Home»Enseignement»الدعوة الفصامية لإنقاذ المدرسة العمومية

الدعوة الفصامية لإنقاذ المدرسة العمومية

0
Shares
PinterestGoogle+

 

  حين سألت أحد العارفين بخبايا الشأن التعليمي ،الغارقين في همومه عن رأيه في مسار ومآل الإصلاح البيداغوجي ببلادنا، واجهني بما يفيد إحباطا ويأسا دفينين . إحباط لأنه طوال تجربته المهنية لم يجد الإطار والحيز الزمني  الملائم لتفجير كامل طاقاته ومهاراته بسبب زئبقية إيقاع الإصلاح وضبابية مرجعياته.ويأس لأن مقتضيات أي إصلاح معتمد في منظومتنا التربوية يقوم على مبدأي صلاح النية والإقتداء ،وهما مبدآن ينأيان بالذي يتبناهما عن التدبير العقلاني الرصين بأبعاده الإستشرافية ويقودان رأسا إلى واقع الإتكال وضعف المحاسبة. نحن نسلم أن صلاح النية أمر مطلوب على الدوام  لكن يبقى ثانويا بالقياس إلى جسامة مطالب التنظيروالتنزيل، ومن شأن الإعتماد على حسن النية وحدها أن يسقط العمل، الذي يراد له أن يكون ناجعا،في ارتجال وعشوائية مقيتة . أما مبدأ الإقتداء فهو ديدننا وطوق  نجاتنا ولا سبيل لإلغائه طالما أنه لم ندرك بعد صعوبة المرحلة ، ونتواضع على تبني مرجعية أصيلة لا شرقية ولا غربية،  تعفينا من واجب استجداء الحلول الجاهزة من ما وراء البحار.

    غريب أمر هذه المدرسة العمومية التي لم يستقم لها حال،رغم ضخ أموال طائلة في جميع أسلاكها من أجل انتشالها من واقع التردي الذي لازمها  لعقود. فلنتساءل إذن سؤالا مشروعا :أين يكمن الخلل؟ هل في واقع التنظير و أساليب التدبير أم في أداء الممارسين الذين شاعت في بعضهم مظاهر التقصير؟  لا مجال للتباكي على مآل التعليم ببلادنا ولا فائدة من تراشق المسؤوليات في جميع الإتجاهات، طالما أن هذا التباكي ليس إلا خلفية لواقع الفصام الذي يستفز الشعور وعنوان لنفاق استأنسته الضمائر وراح يفرض تعايشا قسريا على الجميع.

     إن شعار « جميعا من أجل الإلتفاف حول المدرسة العمومية » الذي تروج له الجهات الرسمية هو شعار براق لا يخلو من وجاهة ،ومن شأنه أن يسند المنظومة التربوية إذا ما حسُن فهمه مع استيعاب فلسفته،وإذا ما فعّل بالشكل الصحيح من طرف الجهات المعنية بالإصلاح. لكن ما نشهده حاليا ليس على هذه الصورة من التفاؤل..إذ يُخشى أن يتحول هذا الشعار من الإلتفاف حول المدرسة العمومية إلى الإلتفاف على المدرسة العمومية.كيف ذلك..؟

         -علينا أن نتصور ما يحضى به قطاع التعليم الخصوصي من تشجيع وإطراء وأساليب إغراء على المستوى الرسمي، وقبول قسري على المستوى الشعبي . وما يعانيه نظيره العمومي من حملات تبخيس وتشكيك تطال المنتسبين إليه، تطلقها جهات مغرضة مستغلة حالة الإرتباك والتعثر في تنفيذ مشاريع الإصلاح.

        -الدعوة إلى الإلتفاف حول المدرسة العمومية معناه أن هذه المدرسة هي الحلقة الأضعف في المشهد التعليمي، وهذا لوحده إقرار ضمني بالقصور. ذلك أن البون يزيد اتساعا بين مدارس البعثة والمدارس الخصوصية ونظيراتها العمومية، رغم استمرار السلطات التربوية في تنفيذ مشاريع الإصلاح الذي باشرته في العشرية الماضية وزادت وثيرته مع البرنامج الإستعجالي.وهذا لا يجب أن يعفي من المسؤولية الأدبية لجهة التبني الصريح للأولويات،والمجاهرة بالدعم الحقيقي  ولو على سبيل تكافؤ الفرص لإنصاف المدرسة العمومية، وكبح جماح الأخطبوط النفعي لأباطرة التعليم الخصوصي الذين ما زالوا مصرين على طلب المزيد من الإعفاءات الضريبية . ولا نقصد من هكذا موقف تهميش أو انتقاص من دور التعليم الخصوصي الذي يراد له أن يكون تنافسيا مع أنه، في الأصل، خلق ليكون تكميليا. فهو لا يحتاج إلى دعم لأنه عمليا يستفيد من حماس بعض المواطنين الواقعين تحت تأثير موضة العصر ودبيب الإشهار والذين يعتبرون ألتحاق أبنائهم بالمدارس الخصوصية نوعا من الحظوة الإجتماعية ومجلبة للتباهي أكثر منه حرصا على ضمان تعليم ذا جودة.

    لقد انقلبت الآية تماما وأصبحت المدرسة العمومية عزلاء تفتقد من يحميها من الهجمات والحملات المركنتيلية لشريكتها الخصوصية، وهي التي كانت إلى حين قريب، ملاذ الفاشلين الذين لفظتهم المنظومة الرسمية . هذه إذن مفارقة يجب التماس أسباب تجذرها في المجتمع المغربي،حتى نكون أقرب للإنصاف منه إلى الإذعان والقبول القسري لواقع يقض مضجع الآلاف من المواطنين المنتسبين لقطاع التعليم.

    إن أشد ما نخشاه في الوقت الراهن هو أن يتحول التبشير بالإلتفاف حول المدرسة العمومية لإحتضانها والحدب عليها، إلى مجرد بلسم سيكولوجي / دعائي ، يقوم على أساس الترويج النظري للمفهوم في غياب الإمكانيات والوسائل، فيما ينخرط الفرقاء التربويون ( جمعية آباء، تلاميذ ،بل وحتى بعض المدرسين ) في التبشير بطوق نجاة تمنحه المدرسة الخصوصية للحيارى والتائهين في بحر من اختيارات طال أمد قطف ثمارها.    

     على من نراهن لإنقاذ هذه المدرسة؟ على جماعات محلية يفتقد معظم أعضائها إلى النضج الكافي لتدبير دعم حقيقي حين تتدخل في الشأن التعليمي بهاجس إداري/فضولي. أم على مؤسسات المجتمع  المدني التي يلعب أغلبها على وتر  الإنتماء والإستقطاب السياسي؟  هناك إذن عوامل شتى تتدخل بشكل متظافر في الحفاظ على » الستاتيكو » وتجعل من الإلتفاف حول المدرسة العمومية واقعا افتراضيا موقوف التنفيذ ، والنتيجة استمرار النزيف في البنية التحتية و الخصاص المزمن وتناسل الشكاوى من كل حدب وصوب.

               محمد اقباش     

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *