Home»Jeunes talents»المقامات الدفية : الدف الثلاثون – الرجل الذي لم يَعُد بالعنب قابضا فقال لا أستسيغه حامضا

المقامات الدفية : الدف الثلاثون – الرجل الذي لم يَعُد بالعنب قابضا فقال لا أستسيغه حامضا

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامات الدفية : الدف الثلاثون – الرجل الذي لم يَعُد بالعنب قابضا فقال لا أستسيغه حامضا

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلا من أهل الخمول والعجز والكسل ، اشتهر بتتبع واقتناص الفرص والطازج من الرزق والعسل ، وكان يميل إلى اليسر مفضلا جني ما لا يستطيع تحصيله بالجهد والعمل…كان مثالا يضرب في التهاون والجمود في الحركة ، متوهما أن ما يقوم به محفوف بالخير والبركة ، وظل ينزلق بين الجد واللعب كما ينزلق جلد السمكة…كان يميل كثيرا إلى الراحة عاشقا لذة الحلم في النعاس ، غير مهتم ولا مكترث بما يدور حوله من هم وكد الناس ، وكان كثير الحساب في يومياته حريصاً على العد والقياس…فبينما هو جالس يدبر أمر نوم ما في خاطره ، طارت ذبابة حوله وارتفعت ثم وقعت على ناظره ، فامتصت ما قُدِّرَ لها وهو مشغول برسم دوائره…طارت متثاقلة وسقطت على عنقود عنب في أعلى الكرمة ، وأخذت لها مكانا بصعوبة وسط الذباب والزحمة ، وحقنت منبت العنقود حتى أُصيبت الحشرات حولها بالصدمة…سرى دم صاحبنا في جذور الكرمة وتدفق في أوصال أخاديدها ، حتى كبرت وانتفخت أوراقها وتدلى عنب عناقيدها ، وأثمرت فاكهة بحجم البطيخ مبشرة باقتراب مواعيدها…وحدث أن خرج ليتفقد شؤونه وهو يشكو من العسرى ، مترددا يلوي برأسه متوجسا يُقدم القدم ويجرُّ الأخرى ، متمنيا كعادته أن يصادف فرصة سانحة تُمكنه من البشرى…يروي أحد الفضوليين المتوقعين الذين يُتقنون الحظ وأبراجه ، أن صاحبنا لما ابتعد عن منزله أحس بشيء يشد أوداجه ، فتَطَيَّر وحزن كثيراً ثم غير طريقه ورجع أدراجه…

مر بالكرمة وهي عارضة عناقيدها على المارة جهارا ، فجلس تحتها يطلب فَيْئاً بعد أن زادته الشمس حصاراً ، ثم غفا غفوة خفيفة رأى خلالها أنه أصبح حمارا…استيقظ مفزوعا معوذاً ولاعناً كل ما يمكن لعنه ، مستغربا غير مصدق لما رأته في النوم عينه ، ونظر إلى الكرمة فلاحظ أن العنقود قد تغير لونه…أزال عن جنبه حجرة التطمت بالكرمة وأحدثت بها اهتزازاً ، فسقطت على رأسه عنبة صغيرة اعتبرها استفزازاًً ، فانشغل بالعنقود تخطيطا وهو يريد به ابتزازاً…وبينما هو على تلك الحال يتخبط بين الرغبة والعجز ، خرج من الحَجَرة ماردٌ وفي يده سلة من اللوز ، فأشار عليه بما يريد بواسطة الإشارة والغمز…رأى شعلة نار تخرج من فم المارد وتستقر بين الأهداب ، وفهم أنه سيُصبح ذا شأن بعد أن فتح الحظ أمامه كل الأبواب ، وسيتحكم في وسائل العيش الرغيد وتكون بيده مفاتيح الأسباب…طلب من المارد أن يُحضر له أكبر عنبة في أعلى عنقود ، واستلقى على ظهره جاحظا عينيه فيه على وضع ممدود ، وما كاد يُكْمِل طلبه حتى كانت العنبة بين يديه في وقت جد محدود…عالجها بسكين كان قد خبأها بين جوانحه لوقت الحاجة ، وعند فتحها بالكامل خرج منها قزم كان مسجونا في قعر زجاجة ، وبيض مربع الشكل أحمر ما باضت مثله لا حدأة ولا دجاجة…أخذ المارد البيض وصنع منه طعاما زينه بشظايا اللوز ، وأضاف إليه شرائح إجاص ودوائر من الموز ، والقزم داخل الزجاجة قد أعيته محاولات النط والقفز…أكل صاحبنا ما طبخه المارد حتى أشبع رغبته ، ثم نظر إلى القزم ورأى فيه شيئا غريبا أثار ريبته ، وطلب من المارد أن يُفرج عنه ويفك رهبته…تحرر القزم شاكرا لصاحبنا حسن الصنيع ، عارضا عليه أن يكون خادمه الدائم وخير المُطيع ، فأنشد له شعرا أكثر فيه من الصنعة والبديع…    

الصَّدْعُ أفضل إنصافاً من النَّدَدِ      في رَدْعِهِ الفصلُ بينَ الكلبِ والأسَدِ

تَمَزَّقَتْ حُجُـبٌ وزالتِ القِبـبُ      خِيـانَةٌ حَـيْثُما وَلّـَيْـتَ بالعـدَدِ

حميرُ نهقٍ لَها ذَمٌّ على قَـزَمِ      لا تَعْجَـبَنَّ مـنَ الأقْـزامِ بالسَّنَـدِ

ناموا قروناً ولَمَّا نَفَضوا كَسَلاً      ظَنُّوا الذي ضـاعَ يُشْتَرى بِمُفْتَقَـدِ

يروي أحد الفضوليين المتخصصين في علم المعاني والفصاحة ، أن لفظة « حمير » استعملت على وجه الحقيقة والصراحة ، وإذا كان الأمر كذلك فالقزم سيُعاقَب على فعل الوقاحة…قارن صاحبنا بين ما رآه سابقا أثناء غفوته ، وما أشار إليه القزم في أيدع شعره وصفوته ، ثم أمر بقتله في الحال عقابا على هفوته…اقترب المارد وسلط بصره على جسم القزم ، وما هي إلا لحظة حتى أصبح قطعة من العدم ، لملمها القزم على شكل كرة وركلها بملء القدم…ذهل صاحبنا مما رآه وأدرك نهايته لا محالة ، واقتنع أن المارد ما كان إلا تفاهة وحثالة ، فتودد للقزم أن ما صدر منه كان غروراً وجهالة…اعتذر القزم مرددا « لقد سبق السيف العذل » ، مذكراً إياه أن ما لا يحصُلُ بالجد لا يتحقق بالكسل ، ثمَّ سَلَّ سيفاً حادا يريد عنقه على العَجَل…ولما عمد القزم دون تردد إلى قطع رقبته ، استيقظ فوجد نفسه بباب البيت قاعدا على عتبته ، ثم مات كارها للعنب ومشقة طول عقبته…وفي رواية أخرى أنه لما وجد نفسه بالعتبة رابضا ، أدرك أنه من المستحيل أن يكون على العنب قابضا ، ثم مات ثلاثاً متعللا بأنه لا يحب أكل العنب حامضاً…..
يتبع مع فضول آخر .    

     محمد حامدي

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. عبد الله السعيدي
    01/02/2013 at 22:36

    ما أكثر الذين يقولون نفس الشيء في مجتمعنا لما لا يستطيعون تحقيق مآربهم. أتنمنى من صاحب المقامة أن يتحفنا بالمزيد من هن هذه الظواهر الاجتماعية

  2. ادريس حامدي
    04/02/2013 at 14:58

    link to facebook.com
    تبرير الإحباط عن طريق انكار الرغبة في تحقيق الهدف في الاصل اصبح سلوكا سلبيا شائعا في مجتمعاتنا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *