Home»International»عند مُفترق طرق عاشوراء

عند مُفترق طرق عاشوراء

0
Shares
PinterestGoogle+

عند مُفترق طرق عاشوراء
في يوم عاشوراء، يقوم المغاربة برشّ الماء على بعضهم البعض؛ حيث يسمّون هذا اليوم بيوم زمزم. ثم تلي عاشوراء ليلة يجتمعون فيها حول نار وهم يردّدون أهازيج، بعضها يحكي قصة مقتل الحسين (صبط النبي)، كما يقدم الأهالي في ذات اليوم عُشر الأموال التي دار عليها الحول (الزكاة) للفقراء.
في أول التاريخ الإسلامي، كان اليهود يحتفلون بهذا اليوم، ورآهم الرسول ـصلى الله عليه وسلمـ يصومون في المدينة، وكان بدوره يصومه (1).
كثير من هذه « السّنن » أو « التقاليد » تجد أصلها في التاريخ، فكما أن صيام عاشوراء هو يوم فرح بنجاة سيدنا موسى من الغرق، فإن البعض الآخر من المسلمين يصومون ذات اليوم حزنا لمقتل الحسين.  مُقابلات صارخة تدعونا للتفكير بحسّ علمي في ذلك، خصوصا مع العلم أن « التاريخ يكتبه عادة المنتصر »، كما يدعونا الأمر أيضا لشيء من الشك في بعض الروايات. فإذا سلّمنا بثبوت صيام النبي مع اليهود في ذلك اليوم، الذي يتراشقون فيه بالماء، ألا يكون حرِيّا بنا الحزن لمقتل ابن فاطمة، و التعاطف مع صبية الحسين حيث اشتد الحصار على أهل البيت و ازداد عطش الأطفال وعلا صياحهم في معسكر الحسين ؟
لقد خرج الحسين كما تروي الروايات المختلفة (2)، رادّا لبيعة اليزيد بن معاوية، الذي « ظهر فِسقه » حسب ابن خلدون (3) عند كافة من الناس. ثار الحسين قائلا:  » إنّا أهل بيت النبوة، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد شارب الخمور وراكب الفجور، وقاتل النفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله ». لكن رغم ذلك، فالحسين « غَلِط » حسب ابن خلدون الذي فسّر ذلك بمحور مقدمته « العصبيّة ».
ما زاد في صعوبة الموقف، أن ثقافة الخوف والركود كانت قد أحاطت بالقوم آنذاك، حتى لم يعودوا يجدون أي معنى للتغيير أو النّصح و لإصلاح. كما أصيب العقل المسلم بالتّتابع بأزمة جرّاء هوْل ما خلّفته الحروب الأهلية الأربعة، التي دارت رحاها بين « صحابة » يُصرّ الكلاسيكيون على تقديسهم و عدم تناول ما جرى بينهم (4) من صِدام دموي كانت إحدى حلقاته قطع رأس الحسين في شهر الله المحرم (5).
« الموت و لا المذلّة » كلمة شاءت لها الأقدار أن تُخلَّد في التاريخ إلى الآن، إذ امتلأت بها حناجر الشعب السوري، و هو يواجه بصدور عارية، مخلّفات استبداد و توارت عمّر طويلا، تحت ذريعة « الفتنة » و « حقن دماء المسلمين ». في أوج هذا الربيع العربي، تناول الدكتور طارق رمضان في كتابه الجديد تحت عنوان « الإسلام و الربيع العربي » بالتحليل إرهاصات و شكوك تحوم حول نسج هذه الثورات و تدخل الغرب فيها، لكي يخلص في آخر تقديمه للكتاب إلى نقد الشيخ القرضاوي و موقفه من الثورة في البحرين مع دعوته بالتالي و استشرافه لمستقبل جديد يكون فيه الحوار الحق طريق الشيعة و السنة على حد سواء.
في انتظار ذلك، و لمّا كان موسى عليه السلام لله كليم، و الحسين عند شيعته قتيل مضلوم، فإنني سأصوم تاسوعاه و عاشوراه و حادوشاه فالخِلاف عندي أسْلم.
د. سمير عزو
(1) ، أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاـ قَال:َ « قَدِمَ النَّبِيُّ ـصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَـ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال:َ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ء زاد مسلم في روايته: « شكراً لله ـتعالىـ فنحن نصومه »، وللبخاري في رواية أبي بشر « ونحن نصومه تعظيماً له »ء. قَال:َ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ » في رواية مسلم: « هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرَّق فرعون وقومه ».
(2) خاطب الحسين أخاه ابن الحنفية وغيره من الصحابة وهو يغادر باتجاه الكوفة:  » إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي . أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين ».
(3) المقدمة لابن خلدون، يقول في الصفحة 249 : « و أما الحسين فإنه لما ظهر فسق يزيد عند كافة من أهل عصره، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه لاسيما من له القدرة على ذلك، و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته. فأما الأهلية فكانت كما ظن و زيادة و أما الشوكة فَغَلِطَ يرحمه الله فيها، لأن عصبيّة مُضَر كانت من قريش و عصبية عبد مَنَاف إنما كانت في بني أمية تَغْرِف ذلك لهم قريش و سائر الناس و لا ينكرونه.
(4) من أسباب أزمة العقل المسلم، حسب عبد الحميد سليمان، تلك « الفتنة الكبرى » التي عقبت مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان (ض)، الملاحظ أن مدرسة الفقه الكلاسيكي « تُغلق » باب محاولة فهم و نقاش ما سجله التاريخ من صراع دموي بين الصحابة، بالنسبة لهؤلاء : كل الصحابة « نجوم » و كلهم لديهم الحق، رغم أن « الحق لا يكون إلا واحدا » كما قال ابن حزم. للتذييل على ذلك نورد ما قاله ابن خلدون في الصفحة 249 من المقدمة : « … و انفتح باب الفتنة، فلكل من هؤلاء عذر فيما وقع و كلهم كانوا مهتمين بأمر الدين و لا يضيعون شيئا من تعَلّماته ثم نظروا بعد هذا الواقع و اجتهدوا و الله مُطّلع على أحوالهم و عالم بهم و نحن لا نظن إلا خيرا لما شهدت بهم أحوالهم .. »
(5) كان العرب قبل الإسلام يعظمون الأشهر الحرم، ويحرمون القتال فيها، إذ كانت معظمة في شريعة إبراهيم، وقد بقيت لهذه الأشهر حرمتها في الإسلام، فنهي المسلمون عن انتهاكها وتُضاعف فيه الحسنةُ كما تُضاعف السيئةُ. كما ذهب الشافعي وكثير من العلماء إلى تغليظِ دِيةِ القتيلِ في الأشهر الحُرُم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *