Home»Enseignement»القراءة وتنمية المهارات الحياتية موضوع ندوة وطنية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة

القراءة وتنمية المهارات الحياتية موضوع ندوة وطنية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة

0
Shares
PinterestGoogle+

 

عبد الكريم بن رزوق: مفتش تربوي وباحث في مناهج التربية وقضايا الأسرة المعاصرة

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، يوم الأربعاء 23 أبريل 2025 على الساعة العاشرة صباحا، ندوة وطنية حول موضوع: « القراءة وتنمية المهارات الحياتية« . وقد جرت أشغال هذه الندوة بمدرج دراسات الدكتوراه، بشراكة بين نادي القراءة بالكلية، وفريق البحث في مناهج الخطاب وطرق التواصل التابع لـمختبر الدراسات الإسلامية والأنساق المعرفية، وفريق التكامل المعرفي وديداكتيك اللغات بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – الدار البيضاء سطات.

الجلسة الافتتاحية:

استهلت الندوة بتلاوة آيات من سورة العلق، التي تؤكد على أهمية القراءة كمدخل أساسي للعلم والمعرفة. وترأس الجلسة الافتتاحية الأستاذ إدريس طهطاوي، الذي رحب بالحضور وأشاد بهذه المبادرة المشتركة مع المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة البيضاء–سطات. وأشار إلى أن هذه المبادرة تأتي في سياق وطني يولي اهتمامًا متزايدًا بثقافة القراءة، وهو ما يتجسد في العديد من المبادرات، ومنها تلك التي تهدف إلى إدماج المهارات الحياتية في المناهج الجامعية.  وأشار الأستاذ طهطاوي إلى الدور المحوري الذي تلعبه القراءة في توسيع آفاق المعرفة وبناء الثقة بالنفس وتعزيز الخيال، فضلا عن كونها أداة أساسية لترسيخ قيم التفاعل الإيجابي في المجتمع. وأكد أن القراءة ليست مجرد وسيلة للمعرفة، بل هي ركيزة أساسية في بناء شخصية الفرد وفي تمكينه من مواجهة تحديات الحياة اليومية. كما اعتبر أن هذه الندوة تمثل فرصة سانحة لتبادل الرؤى والأفكار حول كيفية تفعيل القراءة باعتبارها أداة فعالة في تنمية المهارات الحياتية لدى الناشئة والطلبة على حد سواء. وسبل جعل القراءة جزءا من عملية التعليم والتكوين الجامعي، بما يعزز قدرة الأفراد على التفكير النقدي والتفاعل مع مجتمعاتهم..

ثم تناول الكلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الذي أكد على أهمية هذه الندوة الوطنية التي تفتح مساحة للحوار حول موضوع حيوي يلامس عمق التكوين الأكاديمي ومتطلبات العصر الراهن. وبيّن أن القراءة ليست مجرد أداة لاكتساب المعرفة، بل هي عملية لصياغة المعنى، وتوسيع أفق التعبير، وبناء الذات العارفة. وأشار إلى التحولات العميقة التي شهدها فعل القراءة، بدءًا من النص الورقي وصولاً إلى الشاشات الرقمية، ومن التدرج المعرفي إلى التدفق السريع للمعلومات. وهو ما يجعل من المعطى الرقمي محورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل العلاقة مع النصوص. ورغم التحديات التي فرضها التحول الرقمي، فإنه يفتح آفاقًا واسعة أمام القراءة كوسيلة لبناء المهارات الحياتية وتعزيز الهوية الثقافية.

وفي هذا السياق، أضاف السيد العميد أن الندوة تطرح تساؤلات جوهرية حول أدوار القراءة في ظل هذه التحولات، مشددًا على البعد التربوي العميق لها، باعتبارها رافعة أساسية في تكوين الشخصية الأكاديمية والجامعية. وأوضح أن الطالب اليوم لا يحتاج فقط إلى المعلومة، بل أيضًا إلى كفايات نقدية تمكّنه من التعامل الواعي والفاعل مع النصوص، مع التأكيد على أهمية تفعيل الفعل القرائي في ظل التحديات الرقمية، وتحويله إلى أداة فاعلة في بناء جيل قارئ، ناقد، ومتفاعل مع محيطه المعرفي والثقافي.

ثم ألقى الدكتور نور الدين لحلو، نيابة عن رئيس مختبر الدراسات الإسلامية والأنساق المعرفية، الدكتور عبد الرحمان السايب، كلمة عبّر فيها عن شكره وامتنانه لجميع المتدخلين والمشاركين في الندوة، وكذلك للحضور الكريم، ولكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث العلمي الهام. كما خص بالشكر اللجنتين العلمية والتنظيمية على جهودهما المبذولة في الإعداد والتحضير. ولم يفته أن يثني على إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية تقديرًا للدعم والمساندة التي قدمتها وتستمر في تقديمها، مشيدًا أيضًا بدور فريق البحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الدار البيضاء سطات على مساهمته الفاعلة في تنظيم وإنجاح هذا اللقاء العلمي.

فيما عبر الدكتور ميلود العثماني، رئيس فريق التكامل المعرفي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، عن بالغ سعادته بهذا التعاون المثمر بين الكلية والمركز، والذي يعكس دينامية مؤسساتية واعية بأهمية توحيد الجهود في خدمة القضايا التربوية والثقافية. وأكد أن اختيار موضوع القراءة وتنمية المهارات الحياتية ينبع من رؤية مركبة، تجمع بين الآني والمستقبلي، وتلامس عمق إشكالات التكوين المعرفي والوجداني للناشئة والطلبة. كما أكد على أن اقتطاع وقت منتظم ومخصص للقراءة ليس مجرد هواية أو ترف، بل هو نشاط أساسي لصيانة العقول، وحفظ الثقافة، وبناء الوعي النقدي، وركيزة في التكوين الذاتي، وأداة لبناء شخصية متوازنة ومستنيرة.

وفي كلمة مقتضبة، رحب الدكتور عبد الجبار لند، باسم اللجنة التنظيمية، بجميع المشاركين والحاضرين، موجها الشكر والامتنان لكل من تكبد عناء السفر، والبحث، والسهر على الإعداد لمداخلات هذه الندوة. وأوضح أن فكرة تنظيم هذا اللقاء العلمي نبعت من تقاطع مجموعة من العوامل الموضوعية، والتي برزت من خلال الممارسة الميدانية، وعلى رأسها ملاحظة تراجع الإقبال على القراءة، وتنامي الاعتماد على المعلومات الجاهزة، وهو ما أصبح يهدد تدريجيا ملكة التفكير النقدي. وأضاف أن الاكتفاء بقراءة الحد الأدنى من المعارف، وضمن حدود التخصص فقط، أصبح سلوكا شائعا، ويستدعي وقفة تأملية ومسؤولية تربوية. من هنا جاءت هذه الندوة كفرصة للتحسيس بأهمية القراءة، وتوجيه الطلبة وأندية القراءة نحو الاستفادة من القدرات الذهنية الغنية التي يتيحها هذا الفعل المعرفي العميق.

الجلسة العامة:

ترأس الجلسة العامة الأستاذ عبد الجبار لند، أستاذ البلاغة والأدب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة. وعرفت الجلسة تقديم المداخلات التالية:

المداخلة الأولى: « القراءة وعي وتدبر » – د. نور الدين لحلو، أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – الجديدة

بدأ الدكتور لحلو مداخلته بتأمل دلالة كلمة « اقرأ » كمفتتح للوحي، مؤكداً أنها ليست مجرد أمر بالقراءة، بل دعوة للارتقاء العقلي والروحي. واعتبر أن « اقرأ » تؤسس لعلاقة متكاملة بين قراءة آيات الكون والوحي، مما يمنح الإنسان وعياً كلياً بذاته ووجوده. وانتقد الدكتور لحلو التهميش المعرفي الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية، مشدداً على القراءة الواعية كوسيلة مقاومة لهذا الواقع. كما دافع عن تكامل العقل والنقل في الإسلام، رافضاً ثنائية التعارض المفتعلة بين الدين والعلم. واختتم مداخلته بالقول إن القراءة فريضة وفضيلة وواجب شرعي، تُسهم في بناء إنسان حر، واعٍ، وفاعل في مجتمعه.

المداخلة الثانية: « قراءة التخييل وتطوير المهارات الشخصية والنقدية » – د. ميلود العثماني، الدكتور ميلود العثماني، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – الدار البيضاء سطات

استهل الدكتور ميلود العثماني مداخلته بالإشارة إلى أن الجامعة تأخرت نسبيا في تناول موضوع المهارات الحياتية والشخصية، وعليها أن تستعيد دورها الحقيقي بوصفها فضاء لإنتاج الحلول وتقديم التوصيفات الضرورية للقضايا المجتمعية. وأكد أن الأمة الإسلامية تمتلك نصا عظيما زاخرا بالمهارات الحياتية، ولكن التحدي يكمن في تحويل هذه المهارات من مجرد امتلاك نظري إلى كفايات عملية. ودعا إلى استثمار النصوص التخيلية مثل الروايات، الأفلام، والقصص المصورة لتطوير الوعي والخيال والنقد لدى الطلاب. وأبرز أهمية « قراءة التخييل » كمدخل تربوي مركب، مشيراً إلى ضرورة فهم تعددية وسائط التعبير وتأثيرها على المتعلم. كما أكد أن المهارات الشخصية والعاطفية والنقدية تُبنى داخل المؤسسات التعليمية، داعياً إلى إدماج التفكير النقدي في المناهج الدراسية لمواجهة تحديات العصر، خاصة في ظل تأثيرات الذكاء الاصطناعي، وإلى تحويل القراءة إلى فضاء تفاعلي يعزز القيم الإنسانية.

المداخلة الثالثة: « دور القراءة المدرسية في إنماء المهارات النقدية » – د. أحمد بلاطي، رئيس شعبة اللغة العربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – الدار البيضاء سطات

أوضح الدكتور بلاطي مفهوم « القراءة المدرسية » باعتبارها عملية منهجية تهدف لفك الرموز وفهم المحتوى، يتم توجيهها من قبل المعلم بأساليب بيداغوجية تناسب مستوى المتعلم. وأكد أن القراءة المدرسية تشكل هوية ثقافية خاصة يجب أن تحظى باهتمام أكبر من الباحثين والمربين، مشيرًا إلى دورها في تعزيز الانتماء والانفتاح على الثقافات الأخرى. كما لفت الانتباه إلى ضعف البحث العلمي في هذا المجال، رغم الحاجة الملحة إليه بسبب تقارير تشير إلى ضعف مستويات القراءة لدى المتعلمين. ودعا الدكتور بلاطي إلى تبني منهجية متكاملة لتعليم القراءة المبكر، تشمل الطلاقة والفهم القرائي والتفكير النقدي، بما يساعد في تنمية مهارات الكتابة والتفكير النقدي. كما شدد على أهمية القراءة المنهجية في التعليم الثانوي، التي تسهم في تنمية مهارات التفكير العليا وتعزز مسؤولية التعلم الذاتي.

المداخلة الرابعة: « القراءة الذكية: أهميتها، مفهومها، وأساليبها » – الأستاذ إدريس طهطاوي، كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالجديدة

أكد الأستاذ طهطاوي أن مستويات الفهم والتحليل والتفسير تشكل جوهر القراءة الفعالة. وشدد على أهمية « القراءة الذكية » لمواجهة فيض المعلومات الذي يشهده العصر الحديث. واستشهد بتقارير وطنية ودولية تكشف ضعف إقبال المغاربة على القراءة. وعرّف القراءة الذكية كأسلوب منهجي يهدف إلى تحديد الأهداف والتركيز على المعلومات الأساسية وتحليلها بذكاء. وأبرز أساليبها مثل القراءة الانتقائية، تلخيص النصوص، التفاعل مع النص من خلال التساؤل والتقييم، واستخدام الخرائط الذهنية مؤكدا أن هذه المهارات تساعد في تعزيز التفكير النقدي وتحسين القدرة على اتخاذ القرارات. واختتم بالقول إن القراءة الذكية لم تعد ترفاً، بل ضرورة في عصر المعرفة لتحقيق الكفاءة والإنتاجية العلمية والفكرية.

المداخلة الخامسة: « القراءة ودورها في بناء الشخصية » – الباحث محمد بلحوزي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة

تناول الباحث بلحوزي في مداخلته واقع القراءة في المغرب، مشيراً إلى أن بعض الممارسات القرائية مثل القراءة في المدارس العتيقة أو الحزب الراتب لا تُحتسب في الإحصاءات الرسمية. ودعا إلى اعتماد مفهوم أوسع للقراءة يشمل كل ما يُقرأ. وأكد أن القراءة تساهم في بناء هوية الفرد وتوسيع أفقه المعرفي. كما أوضح أن القراءة تساهم في تطوير التصورات الفكرية، حيث تنقل الإنسان من إدراك المحسوسات إلى المجردات، وتغرس مهارات الحفظ والفهم والذوق في شخصية المتعلم، وتقوي القدرات العقلية والنفسية للفرد، مما يؤهله لمواجهة التحديات الحياتية بثقة. واختتم بالقول إن القراءة عملية شاملة تمزج بين المعرفة والعاطفة، وتُعتبر أساساً لبناء شخصية متزنة وفاعلة.

في ختام هذه الجلسة، وبعد انتهاء المداخلات، تم فتح الباب للنقاش، حيث تركزت الاستفسارات حول عدة نقاط هامة تعكس أبعاد فعل القراءة وأثره في المجتمع. وكانت أبرز هذه النقاط كالتالي:

  • القراءة باعتبارها ناقلة للقيم: تم التطرق إلى كيفية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل الانفتاح القرائي على القيم الكونية، مع التأكيد على ضرورة توجيه القراءة نحو تعزيز الهوية المحلية دون التفريط في الانفتاح على القيم العالمية.
  • أهمية القراءة الذكية: تم التأكيد على دور القراءة الذكية في تحبيب فعل القراءة لدى التلاميذ، من خلال تبني طرائق تربوية محببة ومحفزة تساهم في جعل القراءة عملية ممتعة ومفيدة في آن واحد.
  • توظيف مهارات القراءة في بناء المناعة الفكرية: تناول النقاش كيفية الاستفادة من مهارات القراءة في تعزيز المناعة الفكرية لدى الناشئة، مما يمكنهم من التصدي للتحديات المعرفية والرقمية المتزايدة.
  • التخييل كمهارة قرائية: تم التأكيد على أهمية التخييل كمهارة قرائية قائمة بذاتها، لما لها من دور أساسي في تنمية الخيال والإبداع، وكذلك في الفهم العميق للنصوص.
  • دور القراءة في تكوين المواطن الفاعل: تمت مناقشة كيفية مساهمة القراءة في تكوين المواطن الفاعل، الذي يكون منخرطًا في مجتمعه بوعي ومسؤولية، مع الحفاظ على استقلاليته الفكرية.
  • إسهام القراءة في البناء الاجتماعي السليم: تمت الإشارة إلى أن امتلاك مهارات وقدرات القراءة يسهم في بناء مجتمع سليم من خلال تعزيز قيم الحوار، التعايش، والانفتاح.
  • ضعف الفعل القرائي في ظل الذكاء الاصطناعي: تمت مناقشة التحديات التي تواجه الفعل القرائي في ظل تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي، وما يرافقه من عزوف عن البحث والميل إلى الاستهلاك المعرفي الجاهز. كما تم طرح تساؤل حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة القراءة وتنمية مهاراتها بدلاً من إضعافها.
  • انخراط الجامعة في المشاريع المرتبطة بالقراءة: تم التأكيد على أهمية انخراط الجامعة في المبادرات المرتبطة بالقراءة، مثل تنظيم المسابقات وتقديم الجوائز التحفيزية التي تعزز ثقافة القراءة وتحث الطلاب على الانخراط الفعّال في هذا المجال.
  • غرس حب القراءة منذ الطفولة: تم التذكير بالأدوار الريادية التي يمكن أن يلعبها أساتذة التعليم الابتدائي في غرس حب القراءة لدى الأطفال منذ سن مبكرة، وهو ما يسهم في بناء جيل قارئ وواعٍ.
  • القراءة كمدخل للتفكير النقدي: تم التأكيد على ضرورة تبني استراتيجيات قرائية فعالة تمكن المتعلم من الانتقال من الاستيعاب إلى التحليل والنقد والتقويم، بما يعزز التفكير النقدي والقدرة على التحليل في مواجهة النصوص.

الجلسة العلمية المسائية:

ترأس الجلسة العلمية المسائية الأولى الدكتور موسى فقير، حيث تم عرض عدة مداخلات علمية ذات صلة بموضوع الندوة، ناقشت تأثير القراءة في مختلف جوانب الحياة الفكرية والاجتماعية. (في نفس الفترة، كانت هناك جلسة علمية ثانية تضمنّت مداخلات إضافية).

وفيما يلي تفاصيل المداخلات التي تم تقديمها في الجلسة العلمية المسائية:

المداخلة الأولى: « القراءة وأثرها في بناء مجتمع متماسك » – الباحثة صابرين البقالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة

بدأت الباحثة صابرين البقالي مداخلتها بالتاكيد أن القراءة تعد أساس نهضة الأمم ومفتاح بناء الحضارات. واستهلت حديثها بالإشارة إلى أن أول أمر إلهي في الإسلام كان « اقرأ »، ما يعكس المركزية التي تحتلها القراءة في بناء الإنسان فكريًا وروحيًا. وشددت الباحثة على أن الإسلام أسس لمجتمع معرفي، حيث تعتبر القراءة فريضة وسلوكًا يوميًا. وأكدت ضرورة تفعيل مختلف أنواع القراءة، وعلى رأسها قراءة الوحي، والسنة النبوية، والتاريخ وقراءة الذات، لما لها من دور في تشكيل وعي نقدي فردي، وهو ما ينعكس إيجابًا على شخصية الفرد، وعلى قوة المجتمع وتماسكه.

المداخلة الثانية: « مستويات القراءة المنهجية » – الدكتور فؤاد بلمودن، أستاذ الفكر الإسلامي بـكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة

اعتبر الدكتور فؤاد بلمودن أن القراءة شغف إنساني تحكمه دواعٍ فطرية تتعلق بالكلمة والمعنى والإدراك، فهي ليست مجرد وسيلة للاطلاع، بل أداة لاكتشاف الذات والانفتاح على عوالم غير مرئية. انطلاقًا من هذا التصور، شدد على ضرورة تجاوز القراءة الاستهلاكية إلى قراءة منهجية واعية، تقوم على فهم النص ضمن سياقه المعرفي والثقافي، واستيعاب المنهج الذي أنتجه. وقسّم الدكتور بلمودن التفاعل القرائي إلى مستويين: التفاعل البصري الذي يركّز على إدراك المعطى كما هو، والتفاعل الذهني الذي ينقل القارئ إلى مستوى التحليل والتأمل عبر الخيال والصور الذهنية. واعتبر أن أزمة القراءة اليوم هي أزمة منهج، ناتجة عن الجهل بالمقاربة المنهجية أو سوء استخدامها، مما يؤدي إلى قراءة مفككة تقصي المعنى وتُفرغ النص من دلالاته. في المقابل، دعا إلى اعتماد قراءة توليدية تعيد إنتاج المعنى دون الانزلاق في التأويل المفرط أو إلى مركزية العقل، مؤكدًا أن النص، وفقًا لبول ريكور، هو خطاب مكتوب يتطلب قراءة فلسفية وتأويلية أعمق من الخطاب الشفهي.

واختتم مداخلته بالتأكيد على أن القراءة المنهجية الواعية تُحوّل القارئ من مستهلك سلبي إلى منتج للفكر، مشيرًا إلى أن الحضارة الغربية الحديثة بُنيت على إعادة قراءة منجَز الحضارات السابقة، خاصة الإغريقية والإسلامية، وهو ما يؤكد دور القراءة الواعية كمحرك للتطور الحضاري.

المداخلة الثالثة: «  القراءة والمشروع الشخصي للمتعلم: نحو بناء مسار دراسي ومهني قائم على تنمية المهارات الحياتية » – ذ. عبد الكريم بن رزوق، مفتش التوجيه التربوي، وباحث في مناهج التربية وقضايا الأسرة المعاصرة

انطلق الباحث من مدخل مفاهيمي وضح فيه دلالات مفاتيح موضوعه، مثل « القراءة » وأنواعها، و »المهارات الحياتية »، و »المشروع الشخصي للمتعلم »، مؤكدا أن هذه المفاهيم مترابطة ومتداخلة في عملية بناء شخصية المتعلم ومصيره الدراسي والمهني. وقد ركز على أهمية القراءة باعتبارها أداة فعالة في تنمية المهارات الحياتية، من قبيل التخطيط، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، وهي مهارات تعد جوهرية في تشكيل وتوجيه المشروع الشخصي للمتعلم. ثم قدم أمثلة واقعية تبرز كيف يمكن للقراءة الواعية والهادفة في تخصص الدراسات الإسلامية والحقول المعرفية المرتبطة بها أن تفعل تلك المهارات وترسخها في الواقع العملي للمتعلمين وفي مشاريعهم الشخصية، مشيرا إلى أن القراءة تعد حجر الزاوية في بلورة المشروع الشخصي، إذ تمنح المتعلم أدوات التفكير الاستراتيجي، وتمكنه من إدارة وقته، واتخاذ قرارات رشيدة، ومواجهة التحديات الدراسية والمهنية بثقة وكفاءة.

وتوقف الباحث عند مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي تستدعي تأملا عميقا: هل نمارس فعل القراءة فعلا، أم أننا نزعم ذلك؟ وإن كنا نقرأ، فهل نختار ما هو نافع؟ وهل نقرأ بالطريقة الصحيحة؟ وهل نحن واعون بقيمة القراءة؟، متسائلا كذلك عن مدى وضوح مشروعنا الشخصي، والمهارات اللازمة لتحقيقه، ودور القراءة في اكتساب تلك المهارات. وقد خلص إلى أن القراءة ليست مجرد نشاط معرفي، بل هي فعل وجودي يؤثر في بناء الذات، وتشكيل الرؤية، وصناعة المستقبل، ما يجعلها أداة مركزية في التربية الحديثة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي تتطلب من المتعلم امتلاك مشروع واضح وكفاءات مرنة وقابلة للتطوير.

المداخلة الرابعة: « القراءة باعتبارها فعلاً اجتماعياً » – د. محمد الراشيدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة

قدم الدكتور محمد الراشيدي مقاربة سوسيولوجية تطرقت إلى فهم القراءة كفعل اجتماعي لا يمكن فصله عن السياقات الثقافية والتاريخية التي يتم ممارستها ضمنها. وأوضح أن القراءة تتشكل ضمن شروط اجتماعية وتُمارَس في فضاءات اجتماعية تحدد دلالاتها. وأشار إلى أن القراءة تمنح القارئ مكانة رمزية داخل المجتمع، مما يجعلها أداة تواصل ثقافي وتعبير عن التمايزات الاجتماعية. وخلص إلى أن القراءة ليست نشاطًا معرفيًا فرديًا فقط، بل هي ممارسة مجتمعية تؤثر في البنية الثقافية وتنقل رموزها.

المداخلة الخامسة: « القراءة الفلسفية ودورها في تنمية المهارات النقدية » – د. محمد البوبكري، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة

ناقش الدكتور محمد البوبكري في مداخلته أهمية القراءة الفلسفية في تنمية المهارات النقدية، معتبرًا إياها أداة حيوية لتربية العقل على التحليل وإعادة بناء الأفكار. وأورد المتدخل في كلمته المقارنة بين الشريعة والفلسفة كما تناولها أبو حيان التوحيدي موضحا أن الفلاسفة، في تصور التوحيدي، يقومون بدور شبيه بمهمة حفظ الصحة، إذ يحمون الإنسان فكرياً وروحياً كما تفعل المضادات الحيوية بالجسد، في حين تمثل الشريعة جانب الضروريات، أما الفلسفة فتندرج ضمن الكماليات.. وأشار إلى أن الفلسفة تبدأ من الذات وتهدف إلى تحقيق سعادة داخلية من خلال التأمل والتساؤل، مستشهداً بمقولة سقراط « اعرف نفسك بنفسك ». وأكد أن القراءة الفلسفية، باعتبارها تجربة عقلية تأملية، تساهم في تطوير الفكر الحجاجي والنقدي لدى القارئ من خلال تفاعله مع النصوص الفلسفية الكبرى.

المداخلة السادسة: « القراءة والمهارات المعرفية من منظور هرم بلوم المعدل – التفكير النقدي نموذجاً » – د. مولاي مروان العلوي، المدرسية العليا للتربية والتكوين برشيد

ركز الدكتور مولاي مروان العلوي في مداخلته على العلاقة بين القراءة والتفكير النقدي في إطار « هرم بلوم المعدل »، مؤكداً على أن التعليم العالي يتطلب مهارات عليا مثل التحليل والتقويم. وأشار إلى أن التفكير النقدي يتفاعل مع أربعة أنواع من المعرفة: الواقعية، التصورية، الإجرائية، والميتامعرفية، وكل منها يرتبط بمستويات بلوم التي تبدأ من التذكر وصولاً إلى الإبداع. وشدد على أن القراءة تعد أداة فعالة في بناء الفكر النقدي، داعياً إلى إدماج هذا المنهج في التعليم الجامعي من أجل تأهيل طلاب قادرين على التفكير المستقل واتخاذ قرارات مستنيرة.

المداخلة السابعة: « دور القراءة في تكوين الملكة اللغوية لدى العلامة عبد الله كنون » – الباحثة شيماء جناتي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة

سلطت الباحثة شيماء جناتي الضوء في مداخلتها على دور القراءة الموسوعية في تشكيل الأسلوب اللغوي والأدبي للعلامة عبد الله كنون، حيث تناولت سيرة العلامة ومكانته العلمية، مشيرة إلى أن اطلاعه الواسع مكّنه من تطوير ملكة لغوية متينة وتجربة معرفية متكاملة. ورأت أن القراءة لم تكن مجرد تحصيل معرفي لديه، بل كانت أداة لبناء عقلية نقدية ولغوية ساهمت في تميّزه في مجالات الفكر والأدب والدين، مما يعكس عمق تأثير القراءة في تكوين الفكر الفردي.

المداخلة الثامنة: « القراءة وإنماء مهارة القراءة الذاتية لدى الطالب » – الباحث فؤاد عاقيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة

تناول الأستاذ فؤاد عاقيل في مداخلته أهمية القراءة الذاتية في تكوين الطالب الجامعي الحديث، مؤكداً على أنها أساس التعلم المستقل ومفتاح تنمية الكفايات الذاتية. وأشار إلى ضرورة أن يتجاوز التعليم العالي منطق الشهادات الأكاديمية التقليدية إلى إعداد طلاب يمتلكون مهارات التفكير النقدي والتفاعل الواعي مع محيطهم. كما قدّم الأستاذ عاقيل تصورات عملية لتعزيز القراءة الذاتية كوسيلة لاكتساب المهارات الحياتية والمعرفية، موضحاً أن هذه مهارة القراءة الذاتية تشكل دعامة مركزية في بناء الشخصية المعرفية في عصر سريع التحول.

بعد انتهاء المداخلات، تم فتح المجال للمناقشة العامة، حيث تدخل عدد من الأساتذة والطلبة والباحثين لطرح وجهات نظرهم. وقد تم التطرق إلى العديد من الأبعاد المتعلقة بفعل القراءة وأثره في بناء شخصية المتعلم والمجتمع. ومن أبرز النقاط التي تم مناقشتها:

  • تعزيز الوعي الجماعي: إذ اجمع المتدخلون أن القراءة تُسهم بشكل كبير في ترسيخ الوعي الجماعي وتكوين مواطن واعٍ وفاعل.
  • القراءة والمشروع الشخصي: تم تسليط الضوء على دور القراءة في بناء المشروع الشخصي والمهني للمتعلمين، حيث يتم ربط الميولات بالقدرات وتوظيف المهارات الحياتية لرسم مسارات واضحة ومرنة.
  • الذكاء الاصطناعي والتعليم: ناقش المشاركون تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، مؤكدين على ضرورة استثماره بشكل إيجابي مع التحذير من فقدان الفكر النقدي لدى المتعلم.
  • تشجيع القراءة في سن مبكر: التأكيد على أهمية الكشف المبكر عن ميولات المتعلمين القرائية من خلال تفعيل أندية ومسابقات القراءة، مما يعزز حب المطالعة.
  • متعة القراءة:  شدد النقاش على ضرورة المزج بين « الإمتاع » و »التكليف » في القراءة، مع التأكيد على أن القراءة أداة معرفية تحتاج إلى جهد ومثابرة لتحقيق الفهم العميق.

استنادًا إلى المداخلات التي تم تقديمها في الجلسة الافتتاحية والجلسات العلمية الصباحية والمسائية، إضافة إلى النقاش المستفيض والتفاعل المثمر بين الحضور والمتدخلين عقب انتهاء الكلمات، تم تسجيل النقاط والمحاور التالية التي يمكن اعتبارها اقتراحات وتوصيات هامة بشأن الندوة:

  1. تعزيز القراءة كأداة مركزية لتنمية الهوية الثقافية والانفتاح الواعي من خلال المزاوجة بين الحفاظ على الخصوصيات الثقافية واستيعاب القيم الإنسانية المشتركة.
  2. تنمية حب القراءة في صفوف الناشئة عبر اعتماد طرق تربوية محفزة وملائمة، تركز على القراءة الذكية التي تراعي اهتمامات المتعلمين وتساعدهم على تطوير قدراتهم الذاتية.
  3. استثمار مهارات القراءة في بناء المناعة الفكرية من خلال تمكين المتعلم من أدوات التفكير النقدي، والتحليل، والتقويم، مما يعزز قدرته على مواجهة التحديات المعرفية والمجتمعية.
  4. الارتقاء بمستوى التخييل القرائي باعتباره مهارة أساسية لتنمية الخيال الخلاق، وتعزيز الفهم العميق للنصوص، وبناء شخصيات قادرة على الإبداع والابتكار.
  5. ربط الفعل القرائي بتكوين المواطن الفاعل والمسؤول عبر القراءة الواعية التي تسهم في تنمية روح المبادرة، والانخراط الإيجابي في الشأن المجتمعي.
  6. تعزيز القراءة كمدخل أساسي لترسيخ قيم الحوار، التعايش، والتسامح مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومبدع.
  7. توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة القراءة وتنميتها مع توجيه المتعلمين إلى الاستخدام الواعي والناقد للتكنولوجيا، بما يعزز استقلاليتهم الفكرية.
  8. دعم المشاريع القرائية داخل المؤسسات التعليمية والجامعية من خلال إنشاء أندية للقراءة، وتنظيم مسابقات وجوائز تشجيعية، وإدماج القراءة في الأنشطة التربوية المختلفة.
  9. غرس ثقافة القراءة منذ سن مبكرة عبر تفعيل دور المدرسة الابتدائية وأطرها التربوية في تنمية وتعزيز الميولات القرائية منذ الطفولة.
  10. اعتماد القراءة المنهجية والواعية كرافعة لتنمية المهارات الحياتية مثل التخطيط، إدارة الذات، التفكير النقدي، وحل المشكلات، بما يسهم في بناء المشروع الشخصي للمتعلم وتوجيهه نحو مسار دراسي ومهني ناجح.

واختُتمت فعاليات الندوة حوالي الساعة السادسة مساءً وسط إشادة الحضور بمستوى المداخلات والنقاشات التي عكست أهمية الموضوع وراهنيته، وأبرزت الحاجة الملحة إلى ترسيخ ثقافة القراءة لدى الناشئة باعتبارها دعامة أساسية لبناء جيل مثقف وواعٍ يمتلك المهارات التي تؤهله للمساهمة في تنمية المجتمع ومواجهة تحديات المستقبل. كما تم التقاط صور جماعية تؤرخ لهذا الحدث العلمي المميز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الكريم بن رزوق: مفتش تربوي وباحث في مناهج التربية وقضايا الأسرة المعاصرة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *