Home»Débats»حين تُقصى الكفاءات و يتم الانتصار لجبر الخواطر: عودة الكفاءات شرط لنهضة وطن

حين تُقصى الكفاءات و يتم الانتصار لجبر الخواطر: عودة الكفاءات شرط لنهضة وطن

0
Shares
PinterestGoogle+

سليمة فراجي

كنتُ دائماً أؤكد، عن قناعة راسخة، أن كون المرأة امرأة لا يجعل منها كفاءة، وكون الرجل رجلاً لا يجرده منها. معيار الكفاءة لا يعرف جنساً ولا لوناً ولا خلفية عرقية أو إيديولوجية؛ إنها مزيج من النزاهة والتجرد وقوة العزيمة، والأهم: التخصص الحقيقي في المجال الذي يشتغل فيه المرء. وهذه كلها قيم يتشارك فيها النساء والرجال على حد سواء.

إن تعيين شخص في منصب عالٍ اعتماداً على النوع أو الانتماء القبلي أو العرقي أو بدافع الانحياز الهوياتي، هو ضرب صريح لمبدأ المساواة واعتداء على الدستور، بل وتناقض مع التوجيهات الملكية الواضحة التي نبهت إلى خطورة العصبيات الضيقة. اللجوء إلى هذه المعايير لا يخدم الوطن، بل يسيء إليه وإلى كفاءاته الصامتة صمت أبي الهول.

التعيين في المسؤوليات، خاصة في البحث العلمي والتعليم العالي، يجب أن يقوم على التخصص الدقيق، لأنه مجال يرتبط بمعرفة معمقة ودراسة نظرية وممارسة تطبيقية طويلة. فهل يمكن، على سبيل المثال، لمحامية مثلي أن تتخصص في الفيزياء الكمية أو أن تقترح إحداث ماستر في الذكاء الاصطناعي؟ التخصص ليس رغبةً ولا موقعاً إدارياً، بل خلفية علمية صلبة تعطي لصاحبها الاختصاص والصلاحية.

وعندما ننتصر لمنطق المجاملة وجبر الخواطر، أو ننزلق نحو المحسوبية والزبونية وتعظيم الذات، فإننا نخلق قرارات استفزازية تُستفز الرأي العام وتُخرس صوت النخب الحقيقية. وحين يختلط المال بالصداقة وبالمصالح الضيقة، يُقصى أصحاب الكفاءات، ويُفتح الباب أمام التسلق والتملق والانتهازية. تلك آفة نخرت جسد الأحزاب ومراكز القرار.

ليس غريباً، إذن، أن تنتشر الرداءة في وسائل التواصل، وأن تُصفّق التفاهة لنفسها، وأن يتهافت كثيرون على محتوى يقتل التفكير ويُكرّس الضحالة، في وقت يحتاج الوطن فيه إلى العقول لا إلى المظاهر الخادعة. ومع فتح المجال أمام الشعارات الجوفاء، ورفع سقف المطالب دون أداء الواجبات، يتعرض مبدأ الالتزامات المتبادلة لخرق واضح.

إن أخطر ما نواجهه اليوم هو إسكات صوت النخب عبر التهميش المقصود، وتعظيم أشخاص لا رصيد لهم سوى المال أو الولاءات الضيقة. ثروات تُنفق لا لخلق الثروة أو فرص الشغل، بل لشراء الولاءات وبناء شبكات نفوذ.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً. اذ يمكن إصلاح المسار إذا تخلينا عن تضخم الأنا، وعدنا إلى المصالحة مع الذات، ونبذنا الانتقام وتصفية الحسابات، وقطعنا مع الريع ومع من اعتادوا الاستفادة دون وجه حق. آنذاك، يمكن إطلاق طاقات الأحزاب والنخب والفاعلين، بعيداً عن التحكم عن بعد، من أجل مواجهة المعضلات المعقدة واتخاذ القرارات الجريئة.

حينها فقط نستطيع استقبال محطات جديدة بخارطة طريق واضحة، ومشهد سياسي مسؤول، وفضاء عام يقدّر الكفاءات. وعندها فقط يمكن أن نركب سفينة الإقلاع التنموي الحقيقي، على أسس مصالحة وطنية شاملة تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين المسؤولين والمواطنين.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *