Home»International»قراءتي للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية

قراءتي للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

قراءتي للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية

إذا كنا نحتفل بمجرد حلول مناسبة ميلاد أحد أفراد الأسرة أو أحد الأقارب والأصدقاء، فالأَوْلى أن نحتفل باللغة العربية، التي تربطنا بها علاقة أكبر من أية علاقة أخرى، لأنها السبيل الوحيد إلى الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وذلك بمناسبة يومها العالمي العاشر الذي يحل علينا يوم الثامن عشر من شهر دجنبر من هذه السنة.

مما لا شك فيه أن الأهمية التي نوليها للاحتفال بمناسبة من المناسبات، تُعبر عن أهمية المحتفى به وقيمته لدى القائمين على الاحتفال، من هذا المُنطلق، وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، لجأتُ إلى الأنترنيت للتعرف على طبيعة الاحتفالات التي ستُجرى بهذه المناسبة إن كانت هناك احتفالات، ومن ثم التكهن بالأهمية التي تَحظى بها لدى المحتفلين بها. وقد كان موقع منظمة اليونيسف هو أول موقع صادفته، والذي تبين لي من خلاله أن المنظمة الأممية ستقيم احتفالها لهذه السنة بباريس تحت عنوان « مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية » وسطَّرَتْ لذلك برنامجا (*) يتضمن مجموعة من الجلسات الحوارية، وفعاليات جانبية تحت عنوان « اللاتينيون العرب! تعزيز الحوار بين الثقافات من أجل التماسك الاجتماعي »، وأخرى ثقافية أهمها حفل موسيقي تساهم فيه الفنانة فايا يونان ذات الجنسية المزدوجة السورية والسويسرية.

 وبما أنه من غير الممكن التنبؤ بما ستفضي إليه مختلف الجلسات والفعاليات، فإنه على ضوء معرفتي بتوجُّهات المنظمة من أجل خدمة أجندة الأمم المتحدة لتمرير ما يسمى بالقيم الكونية لدى الأطفال بالخصوص، ومن خلال تمعُّني في البرنامج اسْتَقيتُ الملاحظات التالية:

  • صياغة العنوان توحي بأن المحتفى به هو الحضارة والثقافة الإنسانية، وليس اللغة العربية، وإلا لما كانت الصياغة على الشكل المشار إليه أعلاه، لقد كان من الممكن على سبيل المثال اعتماد الصياغة التالية: « مساهمة الثقافة الإنسانية في ترقية اللغة العربية للتعريف بالثقافة العربية الإسلامية باعتبارها رافدا من روافدها« ، أما أن تُستعمل اللغة العربية كوسيلة للإسهام في تمرير الحضارة والثقافة الغربيتين اللتان توصمان بالكونية بغير وجه حق، فهذا أمر لا يستقيم ولا يليق بالمحتفى به.
  • غياب ممثلي عدد كبير من الدول العربية عن الحفل، ذلك أنه من بين 25 متدخلا ما بين مُسيِّر ومتحدث، هناك 5 أعضاء من السعودية، 2 من المغرب، 1 من لبنان و1 من الإمارات، والباقي كلهم إما تابعين لليونسكو، أو من جنسيات غير عربية؟
  • غياب كلي للعلماء المسلمين، بل وحتى لبعض المختصين في اللغة العربية المرموقين. وإن كنتُ لا أعرف توجهات مختلف الحاضرين، فلقد تبين لي من خلال أحد فيديوهاته تحت عنوان « قراءة علمية في أطروحة الدولة المدنية في ظلال مقاصد الشريعة الإسلامية للدكتور سعد الدين العثماني »، أن أحد المَغْربِيَّيْن ذو توجه علماني واضح.
  • مشاركة المغنية فايا يونان في الحفل الموسيقي يطرح أكثر من سؤال، على اعتبار أنها عملت بمنظمة حقوق الإنسان ومنظمة الصليب الأحمر.

مما سبق، أتصور أن احتفال اليونيسف باليوم العالمي للغة العربية احتفالٌ ملغوم، لأنه يهدف إلى استخدامها كأداة لخدمة القيم الكونية والترويج لها، ومن ثم تطبيع الناطقين بالعربية مع مصطلحاتها الدخيلة.

الأمر الثاني الذي أثار انتباهي أثناء البحث عن كيفية الاحتفاء بهذا اليوم، هو خطبة جمعة انبرى صاحبها للانتشاء باللغة العربية من خلال التأكيد على أن عدد الناطقين بها يفوق بكثير عدد 400 مليون الذي تشير له الإحصائيات العالمية، وذلك باحتساب العدد الإجمالي للمسلمين الذي يتعدى المليار نسمة ضمن الناطقين بالعربية، لكونهم مُلزمين بقراءة الفاتحة على الأقل باللغة العربية حتى تَصِح صلاتُهم، ومن ثم فَهُمْ بالضرورة ناطقون بالعربية حسب الخطيب؟

وكما كان الشأن بالنسبة لليونيسف أوحَتْ لي الخطبة بمجموعة من الأسئلة الجوهرية أهمها: ما المقصود بالناطقين بالعربية؟ وأي العربية نقصد؟ وهل الاعتزاز يكون بالكم أم بالكيف؟ ثم ما هي القيمة المضافة للخطبة على أرض الواقع حتى تسترجع اللغة العربية ريادتها العلمية، باستثناء إعادة سرد أمجادها التاريخية التي يعرفها العام والخاص؟

ففيما يتعلق بمفهوم الناطقين بالعربية، فلا أعتقد أن إدراج مسلمي العالم الأعجمي ضمنهم ينبني على أساس علمي، ذلك أن عددا كبيرا منهم يحفظون القرآن الكريم على شكل صور(Photos)، مما لا يسمح لهم باستيعاب معانيه التي هي الأساس في التعامل معه، ومن هذا المنطلق فالأمر لا ينحصر عند هؤلاء، بل يتعداهم إلى عدد كبير من العرب الذين يحفظونه عن ظهر قلب دون علم بمعانيه. ومن ثم فإن عددا كبيرا من المصلين لا يعلمون جل ما يقرؤون أثناء صلاتهم، مما يجعلهم أقرب إلى السُّكر منهم إلى الصحو، ومن ثم يُخشى أن ينطبق عليهم قول الله تعالى في الآية 43 من سورة النساء: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ… »  

أما فيما يخص المقصود باللغة العربية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تُدرج الدوارج ضمنها؟ أم أن المقصود هو اللغة العربية الفصحى، وفي هذا الصدد يحضرني إصرار العلمانيين عندنا في وقت سابق على اعتبار الدراجة لغة وليست لهجة، الأمر الذي حذا بأحد المدافعين عن القيم الغربية إلى المناداة باعتماد الدارجة في التدريس على اعتبار أنها لغة عربية. وإذا استثنينا الناطقين بالدارجة سواء عندنا أن في باقي الدول العربية، فلا شك أن عدد الناطقين بالعربية الفصحى بالشكل الذي يُمَكِّنهم من استيعاب مضمون القرآن الكريم والسنة الشريفة، والتواصل بها بشكل سليمٍ في مختلف المجالات قليلٌ. وهو العدد الفعلي الذي يمكن أن يُنسب إليها، أما الغثائية فضررها أكبر من نفعها.

كنت أود التعرف عن كثب على كيفية احتفال المغاربة بهذا اليوم، لكني لم أعثر على شيء مهم ولو أنني أعلم مسبقا أنها لا يمكن أن تتعدى سقف تنظيم بعض المحاضرات والندوات وإلقاء بعض خطب الجمعة، التي لا تُغيِّر من الواقع شيئا، علما أنه تم ترسيم الفرنسية لغة للتدريس في جميع أسلاك التعليم عمليا، والدارجة لغة عدد كبير من المحطات الإذاعية، بينما لا زالت أكاديمية اللغة العربية تنتظر الإحداث بعد مرور عقدين من الزمن على صدور القانون المُنشِئ لها، ليبقى الكلام شيء والفعل شيء آخر.   

 في الختام أقول بأن اللغة العربية ليست في حاجة إلى احتفالات فارغة تستجدي أهميتها بعدد المحسوبين عليها وهي منهم براء، أكثر مما هي في حاجة إلى قرارات حازمة تُعيد لها مكانتها في التدريس والإدارة والإعلام والبحث العلمي وحتى الحياة اليومية للمواطن العادي. وإذا كان تحقيق هذا الأمر صعب المنال بسبب تحكم لوبي الفرنكوفونية، فإن ما يَحزُّ في النفس هو ما يلاحظ في كتابات بعض مثقفينا التي يُطَبِّعون فيها بين العربية الفصحى والدارجة كما هو الشأن بالنسبة لرواية « رباط المتنبي » لصاحبها حسن أوريد. وعلى الرغم من أني لست لا قصاصا وروائيا، وعلى الرغم من محاولة أحد الأصدقاء الأعزاء ذو الإلمام الكبير بالأجناس الأدبية للغة العربية إقناعي بأن هذا الأسلوب معمول به في الرواية من قٌبَلِ كُتَّاب مشهورين كنجيب محفوظ على سبيل المثال، فإنني لم أستسغه، لأنه يوحي بقصور العربية الفصحى على التعبير على مواقف ووضعيات معينة من جهة، ومن جهة ثانية أتساءل كيف يمكن التعامل مع هذه الوضعيات عند ترجمة النص إلى لغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية، خاصة وأن صيت الأستاذ حسن أوريد تجاوز الحدود المحلية إلى العالمية، فهل سَيُعبَّر عنها بالدارجة أم أن الترجمة ستشمل النص ككل. مسألة أخرى لم أستسغها في هذه الرواية على الرغم من جاذبيتها التي يصعب على القارء الخروج منها إلا اضطرارا، هو إيراد أبيات من شعر المتنبي تتضمن كلمات خادشة للحياء بالشكل الذي يتجاوز ما تحتمله الفطرة السليمة. (انظر الصفحات 232 و234 و235 من الرواية). والتي يمكن قراءتها على أنها دعوة للتطبيع مع ما يسمى القيم الكونية التي لا تخفى على أحد.

ختاما أتمنى ألا يتم إغراق العربية الفصحى بالدوارج التي رغم أهميتها في التواصل على مستوى قطر من الأقطار، لا يمكن لها إلا أن تكون عاملا مشوشا على التواصل بين الأقطار العربية والإسلامية معا، وأتمنى أن يكون السبق للفئة المثقفة في الاعتماد الفعلي للعربية الفصحى كلما كانت الفرصة سانحة، ولم لا خلق فرص حقيقية للتواصل بها.

(*): يمكن تحميل البرنامج على الرابط التالي:

 ttps://articles.unesco.org/sites/default/files/medias/fichiers/2022/12/Programme_Ar.pdf

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *