زلة محمد الدريج

علي العلوي
كتب الباحث التربوي محمد الدريج تدوينة في صفحته على الفيسبوك يوم 19 شتنبر 2025 كالآتي: « الوزارة أمام المعادلة الصعبة: » هل ننزل بالمدرسة إلى مستوى ضعاف التلاميذ، أم نرفعها إلى مستوى الأقوياء » ». والحق إنني استغرب كيف أن باحثا له صولات وجولات في مجال التربية والتكوين يستخدم لفظين لهما حمولة نفسية واجتماعية في مجال التربية والتعليم، تتراوح بين دلالتين: إحداهما سلبية، والأخرى إيجابية، قد تؤثران على كيفية فهمنا للتلاميذ وتعاملنا معهم.
ولئن كان لفظ « ضعاف » يراد به الإشارة إلى التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في التحصيل الدراسي، أو لديهم بطء في الفهم، أو يعانون تحديات في مادة معينة، فإنه من الأفضل استخدام لفظ « متعثرون ». وغني عن البيان أن هذه الصعوبات قد ترتبط بأسباب متنوعة مثل طرق التدريس، أو مشاكل في التركيز، أو نقص في الدعم الأسري وغيرها.
ويحمل لفظ « متعثر »، على المستوى النفسي، حمولة أخف وأكثر إيجابية من لفظ « ضعيف »؛ فكلمة « متعثر » تشير إلى حالة مؤقتة أو مرحلة يمر بها التلميذ، وتوحي بأن هذه العقبات والصعوبات يمكن تجاوزها بالدعم والمساعدة اللازمة. أما على المستوى التربوي، فمن الأفضل استخدام هذا اللفظ بدلا من « ضعيف » لأنه يركز على العملية والتقدم، وليس على الحكم النهائي على قدرة التلميذ. والتعثر هنا هو نقطة بداية لتحديد الأسباب الكامنة وراءه، ومن ثم وضع خطة علاجية لمساعدة التلميذ في تجاوز تعثراته.
أما لفظ « الأقوياء »، فيريد به الأستاذ محمد الدريج الإشارة إلى التلاميذ الذين يمتلكون قدرات عالية على الاستيعاب والفهم السريع، ويحققون درجات عالية في النتائج الدراسية. يبدو أن هذا اللفظ إيجابي، غير أنه يحمل تحديات على المستوى النفسي والاجتماعي، كما أنه يحيل على القوة الفطرية أو الموروثة، لكأن هذه القوةَ صفةٌ ثابتة وغير قابلة للتغيير. والحال أنه ينبغي التركيز على الإنجاز عوض الصفات الشخصية، الأمر الذي يقتضي استخدام لفظ « المتفوقون » للدلالة على التفوق الدراسي والإنجازات الملموسة. والتفوق هو نتيجة لبذل الجهد، والمثابرة، والتفكير، والتخطيط الجيد وهلم جرا، كما أن استخدامه يحمل إشارة إلى أن النجاح يمكن تحقيقه بالعمل الجاد، وليس بالقدرات الفطرية دون سواها، مما يعزز عقلية النمو التي ترى أن القدرات قابلة للتطوير.
وجوابا على سؤال الأستاذ محمد الدريج الذي كان منطلق هذه الخاطرة، أقول باختصار شديد إننا في حاجة إلى مدرسة تدعم المتعثرين، وتعتني بالمتفوقين، وليس مدرسة تقصي فئة على حساب الأخرى. والحق إننا لسنا أمام معادلة صعبة، ولا سهلة، تحتاج إلى حل، بقدر حاجتنا إلى إشراك حقيقي لكافة المتدخلين والفاعلين في إصلاح المدرسة العمومية.





Aucun commentaire