Home»Enseignement»في يوم من أيام حرية التعبير المغربية….

في يوم من أيام حرية التعبير المغربية….

0
Shares
PinterestGoogle+

الساعة الثامنة صباحا

بدأ توزيع أوراق اختبارات اللغة الفرنسية لامتحانات البكالوريا، فتحت حاسوبي يهُمني أن أعرف هل سيتم تسريب الإمتحان و متى سيحدث ذلك وهل حقا ستتمكن الحكومة المغربية من محاربة الغش؟ لكن الموضوع الأبرز و المُتصدر لأغلب المواقع المغربية هو ذاك المُتعلق بالحُريات الفردية و سفينة الشوّاذ و المسرح في المغرب ما يجوز فيه و ما لا يجوز، تجاهلت هذه المواضيع، و بعد حوالي عشر دقائق عثرت على صورةٍ لورقة اختبار اللُغة الفرنسية في أحد المواقع المُتخصصة في تسريب أسئلة الإختبارات(1) ، قلت لنفسي:  » يا ترى هل طلبةُ هذا الجيل عفاريت أم أن الإجراءات المتخدة في هذا الصدد بليدة وغير جادة؟ كان الطلبة من داخل قاعات الإمتحان يتبادلون مجموعة من التعاليق وحوارات مع من هم مُرابضين في الخارج، الطريف في الأمر أنه تم تصوير و نشر الصفحة التي تضم الأسئلة و لكن لا وجود للصفحة التي تضم النص الذي من المفروض أن تستخرج الأجوبة منه، يبدو أن الطلبة المغاربة فاشلون حتى في الغش !

الآن عرفنا جواب السؤال الأول.

الساعة العاشرة صباحا

شارع المسيرة مزدحم بالمارة و السيارات، و على طول الرصيفين المُتقابلين اصطّف عُمال البناء رفقة أدواتهم المُبعثرة هنا و هناك، بعضهم جاء من مُدن أخرى بحثا عن لقمة العيش، مرّ بقربي رجل يجُر عربةً و ينادي : » الشباكية…قهوة…شباكية »، بائسٌ يريد المتاجرة مع البُؤساء، المُؤسف أنه لم يشتر منه أحد….العمال البُسطاء يفكرون مراتٍ قبل صرف الدرهم الواحد ثمن حبّة الشباكية، أما الميسورون سيتوجهون إلى المخابز الفخمة لشراء قطع كرواسون في حجم الحُمّصة بما لا يقل عن ثلاث أو أربع دراهم للواحدة.

الساعة الحادية عشر وخمس و أربعين دقيقة

قرأت أنّ المغرب وَقَّع على برنامجِ دعمِ المُساواة و المُناصفة بين المرأة والرجل مع الإتحاد الأوروبي وحصل المغرب على إثرها على منحة مالية تقدر ب497 درهم ، لا أعرف لماذا يُذكرني دائما الحديث عن المساواة بين الرجل و المرأة بالنساء حمّالات الأثقال كاللواتي نراهُن في بوابة مليلية و نساء الأطلس اللواتي تحملن حطبا كثيرا و أشجارا فوق ظهورهن للحصول على قدر طفيف من التدفئة في الليالي الشتوية الباردة.  ترى ما نصيب هاته النساء من المساواة ؟ و أي نوع من المساواة هذا؟؟؟

الساعة الواحدة بعد الزوال

في الزاوية المقابلة لغرفتي كان صوت طرقٍ و حفرٍ يُدوّي في الخارج بشكلٍ متواصل و ينزل على رأسي كمِطرقة، كانت الحرارة شديدة في هذا اليوم الصيفي الطويل فلم أجرؤ على إخراج رأسي من النافذة لأعرف ما يحدث، فقلت في نفسي هذا عامل بناء لا بد أنه سيتعب ليتوقف الصوت بعد قليل.

الساعة الثالثة و الربع بعد الزوال

بعد تناول غذائي ولجت غرفتي لأقرأ كتابا عن عجائب الخلق في الكون العظيم، عن النجوم والكواكب و المجرّات و ما يعتريها من غموضٍ و عن العلم و التطور، قمت بإطلالة على الفيسبوك لأنشر بعض ما قرأت و لكن لا داعي الكل مشغول بنفس الموضوع فقد قيل أن هناك تضامنا واسعا مع الغزيوي بعد أن أهدر الشيخ النهاري دمه و لكن صوت الحفر مازال مستمرا، لم ينته بعد، مرة أخرى لا أقوى على فتح لوح النافذة، ترى عامل البناء المنكوب هذا تحت الشمس الحارقة من يتضامن معه؟

الساعة الرابعة و النصف قبل الزوال

يا الله مازال الحفر مستمرا ! أنهيت كتابي على مضض بسبب الحفر المتواصل، و لكني في غاية التعب و الإنهاك، لهذا سأتجاهل الصوت و أخلد لنوم خفيف، فكرت ترى كم سيتقاضى هذا العامل مقابل كل هذا العمل الشاق؟

الساعة الخامسة تقريبا.

آذان العصر، أفقت بعد قيلولة مُتقطعة و دائما السبب ذلك الحفر المتواصل أمعقول هذا أهو من جنس البشر ؟ تجرأت أخيرا على النظر عبر النافذة، كان المشهد مُؤلما، شاب ثلاثيني رُبما، بثياب رثّة مُمزقة، و وجه مُحمرٍّ يقطر عرقاً، كان يبدو كمن سقط في مُستنقع من القذارة، و لكنه كان يحفر بإصرار مُتواصل، و حركات آلية مُستمرة، قلت لنفسي لأُصبّرها: » لعله أوشك على الانتهاء ». قرأتُ على موقع القدس العربي خبرا مفاده أن المطربة « إليسا » أوشكت أن تُسبّب أزمة في الجزائر بسبب مبلغ 100 ألف دولار الذي ستتقاضاه مقابل آداء بضع أغنيات، الحقيقة أننا في المغرب استضفنا « شاكيرا » و « بيت بول » و غيرهم ممن حصلوا على ملايين البلاد و الحمد لله لم تحدث أزمات، أما العامل المسكين الذي يحفر منذ ساعات لن يحصل على أكثر من 100 درهم مقابل يوم طويل و شاق من العمل، و هو ما يعادل 3000 درهم في الشهر لو افترضنا أنه تمكن من ممارسة هذا العمل بشكل يومي.

لو أنه كان في جمال إليسا أو يُتقن الرقص كشاكيرا أو على الأقل لو كان مُدربا مُبدعا ك « جيريتس » لكان الآن يضع ساقا على ساق على حافة حمام سباحة في أرقى الفنادق و يرتشف عصيره في هدوء.

الساعة السابعة و عشرون دقيقة مساء.

شاهدت التلفاز، تناولت لمجة المساء، ثرثرت مع العائلة، أبحرت في بعض المواقع المغربية مازالت قضية النهاري و الغزيوي متصدرة النقاش المجتمعي، لقد قضيت يومي بحذافيره، و قمت بالعديد العديد من الأشياء، في الجهة المقابلة……أخونا ما زال يحفر. مهلا ! لعله ليس نفس الشخص لعله زميلٌ آخر له في الحفر، تدليت من النافذة لأتأكد …و قد تأكد لي أنه هو…هو نفس العامل المسكين الذي يحفر منذ ساعات.

الساعة الثامنة و خمسة عشر دقيقة

توقف أخونا أخيرا عن الحفر، توصلتُ إلى حقيقة واحدةٍ مفادها، أنّ الشعب المغربي يعيشُ في واد و الإعلام المغربي في واد آخر، الشعب المغربي يعيش في الوحل و الفقر و الجهل، أمّا الإعلام المغربي فهو لا يتعاطى إلا مع اهتمامات النُخبة وهي فئة من البشر أكلت حتى التخمة، و تعلمت في أرقى المدارس، و بعد أن شبعت و ارتاحت و تزينت و تمتعت لم تجد ما تفعله فقالت محدثة نفسها: » آجي، المغرب بلاد زوين و حنا بقينا بلا شغال، علاش ما ناقشوش الحرية الجنسية؟ « .

إنها فئة من الناس تعيش على السُحب فلا ترى إلا انعِكاس صورتها على البحار و المحيطات لا علم لها بوجود مخلوقات أرضية لا زالت تكدح من أجل الرغيف، و لا بوجود أناس لم ينالوا من التعليم إلا إسمه…و لم ينالوا من الصّحة إلا الصبر على تحمُل الألم.

خطر لي في اليوم المُوالي أن أتحامل على نفسي و أخرج في هذا الحرّ لأُسدي للعامل الكادِح المسكين نصيحة، فأقول له:

_تريد المال؟

_ فقط ما يكفي للحصول على رغيف الخبز و بعض السكر و الشاي للأولاد.

_ أنا عندي لك نصيحة ذهبية تجعلك تحصل على كلّ ما تريد و أكثر من شهرة و نجومية و أشياء لم تكن تحلم بها !

تهلّلت أساريره، فوضع مِعوله على الأرض و بدا كأنه يطلب مني أن أستمر.

_ الحل بسيط جدا، ما عليك إلا أن تُأسس جمعية، و تطالب بالحُريات الفردية، و حقّ كلّ إنسان مغربي في التصرف بجسده بما فيهم أًمك و أُختـ……..

قبل أن أُتم عبارتي، قطّب أخونا عن جبينه، و انقضّ على مِعوله فرفعه في وجهي يهُمّ بضربي، أما أنا فقد أطلقت ساقاي للريح….و قُبالة عيني ملامِح العامل المسكين، رغمَ الجوع و العذاب كان لسانُ حاله يُردد قول الشاعر:

أصونُ عِرضي بمالي و لا أُدنسّه            لا باركَ اللهُ بعد العِرض في المال

يبدو أنّنا حسِبنا أنفسنا دُولا متقدمة و شرعنا في نقاش مواضيع نُخبوية قبل أن نكون مُؤهلين لذلك، خُلاصة القول من واقع عامِل البناء المقهور،  » لا يُمكنك الشُروع في بناء الطابق الأول قبل التأكد من أن الطابق الأرضي موضوعٌ على أساسٍ متين، حتى لا يُهدم البِناء و نبيتَ كلُنا في الخلاء « .

(1) يظهر هذا الموقع بمجرد كتابة عبارة   » تسريب امتحانات البكالوريا » على محرك البحث.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. حمادي لخضر
    12/07/2012 at 23:10

    لا فوض فوك أيتها الكاتبة المتميزة، قد ناداني عنوان مقالك لمطالعته، ولم أندم ، فقد كان من أفضل ما قرأت ….

  2. رمضان مصباح
    13/07/2012 at 09:27

    قدرة متميزة على تركيب الفلاشات وتأسيس خلاصات سريعة لكنها عميقة الدلالة
    تحياتي رامية
    ولا تتغيبي

  3. رامية نجيمة
    13/07/2012 at 17:03

    شكرا جزيلا لكما أستاذيّ الفاضلين حمادي لخضر و رمضان مصباح على قراءة مقالتي المتواضعة و كذا على التعلقين الذين أسعداني كثيرا ، شرف كبير لي أن ما كتب قد نال إعجابكما.

  4. khadija
    14/07/2012 at 10:30

    pouvoir traiter différents thèmes avec une telle vivacité et d’une façon proche au quotidien d’un marocain montre que vous etre vraiment talentueuse pour l’écriture.BON COURAGE et écris nous d’autres articles

  5. Jawad
    14/07/2012 at 10:42

    L’article fait appel à un lecteur averti qui interprète de manière profonde ce qui se cache derrière les lignes: la juxtaposition de la fraude, la misère et les préoccupations d’une élite du peuple marocain. Ces sujets differents les uns par rapport aux autres ne sont quele signe d’un chao et déclin irréversibles.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *