عالم كرة القدم الدولي يندد بنظام العسكر ويتحرك للإفراج عن الصحفي الرياضي الفرنسي المعتقل في سجون الجزائر بسبب تحقيقاته
_1.png)
عبدالقادر كتـــرة

يتحرك عالم كرة القدم الفرنسي والدولي من أجل الإفراج عن الصحفي الرياضي كريستوف غليز.
نجوم كرة القدم مثل « رائي » و »فيكاش دوراسو »، بالإضافة إلى اتحاد كرة القدم الفرنسي المحترف (LFP)، يعبرون عن « تضامنهم الكامل وغير المشروط » مع الصحفي، الذي حُكم عليه يوم الأربعاء 3 دجنبر الجاري، بالسجن سبع سنوات بتهمة « الدفاع عن الإرهاب ».
« كريستوف غليز »، الذي يعمل متعاونًا مع المجلتين الفرنسيتين « سو فوت » و »سوسايتي »، كان قد توجه إلى الجزائر في مايو 2024 لإعداد مقال عن أنجح نادٍ كروي في البلاد، نادي « شباب بلوزداد » (JSK) الذي يتخذ من مدينة تيزي وزو، على بعد 100 كيلومتر شرق العاصمة الجزائر، مقراً له.
ولكن، في الحقيقة، لم يتم الكشف عن أسرار قصة « كريستوف غليز » في الجزائر للرأي العام، لأن ملفه القضائي قد تم التكتم عليه بعناية من قبل السلطات الجزائرية. والسبب في ذلك هو أن وراء هذا التعنت الذي يمارسه النظام الجزائري تجاه هذا الصحفي الفرنسي الشاب البالغ من العمر 36 عامًا، رهاب وخوف عميق ورعب واسع الانتشار داخل الأوساط الحاكمة الجزائرية، بسبب كتاب تحقيق، وهو رواية صادمة، تتناول القضية الشهيرة لـ « ألبير إيبوسي »، أحد أكبر فضائح كرة القدم الأفريقية منذ عام 2014.
في الواقع، تم اعتقال « كريستوف غليز » في تيزي وزو في 28 مايو 2024 ثم وُضع تحت الرقابة القضائية مع منعه من مغادرة البلاد، لأن أجهزة الأمن الجزائرية اكتشفت أنه كان ينهي تحقيقًا مثيرًا حول الظروف المأساوية، وخاصة الغامضة أو الفاضحة، لوفاة « ألبير إيبوسي »، مهاجم نادي « شباب بلوزداد » الكاميروني، الذي لقي حتفه بعد مباراة على أرضه أمام اتحاد العاصمة في غشت 2014.
ولم تلقَ الرواية الرسمية الصادرة عن السلطات الجزائرية القبول من الجميع، بدءًا من أقارب اللاعب. وكان كتاب « كريستوف غليز » القادم سيسلط الضوء أخيرًا على الحقيقة المخنوقة لهذه المأساة.
قضية الصحفي الفرنسي « غليز » تقدم طبقة أعمق وأكثر إثارة للجدل حول حرية الصحافة والدكتاتورية، وتحولت إلى قضية محددة ذات أبعاد خطيرة تتعلق بالرياضة والفضائح والقتل الغامض.
بينما التهمة الرسمية هي « الدفاع عن الإرهاب » (وهي تهمة فضفاضة غالبًا ما تستخدم لقمع المعارضين في العديد من الأنظمة)، تطرح هذه القضية سببا مختلفًا جذريًا وهو أن « غليز » كان على وشك نشر كتاب تحقيق يكشف الحقائق حول وفاة اللاعب الكاميروني « ألبير إيبوسي ». القضية أكثر تعقيدًا، حيث تربط بين ملاحقة صحفي أجنبي وقضية جنائية غامضة عمرها عشر سنوات تخص نادياً رياضياً شهيرًا.
هذا الادعاء يضع النظام الجزائري في موقف دفاعي شديد الحساسية، ليس فقط أمام انتقادات حرية التعبير، بل أمام اتهامات بالتستر على جريمة قتل محتملة.
ذكرى وفاة إيبوسي لا تزال نقطة مؤلمة في ضمير كرة القدم الجزائرية والأفريقية. الظروف الغامضة لوفاته (إصابته بجسم صلب في رأسه بعد المباراة) والروايات المتضاربة والشكوك حول وجود فشل أمني أو حتى عمل متعمد، جعلت القضية شائكة.
أي تحقيق صحفي جاد يمكن أن يعيد فتح هذا الملف بطريقة تزعج العديد من الأطراف القوية داخل المؤسسة الرياضية وحتى الأمنية.
توظيف التهم الأمنية لقمع التحقيقات الصحفية يقدم نموذجًا كلاسيكيًا لما تنتقده منظمات حرية الصحافة: استخدام تهمة « الإرهاب » أو ما شابهها كأداة لإسكات الأصوات التي تبحث في قضايا فساد أو فضائح تمس مصالح النخب الحاكمة أو المؤسسات العميقة.
فبدلاً من مواجهة التحقيق الصحفي بنقاش علني أو بدعوى قضائية عادية (مثل التشهير)، يتم رفع سقف التهم إلى مستوى يسمح باعتقال الشخص واحتجازه وإجراء محاكمة مغلقة تحت غطاء « الأمن الوطني ».
من الكلاحظ أن التعبئة الدولية، كرة القدم كقوة ضغط وتعبئة نجوم كرة القدم مثل رائي (الأسطورة الجزائرية نفسها) ودوراسو واتحاد الدوري الفرنسي، يضيف بعدًا آخر.
فهو يظهر كيف يمكن أن تصبح الرياضة، بجمهورها العالمي الواسع ورموزها المؤثرة، وسيلة للضغط الدبلوماسي والنفسي.
دعم شخصية محبوبة مثل « راي »، الذي يمثل أيقونة وطنية جزائرية، يخلق إحراجًا إضافيًا للنظام، لأنه يفرق بين ولاء الشعب الجزائري لرموزه الرياضية وبين سياسات الحكومة.
العلاقات الجزائرية-الفرنسية في الميدان الرياضي، وخاصة كرة القدم، كانت دائمًا مجالاً لتعزيز العلاقات بين البلدين (العديد من اللاعبين الجزائريين نشأوا أو لعبوا في فرنسا)، ولكنها أيضًا كانت ساحة للتوترات والمنافسة. هذه القضية تخلط بين الرياضة والسياسة والأمن، مما يجعل إدارتها أكثر صعوبة على المستوى الدبلوماسي.
وضع الصحفي الرياضي « كريستوف غيليز » المسجون في الجزائر، لم يعد يتعلق فقط بصحفي دخل في نزاع مع سلطات بلد أجنبي بسبب خطاب ما، بل يتعلق بصحفي تحول إلى محقق في جريمة غامضة، وواجه آلة قمع لمنع نشر الحقيقة.
هذا يضع النظام الجزائري أمام تحدٍ كبير: إما أن يثبت أن تهمة « الدفاع عن الإرهاب » لها أساس قوي ومستقل تمامًا عن كتاب التحقيق، وإما أن يواجه اتهامات عالمية مستمرة باستخدام القضاء لقمع حرية الإعلام وإخفاء حقائق مظلمة.
خلاصة القول، تجمع هذه القضية بين عناصر مأساوية: لاعب فقد حياته في ظروف غامضة، وصحفي قد يفقد سنوات من عمره ربما لأنه أراد كشف الحقيقة، ونظام قد يبدو مستعدًا لدفع ثمن دبلوماسي وبريدي كبير لحجب قضية تمس سمعته. إنها تذكير قاسٍ بكيفية يمكن أن تتداخل فيها الرياضة والسياسة والصحافة والقمع في عالمنا المعقد.





Aucun commentaire