Home»International»مقالاتي عن كرة القدم ومقالاتي القانونية : قراءة في مفارقة العصر الرقمي تجربتي الشخصية

مقالاتي عن كرة القدم ومقالاتي القانونية : قراءة في مفارقة العصر الرقمي تجربتي الشخصية

0
Shares
PinterestGoogle+

سليمة فراجي

كتبتُ مؤخراً مقالين مختلفين اختلافا بيّنا ، الأول قانوني محض يتناول ثغرات القانون 103-13 من جهة ، والقانون المنظم للصحافة من جهة اخرى ، ويقترح ضرورة ملاءمة المنظومة القانونية مع التحولات الرقمية وتسريع تخليق المنصات.
والثاني رياضي، يحلّل أزمة تسيير كرة القدم ومتطلباتهاالمالية والتقنية ومعضلة الملاعب المعشوشبة والنتائج المتحصل عليها …

الغريب في الأمر أو ربما الطبيعي في زمن المنصات، أن المقال الرياضي حصد مئات التعاليق والإعجابات، فيما مرّ المقال القانوني مرور الكرام، رغم أنه يتناول قضايا تمسّ حقوق الناس وواقعهم اليومي ومستقبلهم الرقمي.

هذه المفارقة التي تبدو بسيطة، تحمل في الواقع درساً عميقاً حول علاقتنا بالمعلومة، وكيف أصبحنا نستهلكها، وكيف تغيّر ترتيب الأولويات في زمن السرعة و“التفاهة” المنتشرة ، دون ان اعتبر الاهتمام بكرة القدم تفاهة اعتباراً من كون الرياضة اصبحت رافعة للتنمية وانني شخصيا اعتبر كاتبة عامة للمكتب المديري لنادي مولودية وجدة وأحب النادي العتيد منذ نعومة أظافري

اقتنعت أن كرة القدم، رغم كل ما يُقال عنها، قادرة على تحريك العواطف بسهولة تتأرجح فيها مشاعر الفرح، الغضب، النقاش، الانتماء، الهوية ربما التعصب ايضا، و كل ذلك يحدث دون أن يبذل القارئ مجهوداً ذهنياً.
أما القوانين، فهي عالم معقد وشائك، يحتاج تركيزاً ووقتاً واستيعاباً.
لذلك يميل الجمهور إلى ما يفهمه فوراً ويشعر به، ويتجنب كل ما يتطلب منه مجهوداً أو يذكّره بالتزامات الواقع.

استنتجت ان المشكلة ليست في الكتلة التي تقرأ بل في طبيعة الخطاب القانوني ذاته الذي يظل نخبوياً في تقديمه، رغم أنه يهمّ الجميع ، وتنتصب خوارزميات المنصات بين صديق المحتوى الخفيف وعدو المحتوى الجاد

استنتجت انني ربما أطيل في شرح المقالات القانونية او انني من جيل قديم و ان منصّات التواصل مبنية لخدمة التفاعل السريع والترفيه
فكلما كان المنشور بسيطاً، قصيراً، مثيراً للعاطفة، كانت فرصة انتشاره أكبر.
اما مقالي القانوني مهما كانت أهميته فانه لا يملك هذه المقومات.
فهو يتعمق في النصوص، يستعرض الثغرات، يحلل المسؤوليات، يقترح الحلول وهذا كله يحتاج هدوءاً، وهو آخر ما تتيحه خوارزميات تقوم على التسريع لا على التعمق.
انطلاقا من ذلك فهمت أن غياب التفاعل لا يعني إطلاقاً غياب القيمة، بل يعكس اختلالاً بنيوياً في طريقة اشتغال الفضاء الرقمي.
القيمة ليست في عدد الإعجابات، بل في أثر الفكرة
قد يمنحني مقال رياضي ألف تعليق، لكنه يختفي في اليوم نفسه.
لكن قد يقرأ مقالي القانوني شخص واحد في موقع مسؤولية، فيتبنى فكرة أو مقترحاً قانونياً، فيصبح أثره أهم من كل التفاعل العددي.
لذلك وحتى اعزي نفسي وأفرج عنها فان ما اعتبره قلة تفاعل قد يكون في الحقيقة تفاعلاً نوعياً لا كمياً.
لان هناك دائماً فئة قليلة تقرأ بتمعّن، وتبحث عن العمق، وتقدر المجهود العلمي. لكنها لا تملأ خانة الإعجاب ولا تتفاعل ولا تكتب تعليقاً، تصمت صمت ابي الهول عند قراءة المحتوى ، لكنها تُصنَعُ به الأفكار وتُبنى بها السياسات العامة التي تنبثق منها السياسات العمومية

وتبقى المعادلة الصعبة الشائكة هي كيف نخاطب الجميع دون أن نفقد العمق والغنى الفكري ؟
ربما نستخلص انه لا يجوز أن ننزل إلى مستوى التفاهة، بل أن نُبسّط ما يجب تبسيطه دون أن نُفرّط في جوهره.
أن نجعل القانون مفهوماً، وقريباً من الناس، وقادراً على منافسة المحتوى السريع وذاك عبر تقريب المفاهيم القانونية من الحياة اليومية ‘ تحويل النصوص الجامدة إلى قصص وحالات واقعية ، تقديم خطاب قانوني بلغة سلسة ، تقسيم التحليل المعقد إلى أجزاء يمكن استيعابها بسهولة مع استخدام مقالات قصيرة وتمهيدية تؤدي إلى المقالات التقنية الكاملة.

ربما لا نحتاج إلى تبسيط القانون بقدر ما نحتاج إلى تبسيط طريقة حديثنا عنه وهنا استحضر سلسلة تليفزيونية: مداولة
ختاما وهنا ايضا اكتشف انني اطلت على صديقي الافتراضي وان مقاومة التفاهة ليست صراعاً خاسراً اذ قد يبدو لمن يكتب في القانون أو الفلسفة أو السياسات العامة أنه يسبح ضد التيار.
لكن التاريخ يبين أن الأفكار العميقة قد تتأخر في الانتشار، لكنها تبقى خالدة ابد الدهر
والمقالات الخفيفة قد تملأ المشهد اليوم، لكنها لا تعيش للغد.

ما جرى ويجري معي لا يعتبر سوى تذكير بأن القيم لا تقاس بالتفاعل الرقمي، وأنّ الكتابة الجادة ولو قرأها قليلون تظل ضرورة أخلاقية وثقافية.
إن الدفاع عن القانون، وتخليق المنصات، وحماية المواطنين رقمياً، هو عمل طويل المدى، لا ينتظر “الإعجاب”، بل ينتظر أن يثمر وعياً يُحدث الفرق !
ربما اكون مخطئة او من جيل قديم على قدم الرحيل وغير مقيم لكن بدأ لي ان أتقاسم مع اصدقائي الافتراضيين هذه الملاحظات

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *