Home»Cours»مفهوم « الاختلاف » عند جاك دريدا

مفهوم « الاختلاف » عند جاك دريدا

9
Shares
PinterestGoogle+

مفهوم الاختلاف عند جاك دريدا

محمد كـــحــل

تأتي هذه القراءة النقدية كمساهمة متواضعة منا بمناسبة ذكرى رحيل احد أعمدة الفلسفة المعاصرة انه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا وهي كذلك مناسبة نستحضر فيها أهم مزايا فكر الاختلاف لدى   هذاالفيلسوف ، الذي ولد في الجزائر- بدايةثلاثينيات القرن الماضي ﴿1930-2004م﴾ . هو  واحد من الفلاسفة،الذين انكبوا بشكل دقيق على إعادة طرح   مجموعة من التساؤلات المنصبة حولالفكر الميتافيزيقي . فكتاباته،هي، قراءة شاملة لمميزات الفكر الغربي في كل مكوناته وخصائصه التي يقيم عليهامشروعه الفلسفي، ليبدأ في التوسع في مساحة التفكيكإنطلاقا من قضية الكتابة التي محور حولها كل اهتماماته ، إذ يرى بأنها لم تُولَىلها تلك العناية التي تستحقها منذ أفلاطون حيث ظلت ″مكبوتة ″، لذلك كانت هي المنطلقالذي دفعه الى محاولة تأسيس النقد التفكيكي للميتافيزيقا مركزا تساؤلاته على الهامش،الذي يريد أن يجعل منه موقعا ممكنا للكتابة وفضاءافعليا للنص والتفكيك          .  

هذه، إستراتيجية فعالة، لتمكين الهامش من أن يكون المركز الذي يجب أن يخوض في موضوعاته الفكرالغربي، من حيث إن هذه النصوص التي كتبت على الهامش، تتداخل أشكال وأنماط كتاباتها المختلفة : أدب ، فلسفة، مسرح، بلاغة ….وإذن،وجب الإنفتاح على مجال الأدب،والنقد الأدبي،والتحليل النفسي الخ . كل ذلك لفتح مسار جديد مخالف لذلك الذي ساد في الإتجاهاتالنقدية السالفة على اعتبار أن تلك المناهج مرتبطة بتقابلات ، بمفاهيم وبخلفياتفكرية  فهي إذن ميتافيزيقية.

لذلك،فهو،يرسم للميتافيزيقا استراتيجيه خاصة في التفكيك تستند بالأساس على إستنطاقها لإبرازالثغرات والفجوات عن طريق إختراقها من الداخل ، من طبقة لطبقة لتفكيك معمارها ولفكخيوطها من جهة وإعادة نسج خيوط لها من جهة أخرى ، وهذا مايجعله يقر بأهمية الهوامشعنده كيفما كانت : مفاهيم، خطابات، نصوص… فالهامش قد يحضى بأهمية أكثر ويأخذمكانة مركزية لذلك يولي اهتمامات كبيرة للكتابات الهامشية لأولئك المفكرين الذينأبدعوا لكنهم بقوا على الهامش: ﴿أرتو- باتاي- جابيس- لفيناس – مالارمي… ﴾.  ففي ظلهذه النصوص يبرز الإختلاف ، وفكر الإختلاف ليس له بداية مطلقة ولاأصل خالص يمكنللأشياء أن تتحدد من خلاله ، نلمس فيه لعبة الإحالات ، كل شيىء يحيل الى شيىء آخرقبله. لانستطيع إذن إثبات شيىء أصلي . الأصل لايكتسب قوته ومقامه إلا بالنسخة : السوماكر

 فما هو المعنى الحقيقي الذي يتخذه مفهوم الإختلافعند دريدا؟ ماهي قيمة هذا الفكر الإختلافي ؟والى أي حد يبرز بقوة فكرالإختلاف في النصوص المهمشة؟

إن الاختلاف هو البحث عن طريق التفكيك عن حضورالشيىء، عن ازدواجية الخصائص داخل الشيىء نفسه. ففي الإختلاف différance   فإن حرف a يكتبويقرأ بينما لايمكن سماعه لأنه صامت فالصفة المشتقة من فعل خالف/اختلف différer  تجمع مجموعةمن المفاهيم يعتبرها دريدا نسقية وغير ممكن اختزالها.  لنذكر أن différent   يؤدي معنى مغايروالمغايرة هنا تحيل للحركة النشيطة والساكنة الني تقوم بفعل الإختلاف .كما أنإحالتها هذه تتم عبر المهلة والتفويض والإرجاء والإحالة والدوران والتأخر وعمليةالاختزان ، وبهذا المعنى يكون الإختلاف غير مسبوق بالوحدة الأصلية وبما أن المغايرةهي المنتجة للمختلف لذلك نميز بين المتعارضات المفاهيمية في الأزواج الميتافيزيقية: طبيعة/ثقافة، محسوس/معقول ، حدس /دلالة….

الإشكالية المركزية إذن عند دريدا هي إشكاليةالكتابة بمعناها الشامل : الكتابة ليست فقط بمفهوم الكتابة بل كمصدر لكل مايمكن أنينتجه الفكر الميتافيزيقي ، حيث إن التراث الفلسفي سار على كبتها منذ أفلاطون ،لذلك فقضية التفكيك مرتبطة بالنص المكتوب يهدف الى تفكيك مركزية الخطاب الذي يعليمن ظاهرة الصوت وهذا العمل التفكيكي ينكب على نصوص كتبت على الهامش مثل نصوص: أرتو،باتاي، لفيناس، مالارميه… بذلك ينادي دريدا الى التخلي عن القراءة الكلاسيكيةويدعوا لقراءة أخرى للنصوص تعتمد على مقولات جديدة تمكن من رصد فعل الإختلاف أيتتبع البؤر التي يفيض فيها المضمون عن مركزية الخطاب ، هذا معناه أن دريدا يعمد الىتفكيك المضمون الظاهر بالإعتماد على الملفوظ المتستر الذي يبطنه النص.

والواقع أن النص يعني، بنية إختلافية، حيث يظلالمعنى يتمظهر ويتوارى من خلال تجزئه وانشطاره ، تقطعه وتشظيه ،. لذلك فالفعل الإختلافي هو فعلالإحالات المشتبكة المتعددة ، بحيث ينتفي كل تثبيت قار لموقع أو مركز.

 هناك دائما ، امكانية لأن نجد في النص المدروسنفسه مايساعد على استنطاقه ، وجعله يتفكك بنفسه،  لذا،  فالأهم في قراءات النصوصليس النقد من الخارج ، وإنما الاستقرار أو التموضع في البنية غير المتجانسة للنصوالعثور على توترات أو تناقضات داخلية ، يقرأ النص من خلاله نفسه ويفكك نفسه بنفسه . ومعلوم أن  في النص قوى متنافرة تقوضه وتجزئه،  لذلك فمعالجة دريدا للنصوص،  التيكتبت على الهامش تستند أساسا على هذا النقد الداخلي بغية الخلخلة والهدم وإعادةالبناء أو التأسيس، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لدى دريدا لأن الهدموالتفكيك لاتتمتع به النصوص الفلسفية فقط ، إنما حتى الأدب والنقد الأدبي ، من حيثكونهما يخضعان في الغالب الى هيمنة نظم فلسفية كلاسيكية. فقراءة لمالارميه مثلا تنم، عن قوة للكتابة وأسلوب هائل في استخدام اللغة يفيضان عن ماسماه دريدا نفسه بفلسفةالمحاكاة.

 وواضح أن الثقافة الغربية التي أصبحت عالمية،تعطي قيمة للصوت الذي سيكون حاضرا فورا في الوقت الذي تصبح فيه ، الكتابة بديلالمعالجة نتائج تقهقر الكتابة ومحاولة تأسيس في سياق معقد تاريخ للإشارات ،والعلامات المكتوبة . ودريدا يوسع هذا المفهوم متكلما عن الأثر،  كما يتحدث فيكتابه : »الدراماتولوجيا » عن تحررالذاكرة من التعبيرات المختلفة عن الآثار.

 وإذن، هاهنا اختلاف يقبل الدقة الموضوعية ، وهويترجم معرفة مكتوبة بخطوط عامة في المجالات السهلة . إنه مشكل الفكر عندما يكونالكائن فيه محتجزا. إنه يعلن عن الذي يستحق التهميش، أو التوقف.  هنا الصوت أوالإستماع تكون له قوة دائمة في حالة الغياب وكممر لمجموعة من التساؤلات التي تبحث في المجهول.   وهذا دليل على أنمفهوم الإختلاف،  يؤكد في كل لحظة على أهميته النظرية والعملية ، إنه يعلن عناستعمالات متعددة سياسية ، فلسفية، اقتصادية، أنتروبولوجية، اتنولوجية، فنية وأدبيةوأيضا نقد السياسة ونقد الفلسفة ، الإقتصاد، الأنتروبولوجيا،الإتنولوجيا ، الفن ،والأدب… التي هي بالفعل استعمالات لمفهوم الإختلاف الذي يظهر بأنه من المجالاتالتي يتموقع ، داخلها والتي يخلخلها.

إن الاختلاف يرجع في واقعيته الى إعادة الإعتبار للآخرفي هويته الواقعية المؤقتة وعليه فإن التفكيك يصبح هو مجموع التقنيات التي نستعملهامن أجل قراءة الهوامش وإعادة الكتابة بل أكثر من هذا هي شكل من أشكالها أو مظهر منمظاهرها وهذا الشكل يبقى محدودا بالضرورة تحده مجموعة من السمات السياقية المفتوحة اللغة، التاريخ، المكان هناك تفكيك وتفكيك في كل مكان …

« ليس التفكيك،إذن،  مجرد نشاط نقدي لأستاذ الأدب أو الفلسفة ، إنه حركة تاريخية » كما يقول هو بنفسه في احدى حواراته . لذلك يمكن القولبأن ، بحث جاك دريدا يظل سجين الميتافيزيقا في نهاية المطاف. ولكن مع ذلك فإن عمل دريدا يجعلناأمام أسئلة وأجوبة جد متعددة بالتالي استحضار أسئلة وأجوبة لها أو إستبعاد أسئلةأخرى بأجوبة لها يجعلنا أمام نهاية مفترضة وغير مقنعة مادمنا في مجال الفلسفة ؟ فنهاية عمله  يعني بداية عمل آخر انطلاقا مما انتهى وتوقف عنده .

وبعد هذا كله ماهي الخلاصات التي نخرج بها معالفيلسوف دريدا؟

معلوم أن الميتافيزيقا حسبه تأسست  كمعمار مثلعمارة كبيرة ذات طبقات متعددة والمطلوب إذن، في  نقذ هذه اليتافيزيقا هو اختراقهاعبر الطبقات المعمارية :  طبقة بطبقة لتفكيك معمارها أي خرق الشقوقات والتصدعاتفالتفكيك، هو ، النقد الداخلي :  نقد الميتافيزيقا من داخل تاريخ الميتافيزيقافالتفكيك لايتم إلا من الداخل . وواضح أن إسترا تيجية  التفكيك، تركز على استنطاقالميتافيزيقا وإبراز ما يمكن تسميته بخطابها المليء بالثغرات منذ أفلاطون ، هذهالإستراتيجية تتحدد في عنصرين أساسيان هما: نقد ميتافزيقا الحضور ونقد الأزواجالمفهومية

 وبإيجاز،  إن الإختلاف هو لعبة الإحالات : حالةتحيل الى حالة… لايمكن أن تثبت شيءا أصلي ، لأن الأصل لايكسب مقامه إلا بالنسخة : أصل الأصل أوالسوماكر. هذه هي العمليات التي يمكن أن تتم  في شكلها الإختلافي . الجديد عنده، هو، إنه فتح الآفاق لمناقشة قضايامتعددة بطريقة متميزة التي لاتخضع لقواعد منهجية . وبما أن التفكيك هو مغامرة فقداعتبر جاك دريدا مفكرا مشاغبا دائما يضع نفسه في الإثارة.

محمد كـــحــل

 

Zofen27@yahoo.fr

 

29 – 10- 2011

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. فاطمة
    15/01/2012 at 18:25

    السلام عليكم اريد كتب في هذا الموضوع لانه موضوع مذكرتي وشكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *