Home»Enseignement»المؤسسات التواصلية و التنموية بين الحضور الشكلي و الغياب العملي

المؤسسات التواصلية و التنموية بين الحضور الشكلي و الغياب العملي

0
Shares
PinterestGoogle+

عبد النور القلعي*

يعتبر التواصل والتنمية من ركائز العملية النهضوية وأساسا للتغيير.

ولعل التجارب التنموية التي أغفلت جانب التواصل لم تنجح في تحقيق أهدافها، لغياب التشارك والجو الديموقراطي الذي يسمح بتواصل أفضل بين المسؤولين والمجتمع، ولغياب التواصل مع تراث وهوية الأمة التي حققت تجارب تنموية رائدة خاصة في عهد الخلفاء الراشدين وعهد عمر بن عبد العزيز والخلافة الأموية والعباسية، وفي فترات متباينة من التاريخ الإسلامي لما كانت الأمة موصولة بالوحي المحدد الأساسي للتنمية.

إن التنمية التي تستنسخ تجارب أوروبا دونما انسجام مع الهوية والمرجعية الإسلامية سيكون مصيرها الفشل، لأن أوروبا انطلقت من تراثها الإغريقي اليوناني ومن خصوصياتها اللغوية والاجتماعية…

ومغرب القرن الواحد و العشرين لم ينجح لحد الان في تحقيق إقلاع حقيقي ونهضة شاملة، لأنه قطع حبل التواصل مع مرجعيته الإسلامية التي حكمته أربعة عشر قرنا.

سأحاول في هذا المقال  أن أسلط الضوء على أهم المؤسسات التي تساهم في التنمية وتحفز التواصل الباني ،الذي يبني الإنسان المسلم المسؤول والواعي بواقعه وآفاق مستقبل أمته ممثلة في مؤسسات التربية والإعلام والمسجد، وكيف انها لم تعد تقوم بالأدوار المنوطة بها. 

                                          I.             التنمية و التواصل في التصور الغربي

إن أصل كلمة التنمية من النماء الذي يعني الزيادة والارتقاء، أي الانتقال من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى، ولا أكاد أجد تعبيرا أشمل عن مفهوم التنمية بهذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استوى يوماه فهو مغبون».

إن التواصل أداة التنمية وفي الوقت نفسه غايتها، فالتواصل داخل المجتمع يعزز التنمية، كما أن الازدهار والرخاء يفضيان إلى تواصل أوسع تواصل حضاري، حيث ينتقل نفع الإنسان لأخيه الإنسان. وهو ما شهدته الحضارة الإسلامية التي تواصلت مع الحضارات الأخرى وأمدتها بمقومات التنمية، ومن الشواهد على ذلك الأندلس وتواصلها مع الغرب، حيث كان ذلك التواصل من اسباب نهضة أوروبا.

لكن الغرب لما حقق التنمية المادية استفرد بها وجعلها أداة لقهر الشعوب، بل كان تقدمها على حساب ثروات المستعمرات، وفي التاريخ شواهد كثيرة، لعل أبرزها إبادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية واللاتينية، و نقل سكان إفريقيا لبيعهم كعبيد و أسواق الرقيق في سواحل إفريقيا خير شاهد على ذلك.

وإذا انتقلنا للحديث عن التواصل فالوضع لا يختلف كثيرا عن التنمية. إن تواصل الغرب مع بقية العالم هو تواصل السادة مع العبيد، والحاكم مع المحكوم.

حتى التواصل داخل المجتمعات الغربية، تواصل نفعي غير إنساني، وسأذكر نماذج تبرز غياب التواصل داخل المجتمعات المتقدمة:

إن الابن بمجرد بلوغه سن الثامن عشرة يستقل بذاته و تنقطع صلته عن والديه، لقد عرف CHARLES COOLEY التواصل بأنه: الميكانيزم الذي تنمو بواسطته العلاقات الإنسانية و تتطور. فأين هي العلاقات الإنسانية في ظل انقطاع التواصل بين الأب و ابنه؟

إن العلاقات الإنسانية تكاد تنعدم في المجتمعات الغربية، حيث يغيب التواصل بين الناس، و يعتبر انتشار دور المسنين و عجز مؤسسات الضمان الاجتماعي عن تحمل أعبائهم دليلا على فشل التنمية بمفهومها الغربي عن تحقيق الأمن المادي والمعنوي.

« ويعتقد أن عشرة آلاف من الناس، معظمهم من المسنين قضوا بسبب موجة الحر ( التي ضربت فرنسا عام 2003) وحدثت ضجة سياسية بشأن من يجب أن يتحمل المسؤولية  عن عدد الموتى، وقد جاء على لسان عمدة باريس أن العديد ممن توفي بسبب موجة الحر كانوا يعيشون حياة عزلة… ربما ليس لهم أقارب يهتمون بهم. »(1)

                                        II.            التواصل الباني من خلال المؤسسات

تعتبر المؤسسة سواء كانت تربوية أو إعلامية أو إدارية… أداة فعالة تتواصل الدولة من خلالها مع مواطنيها من جهة، و من جهة أخرى تسهل عملية التواصل داخل المجتمع، وتقوم بوظائف متعددة كالحفاظ على القيم و الهوية الحضارية الإسلامية للبلد، و بناء الكفاءات والطاقات، والدفع بالمجتمع نحو الانخراط في تنمية الوطن، وإخراجه من قعر التخلف.

إلا أن تلك المؤسسات قد لا تعي حقيقة دورها وخطورة وظيفتها فتكون معول هدم بدل أن تكون أداة بناء، و إذا أمعنا النظر في حال مؤسساتنا الإعلامية و التعليمية والإدارية… وتتبعنا برامجها وأداءها التواصلي التنموي لخلصنا إلى حقيقة كونها تمارس عملية تخريب العقول وحرب على القيم و تغريب للمواطن المغربي حتى يكاد يفقد هويته،  ينسى وظيفته في البناء و التشييد.

 

1.                     الإدارة وغياب التواصل

    «يقصد بالإدارة السلطات الأساسية التي تباشر الوظيفة الإدارية على نطاق ترابي معين».(2) 

وتقوم الإدارة بتسيير المرافق العامة الوطنية التي تنتج الخدمات وتوفرها لعموم المواطنين، عن طريق الموظفين و الأعوان أو الوحدات الإدارية. كما تضمن الإدارة تطبيق القوانين و احترامها.

    ويتوجه نشاط الإدارة بشكل أساسي إلى إشباع حاجات جماعية تدخل ضمن المصلحة العامة التي تشمل كل الحاجيات التي تعتبر مفيدة و نافعة للمجتمع، من قبيل توفير البنيات التحتية من طرق وماء و كهرباء ومرافق التعليم و الصحة….

   ويتعين على الإدارة، في تعاملها مع المواطنين الالتزام بالشفافية والموضوعية وتبسيط المساطر الإدارية الكفيلة بتشجيع المواطنين على الانخراط في مشاريع تنموية.

إن الإدارة هي الجهاز التنفيذي لمشاريع ومخططات التنمية التي تعمل الدولة على برمجتها، كما أنها الأداة التي تتواصل بها مع المواطنين، فهي تقوم بدور الوسيط ، وأي خلل في العملية التواصلية بين الإدارة و الأجهزة المركزية أو المرتفقين سيؤثر على مراحل تنفيذ المشاريع التنموية.

والملاحظ أن الإدارة المغربية لا تساهم بشكل فعلي في المشروع التنموي الجماعي، وتتجلى مظاهر الخلل في:

التعقيد على مستوى المساطر الإدارية.

غياب التواصل مع المواطنين و الفاعلين التنمويين.

غياب التشارك من خلال الانفراد باتخاذ القرارات وإعداد المشاريع.

عدم تقديم بيانات  و معطيات حقيقية حول الحاجات التي تحتاجها الساكنة.

انتشار ظواهر مرضية كالارتشاء و الاختلاس و استغلال النفوذ.

ونتيجة لهاته الأوضاع السلبية لحال الإدارة المغربية عملت الحكومة وعلى رأسها جلالة الملك على معالجة أمراض الإدارة من خلال إحداث الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، وتخليق الحياة الإدارية، و إحداث ديوان المظالم، و قيام المجلس الأعلى للحسابات بإعداد تقرير عن المؤسسات و الأجهزة التابعة للدولة صدر مؤخرا…

لكنني أعتقد أن تأهيل الإدارة المغربية لتقوم بأدوارها التنموية و التواصلية ينطلق من بناء الإنسان و إحياء الوازع الديني لأن سلطة الخالق أكبر وأعظم من سلطة  رقابة البشر.

 

2.                     المؤسسة التربوية فقدان البوصلة

إن التحدي الأكبر الذي يشغل بلدان العالم النامي الارتقاء و النهوض بالتعليم، حيث يعتبر السبيل الأمثل لتحقيق التنمية، و تعتبر الأمية المعرفية (لغوية معلوماتية، مهاراتية…) عائقا أمام انخراط فعاليات المجتمع نساء و رجالا في المشروع التنموي.

 وتعتبر المؤسسة التربوية مجالا لبناء شخصية الإنسان، فبعد النواة الأولى ممثلة في الأسرة، حيث يكتسب الطفل مجموعة من القيم و العادات قد تكون سلبية أو إيجابية، تأتي المؤسسة التربوية لتكمل البناء إما بتصحيح السلوكات و العادات التي تربى عليها داخل الأسرة، أو تعويد الطفل على قيم وعادات و اتجاهات جديدة تبعا للفلسفة التربوية للمجتمع وللسياسات التعليمية العامة ويطلق علماء الاجتماع على التربية اسم « التنشئة الاجتماعية » ويسميها الإعلاميون « التوعية والتثقيف »، بينما يسميها علماء  الأمة  « التهذيب والتأديب ». وكل هذه التسميات ـ رغم تباين بعض مدلولاتها ـ تعنى المفهوم الأعم والأشمل، وهو التربية.

     فالتربية كوظيفة مجتمعية تحفظ للمجتمع بقاءه واستمراره، وتعمل فى ثلاثة مستويات:

أ‌-                   مستوى الفرد: وفيه تُعنى التربية بتنمية الإنسان الفرد، تنمية جسمية، وعقلية، ووجدانية شاملة.

ب‌-              مستوى المجتمع: وفيه تُعنى التربية بإعداد الفرد للحياة الإيجابية فى المجتمع، وذلك بإعداده للقيام بأدواره المختلفة.

ج-      المستوى الحضاري/ الثقافي: وفيه تحرص التربية على: نقل التراث الثقافي نقلاً دينامياً من جيل لآخر، وتمكين الأفراد والجماعات من المشاركة والاستمتاع بالثمار الثقافية والحضارية للمجتمع، وإعداد الأفراد والجماعات للقيام بدورهم في بناء وتطوير ثقافة المجتمع وحضارته المستقبلية.

 وعندما تقوم المجتمعات بوظيفة التربية فإنها تقوم بها عن طريق الأفراد (الآباء والأمهات)، والمؤسسات ( التعليمية، والإعلامية، والدينية، والاجتماعية..) المختلفة. فالتربية من هذا المنظور تشبه مظلة كبيرة، يعمل في ظلها ومن أجلها مؤسسات وأجهزة متنوعة.

وتعتبر المؤسسة التربوية من أهم تلك المؤسسات، حيث يلتقي الطفل مع أقرانه و يكتسب المعرفة و الأخلاق و القيم في إطار منظم عبر برنامج ومنهاج.

إن المدرسة تقوم بتربية الإنسان و المجتمع على حد سواء، فإذا كانت التربية تساعد على تشكيل الإنسان، رجلا أو امرأة، فإنها تسهم في تشكيل المجتمع أيضا، إذ أنها تتضمن مفهوما للحياة الأفضل و المجتمع الأفضل. (3)

ولا تتم التربية إلا عبر التواصل، و التواصل داخل المؤسسة التربوية يتميز عن أشكال التواصل الأخرى بكونه يتم مع أناس هم في طور تكوين الشخصية، و أي خلل في العملية التواصلية داخل الفصل الدراسي سيؤثر بصورة مباشرة على بناء شخصية الطفل.

ولكي تنجح عملية التواصل البيداغوجي لابد من اتباع أساليب تربوية سليمة نستلهم بعضها من السنة النبوية الشريفة:

النصح و الإرشاد: وقد ركز النبي صلى الله عليه و سلم على هذا الأسلوب، حيث قال صلى الله عليه و سلم: »الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم»(4).

وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم كثير النصح لأصحابه، ينصحهم بالتيسير بدل التعسير، و باجتناب الغضب…

أسلوب التذكير: وهو أسلوب مكمل لأسلوب النصح و الإرشاد، كما أن له أثرا إيجابيا على السامع خاصة الأطفال لسلامة فطرتهم، و يؤكد القران الكريم على أهمية التذكير في عدة آيات: قال تعالى:« وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُومِنِينَ». الذاريات 55.

وإذا وظف المربي الآيات و الأحاديث النبوية في تعامله مع تلامذته فإن النفع الذي يتحقق من وراء ذلك عظيم، إن امتلاك المعرفة أمر مطلوب و له أهميته، لكن الأهم من ذلك أن يوظف المعرفة في ما ينفع الناس، إن الطبيب في مستشفاه و الموظف في إدارته والقاضي في محكمته و المعلم في قسمه… لا يمكن لأحد أن يراقبهم رقابة دائمة، فالجور في الحكم و عدم أداء المهام و شهادة الزور و آفة الرشوة… كلها أمراض أصابت الأمة حين تخلت عن المنهج النبوي في التربية.

لا يمكن الحديث عن التنمية ما لم تعمل مؤسسات التربية على غرس قيم حب العمل والبذل و العطاء و الخشية و الإتقان… في نفوس الأطفال، تلك هي مسؤولية المجتمع والمربي بالأساس وهي أساس الخيرية التي خص الله بها هذه الأمة، قال تعالى:« كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَامُرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. » سورة أل عمران110. أساأااااااانىتت

ولقد قال النبي صلى الله عليه و سلم:« وَ الذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكُرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّّ اللَّهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.»(5) 

إن الدولة المغربية تخصص ميزانيات مهمة لإصلاح المنظومة التربوية، وتعمل على الزيادة في الأجور، لكنها في المقابل لا تحقق النتائج المرجوة، و الدليل على ذلك التراجع على مستوى التصنيف العالمي للتنمية البشرية فيما يخص مستوى التعليم.

ولقد تم تنزيل مخطط استعجالي خصصت له ميزانية ضخمة بهدف إصلاح ميدان التربية و التعليم، لكن دون جدوى، والخلل يرجع في الأساس إلى التخطيط الاستراتيجي الذي يركز على الجوانب المادية في الإصلاح بدل إصلاح الموارد البشرية، وتنمية الوازع الديني واستحضار الرقابة الإلهية.

ومادامت السياسات تغيب الاهتمام بالموارد البشرية فلن ينجح أي إصلاح تربوي.

 

3.                     واقع المؤسسة الإعلامية التواصلي التنموي

يعتبر الإعلام أحد أهم وسائل التنمية للمكانة التي يحتلها في حياة المشاهد و للتأثير القوي الذي يمارسه على الناس، و يمكن اعتبار الإعلام سلاح ذو حدين قد يستعمل لخدمة التنمية وقد يستعمل لعرقلة المسيرة التنموية.

فهو يشكل إلى جانب المؤسسة التربوية أدوات التغيير في المجتمع.

إن إعلام اليوم إعلام متنوع، بين المقروء و المكتوب و المسموع، من صحافة و تلفزة ومذياع و شبكة الانترنت و الهاتف المحمول…

والدول اليوم تضع ضمن أولوياتها النهوض بوسائل الإعلام وتوظيفها لأجل التنمية. فهل يخدم إعلامنا المغربي أهدافا تنموية نبيلة؟

إن الرسائل الإعلامية قد بلغت مستوى عال في التأليف والإخراج والتقديم، وأصبحت ما تحتويه من مضامين لها أثر عميق في القيم والاتجاهات التي تتسلل إلى عقول كل أفراد الأسرة. فقد استطاعت أجهزة الإعلام أن تزيد من هوة اغتراب الفرد في مجتمعه، مما ساهم في تقليل قدرة كل جيل على التفاهم مع الجيل الذي يسبقه.

لقد أصبح لوسائل الإعلام دور كبير في تنشئة الأجيال و تكوين المواقف و الاتجاهات، ويمكن القول أنها تعمل على صناعة الرأي العام.

إن وسائل الإعلام المغربية بالخصوص تعمل على هدم القيم و على إشاعة جو من اللهو والمرح المذموم، إنه العيش في اللامعنى، كما أشار إلى ذلك الدكتور مصطفى بنحمزة في أحد دروسه، إن الإعلام المغربي المرئي خاصة ليست له وظيفة تربوية بل يسعى إلى هدم ما تبنيه المؤسسة التربوية أو الأسرة.

 وقد زاد ذلك من صعوبة قيام الأسرة والمدرسة بأدوارها ومسئولياتها التربوية على الوجه الأكمل، وذلك تحت وطأة التأثيرات الإعلامية التي تعمل في اتجاهات مخالفة. فأصبحت البيئة التربوية للإنسان المغربي مصابة بالتلوث، بمعنى وجود مؤثرات غير مرغوبة في الوسط الذي يتربى فيه الإنسان منذ نشأته ويتعامل معه. وهذه المؤثرات من شأنها التشويش على بعضها، بما يهدد النمو السوي للإنسان من النواحي الجسمية، والعقلية والوجدانية.

ومن الأخطار التي يحدثها التلفاز بقدرات الطفل العقلية في بداية سنواته الدراسية. فقد لوحظ أن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز بكثافة يكونون أكثر معاناة من التخلف في القراءة والفهم والمحادثة، فضلاً عن رفضهم مشاركة الآخرين في تجاربهم وأدواتهم.  كما طمس التلفاز الشعور بالاندهاش والانبهار، فعندما تُرى أشياءً جديدة سرعان ما يُقال: لقد شاهدته على التلفاز.

 على الرغم من الدور الإيجابي الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة، المتمثل في نقل المعلومات والمعارف والاتجاهات والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها بالمقابل تلعب دورا خطيرا وسلبيا إذا ما أُسئ استخدامها. فالانفتاح غير الرشيد، والتعاطي السلبي، والاستخدام غير المشروع لوسائل الإعلام يترك تأثيرا واضحا على فكر الفرد وسلوكه، وأنماط تفكيره، نظرا لما يحدثه من فراغ روحي وفكري لديه. حيث يحمل إعلام عصر المعلومات في طياته مخاطر تستوجب إعادة النظر في مضامين برامجه، وما تحدثه من تغيرات جوهرية في منظومة المجتمع.

ونتساءل ماذا ينبغي للتربية أن تفعل تجاه تيارات العولمة التي تبثها قنوات الإعلام المختلفة؟ و المغربية لا تشذ عن القاعدة.

 إن الإجابة مختصرة وبسيطة، لكنها تحتاج إلى عمل جاد و دؤوب، لان معاول الهدم أكثر من سواعد البناء. فالإجابة هي أن تمارس المؤسسات التربوية (بيت، مدرسة، مسجد، جمعية) وبفعالية غرس القيم والسلوك الحميد، لأنه لا يوجد لدينا – بعد الله سبحانه و تعالى إلا هذا السلاح، حتى ننجو في الدنيا والآخرة.  و الإشهار أحد اخطر تلك المعاول، نظرا للسموم التي يبثها من خلال الإرساليات الإشهارية و التي تمرر بشكل ضمني وبصورة نمطية.

يقول جيري ماندر: لقد ولد الإعلان ( الإشهار) فقط لإمداد الناس بما لا يحتاجونه فلو كان كل ما يحتاجونه متوفرا لما كان بحاجة لأي إعلان.(6)

إن الخطاب الإشهاري لا يهدف فقط إلى إعلام الناس بأنواع المنتجات التي يحتاجونها بل يسعى إلى خلق حاجات جديدة، إن الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه يتمثل في توجيه المجتمع إلى الاستهلاك، و أكثر من ذلك إلى الاستهلاك المفرط.

«ما من شك في أن الإعلان ( الإشهار) التلفزيوني يثير الشهية، و يحث على الفضول، و يدعو إلى المغامرة، و يفتح أبوابا جديدة في الاستهلاك… و لذلك يعمد المنتجون إلى إيهام المشاهدين بالحاجة الملحة لهذه السلعة أو تلك»(7).

والإشهار المغربي لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو يحاول خلق حاجات لدى المشاهد، من خلال إشعار المشاهد بنقص ينتابه و هو يشاهد الوصلة الإشهارية، ويتم ذلك بالتركيز على الجانب النفسي، فشعور الإنسان بالنقص إنما يتم في أغوار نفسه، و يمكن تصور الآثار السلبية لهذا الشعور حيث سيسعى المشاهد باللاوعي إلى تلبية تلك الحاجة المستجدة، ولا تتم تلبيتها حتى يجد نفسه أمام حاجة أخرى، أملاها عليه الإشهار، فلا يبرح يدور في حلقة مفرغة، حتى يصاب بمرض التسوق.

ومن الخطابات التي يروجها الإشهار خطاب الغريزة الجنسية، حيث يستغل المسؤولون على الإشهار المغربي جسد المرأة و جمالها لتمرير سلعهم و بضائعهم، فهم من جهة يمتهنون المرأة و من جهة أخرى  ينشرون الرذيلة.

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ »(8).

وقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم: إن الدنيا حلوة خضرة، و إن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا فتنة النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.

إن الخطاب الإشهاري و هو يخاطب الغريزة الجنسية يدمر كيان الرجل و من بعده كيان الأسرة لينتقل الداء إلى المجتمع، حيث ينتشر الفساد الأخلاقي وتحارب القيم الإسلامية المغربية رمز الهوية و الثقافة و الحضارة.

4.                     المسجد المؤسسة التنموية المُغًيبة

لما كانت التربية الإسلامية تعنى ببناء الشخصية المسلمة في إطار المجتمع المسلم بناءً متكاملاً، فإن المسجد يسهم في تحقيق هذا الهدف من خلال أنشطته المختلفة التربوية والاجتماعية. ويرجع ذلك إلى أن الإسلام دين اجتماعي يسعى إلى إيجاد المجتمع الصالح وتكوين الفرد الصالح. فلا يتصور الإسلام الفرد المسلم إنساناً منعزلاً في خلوة أو راهباً في صومعة، بل يتصوره دائماً في جماعة حتى في عبادته لربه. ومن هنا هدفت المساجد في الإسلام إلى تحقيق هذه الصورة الاجتماعية القوية وإقامة المجتمع المتماسك الذي تربطه في المقام الأول روابط العقيدة.

لذا كان المسجد على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم مكاناً للعبادة والاعتكاف والتعليم والتوجيه، ومكاناً لتشاور المسلمين وتناصحهم فيما بينهم. وكان فيه التقاضي، وكان مقراً للقيادة، وتطبيب المرضى. فضلاً عن أنه كان مركزاً للتثقيف. كما كانت توثق به عقود الزواج، كذلك كان مكاناً لاستقبال الوفود والسفراء، إضافة إلى أنه كان يمثل داراً للإعلام، كما كان داراً للإغاثة والرعاية الاجتماعية.

إن إقامة المسجد أول و أهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي، ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ و التماسك بالتزام نظام الإسلام و عقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد و وحيه.(9)

إن الوظائف التي يقوم بها المسجد تسهم في بناء مجتمع متكامل، يسعى إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الجسد و الروح، و تلك غاية التنمية الحقيقية.

ولعل أولى تلك الوظائف: تهذيب النفس و إعدادها للقيام بمهام الاستخلاف وعمارة الأرض، أي التنمية الإنسانية، قال تعالى:«فِيهِ رجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» سورة التوبة 109.

فالطهارة المعنوية إنما مكانها المسجد حيث الهدوء و السكينة الروحية، فالمسلم حين يلج المسجد بقصد الصلاة يجدد الصلة  والعهد مع الله، و يتطهر من زلاته و عثراته، و هو يذكر قوله تعالى:« إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أّكْبَرُ.».سورة العنكبوت 45.  فيخرج المسلم طاهرا من ذنوبه و معاصيه، مجددا حيويته و نشاطه لأجل البذل و العطاء.

وفي المسجد تلتقي جماعة الحي والقرية والمدينة، خاصة في خطبة الجمعة، حيث الوعظ و التذكير و تجديد الإيمان و الصلة بالله.

لقد كان المغاربة يقدرون مكانة مؤسسة المسجد، فكان حاضرا في كل المدن و القرى و المداشر، و كان يقوم بوظيفته الأساسية في بناء العقل و الفكر و تقويم السلوك، و لم يكن مغيبا كما هو الآن، حيث أصبح دوره مقتصرا على أداء الصلوات الخمس و صلاة الجمعة، فصرنا نلامس واقعا علمانيا طاغيا على المجتمع المغربي. و النتيجة تخلف في عديد من المستويات التنموية.

إن المسجد أدى ولا يزال وظيفة التربية والتعليم، إن الحديث عن الدور العظيم للمسجد في التربية والتعليم ونشر العلم والمعرفة بين المسلمين ماضياً وحاضراً، لا يعد انتقاصاً من دور الجامعات ومعاهد التعليم. كما لا يعد دعوة إلى قصر التعليم على التعليم المسجدي الذي كان سائداً في بعض المساجد، وإنما الهدف هو الكشف عن الدور الحقيقي للمسجد في الإسلام في ميدان التربية، فضلاً عن تفعيل هذا الدور وإمكانية الإفادة منه في وقتنا المعاصر.

 كما تجدر الإشارة إلى أن المسجد روح قبل كل شيء، ومتى وجدت هذه الروح في الجامعات والمعاهد والمداس وفي العالم الإسلامي، كانت قادرة على أداء دورها في إحداث النهضة وبث اليقظة ومحاربة الانحراف الديني والخلقي والسياسي والتربوي وغيرها من الانحرافات في أوساط المسلمين. وعندما يصبح معلمو المدارس ومديروها المشرفون عليها على درجة عليا من الخلق والاستقامة والكفاءة، فإنهم سوف يؤدّون رسالة المسجد على أفضل وجه مهما كان نوع العلوم التي تدرس بالمساجد سواء كانت علوم الدين أو الدنيا.

فالعلم هو أساس العملية التربوية في الإسلام. ولقد ورد أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم : إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً. وكما كان المسجد مكانا للعبادة كان جامعة للعلم و مجلسا للتشاور والقيادة العسكرية …

ومن نافلة القول أن التواصل أساس التنمية، كما أن التنمية تؤدي إلى التواصل، فهما وجهان لعملة واحدة، و التواصل الباني الهادف هو سبيل التنمية الذي ينطلق من خصوصيات كل بلد أو أمة و التواصل داخل المجتمع الإسلامي له من المقومات ما لا تتوفر عليه باقي المجتمعات، إنه القران الكريم و السنة النبوية المطهرة.

إن أشكال الفساد السياسي و الاقتصادي و الإداري و الأخلاقي لن تُقوًَم بمذكرات وزارية أو توصيات اجتماع أو ندوة من الندوات، إن المواطن المغربي لا يفهم سوى لغة القران و السنة، و بناء شخصيته السليمة المواطنة و المسؤولة يبدأ من مؤسسة الأسرة التي من الواجب حمايتها وصيانتها بالتوجيهات الأخلاقية الإسلامية و ضبطها بضوابط الشريعة، ثم المؤسسة التربوية حيث بناء المعارف وكذلك مؤسسة المسجد التي تعتبر خير منبر للتوجيه والبناء و الإصلاح، إصلاح الفرد ضمن الجماعة.

بتحفيز التواصل داخل الأسرة والمدرسة والمؤسسة الإعلامية ومؤسسة المسجد نحقق التنمية تنمية الإنسان و المجتمع.

…………………………………………………………

1.     الغرب بين شيخوخة الجسد و الروح، ممدوح محمود محمدالشيخ علي، مجلة الوعي الإسلامي عدد463، ربيع الأول 1425، ص 45.

2.     التواصل الإداري مبادئ و منهجيات و نماذج تطبيقية، محمد السكتاوي، الدار البيضاء، منشورات صدى التضامن الطبعة الثالثة 2004. ص11.

3.     دور التربية في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية للدول النامية، د.محمد لبيب النجيحي، دار النهضة العربية،ط 2، 1981، ص 66.

4.     صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، دار الافاق الجديدة، الجزء 1، ص 53.

5.     الجامع الصحيح سنن الترمذي، محمد بن عيسى  أبو عيسى الترمذي السلمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الجزء 4، ص 468.

6.     أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون، جيري ماندر، ترجمة سهيل منيمنة، دار الكلمة الطيبة ، ط1 1410ه/1990، ص 131.

7.     الأسرة المسلمة أمام الفيديو و التليفزيون، مروان كجك، دار طيبة للنشر و التوزيع، ط الثانية 1988، ص 153.

8.     صحيح مسلم، الجزء الثامن، ص 89.

9.     فقه السيرة النبوية، محمد سعيد رمضان البوطي، دار السلام، ط 14، 1424÷/2004م، ص143.

 +++++++++++++

عبد النور القلعي

أستاذ التعليم الثانوي

حاصل على ماستر التواصل و التنمية

abdnor40@yahoo.fr

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. raihane mohammed
    03/01/2015 at 03:37

    السلام عليكم
    الاخ عبد النور اود التواصل معكم حول بحثي المتعلق بالتواصل التنموي .والتمس منكم مدي برقم هاتفكم حتى يمككني التواصل معكم وشكرا.رقم هاتفي هو 0666299925

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *