Home»Enseignement»الحركات الإنتقالية التعليمية: هل سيتكررهذه المرة منطق الإحباط

الحركات الإنتقالية التعليمية: هل سيتكررهذه المرة منطق الإحباط

0
Shares
PinterestGoogle+

أيام قليلة تفصلنا عن موعد صدور المذكرات الخاصة بالحركات الإنتقالية لرجال التعليم. حركات هي بطعم الجمود ونكهة الإحباط واليأس بالنسبة للكثير منهم ،على الأقل، منذ ما يزيد عن عقد من الزمان . ومع ذلك ما زال المعنيون بها يرغبون في معرفة المزيد من أشكال إجرائها المحسومة، وتفاصيل شروطها الملغومة . فما أقسى واقع الإنتظار والتمني للنفس بشفافية طالما تعثرت أو بحظ قد يفرج عنه القدر.

  قرأت قبل أيام في إحدى الجرائد الوطنية  خبرا يلخص ما مضمونه أن نسبة عالية من رجال التعليم تحاول سنويا القيام بهجرة جماعية إلى الإدارة التربوية ، حيث سجلت طلبات المشاركة في الحركة الإدارية نسبة غير مسبوقة خلال هذه السنة ، في وقت يحتاج فيه القطاع إلى أطر تدريس متمرسة قادرة على تنزيل وتفعيل بنود الإصلاح. فقلت في نفسي : إن ما قام به هؤلاء هو عين الصواب.فقد شكلت مشاركاتهم المتكررة في الحركات الإنتقالية وهي على هذه الصيغة الإقصائية ،مصدر إحباط بالنسبة لهم ولطموحاتهم في استبدال العتبة كما يقول المغاربة . ثم هل نحتاج للتذكير بأن الحركة الإدارية هي من أكثر الحركات الإنتقالية ديمقراطية على الساحة التعليمية. فالمنصب الإداري الشاغر لا سبيل للإلتفاف عليه بالطرق الجهنمية المعروفة ( أحيل هنا إلى عرف التكليف الذي عرف تضخما في الإستعمال من طرف الجهات النقابية التي تتصرف في الموضوع بمنطق « لوزيعة »  ، فتحول إلى أداة للإحتفاظ بالمنصب بالنسبة للمستفيد، ووسيلة للإغتناء بالنسبة لراعيه ) . وأنا شخصيا أعرف زملاء أخطأوا الطريق ليجدوا أنفسهم وقد أسندت إليهم إدارة تربوية ، وذلك بعد تكرار المشاركة في الحركات التعليمية دون جدوى . فما كان عليهم إلا أن يختاروا مناصب إدارية نائية لتكون استفادتهم محسومة بسبب ضعف التباري عليها ، ولتذهب الكفاءة التدبيرية إلى الجحيم.

  وليس في واقع الحركات الإنتقالية في صيغها الحالية ما يبعث على الأمل ،لهذا نستغرب كيف سمحت النقابات العتيدة التي تسمي نفسها  » أكثر تمثيلية » بتمرير هذه الصيغة المعاقة والمعيقة لمصير عدد لا يستهان به من المترشحين؟  ليس فيها أمل لأنها اعتمدت صيغة واحدة ومنطقا أحاديا لا يعتبر مصالح الأطراف الأخرى ، واستغرقت في هضم حقوق هذه الأطراف دون التفاتة إلى الوراء ولسان حالها يقول: « إذا باركت النقابة فليس بمقدور الأستاذ إلا المبادرة للإستجابة ».  ليس فيها أمل لأنها تبني شروطها على معطيات كاذبة خاطئة يتم تمريرها من طرف مديرين مغلوب على أمرهم وإقرارها في المصالح المعنية بهذه الحركات، فيعلن الخصاص في غير محله والإكتظاظ في غير محله ، ويتم التستر على مناصب بعينها فتكون النتيجة ظهور أشباح متلحفين بوشاح سد الخصاص المشؤوم . ليس فيها أمل لأنها مسيجة بقانون الطلب الذي رفع سقف المشاركة وأفرط في الشكليات، وواقع العرض المحدود والمتواضع الذي لا يرقى لتلبية الرغبات المتزايدة.

  ما العمل إذن، والحالة على ما نرى من إمعان في الإحتفاظ بالمقاييس المتداولة ، وإصرار على تجاهل كل اقتراح مفيد، في جو من تضارب المصالح والأهواء النقابية؟

  لا بد أن يدرك الجميع أن مهنة التدريس هي مهنة ليست كبافي المهن . وأسوق هنا مثال المهن المكتبية كالقضاء والبريد وإدارة الضرائب..الخ فهي موزعة جغرافيا بشكل محدود ومدروس الجدوى، وموظفوها يؤدون مهامهم داخل مكاتبهم وينفضون أيديهم حالما يغادرونها ، بخلاف المدرس الذي تجده ملزما بالإلتحاق بمقرات عمل أقل ما يمكن أن يقال في شأن أغلبها أنها خارج التاريخ وداخل نتوءات الجغرافيا الأكثر صعوبة. إنهم يؤدون وحدهم،وفي صمت، الضريبة الثقيلة لتقريب الإدارة من المواطنين ، هذا المبدأ الذي أساء كثيرا إلى هيئة التدريس وزعزع مكانتها مجتمعيا . كيف لا وأغلبهم مرغمين على الإلتحاق بمناطق نائية تنعدم فيها شروط العيش والتنقل . لا نستغرب إذن في رجال التعليم فقدانهم هيبتهم التي لازمتهم لعقود، أيام كان العرض التربوي محدودا في مراكز حضرية وشبه حضرية. إنهم يقتسمون الآن وسيلة نقلهم مع الدواب والمواشي ، ويضطرون للجوء إلى مقر سكن لا يرقى لإيواء البشر.

  إن عمل المدرس هو بحق عمل صعب ،شاق ومحفوف بالإكراهات من شتى الأصناف ، فرجاء لا نريد مزيدا من تغليط الرأي العام بادعاء امتياز قطاع  التعليم عما دونه بالأجر الوفير والراحة والعطل. فليس من يعيش وكابد كمن يسمع ويزايد.  لذا لن ندعي أكثر من الحقيقة الساطعة حينما نقول : إن وزارة التربية الوطنية ، ومع تعاقب المسؤولين المسيسين والغير مسيسين على تدبير شؤون الموارد البشرية فيها قد ارتكبت جرما لا يغتفر، حينما أصرت على حرمان خيرة من رجال التعليم من الإستفادة من أقدميتهم العامة للمشاركة في الحركة الإنتقالية. فهم ليسوا أقل طموحا من غيرهم ،وأجدر بهم أن يتكافأوا ،على الأقل، مع شطط آخر يلاحقهم كل سنة وهو مطلب الإلتحاق بالأزواج ، هذا الحق المطلق الذي باركته النقابات « الأكثر تمثيلية » بحجة المواثيق والأخلاق تارة، وبدافع الإيثار للجنس الآخر تارة أخرى. مما جعل العملية برمتها أشبه ما تكون بممارسة دكتاتورية مغلفة بوشاح إنساني، إذ كيف يعقل أن تمنح هذه الأسبقية المطلقة للزوجات الموظفات ،ويحرم منها الموظفون المرتبطون بربات بيوت؟ ألسن هن الأخريات في حاجة إلى التئام الشمل بأزواجهن، وهن في الغالب غير القادرات على تدبير تكاليف العيش دون مساعدة الأزواج؟

  لماذا لا تفكر الوزارة في صيغة ثالثة للحركة الإنتقالية ،تسمح مثلا بالمناوبة كل سنتين أو ثلاث سنوات بين طلبات الإلتحاق بالأزواج والطلبات العادية. إن هكذا إجراء من شأنه أن يعالج الإنسداد الحاصل حاليا في قنوات الحركة الإنتقالية ولا شك أنه سيحضى بقبول الأطراف المعنية. نحن واعون بمحدودية وتواضع الإستجابة لكافة الطلبات . فالقطاع الخصوصي، المبتلى هو الأخر بأدواء لا حصر لها ،فعل فعلته كرأس حربة يخز باستمرار خاصر المدرسة العمومية الغارقة في همومها . أليس هو القطاع ذاته المسؤول عن إفراغ مؤسسات التعليم العمومي ، والتأثير المغشوش والماكر على اختيارات المواطنين أولياء التلاميذ باعتماد توجه سيبرنطيقي قائم على تبخيس كل عمل غير مؤدى عنه؟ّ لكن حبل الثقة لا زال موصولا بيننا وبين وزارتنا، عساها تبدع حلولا إضافية لما اهتدينا إليه بتفكير بسيط وبريء.

                                                         

                                                       توقيع / محمد اقباش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *