Home»National»ألتراس البيضاء والرغبة في تصحيح الأخطاء!

ألتراس البيضاء والرغبة في تصحيح الأخطاء!

0
Shares
PinterestGoogle+

في خطوة قد تبدو للبعض منذ الوهلة الأولى أنها جاءت نوعا ما متأخرة، فيما يرى الكثيرون أنها خطوة محمودة وجريئة، ينطبق عليها القول: « أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا »، ويحذوهم الأمل الكبير في أن تتلوها خطوات أخرى أكثر جرأة في اتجاه تصحيح مسار الألتراس في كافة المدن المغربية. حيث أن ألتراس فريقي الرجاء والوداد البيضاويين لكرة القدم، أصدرت بلاغا مشتركا مساء يوم الخميس 16 دجنبر 2021، تؤكد من خلاله المجموعات الثلاث (وينرز، غرين بويز وإيغلز) على تجميد أنشطتها في جميع أحياء المدينة والخلايا والفروع بالمغرب إلى أجل غير مسمى، معبرة عن امتعاضها الشديد مما بات يطبع هذه الأنماط « الرياضية » من فوضى وأفعال دنيئة، وخروجها عن طابعها الفرجوي والتشجيعي…
ذلك أنه أصبح مرفوضا الاستمرار في ممارسة العنف بمختلف أشكاله بعيدا عن الروح الرياضية والقيم الأخلاقية. حيث أن حروب الألتراس المتمثلة في الرشق المتبادل بالحجارة، والتي تصل أحيانا إلى استعمال الأسلحة البيضاء في أحياء مدينة الدار البيضاء بين مناصري الفريقين العتيدين الرجاء والوداد، تكاد لا تتوقف نهائيا. إذ تم في الفترة الأخيرة رغم إغلاق الملاعب بسبب تفشي جائحة « كوفيد -19″، تسجيل توالي أحداث الاقتتال والتخريب التي لا تنتهي في منطقة، حتى تندلع بشكل أفظع في منطقة أخرى، وغالبا ما لا يتم إخماد نيرانها إلا بتدخل أجهزة الأمن. مما بات يبث الرعب في نفوس الساكنة البيضاوية ويخلف خسارات فادحة في الممتلكات العامة والخاصة، ناهيكم عن الاعتقالات والإصابات المتفاوتة الخطورة ليس فقط في صفوف مناصري الفريقين، بل حتى بالنسبة للمارة من المواطنات والمواطنين، الذين لا تربطهم أي علاقة بالفريقين الكرويين.
فالبلاغ المشترك جاء ليستنكر بشدة التحول السلبي الذي طرأ على ألتراس الفريقين، التي كانت تعتبر وسيلة حضارية لتشجيع الأندية الرياضية ودعمها، ويندد بمظاهر العنف والحقد الأعمى والاعتداءات المتكررة التي تسيء لكرة القدم وتضر بمصالح الفرق، بعيدا عن الروح الرياضية العالية والقيم الأخلاقية. والألتراس أو تلك الفصائل من مشجعي الفرق الكروية، ظاهرة رياضية عالمية تبلورت في المغرب على مدرجات ملاعب العاصمة الاقتصادية منذ سنة 2005، لتجتاح فيما بعد باقي المدن المغربية الأخرى. وكان الغرض الذي من أجله تأسست في بداية الأمر، هو مناصرة فرقها، مستعملة في ذلك شعارات لا تشذ عن قواعد التشجيع السليم والتنافس الرياضي الشريف، لكن سرعان ما اندست بينها عناصر من الساخطين على أوضاعهم من العاطلين وضحايا الهدر المدرسي وغيرهم ممن يعوزهم النضج الفكري وروح المواطنة، فبدأت تزيغ شيئا فشيئا عن سكتها وتبتعد عن أهدافها النبيلة، إذ كثيرا ما كانت تنتهي إلى التلاسن بالشعارات وأعمال الشغب التي تمتد إلى الشوارع والأزقة…
والألتراس خليط من شباب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، من أعمار متفاوتة ومستويات تعليمية مختلفة، تضم العاطل إلى جانب العامل وتلاميذ مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي وطلبة الجامعات وغيرهم كثير، لكن معظم المنتمين إليها يعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، اختاروا إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي مدرجات الملاعب الرياضية، للتعبير عن أوجاعهم ومطالبهم المتمثل جلها في تحسين ظروف عيشهم وتأمين مستقبلهم، حتى أصبح الجمهور هو من يخلق الحدث في الملاعب وليس اللاعبون، وما كان لفريق الرجاء البيضاوي أن يصبح عالميا، لولا إبداع ألتراس الفريق أغنية « فبلادي ظلموني ». لذلك تتسم شعاراتها وتعابيرها بمضامين اجتماعية وسياسية، تجعل منها رسائل مباشرة للمسؤولين.
من هنا بات واضحا أن الألتراس كما هو معروف لدى كافة المهتمين بالشأن الكروي في مختلف بلدان العالم، هي تلك الظاهرة الرياضية أو الأسلوب المعتمد في التشجيع لدى عديد الأندية، تتشكل بناء على ثقافة البلد وشخصية النادي. وتستمد مجموعات الألتراس في المغرب قوتها من تنظيم وترديد الأغاني ذات البعد السياسي والاجتماعي، وتستمر في ذلك دون توقف عن التشجيع طيلة أطوار المباراة ومهما كانت النتيجة. حيث أنها تصر على حضور مباريات فرقها داخل المدينة وخارجها، وتختار لها من المواقع داخل الملاعب الرياضية تلك التي تكون أسعار تذاكرها منخفضة، مفضلة الابتعاد عن المناصرين العاديين، بغرض مواصلة التشجيع والمؤازرة باستمتاع كبير إلى حين إطلاق حكام المباريات صافرة النهاية.
بيد أن ما يحز في النفس كثيرا هو أن هذه الفصائل الرياضية سواء منها الموجودة في الدار البيضاء أو غيرها من المدن المغربية، التي ما انفكت تجتهد لسنوات طويلة في إبداع وتقديم لوحات فنية رائعة وصياغة رسائل مشفرة، تتنوع مضامينها بين الهجوم على الخصوم، التغني بأمجاد النادي الرياضي والتعبير عن معاناة أبناء الشعب من المظلومين والمهمشين والمقهورين والعاطلين، حتى أصبح للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حضورا قويا في أغانيها، لم تستطع للأسف الشديد أن تقوم بذات الجهود في اتجاه تأطير ورفع منسوب الوعي لدى المنتمين إليها وإثنائهم عن ممارسة الشغب والعنف…
نحن لا ننكر أننا طالما عشنا وتغنينا بإبداعات الإلتراس، التي ظلت عديد الجماهير الرياضية ببلادنا تعتمدها في مناصرة فرقها الكروية، حين كانت تصنع المتعة والفرجة في مدرجات ملاعبنا وتدخل عليها الدفء. لكن المؤسف هو إخفاق الفرق الرياضية في احتوائها وجعلها وسيلة للتهذيب والتربية على الروح الرياضية، حيث أنها لم تلبث أن تحولت إلى كابوس رهيب، يقض المضاجع ويبث الرعب والهلع في القلوب الآمنة، جراء ما بات يخلفه من ضحايا كثر…
اسماعيل الحلوتي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *