Home»Enseignement»على درب تربية أسرية سليمة

على درب تربية أسرية سليمة

0
Shares
PinterestGoogle+

مخطئ كثيرا من يعتقد  بسهولة تربية الأطفال .فلو  كانت  الأمومة أو  الأبوة  مهنة لكانت بلا شك أصعب المهن وأشقاها على  الإطلاق . عكس الثدييات  الأخرى يستقبل أطفال  البشر    الحياة وهم  عاجزين تماما  عن  الإستقلال بأنفسهم ،ويحتاجون إلى  وقت طويل لإكتساب مختلف  الخبرات والمعارف والمهارات التي يحتاجونها لتحقيق  التكيف والإندماج الإجتماعي .      يفتح الطفل عيونه داخل أسرة ،هي  أول  عالم يواجهه ، يكتشف  أسراره  وفي  حضنها تتشكل أبرز ملامح شخصيته…لذلك فنقص الإهتمام بالتربية  الأسرية له  عواقب  خطيرة تستنزف  الكثير من طاقات المجتمع كما  تعيق  تطلعاته نحو مجتمع مزدهر يعيش  أبناؤه  في  أمان  واطمئنان…فالمدرسة عكس ما  قد يظنه البعض لا تقوم إلا  بإتمام عمل دشنته الأسرة ووضعت  لبناته  الأولى ،كما تستمر في ممارسته بالتوازي  مع  التربية المدرسية ،إضافة إلى ما يكتسبه الأطفال من خبرات في مختلف الأماكن والسياقات…لذلك قد لا نكون مبالغين  إذا  قلنا أن  التلميذ الناجح في  المدرسة هو  طفل إستدمج رأسمالا تربويا محترما في أسرته…والتربية نقصد بها  كل ما يشكل جوانب شخصية الطفل أي :المعارف ،الإنفعالات ، المهارات ،القيم،الأخلاق…
ليكون بذلك التساؤل الملح :كيف تساهم  الأسرة في إفشال المشروع  التربوي المجتمعي الذي تحاول المدرسة  جاهدة إرساءه متسلحة بترسانة هائلة من الإمكانات المادية والبشرية ؟أو  بتعبير اخر  ما هو  الأسلوب أو  المنهج التربوي الأسري السليم لجعل الأطفال ممتلكين لشروط  النجاح في المدرسة  وفي  الحياة؟
لا يحتاج  الأبوين  بالضرورة أن  يكونا متضلعين في  علم  النفس  والتربية حتى ينجحا  في تربية  أطفالهما ،لأن إنجاب  الأطفال  ليس  حكرا على المتعلمين والمثقفين ،فكل  أب  وأم يرغب في  إنجاب  الأطفال ،مهما  كانت خبراته ، مستواه ،غني ، فقير…الخ .لكن من الواجب الإعتراف  وكما يلمس جل المدرسين بالدور  الحاسم لهذه  المتغيرات في صنع  نجاح التلميذ  وانفتاح افاقه المستقبلية داخل  المجتمع .
فأطفال الطبقات  الثرية  والمثقفة  يمتلكون قدرات  أكبر  على  النجاح  في  دراستهم ،لأن  الحمولة التربوية والثقافية والوجدانية في  الفترة ما قبل المدرسة  تكون أكثر غنى وتطورا ،إضافة  إلى الدعم والمساندة  المستمرين  الذين يتلقاهما طوال  مشواره الدراسي …لكن هل ذلك  يعني أن  أطفال الفقراء  مقدر  لهم  الجذف بمفردهم  في  بحر حياة أمواجه عاتية وغير  متوقعة ؟
في  الواقع  هناك  الكثير  من الممكنات  التي  إذا  ما التزم بها  الاباء  فإنهم بذلك يقدمون عونا كبيرا   ومهما  جدا لأطفالهم  ،للمدرسة وللمجتمع ككل . وأنا  هنا سأركز على الخبرات ذات الطابع الإنفعالي  الوجداني  وذلك  لعدة  أسباب .فما تنفك مدرسة التحليل النفسي  خصوصا إسهامات فرويد تؤكد على  أهمية الخبرات  الطفولية  والدروس العاطفية  المبكرة في  رسم ملامح رجل  المستقبل …كما  أن مدرسة  تشكلت  مؤخرا  أعادت  بوصلة  السيكولوجيا للإهتمام  بمنطقة الشعور في الإنسان  بعدما كادت تستسلم  لمدرسة التحليل  النفسي ،برهنت ارتكازا على أبحاث النورولوجيا  المتطورة على  الأهمية القصوى للجانب الإنفعالي العاطفي في بناء شخصية  إنسان متزن ، متوازن قادر  على النجاح ليس في المدرسة  فحسب  بل في  الحياة ككل.
نستطيع  القول أن نموذج السلطة  السائد داخل  الأسرة ،يعيد إنتاج  نفسه داخل بنية كبرى (ماكرو)داخل المجتمع  ،فالأسرة المتسلطة  تنتج أبناء  متسلطين أو إنهزاميين  خاضعين ،يوفرون الظروف الخصبة  لإستدامة  الديكتاتورية  والإستبداد.لذلك فتحديث السلطة الأسرية هو في  حقيقة  الأمر  تحديث لبنيات المجتمع  المختلفة .
بشعور أو بدونه ينظر كثير من الاباء إلى  أبنائهم نظرة  أقرب إلى الأشياء والمتاع ،أكثر مما هي لبشر كاملي  الادمية .لذلك فهم  يتعاملون معهم على  هذا  الأساس ،فعلى  الإبن  ألا يعصي أمرا لأبيه ،وإلا فسينال جزاء لن يخرج في غالب  الأحوال عن حصة في  العقاب البدني تتفاوت شدته تبعا لموضوع  العصيان  أو الخطيئة …إن  النموذج السلطوي  هذا  يقتل  إنسانية الطفل  ويعرقل نمو  أهم ما  يملكه  الطفل:وجدانه .الطفل  ولد حرا ومن حقه أن  يعيش حريته داخل  أسرته ،أما الأبوين فعليهما مساعدته في ذلك ،أن يعاملاه كإنسان كامل الإنسانية  وليس نسخة مصغرة لهم  يحق لهم  أن  يفعلوا بها ما  يشاؤون.الطفل الحر  يعني راشدا أكثر ثقة بنفسه واستقلالية عن  الاخرين ،وقدرةعلى  اتخاذ  القرار وشق  دروب السعادة والنجاح

       أيها  الأب الطفل  ليس ملكك ، إنه ملك لنفسه ،فحينما تعامله كذلك  تيقن أنه سيحبك أكثر وسيصارحك  وسيبتعد عن منافقتك ،وستكون علاقتكما أكثر قوة ومتانة ، منحك الحرية والإستقلالية للطفل هو تأشير على سعادة إبنك  وضمان نجاحه واندماجه في مجتمعه ،هو جواز  سفر نحو مجتمع  الفاعلية والعطاء . »دعه  يعمل دعه يمر « أزل حواجزك ،إمنحه رخصة سياقة » مركبته »  وساعده بالنصائح  والتوجيهات  وليس  الأوامر ،إعلم أنه من حقه كذلك التمتع  بحياة خاصة  عليك احترامها كما تلزم أنت الاخرين احترام حياتك  الخاصة …
الأكيد أن الاباء يلهثون وراء حب الأبناء لهم ،لكنهم يستعملون الأدوات  والطرق الخاطئة ،مما  ينتج عن عن ذلك عكس مرادهم .فإذا كنت تحب إبنك وتعبر له عن مشاعرك فهو حتما سيحبك ويحترمك ،أما التخويف والتهديد  فليست أبدا السبيل لبلوغ ذلك ….
العقاب  البدني الذي  يعشعش في  مدارسنا  هو في الواقع وليد هذه التربية  الأسرية المتخلفة .لذلك فالعلاج السلوكي للطفل يجب أن  ينطلق من الحضن  الأول للطفل أي  الأسرة.
العقاب  البدني  يترك  ندوبا  لا  تنمحي  في  شخصية الطفل ،وسلبياته  لا  حصر لها ،ومن  الضروري الإقلاع  عن  التفكير  فيه  كأداة  للتربية والتهذيب .المشاكل لا  تحل  أبدا بمشكل  ،والحلول  تحتاج  إلى  تفكير وليس  إلى  تعطيل  هذا  التفكير ،يحتاج إلى تعبيد جسور التواصل  وليس  هدمها بالتعنيف .
ركزت على  الأساس الإنفعالي  في  التربية لأنه  غالبا  ما  يهمل  ولإرتباطه  الشديد بالجوانب  الأخرى.فالطفل  المتخلق   هو المترعرع  في أسرة  يسودها  الود والسلم  والتفاهم …أما في أسرة مستبدة  فالطفل  يلجأ  إلى  إستراتيجية  الإخفاء والنفاق ،يظهر سلوكا محبوبا  لدى والديه ليخفي حقيقته.قد يؤدي الفرائض الدينية  مثلا ليس  اقتناعا  بل  ارضاء لوالديه  ودرء لغضبهما  …
على  الأبوين  أن  يدركا أن الإفتخار ليس بعدد ما  أنجباه  من  أبناء أو بمواصفاتهم الجسدية  والجمالية  لأن ذلك مرتبط  بالجينات والفطرة  والمشيئة الإلهية ،المسؤولية  الصعبة  والشاقة  هي في  تربيتهم  تربية  سليمة تستجيب  لحاجاتهم   الحياتية  والإجتماعية  المختلفة …مجتمعنا في حاجة ملحة إلى أباء يمتلكون أبجديات التربية الحديثة ،كي  يساهموا في  إنجاح المشروع  التربوي المجتمعي ، والتوقف عن تزويد الشارع بالمعتوهين والمختلين نفسيا ، والسجون  بالمجرمين…
هذه  بعض الأفكار التربوية  « الحداثية « التي  نحتاجها في إعادة هيكلة  تصوراتنا وممارساتنا  التربوية الأسرية .والتي يمكن  تلخيصها في  النموذج الديموقراطي  ،في مقابل النموذجين المتطرفين:الديكتاتوري  والفوضوي.فمن  الصعب جدا  كما  يظهر   في الواقع  التربوي  المغربي ،إنجاح تحديث الممارسة  التربوية  داخل المدارس  إذا  لم  يسبقها عمل قبلي  وموازي يتم في  الأسرة .

    رشيد أوخطو

    05/09/2011

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *