Home»Islam»حديث الجمعة : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))

حديث الجمعة : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))

محمد شركي

لا زلنا مع استعراض صفات وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفرعة عن صفة الكمال الذي نوه به الله تعالى في قوله : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وهو تخلقه عليه الصلاة والسلام بخلق القرآن الكريم كما أخبرت بذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

وحديث هذه الجمعة يتعلق بقول الله عز وجل مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة الخامسة  بعد المائة من سورة النساء : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ))، وقد تلت هذه الآية أربع آيات لها صلة بها ، وقد ورد في كتب التفسير أن سبب نزولها هو سرقة وقعت في المدينة المنورة اقترفها ثلاثة إخوة وكانوا من المنافقين حين سطوا على مخزن لأحد الأنصار فيه طعام وسلاح له ، فأصابوا من ذلك الطعام ليلا ثم وضعوا ما فضل عنهم مع السلاح في بيت لغيرهم من أجل التمويه على سرقتهم ، وفي نفس الوقت إلصاق التهمة بغيرهم .

والآية الكريمة تستشف منها  بعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحوال كانت تعرض له منها صفة الحاكم والفاصل بين الناس بما شرع الله تعالى في محكم التنزيل وهي صفة تلازمها بالضرورة صفة العدل الحاصل من الحق المنزل عليه المزهق للباطل . ومما جاء في خبر سبب النزول أن السُّرَّاق الثلاثة  بعدما  انكشف أمرهم  مع  بينة أدلى به أحدهم ، التمسوا من غيرهم رفع أمرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محاولة منهم لدفع تهمة السرقة عنهم رغبة في الحصول على براءة من عنده ، لكن الله تعالى أنزل  وحيا يفضح خيانتهم  بتفصيل  بعد الآية الأولى حيث قال جل شأنه : (( واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم هؤلاء جادلتهم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا )) .

ولما كانت العبرة بعموم كلام الله لا بخصوص أسباب نزوله، فإن المعتبرفيه هو ما شرع الله تعالى للناس إلى قيام الساعة على اختلاف أحوالهم وتشابهها مع أحوال كالتي تكون  أسبابا للنزول ،وبموجب ذلك فإن كل من أقدم على إثم الخيانة  مهما كان نوعها، ونسبها إلى غيره ظلما وبهتانا لدفع التهمة عنه وإلصاقها به ،فإنه ينسحب عليه ، ويشمله ما جاء في قول الله تعالى وأول ما يلزمه الاحتكام إلى ما أنزل  سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ،وهو الحق المتضمن لشرعه العادل  ثم تجنب المخاصمة عنه أي الدفاع عنه كما فعل الذين  دافعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخوة الثلاثة المنافقين المتلبسين بالسرقة  محاولة منهم لتبرئتهم .

 ومما جاء في تفسير قوله تعالى : (( ولا تكن للخائنين خصيما )) وقوله : (( ولا تجادل عن الدين يختانون أنفسهم ))  لا يعني معاتبة الله تعالى له لأنه حاشاه منزه عن فعل ذلك، وهو صاحب الخلق العظيم الذي تفرعت عنه كرائم السجايا، وإنما اللوم موجه للذين حاولوا المجادلة عن اللصوص الثلاثة ، ومن ثم صار نهيا  موجها لعموم المؤمنين إلى قيام الساعة متى ما حصلت خيانات  فيهم .

ومعلوم أن من يقدم  مصرا على خيانة مهما كان نوعها مادية أو معنوية، ويترتب عنها إلحاق الضرر بالغير إنما  هو يلحق فيالحقيقة الضرر بنفسه ،ويخونها كما بيّن الله تعالى ذلك بقوله : (( الذين يختانون أنفسهم )) ، ولا يوجد أجهل ولا أغبى من هؤلاء الذين يستخفون من الخلق والخالق سبحانه وتعالى رقيب عليهم حين يبيّتون ما لا يرضى من القول ، ولا ينفعهم يوم القيامة من يكون لهم خصيما  أو وكيلا يجادل عنهم في الدنيا والله تعالى يبغضهم لخيانتهم .

مناسبة حديث هذه الجمعة  هي تذكير المؤمنين بصفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي هو حاكم بالحق المنزل عليه من عند الله عز وجل ، وهوالفاصل  به بين الناس ، وهو الناهي عن المخاصمة والمجادلة عن المدانين بتهم الخيانة ، وهذه الصفات ملزمة لكل مؤمن عموما ولأهل الحل والعقد خصوصا .

وما أحوج الأمة المؤمنة اليوم  إلى ما شرع الله تعالى لها  بخصوص آفة الخيانة في زمن صارت تمارس فيه  على كل الأصعدة و في كل الأحوال ، وصارت عملة رائجة  بين الناس، وهي منكرا لا يعد  ينكر وقد انبرى للمخاصمة والمجادلة عمن يمارسونها قوم يرومون صرف الأمة عن شرع ربها والتدليس عليها من خلال الخلط المتعمد بينه وبين الشرائع الوضعية المناقضة له قلبا وقالبا ، وذلك تحت خدعة الانفتاح عليها وهي ذريعة واهية . وما أكثر الخونة  في الأمة  هذا الزمان  لكنهم لا يقعون تحت طائلة شرع الله تعالى، ولا حتى طائلة الشرائع الوضعية ،وهم بذلك فوق الشرع وفوقها أيضا وتبرر خيانتهم على  ما فيها من  قبح وشناعة  بذرائع واهية ليس سوى  مجرد مجادلة عنهم في الدنيا لن تغني عنهم شيئا يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل حين لا يفعهم مجادلون عنهم ولا وكلاء .

وعلى الأمة المؤمنة أن تقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الخيانة مهما كان نوعها مادية أومعنوية ، وذلك بالتزام شرع الله تعالى وهو حق وعدل، وبتجنب المخاصمة والمجادلة عن الخونة لأن ذلك عبارة عن مشاركة لهم في خيانتهم .

اللهم إنا نعوذ بك من كل فعل أو قول يفضي إلى خيانة تكون سببا في غضبك  عنا ، ونبرأ إليك منها ، ومن المخاصمة والمجادلة عمن تصدر عنهم ، وبصرنا اللهم بعيوبنا ،وأصلح أحوالنا ظاهرا وباطنا  سرا وعلانية .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *