Home»National»فوضى المصطلحات في الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية للمشروع الشخصي للمتعلم

فوضى المصطلحات في الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية للمشروع الشخصي للمتعلم

1
Shares
PinterestGoogle+

الدكتور علي العلوي

*
لا شك في أن مجهوداتٍ واجتهاداتٍ قد بُذلت من أجل إنجاز وإخراج هذا الإطار المرجعي إلى حيز الوجود، من أجل تحديد معايير الجودة المطلوبة للارتقاء بالمواكبة التخصصية للمشاريع الشخصية للمتعلمين بالتعليم الثانوي بسلكيه حسب المقرر الوزاري رقم 007.22 الصادر بتاريخ 09 مارس 2022 بشأن المصادقة على هذا الإطار المرجعي. وتعد المواكبة التخصصية الركيزة الأساسية لعمل المستشارين في التوجيه التربوي بالقطاعات المدرسية.
ولقد جاء في المادة 3 من هذا المقرر الوزاري ما يلي: « يعتبر الإطارُ المرجعي الإطارَ الرسمي الوحيد المحدد للمقاربة المعتمدة »، مما يجعلنا إزاء محاولة لكبح حرية البحث والاجتهاد والإبداع في مجال المهام والأدوار التي يضطلع بها المستشارون في التوجيه بالقطاعات المدرسية للتوجيه، وفي مجال التوجيه التربوي بشكل عام، رغم أن المادة 4 من المقرر نفسه تريد أن تنفي ما تذهب إليه المادة التي تسبقها، حيث ورد فيها أن الباب مفتوح لتحيين هذا الإطار المرجعي وتدقيق بعض مقتضياته في وثائق مرجعية ودلائل عمل أخرى عند الاقتضاء.
ولعل من حسنات هذا الإطار المرجعي أنه قد بسط أرضية للنقاش والتداول بشأن مضامينه. ومساهمة مني في هذا النقاش، سأسلط الضياء على ما أود أن أسمّيَه فوضى المصطلحات فيه؛ بمعنى أن بعض الألفاظ والمصطلحات قد تم توظيفها بشكل عشوائي يفتقر إلى الضبط والدقة في صياغة مقتضيات ومضامين إطار مرجعي بهذا الحجم، وبهذه الأهمية، تمت المصادقة عليه بمقرر لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
هكذا أشير إلى أن ثمة محاولة لطمس الصفة التربوية للتوجيه التربوي على مستوى الخطاب، وذلك باعتماد مصطلح « التوجيه المدرسي والمهني »، علما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين يتحدث في الدعامة السادسة عن التوجيه التربوي والمهني، على حين أن هذا الإطار المرجعي استبدل المدرسي بالتربوي، كأنني به يبحث عن مبررات ومسوغات للحديث عن ثلاثة أنواع لمواكبة المشروع الشخصي للمتعلم، وهي: المواكبة التربوية، والمواكبة التخصصية، والمواكبة الإدارية التقنية. قد يكون اعتماد مصطلح « التوجيه المدرسي والمهني » جاء بناء على ما ورد في المادة 18 من القانون الإطار 51.17، حيث إننا نجد في هذه المادة عبارة « التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي »، لكننا نجد في المادة 34 من القانون نفسه العبارة الآتية: « تجديد الآليات المعتمدة في التوجيه التربوي »؛ بمعنى أن هذا القانون ما يزال يستعمل مصطلح التوجيه التربوي. ونجد أيضا في قرار وزير التربية الوطنية رقم 062.19 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 2019 عبارة « التوجيه المدرسي والمهني والجامعي »، وذلك حينما كان يُطلق على الوزارة الوصية « وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي »، لكن بعد فصل التعليم العالي عن هذه الوزارة في الحكومة الحالية تم حذف لفظ « الجامعي »، فتم الاقتصار على عبارة « التوجيه المدرسي والمهني ». وقد لا نتفاجأ إذا ظهرت لاحقا عبارة: « التوجيه المدرسي والرياضي »، طالما أن الوزارة الوصية يُطلق عليها حاليا « وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ».
ولعل الحديث عن المواكبة بأنواعها الثلاثة، إنما هو سعي بوعي أو دون وعي إلى حصر الصفة التربوية على النوع الأول من المواكبة؛ أي المواكبة التربوية، لكأن البعد التربوي غائب عن المواكبة التخصصية، وعن المواكبة الإدارية. وهذا أمر غير دقيق بأي شكل من الأشكال، وفي كل الأحوال.
لا شك في أن البعد التربوي حاضر في المواكبة بأنواعها الثلاثة، وأن هناك تداخلا وتكاملا بينها، وأن الحديث عن كل نوع منها على حدة، إنما هو فصل إجرائي تقتضيه الضرورة المنهجية لا غير. ولعل الشيء نفسه يقال عن تجزيء المواكبة التخصصية إلى ثلاثة مكونات هي: الإعلام، والاستشارة، والمواكبة النفسية الاجتماعية. إننا إزاء مواكبة داخل مواكبة، وتداخل للألفاظ، في وقت كان يسعى فيه الإطار المرجعي إلى تفكيك المواكبة التخصصية إلى مكونات أو عناصر قابلة للضبط والملاحظة. وأمام هذا التداخل اللفظي، أقترح أن يتم تجزيء المواكبة التخصصية إلى العناصر الآتية: الإعلام، والاستشارة، والإرشاد، وذلك انسجاما مع كون الحديث عن التوجيه في القانون الإطار 51.17 غالبا ما يأتي مقرونا بالإعلام والإرشاد، إذ نجد مثلا في المادة 34 من هذا القانون العبارات الآتية: « التوجيه والإرشاد المبكران »، و »تعزيز البنيات والوحدات المكلفة بالتوجيه والإرشاد والإعلام »، و »حسن توجيه المتعلم وإرشاده »، و »عملية التوجيه والإرشاد والإعلام ». ويُعرَّف الإرشاد بأنه عملية دينامية إنسانية واعية؛ أي أنه عمل منظم ومخطط له بأهداف محددة في زمان ومكان محددين، من أجل تقديم المساعدة للمسترشد للاستفادة مما لديه من قدرات وإمكانيات، والدفع بها لتحقيق أقصى قدر ممكن من النمو السوي في كافة المجالات العقلية والنفسية والجسمية والاجتماعية والانفعالية.
من جانب آخر، ورد في الخلاصات العامة من هذا الإطار المرجعي أن « المقاربة التفاعلية للمواكبة التخصصية براديغم تربوي مغربي أصيل، يقوم على أساس اعتبار وحدة المتعلم بالرغم من تعدد أبعاد مشروعه الشخصي وتعدد حاجاته، وبالتالي فهو « حالة توجيه » ». والرأي عندي أن استحضار مصطلح « المقاربة التفاعلية » لا يكون إلا إذا كنا بصدد إجراء دراسة أو بحث حول موضوع معين. والتفاعلية في علم الاجتماع هي منظور نظري ينسب العمليات الاجتماعية مثل الصراع، والتعاون، وتكوين الهوية، إلى التفاعل البشري. إنها دراسة كيفية صياغة الأفراد لمجتمعهم، وتشكيل المجتمع لهم من خلال المعنى الذي ينشأ في التفاعلات. ولعل السياق الذي يتم الحديث فيه عن المقاربة التفاعلية في الإطار المرجعي يختلف اختلافا تاما عن المعنى المتعلق بهذه المقاربة كما تمت الإشارة إليه. قد نتحدث عن « المقاربة التفاعلية » في مجال التقويم التربوي على أساس أنها كل ما يسمح بفحص التعلمات دون اللجوء إلى أدوات للقياس. إنها مقاربة للكشف المستمر والمتواصل عن تعلمات ومكتسبات التلميذ، وهي مرتبطة بالأنشطة العملية الملقنة داخل الفصل. هذا في مقابل المقاربة الأداتية التي تتميز باستعمال أدوات تمكن من الحصول على المعلومات الكافية حول تعلمات التلميذ. وكيفما كان الحال، فالمقاربة هي أساس نظري يتكون من مجموعة من المبادئ التي يتأسس عليها البرنامج أو المنهاج، ومن ثم فهي الطريقة التي يتناول بها الدارس أو الباحث الموضوع، أو هي الطريقة التي يتقرب بها من الشيء المراد دراسته. وواقع الحال أن الأمر هنا يتعلق بتأطير المواكبة التخصصية نظريا، لا أقل ولا أكثر. لذلك كان حريا بمن صاغوا هذا الإطار المرجعي أن يقولوا « الطابع التفاعلي » عوض « المقاربة التفاعلية »، وذلك تحريا للضبط والدقة في استحضار المصطلحات، وانسجاما مع العنوان الأول الوارد في الصفحة 23 كالآتي: « أولا: مظاهر الطابع التفاعلي للمواكبة التخصصية ».
تستوقفنا أيضا، في السياق نفسه، عبارة « مقاربة التواصل من أجل التنمية » في الصفحة 20 من الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية، ليتأكد لنا مرة أخرى أن ثمة استسهالا وعدمَ اكتراث لضبط المصطلحات بالشكل اللازم والمطلوب. وجدير بالذكر أن المصطلحات تندرج ضمن منظومة التواصل في مختلف مجالات النظر العلمي والعمل الإجرائي. والمفاهيم والمعاني إنما تنتقل إلى الأذهان بواسطة الكلمات التي اتُّفق عليها لتكون دوالا عليها، والتي يُقصد بها المصطلحات.
ثم لماذا هذا العنوان الكبير العريض: «  »التواصل من أجل التنمية C4D » مدخل أساسي للارتقاء بالمواكبة التخصصية » كما ورد في الصفحة 20؟ أليس كافيا القول «  »التواصل مدخل أساسي للارتقاء بالمواكبة التخصصية »؟ دونما هذا الحشو الزائد. وللإشارة فإن برنامج التواصل من أجل التنمية هو أحد استراتيجيات اليونيسف في سبيل تعزيز قوة الحوار المجتمعي والمشاركة، وقوة وسائل الإعلام الجماهيرية والمنصات الرقمية، والقيمة العاطفية للاتصال بين الأفراد، والتأثير النقدي للشبكات والحركات الاجتماعية. إنه عملية استراتيجية منظمة ومخطط لها، قائمة على الأدلة لتعزيز السلوك الفردي الإيجابي والتغيير الاجتماعي الذي يُعتبر جزءا لا يتجزأ من برامج التنمية، والدعوة في مجال السياسات، والعمل الإنساني. فالأمر، إذاً، يتعلق بالمجتمع كله، وليس بالمجتمع المدرسي بمعناه الضيق.
ولعل الحديث عن وحدة المتعلم في « البراديغم التربوي المغربي الأصيل » كما ورد في الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية، أدى إلى إغفال الإشارة إلى المقابلة من حيث عدد المشاركين، ذلك بأنها قد تكون فردية أو جماعية؛ وأيضا من حيث الطريقة المتبعة، إذ قد تكون منظمة أو غير منظمة. فالملاحظ، إذاً، أنه قد تم حصر المقابلة في الإطار المرجعي في المقابلة الفردية المنظمة، علما أن عددا لا يستهان به من المقابلات التي يجريها المستشار في التوجيه التربوي مع بعض المتعلمين تكون غير منظمة، وغير مُعَدٍّ لها، وقد تجري في ساحة المؤسسة التعليمية أو غيرها. إنها مقابلة ارتجالية أحيانا يجريها المستشار في التوجيه التربوي مع متعلم أو مجموعة من المتعلمين، تلبية لانشغالاتهم وتساؤلاتهم الآنية وغير ذلك.
من ناحية أخرى، ورد في الصفحة 14 ما يلي: « ضرورة أن تنتهي المواكبة التخصصية وفق منطق التفريد »، لكأن هذه المواكبة تسير في اتجاه خطي مستقيم له بداية ونهاية، على حين أن المواكبة، أي مواكبة، تكاد لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد. إنها تجري وفق حركة دائرية تبدأ من الجماعة، فالفرد أو مجموعة من الأفراد لهم حاجيات وانشغالات مشتركة وغير ذلك، ثم تعود إلى نقطة الانطلاق؛ أي الجماعة، ذلك بأن الفرد عنصر من الجماعة، ينخرط فيها ولا ينفصل عنها بأي شكل من الأشكال.
وجاء في الصفحة 16: « وبالتالي فمشروع المؤسسة يبقى مدخلا مؤسسيا أساسيا للارتقاء بالمواكبة التخصصية »، وبالمعنى نفسه جاء في الصفحة 17: « وبالتالي فهو مدخل أساسي للارتقاء بالمواكبة التخصصية بهذه المؤسسات »، والضمير المنفصل « هو » يعود على مشروع المؤسسة. إن هاتين العبارتين تعتبران مشروع المؤسسة مدخلا ليس إلا، على حين أن هذا المشروع حسب المذكرة الوزارية رقم 21×087 بتاريخ 06 أكتوبر 2021 في شأن تعميم العمل بمشروع المؤسسة المندمج، هو الآلية الوحيدة والملزمة للتدبير وترسيخ الحكامة في المؤسسات التعليمية، كما أنه أداة للتعاقد مع الجهات الوصية؛ وهو أيضا الإطار المنهجي الموجه لمجهودات جميع الفاعلين التربويين والشركاء، التي تهدف إلى تحسين جودة التعلمات انطلاقا من أجرأة السياسات التربوية، مع مراعاة خصوصيات المؤسسات التعليمية ومتطلبات انفتاحها على المحيط. فكيف يكون مشروع المؤسسة المندمج مجرد مدخل ليس أكثر، أمام هذا التوصيف الذي منحته إياه المذكرة المشار إليها أعلاه؟
ونقرأ في الصفحة 24: « خدمات المواكبة التخصصية متداخلة وظيفيا، وإن كانت منفصلة منهجيا »، لست أدري كيف يمكن اعتبار هذه الخدمات منفصلة منهجيا؛ بمعنى أن هذا الفصل كامن فيها على المستوى المنهجي، والأصل أن فصل بعضها عن بعض إنما تقتضيه الضرورة المنهجية بغية الحديث عن كل عنصر من عناصرها الثلاثة على حدة.
كانت هذه بعض الملاحظات التي بدت لي وأنا أتصفح وثيقة الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية، قد أكون مصيبا في بعض منها أو مجانبا للصواب. وكيفما كان الحال، هو اجتهاد متواضع أبتغي من خلاله نيل أجر الاجتهاد على الأقل، ولئن أصبت فلي أجران. وكذلك الشأن بالنسبة إلى من صاغوا هذا الإطار المنهجي للمواكبة التخصصية للمشروع الشخصي للمتعلم بالتعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *