Home»National»الأدب الشعبي بين محمد الفاسي وعباس الجراري

الأدب الشعبي بين محمد الفاسي وعباس الجراري

3
Shares
PinterestGoogle+

الأدب الشعبي بين محمد الفاسي وعباس الجراري

                             الفيلالي عبد الكريم – وجدة. 

مقـدمة.

 تهدف هذه المقالة إلى تتبع موقف باحثين مغربيين كرّسا جهدهما لدراسة الأدب الشعبي المغربي، وخاصة الشعر منه المعروف  بالزجل أو الملحون.

وتأتي أهمية المقارنة بين الموقفين لما لهاتين الشخصيتين من مكانة من جهتين:

ـ مكانة الشخصيتين في مجال البحث الأدبي.

ـ دورهما في الحياة السياسية في المغرب.

   يمثل الرجلان جيلين مختلفين؛ ولد محمد الفاسي سنة 1908م، وكان من المساهين في الحركة الوطنية إبان الفترة الاستعمارية، وقد تقلد مناصب سياسية مهمة إذ تولى منصب وزير للتربية الوطنية والشبيبة والرياضة سنة 1955م، ثم عين سنة 1958م رئيسا للجامعة المغربية والبحث العلمي، ويعود اهتمامه بالتراث الشعبي إلى فترة 1925م[1]، وقد خلف الرجل « معلمة » حقيقية في الملحون تتكون من ستة أسفار، وقد توفي رحمه الله سنة 1991م.

  أما عباس الجراري فقد ولد سنة 1937م حصل على دكتوراه في الأدب العربي من مصر سنة 1969م حول موضوع: الزجل في المغرب ـ القصيدة، ويشغل حاليا مستشارا للملك محمد السادس.

  وإذا كان محمد الفاسي توفي سنة 1991م، قُبيل بداية مسلسل التحولات السياسية التي سيشهدها المغرب، فإن عباس الجراري ما يزال على قيد الحياة وما يزال فاعلا في الحياة السياسية والأدبية، وشاهدا على التحولات التي يعرفها العالم العربي ومن ضمنه المغرب. 

1 ـ في تحديد تسمية الشعر الشعبي بالملحون.

   تتعدد تسميات الشعر الشعبي أو العامي في المغرب، ومن أشهر هذه التسميات نجد: الزجل والملحون.  

يرى محمد الفاسي أن أصل لفظ الملحون يعود إلى اللحن بمعناه الموسيقي إذ يقول: «وأول ما يلفت النظر في هذا الموضوع هو تسميته بالملحون، ويظن لأول وهلة أن معناه الشعر المنظوم في لغة ملحونة، لأنه باللغة العامية التي تولدت عن الفصحى، والتي تمتاز بعدم الإعراب الشبيه باللحن.

والحقيقة أن لفظة الملحون هنا مشتقة من اللحن، بمعنى الغناء، لأن الفرق الأساسي بينه وبين الشعر العربي الفصيح، أن الملحون ينظم قبل كل شيء لكي يغنى»[2].

ويذهب عباس الجراري إلى أن الاسم قد اشتق من اللحن الذي هو الخطأ إذ يقول: «ونحن نرى على العكس من هذا أن التسمية اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ النحوي»[3].

2 ـ متاعب ومصاعب البحث في الأدب الشعبي.

  لم يكن اقتحام دراسة الأدب الشعبي سهلا، بل كان تحديا كبيرا خاضه الباحثان بشجاعة، فإضافة إلى شح المادة المدروسة، التي بذل الباحثان جهدا في جمعها وتوثيقها، نجد صعوبات أخرى تتمثل في إعراض الباحثين والدارسين عن الاهتمام بهذا النوع من الدراسات، يقول محمد الفاسي عن سبب نشر مقالاته الأولى حول الأدب الشعبي بالفرنسية: «والسر في هذا يرجع أولا لعدم اهتمام جمهور الأدباء والمثقفين عندنا إذ ذاك بهذه الإنتاجات الشعبية»[4]. أما عباس الجراري فيقرر صراحة ما لقي من عنت أثناء توجهه لدراسة الأدب الشعبي بقوله: «وقد صادفنا في إنجاز هذه الرسالة متاعب ومصاعب بعضها يتصل بموقف المثقفين في المغرب من الأدب العامي، وأغلبها يتصل بمصادر الدراسة.

أما موقف المثقفين فواجهْنا فيه إنكارا مطلقا علينا أن نتخذ الزجل موضوعا لرسالة جامعية، وحاول كثير من الباحثين الأصدقاء تحويل فكرنا عنه وإغراءنا بموضوعات في الأدب المعْرب المغربي أو بما يرونه التراث الحقيقي الأصيل»[5].

وقد ذللت هذه الصعاب وأزيلت الحواجز إذ تقدمت الدراسات التي تهتم بالأدب الشعبي، وكان الفضل كبيرا للرجلين بدفع الباحثين في هذا الاتجاه، وكان ذلك بما صار للرجلين من سلطة أدبية وسياسية.

3 ـ الأدب الشعبي والاستعمار.

  لهذا الأمر علاقة بالصعاب التي كانت تواجه الباحث في الأدب الشعبي؛ يقول محمد الفاسي دائما عن إحجامه نشر مقالاته حول الأدب الشعبي بالعربية الفصحى وتفضيله نشرها بالفرنسية: «لأننا كنا أيام الحماية نحرص على نشر العربية الفصحى، ونعارض كل نزعة ترمي إلى إضعافها، وكنت لا أريد أن يُفهم من الاهتمام بالآداب الشعبية باللغة العامية أنني أناصر نزعة من تلك النزعات التي كان روَجانها، خصوصا بالشرق، وعند بعض المستشرقين من أصحاب الفكرة الاستعمارية»[6].

إن محمد الفاسي كان مدركا لخطورة الاهتمام بالأدب الشعبي أثناء الفترة الاستعمارية، وكان على علم لما يثيره الموضوع من حساسية لذا ساهم بالكتابة في الموضوع بالفرنسية ونشرها بمجلات تصدر من البلاد الأجنبية.

  كما سبقت الإشارة فالرجلان يمثلان جيلين مختلفين لذا نجد اختلافا في موقف عباس الجراري الذي يمثل جيل ما بعد الاستقلال إذ نجد في موقفه ليونة، يقول الجراري: «ولعلنا أن نؤكد بعد هذا حقيقة أخطأ في إدراكها من كان يتصور أن الاستعمار كان يحاول القضاء على الفصحى لحساب العامية، فمن المؤكد أنه كان يقصد إلى محوهما جميعا ليحل لغته وينشرها أداة للتخاطب والفكر على السواء. ولسنا في حاجة إلى القول بأنه لم يعد يخشى على الفصحى أن يقضى عليها أو تزول بعد أن عادت سيادة الوطن العربي إلى أبنائه»[7].

4 ـ لغة الملحون.

يقول محمد الفاسي: «وهذا ما وقع بالضبط عند شعراء الملحون فإنهم عندما أخذوا ينظمون في المواضيع الغزلية والأخلاقية والوصفية وغيرها وجدوا أن اللغة العامية التي يتكلمون بها لا تفي بتأدية كل هذه المعاني فاتجهوا إلى الفصحى وأخذوا يقتبسون منها كل المفردات التي هم في حاجة إليها بعد إعطائها صبغة اللهجة المغربية»[8].

يقول محمد الفاسي: «وأول ما التجأوا إليه في توسيع اللغة العامية اقتباس الكلمات الفصحى، أسماء وأفعال وصفات وظروف وحروف وإدخالها في شعرهم، حتى تكاد أحيانا أن الشعر بالفصحى»[9].

نرى أن وجود الفصيح في الملحون لا يعود إلى الاقتباس وإنما في العامية الكثير من الكلمات الفصيحة، ونجد محمد الفاسي قد تطرق لأمر وجود هذه الألفاظ وذكر نماذج منها في مقال له، يقول في مفتتح مقاله: «إن دراسة اللهجات العربية العامية والبحث عن أصولها واشتقاقاتها وتطور معانيها واستعمالاتها من البحوث التي تساعد على فهم عقليات المتكلمين بهذه اللهجات ومظاهر حضارتهم وعوائدهم وكثير من أحوالهم، ولا شك أن المفردات المستعملة في هذه اللهجات تكاد تكون كلها عربية الأصل، وما دخلها من الألفاظ الأعجمية أقل من القليل ولا أعني بهذا ما يعبر عنه بالدّخيل فذلك وقع قبل الإسلام في أكثره وتضمه المعاجم العربية بل ورد حتى في القرآن الكريم »[10].

 

  ولعباس الجراري رأي آخر في الأمر إذ يقول: «ولعلنا أن نؤكد أن العامية ليست مظهرا من مظاهر اللغة الفصحى في صورة منحطة متأخرة، وأنها مزيج مركب من العربية كما وفدت إلى المغرب ومن اللغة المحلية يومئذ ونعني بها البربرية، وأن العربية التي وفدت لم تكن الفصحى وحدها وإنما كانت معها لهجات عربية قبلية، وأن الصراع اللغوي الذي دار في المغرب لم يكن بين الفصحى والبربرية وإنما بين هذه ومختلف اللهجات التي كان يتكلم بها العرب الوافدون»[11].

وخضوعا لقانون التطور نجد مقالا لعباس الجراري أكثر انفتاحا؛ إذ يقول: «وأما الأمازيغية واللهجات العامية المختلفة فتحتاج كذلك إلى إحلالها المكانة اللائقة بها محليا، مما يستدعي النص عليها في الدستور؛ مع تخصيص حيز من البرامج الدراسية لتلقينها في بيئاتها؛ على أن يتم ذلك في إطار حصص تخصص للتراث المحلي من فنون وآداب وغيرها.»[12].

 وقد استجاب تعديل دستور 2011 لهذا المطلب، إذ ورد في الفصل الخامس منه: « تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة  في المغرب… »

[1]  ـ ينظر: معلمة الملحون مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. القسم الأول من الجزء الأول. ص: 19.

[2]  ـ معلمة الملحون. محمد الفاسي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. 1986. ج/1. ق/1. ص: 12.

[3]  ـ الزجل في المغرب. ـ القصيدة. عباس الجراري. مطبعة الأمنية. الرباط. 1970. ص:55 ـ 56.

[4]  ـ دراسات مغربية. محمد الفاسي. عيون المقالات. المطبعة الجديدة. الدار البيضاء. ط: 2. 1990. ص: 131.

[5]  ـ الزجل في المغرب. ـ القصيدة. عباس الجراري. مطبعة الأمنية. الرباط. 1970. ص: 4.

[6]  ـ معلمة الملحون. محمد الفاسي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. 1986. ج/1. ق/1. ص: 12.

[7]  ـ الزجل في المغرب. القصيدة. عباس الجراري.  مطبعة الأمنية. الرباط. ص: 4.

[8]  ـ. معلمة الملحون«معجم لغة الملحون». محمد الفاسي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. ج/2 . ق/1. ص: 7.

[9]  ـ معلمة الملحون. «معجم لغة الملحون». محمد الفاسي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. ج2. ق/1. ص: 8.

[10]  ـ الألفاظ المغربية العامية التي لها أصل في الفصيح. محمد الفاسي. مجلة المناهل. العدد: 16. 1979. ص: 54.

[11]  ـ الزجل في المغرب. القصيدة. عباس الجراري. مطبعة الأمنية. الرباط. 1970. ص: 3 ـ 4.

[12]  ـ معنى دستورية اللغة. عباس الجراري. ورقة قدمت إلى ندوة أكاديمية المملكة المغربية. الرباط. 2010. اللغة العربية في الخطاب التشريعي والإداري والإعلامي في المغرب. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. ص: 37.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *