مهرجان الراي بوجدة …حين تُصبح الفوضى موسيقى والعبث تنظيما

respress.ma
كأنه لم يكن مهرجانًا بقدر ما كان ارتباكًا معلنًا تُغلفه دعوات الترفيه وتتصدّره أسماء لا تحمل من فن الراي سوى اسمه. احتضنت وجدة حدثًا كان يُفترض أن يُكرّم تراثًا موسيقيًا فريدًا، فخرج منه مُشوَّهًا، مكسورًا أمام مرايا الوطن و العالم، كمن يحاول الغناء وهو لم يسمع من الراي سوى ما يُبث في النوادي الليلية وكباريات الرغبة.
فوضى في التنظيم، ارتجال في البرمجة، اختيارات تعبث بالذائقة وتحكم على الهوية الموسيقية بالإقصاء. من بين ما استقته جريدتنا “رسبريس”من مصادر متطابقة، بدا المهرجان وكأنه عرسٌ محليّ لا مهرجان راي عالمي. غابت المهنية، غابت الرؤية الفنية، وغابت الأسماء القادرة على تمثيل الذاكرة الموسيقية لوجدة، هذه المدينة التي كانت يومًا منارة للفن الحيّ والراي الأصيل.
لم يكن البرنامج سوى ترجمة عبثية لسوء الفهم، حيث أوكل التنظيم لأسماء لا صلة لها بالفن، ولا بالراي، ولا حتى بسؤال الجمهور حول ما يريده أو يحتاجه. مهرجان شابه الخلط الغريب بين السينيما والراي والرقص الفلكلوري، حتى بدا الأمر وكأن من خطّ برنامجه لا يميّز بين “القسم” و”السبورة”، وبين “النجومية” و”الضوضاء”.
في ليلة الختام، ظن المنظمون أن جذب الجمهور سيكون سهلًا بإنزال الدوزي على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن اللقاء الكروي الذي كان في التوقيت ذاته سحب البساط من وهم البهرجة، ولم يتجاوز الحضور ثلاثة آلاف شخص بالكاد، حسب مصادر الجريدة، في حين أصرّ البيان الرسمي على تضخيم العدد إلى ثلاثين ألفًا، في قراءة متعسفة تكاد تدين نفسها بنفسها.
لم يكن الجمهور غائبًا فقط، بل كان حائرًا: هل جاء ليستمع إلى الراي؟ أم ليشهد استعراضًا لا يعرف له وجهًا؟ الفنانون الذين اعتلوا المنصات أغلبهم لا صلة لهم بالراي، بل بعضهم يُعرف في النوادي الليلية أكثر مما يُعرف في ذاكرة الصوت المغربي. وكأن معيار الاختيار كان الصخب فقط، لا القيمة.
بصوت هادئ نقول: المهرجان الذي حمل اسم الراي لم يحمل شيئًا من روحه. وجدة لم تكن في الموعد الذي يليق بتاريخها الموسيقي، بل وجدت نفسها وسط احتفالٍ يشبه التكرار المملّ لمهرجانات تُقام فقط لتُقال. تهاوى الحضور، وتضخّمت الأرقام في الخطاب الرسمي كما لو أن الإنكار يعوّض الفشل. كل تفاصيل الحدث بدت وكأنها تُدار على وقع الارتجال، لا التخطيط، وعلى صدى الأسماء لا على صدى الصوت الحقيقي. بدا كل شيء خارج السياق: الفنانون لا يُمثّلون الراي، البرمجة لا تحترم الجمهور، والإخراج لا يحترم الذائقة. بدت المدينة وكأنها تُحاكَم بحدثٍ لا يُشبِهها، تُحتَجز داخل مهرجانٍ لا يصون وهجها. والأخطر أن المسافة التي تفصل هذا المهرجان عن فكرة الفن لا تُقاس بالخطأ الفني، بل بالتخلي عن المعنى. وجدة التي كانت تصنع البهاء الصوتي، وجدت نفسها تؤدّي دورًا باهتًا في سردٍ لا ينتمي إليها، وسط من يظنون أن الموسيقى تُصنع بتصفيقٍ فقط، لا بإرثٍ ولا بصدق
المصدر : ريسبريس.





Aucun commentaire