Home»International»لماذا لم يُحْقن التّوريث دماء المسلمين ؟

لماذا لم يُحْقن التّوريث دماء المسلمين ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

 

لماذا لم يُحْقن التّوريث دماء المسلمين ؟

إن ارتباط عقول العرب و المسلمين بالماضي، يُدير دوما البوْصلة  نحو البداية أي الماضي، عند كل محاولة لفهم ما يعيشه هؤلاء. هذا الماضي أو ما يسمى بالموروث، تجب اليوم أكثر من البارحة، حلْحلته و إعادة قرائته قراءة جديدة، و عبر آليات علمية حديثة، دون مجاملة أو عاطفة.

إن ما يستدعي هذه التوطئة، هو إلْحاح العقل المسلم المتواصل، للرجوع كلما مرة، إلى التأصيل الديني و التاريخي للأشياء و الظواهر، الشيء الذي يجعل من الدولة في أعلى ما يقيمه هذا العقل تاريخية، كما يجعل من مناهضة الجبْر و الإستبداد قبيلا من إثارة الفتنة.

كثيرة هي المفارقات و التجاذبات الزائغة عن الصواب، التي شهدها التاريخ الإسلامي، أُسِّست لها تُرسانة متجذّرة و رصينة، نمّقها الفقهاء الكلاسيكيون بمساحيق من فهمهم الخاص للدين.

ما يستدعي هذا الإشكال حاليا، هو الموقف المتخبّط و العلني لرموز المؤسسة الدينية، إذ بات الشباب يقْدُمون الفقهاء و ليس العكس. و عُدنا نلْحظ من خلال الزّخم الذي يعيشه الآن الشارع العربي، محاورات بين أطياف مختلفة من حداثيين، تقدميين، علمانيين و أصوليين، سلفيين، إسلاميين، فبات الجسد يستعيد عافيته. لكن في المقابل لا زالت جيوب مقاومة تُلحّ على البقاء في التاريخ الغابر.

هذا الموقف لاحظناه مع مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، لما خاطب الغرب بلغة التحدير من مغبّة الاعتداء على بلاده، وتوعّد بالرد عبر ما أسماه « عمليات استشهادية » متّهما بذلك « الصهيونية » ببث الفتنة في المنطقة.

و رغم ذلك يلحّ العقل المسلم المتأزّم على الهروب من واقع الأمور، مدّعيا الخصوصية تارة و الإستثناء تارات أخرى .. بل إن النقاش داخل حلبة الفقه الكلاسيكي، و اعتماد الطّرف المحاور لأرضية هذا الموروث، لا يوصل البتّة إلى نتيجة. فغير بعيد، كان النقل الشفهي الوسيلة الرائدة، للتّأْريخ و جمع الناس على الحق و الضلالة على حد سواء، واضعين و مختلقين .. إلى أن جاء الفتح في « عصر السماوات المفتوحة »، لكي يتكرّس المبدأ القرآني « إنّي معكما أسمع و أرى »، فصارت تزدحم وسائل التكنولوجيا من حوالينا.

و غير بعيد، بل عبر تاريخ أزمة العقل المسلم، قُتل علماء و مفكرون ..، و شهدنا عند بشار الأسد حلقة مطابقة للأصل لما فعل أبوه في ثمانينات القرن الماضي، فحقّ بذلك أن « الشّبل من ذاك الأسد ». و الشيء نفسه أو بفضاعة أكبر، روى لنا التاريخ كيف « حجّ » و طاف سيف الحجاج الثقفي على رقاب المعارضين، لكن الأذهى و الأمرّ من كل ذلك، أنه لا زال يذكر بعض الذاكرين لهذا الرجل فتحه للهند و السند و .. في محاولة للموازنة بين « محاسنه » و مساوئه، و لست أظن فتح الأراضي المترامية الأطراف (التّراب)، يُغني شيئا عند من شرع القصاص و ساوى بين قتل النفس الواحدة و قتل الناس جميعا (الدّم).

لقد غطّى الأقدمون بِنِية أو بأخرى، على سلوكات و أفعال كان يأتيها بشر عادي، يصيب كما يخطأ، كما برّروا لها تارة بوجوب درء الفتنة و « حقْنا لدماء » المسلمين، كل هذا راجع للشّرْخ و الصّدمة المُهْولة التي عرفها العقل المسلم في القرن الهجري الأول، و كذا المتغيرات المتسارعة و الحروب الأربعة الأهلية التي دارت رحاها بين صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم.

هذا العقل المتأزّم، عرف تواصلا رصينا، في أبهى صوره مثلا مع الشيخ رمضان البوطي، ما دمنا نتحدث عن بشار و الشام (أول بؤرة التوريث)، حين قصده أعضاء من الإخوان المسلمين في دمشق، مستنكرين و متسائلين عن سبب صلاته جنازة حافظ الأسد، قائلين : « ألم ترى يا شيخ ما فعل في حماه ؟ » لكي يرد عليهم الشيخ : « نعم فعل كل ذلك، و الآن مات، يتولاه الله » !

كما أسلفت، لا يمكن فهم هذه الإشكالات من داخل حلبة الفقه الكلاسيكي، و مع ذلك يبدو من خارج هذه الحلبة و كأن هذه الدنيا التي نعيشها الآن مجرّد « عبث »، بحيث يستطيع أن يفعل الواحد ما يستطيع، و بعد ذلك « يتولاه الله » عندما يموت، و إن تواضعنا على ذلك، صحّت مقولة النّاقدين لنظرية الفقه الكلاسيكي القائلين بأن الدين يحيلنا دائما على الآخرة، عندما يريد الخروج من مأزق محاولة فهم المعضلات. في حين أنه بصريح النص قال تعالى : « قال أمّا من ظلم فسوف نعذبه ثم يُردّ إلى ربه فيعذبه عذابا نُكرا »، و هذه الآية تدحض في الحقيقة ما يزعمه القائلون بكون « الدين يلقي كل شيء على الأخرة ». بالعكس، العقوبة في الإسلام نالت حتى مزدوجي السلوك من « منافقين »، حيث أخبر الحق الواحد سبحانه « لا تصلي على أحد منهم و لا تقم على قبره أبدا »، و لو تشبّث من يدّعون السنّة بأهذاب السنة الشريفة، لكان ذلك ردْعا لمن تسوّل له نفسه قتل المؤمنين أو الناس بصفة عامة، و لما تواصل نزيف الدماء مذ أربعة عشر قرنا.

إننا نعلم أن « الآمانة » عُرضت علينا و على الأولين سواء بسواء، بل إذا كان الأولون صحابة للرسول الأعظم فالجُدد الذين آمنوا به غيبا هم إخوانه، عليه الصلاة و السلام. لقد بات ينقصنا اليوم ذلك النقد الذاتي و حسّ التّجريد و استعمال الآليات الحديثة لفهم الترات بكل حياد علمي و موضوعية، ما دام الفقهاء قد أصبحوا « مُجبرين » على الإصطفاف في خط الشباب الذي لم يعد ينتظر « فتوى » في حرق البوعزيزي لنفسه، بقدر ما يريدون الحياة كما استجاب لها القدر.

و لقد استجاب شيخ الأزهر السيد أحمد الطيب في يومه الجمعة 16 شتنبر 2011 للميلاد، معترفا بهفوات الماضي قائلا : « إن أكثر ما يموّه الشعوب هم العلماء الخانعون، وأنا كنت واحدا منهم ».

حقيقٌ أن التاريخ يُعيد نفسه بنفسه، فتتّضح الأمور و لو بعد حين. و لذلك كما قيل « ما بُني على باطل فهو باطل »، فلا فتنة أكبر من الإستبداد، و لا حقْن للدماء بالجبر و التّوريث.

د. سمير عزو

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *