في  : الذكاء ،والحرص، والبلغة ( مايكفي للعيش)، وإرشاد أستاذ، وطول زمان.

6-تعظيم العلم والعلماء : تقدير جهود الأستاذ وتوقيره، واحترام أسرته، شرط لتأمين التفاعلية الاجتماعية، وهي مرتكز أساسي في تدبير الوسط المدرسي ،وتسيير  الفصل ،وإنضاج شخصية  المتعلم، في جوانبها العقلية، والنفسية ،والاجتماعية. »عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم  » أبو حنيفة.

7- التملق: صفة رذيلة، لكنها شرط للتقرب من المعلم، وكسب رضاه ،ومحبته ،وتحفيزه على بذل الجهود، وتطوير آليات التعليم، وأدوات التعلم.

على أن أكبر إنجاز تقدمه الرسالة، هو أجرأة مفهوم التربية على الاختيار، والتربية على الرغبات  ،من خلال ترسيخ مبدأ الحرية، وتفعيل مقتضياته الإيجابية على عدة مستويات :

1-اختيار العلم : يحث الزر نوجي طالب العلم على اختيار أحسن العلوم ،وفق معيار تحقيق المنفعة ،وتلبية الحاجة ، ووفق شرط المواكبة. فأحسن العلوم التوحيد …والطب لأن الطالب يحتاج إليهما في أمور دينه، ودنياه ،في الحال، والمآل.ولعل الدعوة إلى الاختيار أساسها قاعدة مراعاة الميل، والقدرة  على التطور في عملية الاكتساب ،وذلك قصد تحمل تبعات مسار التعلم، ومسالكه، ومنافذه، والنهوض بمسؤولية العمل به، وتطبيقه ،وتبليغه ،وإفادة الناس به.

2-اختيار الأستاذ : لايتحقق التلقي الجيد إلا بحب المادة، المتوقف على حب المدرس، الذي يختاره المتعلم  عن اقتناع ،وفق معايير تفضي إلى إصابة الهدف ،منها أن يكون المعلم:

*-الأعلم **-الأورع ***-الأسن.

 والمتأمل في شروط الاختيار، يلاحظ أنها تمس ثلاثة مجالات :

1-المعرفي : تمكن  المعلم من علمه ودقائقه ،والتمهر في كيفية الفعل ،والاقتدار في نقل المعرفة العالمة وتحويلها إلى متعلمة، و طرائق التبليغ،  وفق استراتيجية التعليم المتمركز حول  المعلم، والمتعلم.

2-الأخلاقي : التعلم يكون بالقدوة والتأسي ،ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت سيرة  المدرس حسنة، وأخلاقه فاضلة، فالتأثير الحقيقي يتم بالمعاملات، وبدماثة الخلق   .

3- التجربة: يشترط في المدرس أن يكون كبيرا في السن، مراكما للعلم والخبرة، حكيما وراجح العقل ،وازن التصرف، يملك نظرة فاحصة للأمور، ليكون  تأطيره غنيا، ومصاحبته مفيدة.

 يقول الإمام أبو حنيفة في هذا  الصدد ،معللا اختياره لأستاذه  :اخترت حماد بن أبي سليمان ،لأنني وجدته شيخا ،وقورا، حليما، صبورا في الأمور. » ص20

3- اختيار الشريك : يشترط الزر نوجي التفاعلية الاجتماعية، كقاعدة للتواصل الديداكتيكي بين المعلم، والمتعلم، والمادة ،وكذا نجاعة  العلاقات البينية ، بين متعلم  ومتعلم  داخل الفضاء القسمي ،أو أسطوانة العلم، في أفق الرفع من المردودية ،بواسطة المنافسة الشريفة مع  الشريك، في اتجاه ترسيخ أضلاع المثلث التواصلي :التبليغ، والتبادل، والتأثير لذلك شدد على تحلي الشريك، بصفات الجدية ،والورع، والطبع المستقيم، والتفهم …ونصح بتفادي الشريك  الكسلان، والمعطل، والمكثار، والمفسد، والفتان … لأن الأخلاق الذميمة كلاب معنوية …وهي دعوة صريحة  ،إلى مهننة التلمذة ،واعتبارها حرفة، تحتاج إلى بنينة.

4- زمن التعلم:

يعتبر التنظيم الزمني عاملا حاسما ،في تدبير التعلم، وملاءمة الوعاء المعرفي بالإطار الزمني، لذلك ميز الزر نوجي بين زمنين :

1-زمن التمدرس: يتم في كل الأوقات والأحوال ، لأن « الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها ». ويطلبه خاصة  ،في مرحلة الطفولة والحداثة ، والشباب… في أوقات معلومة  من النهار وخاصة في أول الليل وآخره ، وتكون الذروة يوم الأربعاء المخصص، للسبق ،والتكرار والإعادة ،والختم بصوت معتدل، فهو اليوم الذي خلق فيه النور.

2-زمن التعلم الذاتي : لايكتفي المتعلم بما حصله من علم، بل يشغل ما اكتسبه من مهارات  لتنمية المكتسبات ،وتحصيل معارف جديدة في أوقات مباركة، وهادئة، تكون النفس ،والعقل ،والجسد في لياقة حسنة ، تساعد على التلقي الجيد  ،ودفع الملل… كزمن مابين العشاءين ،ووقت السحر ،يقول برهان الدين : »اتخذ الليل جملا، تدرك به أملا. » ص38

5-طرائق التعلم :

تكشف الرسالة عن نظر تربوي ثاقب ،يتقاطع مع الكثير من البيداغوجيات النشيطة ، في الكثير من المبادئ ،واستراتيجيات التعلم، فيتحول الزر نوجي إلى رائد من رواد  الحركة التربوية الحديثة بامتياز ،عندما يدعو إلى تبني أساليب بيداغوجية  نشيطة تعطي الأولوية للتعلم  ،وترتكز على مبادئ الإعادة والاستظهار،  و الفهم والمبادرة ، والحوار والسجال، وفق أربع مراحل أساسية:

1-المطارحة : يعرض المعلم بواسطة الحوار التوليدي،  المادة المعرفية المتعلمة  بشكل مشوق، ومثير، يتحدى ذهن المتعلم، الذي يشاركه في العروض الفكرية ، بطرح السؤال واستعمال » اللسان السؤوب، والقلب العقول » ص 55 ،وتقييد مايحتاج إلى إفاضة، وشروح، وتفسير، فيكون المتعلم في موقف فاعل، ومشارك في بناء الصرح المعرفي، ويكون المعلم مرشدا.

2-المناظرة : يغني المعلم عرضه المعرفي ،إما بإحاطة المتعلم بالسجالات، والمناظرات  العلمية، التي صاحبت المعرفة المقدمة ،كرأي المذاهب الفقهية في نازلة ما ، أو حكم القراءات السبع أو العشرفي آية فلانية،  أو تخريج المدارس النحوية  لمسألة لغوية  معروضة … للتمكن من  السبب، والمكان، والزمان ،والكم، والكيف… أو يعرض درسه على شكل مناظرة ،من خلال تقديمه مع شريك، يساجله حول الدقائق، ويتحاور معه بخصوص القضايا الكبرى، والمواقف المتخذة منها  .

3-المشاورة :  يدعو الزر نوجي إلى التعلم، الذي ينبني على التفاعل، والتشارك، والمشاورة ،ويستدل على ذلك بقول الإمام علي كرم الله وجهه : » ما هلك امرؤ، عن مشورة  » لأن الناس رجل تام، ونصف رجل ولاشيء، فالرجل من له رأي صائب ويشاور العقلاء ،ونصف رجل من له رأي صائب لكن لايشاور، أو يشاور ولكن لا رأي له ،ولاشيء من لا رأي له ولايشاور » ص21 والمتعلم الجيد  في نظر الزر نوجي ،من يملك رؤية سليمة ويعمقها بالاستفسار، والمشاورة ،ويضيف عليها التأمل ، وتجنب الشغب ،والغضب يقول الزر نوجي : »رأس العقل أن يكون الكلام ،بالتثبت، والتأمل »

4-المذاكرة:يولي الزر نوجي أهمية كبيرة، للكتابة ،والفهم  ،والحفظ ويعتبرها مصادر حقيقية  للاكتساب، .يقول الزر نوجي : »حفظ حرفين خير من سماع وقرين، (مايثقل على الرأس) وفهم حرفين خير من حفظ سطرين . »ص50  لذلك يشترط على طالب العلم إحضار القلم، والمحبرة ليحفظ ما كتبه، بعد فهمه . وينصحه بمرافقة المتفهم، وتجنب المتعنت ، لأن « المجاورة مؤثرة  » ص53 .ويقدم له وصفة ناجعة لتقوية الحفظ، تقوم على تقليل الأكل، والنوم ،والكلام ، وتفادي تناول الكزبرة الرطبة ،والتفاح الحامض، والحجامة والابتعاد عن المعاصي، والهموم ،والأحزان ،ومضاعفة الجهود، والالتزام بالمواظبة ،وقراءة القرآن نظرا ،والصلاة في الليل… كما يوصي المعلم بالتدرج، والتركيز على الفهم ،قبل تكليف المتعلم بالاستظهار : »كان مشايخنا يختارون للمبتدئ ،صغارات المبسوط، لأنه أقرب إلى الفهم ،والضبط وأبعد من الملالة ،وأكثر وقوعا بين الناس »ص49

خلاصة

يقول برهان الدين الزر نوجي : » كان طلبة العلم في الزمن الأول، يفوضون أمرهم في التعلم إلى أستاذهم ، وكانوا يصلون إلى مقصودهم ومرادهم ، والآن يختارون بأنفسهم، فلا يحصل مقصودهم من العلم. « ص32 لقد تولت رسالة « تعليم المتعلم طريق التعلم « الإجابة على هذا الإشكال ،الذي يرجع أصله ،إلى  تمجيد المعرفة النظرية، التي تركز على الحفظ والتلقين، واعتبار المتعلم كائنا منفعلا… وتغييب المعرفة المهارية ،التي تعتمد على الفهم ،و تشغيل الملكات ،وامتلاك أدوات التعلم . وشتان بين تعليم ينشد المادة والمعرفة المفهومية ،وتعليم يستهدف الحرية والاختيار، ويقوم على الدراية و الفهم، والحوار والمبادرة ،والمطارحة والمحاججة، في أفق استعمال الملكات ومراكمة المهارات.

المصدر :

*-رسالة تعليم المتعلم طريق التعلم لبرهان الدين الزرنوجي الطبعة الأولى 1425 هجرية 2004 الدار السودانية للكتب طباعة ونشر وتوزيع. 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *