تحرك العنف بفروسية: فكيف نتحرك؟

تحرك العنف بفروسية:
فكيف نتحرك؟
رمضان مصباح
ما قبل ركوب الخيل:
سيكون على كل من يتعامل ،مهنيا ، مع الشباب ؛بصفة خاصة من لم تنجل عنه ،بعد،غشاوة المراهقة اللذيذة والهوجاء ؛أن يتوقع الأسوأ في المستقبل ،وهذا لا يعني أن الفضل والأفضل سينقطعان.
معني بهذا الكلام:
*نساء ورجال التربية والتعليم ،بالثانوي الاعدادي والتأهيلي.
*نساء ورجال الأمن الوطني.
*رجال الدرك الملكي.
تبين الوقائع ،وهي اليوم موثقة –صوتا وصورة- وسريعة الانتشار وطنيا وعالميا ؛أننا أمام ظاهرة اجتماعية –نفسية وسلوكية – آخذة في مد أذرعها الأخطبوطية ،ولم تعد مجرد أحداث معزولة ، تقع في كل زمان ومكان.
أستحضر هنا فاجعة الأستاذة هاجر ،التي سقطت في الشارع العام ،مضرجة في دمائها جراء فعل مجرم جبان ،من تلميذ لها.
وسبقتها فواجع ،وستليها حتما.
كما أستحضر،أيضا ، المواجهة بين شاب أهوج وفرقة دركية راكبة ،تحاول القبض عليه ،وهو لا يكف عن اعمال سلاحه الأبيض في زجاج السيارة ،وكأنه في حلبة لمصارعة الثيران.
ولرجال الأمن صولات وجولات في مواجهة مجرمي وجانحي المدن من الشباب؛تصل أحيانا الى استعمال السلاح الوظيفي،كما حدث أخيرا بالقنيطرة.
كيف نفسر كل هذا؟
ونحن الجيل الذي تربى على اعتبار كل الكبار آباء ،وكل الكبيرات أمهات.
نحن الذين كنا نمر في الزقاق ،وإذا رأينا بباب احداهن عجين خبز مُعدا للفرن ،حملناه اليه ،دون أن يُطلب منا ذلك.
لأننا تربينا على تقديم الخدمة لمن طلبها من الجيران.
ولم يكن للواحد منا – ونحن أطفال -أن يجلس راكبا الحافلة ،وأمامه امرأة واقفة ،أو رجل مسن.
طبعا ولى أغلب هذا السلوك الراقي ،الذي أنتجته تربية الأسرة والمؤسسة التعليمية .
مع العلم أن الأمية كانت هي الغالبة أسريا واجتماعيا..
كما أن المذياع ،وبعده التلفزيون ،لم يكونا متوفرين للجميع.
وامتُطي الصهيلُ؟
مع هذا البحر التواصلي اللجي ،الذي يسهلُ العوم والغوص فيه ،حتى بالنسبة للأطفال؛
لأن دروسه مجانية ،بدءا من الأسر ،وعبورا الى المجتمع ،والمؤسسات التعليمية.
هذه النقلة التواصلية المعرفية مهمة ومطلوبة ،لكن دون التحكم فيها خَرطُ القتاد ،بالنسبة للجميع.
من يراقب من؟
الأم ولها منصاتها ؟الأب الغائب في غيابه وفي حضوره؟
جد وجدة الأمس لم يعد لهما حيز داخل الأسرة ،إلا كمتاع متهالك الى حين.
كبار وكبيرات الأبناء ،كل في البحر يسبحون.
أما المؤسسة التعليمية فتعاني الأمرين:
1.أطرها يعانون من نفس الوضع الأسري المستحدث رقميا(وان وسعنا:عولميا)
2.ادراكها أن البرامج التي تعتمدها في تنفيذ التعاقد الديداكتيكي ،الضمني،مع الأسر؛لم تعد العمدة في التكوين ،بل مجرد فضلة ؛وان شئتم حواشي تذيل الكتاب الشاسع المعرفة ،الذي تعرضه الشبكة ،عند كل نقرة ماوس.
لم يعد واضحا وملموسا غير معمار هذه المؤسسات،وموارده البشرية ،والفئات المستهدفة ؛تدخل وتخرج غب كل دق جرس.
أين المحتوى ؟ عى غرار سؤال :أين الثروة؟
طبعا المحتوى الدينامي ،الذي ينحت له موقعا ،متحولا، ضمن امواج البحر التواصلي ،وهي في لُجيتها ،وليس حينما ترخي سدولها.
أغلب المحتوى الحالي ،الذي يستنزف تنزيله المال العام ،لا مردودية له تذكر ؛سلوكيا ،تنمويا ،واجتماعيا.
حتى الطبيعة لم تعد تملأ الفراغ بعفويتها ؛بل يملؤه تكوين مواز في غاية التوحش،وان كان بفوائد طبعا ،حين يُتحكم فيه.
هذا الذي أنعته بالتكوين المتوحش،وضع حدا حتى للهدر المدرسي ،بمفهومه المعتاد؛لأنه يقع خارج المؤسسة التعليمية ،ويستقبل روادها والهاربين منها.
هو بمعنى ما مُطبقٌ على الجميع ؛لأنه في لذة العسل ،والفكاك منه صعب للغاية.
شخصيا ،وفي عمري هذا ،أجاهد لقطع ذراع « التيك توك » – وياليته وحده -التي تجاهد لإبقائي مرتبطا ؛بلذيذ الموسيقى،الغناء،الرقص ،وما شئتم من أطباق يسيل لها لعاب الجميع.
فكيف بمراهقين ،في جموح العمر وحَمَّارته؟
كل الأسر تعاني هذه اللذة ،المنزرعة ،في دواخلنا ،وكأنها وُلدت معنا ؛والحال أنها بنت سنين قليلة فقط.
لكن تيسر لها جهابذة المتلاعبين بالعقول والقلوب ،ليُحكموها في الرقاب ،تسوسها على هواها وكأنها رقاب خرفان ذلولة.
تعاضدت تخصصات عميقة ومتكاملة، لتنتج تكوينا خارج التكوين ،ومدارس خارج المدارس.
هانحن نرى دعوة « ايفان ايليش » الى مجتمع بدون مدرسة تتحقق ،وان بغير الكيفية التي أراد هو.
انهم معنا في كل تفاصيل يومنا وحياتنا ،ومنها من يطلب منك أن تحدد حتى الوارث الرقمي لك ،حينما تهل ساعتك.
هل من مخلص؟ وكيف؟
1.لامناص من تجديد دور المؤسسة التعليمية ؛بنقل المناهج من التلقين السلبي ،الى التشارك في البناء ،بينها وبين الفئات المستهدفة والأسر.
2.الانتقال من البرامج المحددة والجامدة ،الى البرامج المنفتحة والمنخرطة في « الآن » أي المجتمع وهو في حالة دينامية ،وتفاعل مع الأحداث والمستجدات.
3.تأهيل الأطر التعليمية لتمارس الفعل التعليمي التربوي ،وهي – في حصص محددة من الزمن المدرسي – مكتفية بنفسها ،تحديدا وتحليلا ،واستثمارا.
وقد جرب جيلي هذا في ما كان يسمى « الجغرافية المحلية » بالابتدائي ،وكانت النتائج مهمة جدا.
بمعنى ما انزياح الكتاب المدرسي عن الصدارة،وإحلال دراسة الحدث أو الحالة أو النازلة ،بتعبير الفقه القديم.
4.انفتاح جميع المستويات التعليمية – في حصص من الزمن المدرسي-على محيطها،الاداري،الاقتصادي ،الأمني ،الفلاحي..على غرار ما كان يسمى « المدارس الغابوية » في النظام الفرنسي:école buissonnière
يجب أن تتعلم الفئات المستهدفة – وهي تتمثل المعرفة – المجتمع وهو يتفاعل وينتج.
هذه مجرد منافذ للتوسع أكثر ،في بناء البرامج والمناهج والتنزيل.
العمل الأمني التربوي:
أدعو هنا الى انفتاح المؤسسة الأمنية والدركية – في تكوين أطرها – على المنظومة التربوية الميدانية.
اقتصار العمل الأمني على الردع ،لم يعد كافيا ؛ان لم أقل أنه أصبح يوفر عناصر لخلق بطولات وهمية لدى الشباب الجانح.
كانت المواجهة بين القوة الأمنية والجانح محدودة في الزمان والمكان؛اليوم تنقلها وسائل التواصل وهي ساخنة ،وتنتشر بسرعة فائقة.
هذا بالضبط ما يبحث عنه الجانح المراهق ،الذي تقطعت به سبل الدراسة والتكوين والشغل.
لم تبق له سوى البطولة الوهمية ،وكل عناصرها متوفرة.
هل الشاب الذي واجه فرقة درك راكبة ،كان له أمل فعلا في الافلات؟
لا هو يعلم أن واقعٌ في القبضة ،لكنه عمد الى اطالة المواجهة ،ليراه الأقران ؛ويؤسس له سمعة حتى داخل السجن الذي سيلتحق به سريعا.
اذا انخرط متدربو الأمن والدرك في العمل التربوي –لحصص محددة ومؤطرة- فسيتحقق لهم تكوين تربوي ميداني يؤهلهم لفهم الشباب.
ويمكن التلاميذ من الانفتاح على المؤسسة الأمنية ،باعتبارها مؤسسة تربوية أيضا ،وليس ردعية فقط ؛يريض عضلاته لتحقيق ما يراه شهرة،على حسابها.
ويجب أن يتواصل هذا الانفتاح حتى بعد التخرج.
ان تجربة العمل الأمني التربوي ،في مجال السير،مهمة جدا ؛لم يبق إلا أن تتسع أكثر للأنشطة الأمنية الأخرى ،المفيدة للناشئة: محاربة المخدرات مثلا …
يفضي بنا هذا الى دور تربوي ، مهم يمكن أن تقوم به حتى المؤسسات السجنية :
تبرمج استقبالات مُنظمة ومُؤطرة للتلاميذ –ولو زيارة سنوية واحدة لكل قسم داخل المدينة – يعاينون فيها السجناء ،ويقفون على معنى فقدان الحرية ،المؤقت أو الدائم؛ولم لا التحدث مع سجناء مهذبين ،يطلعونهم على وضعياتهم ،وأسباب تواجدهم بالمؤسسة.
هذا لن يعرقل عمل المؤسسة السجني،بل يحقق نتائج تربوية وسلوكية ،على المديين القريب والبعيد :
من يتعرف على هول السجن ،سيفكر ألف مرة قبل أن يجنح أو يجرم.
تشبيك مؤسسات المجتمع ذات التعلق المشترك:
هذا هو المبتغى هنا ،لأن انغلاق المؤسسات المشتغلة على فئة اجتماعية واحدة؛مكتفية بأدبياتها التقليدية تستنسخها ،لم يعد مقبولا في ظل مجتمع دينامي ،بالمعنى الذي ذكرت.
كما أن التنظير فقط لفعل تربوي مشترك لم يعد كاف؛لابد من عبور الحواجز والهواجس والمثبطات ،لنلتقي ميدانيا ،ونشتغل على نفس الغايات والأهداف.
أن أتحول – في تكويني – من أمني ،أو دركي، الى أستاذ وفق برنامج محدد ،أمر مهم.
أن أقف كأستاذ على العمل الأمني ،وهو يمارس ،لأنقل التجربة الى تلامذتي ،كما هي ،وبالأشرطة ،أفضل من أن أحدثهم فقط عن دور هذا وذاك ؛وهم عني لاهون ..
أن ننقل التلاميذ الى السجن ليقفوا على معنى فقدان الحرية ،أفضل من تخويف لا يزيد إلا تشجيعا كما بينت.
لقد تحركت الجنح بقوة،بل الجرائم ؛ولم يعد أمامنا إلا أن نتحرك بقوة، وكما لم نتحرك من قبل.
Aucun commentaire