Home»Débats»توالي القرارات الملكية الحكيمة!

توالي القرارات الملكية الحكيمة!

0
Shares
PinterestGoogle+

اسماعيل الحلوتي

مرة أخرى يأبي ملك المغرب محمد السادس إلا أن يخلق الحدث، بإقرار فاتح السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، وذلك عبر بلاغ الديوان الملكي الصادر يوم الأربعاء 3 ماي 2023، وجه من خلاله جلالته توجيهاته السامية إلى رئيس الحكومة قصد اتخاذ اللازم من الإجراءات لتفعيل هذا القرار التاريخي الذي جاء لتجسيد العناية المولوية الكريمة، التي ما انفك يوليها للأمازيغية، باعتبارها أحد أهم المكونات الرئيسية للهوية المغربية الأصيلة والغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة، وتندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
وهو القرار الذي تلقاه بكثير من الترحيب والارتياح ليس فقط قيادات الحركة الأمازيغية بالمغرب، التي تجده متجاوبا مع انتظاراتها ويعيد للرأسمال اللامادي للأمازيغية حيويته ونشاطه، بل وكذلك ابتهاج كل المغاربة على اختلاف لهجاتهم ومعهم الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية وجميع فعاليات المجتمع المدني. وفي الوقت الذي اعتبره عدد من النشطاء خطوة إيجابية وتقدما كبيرا للمؤسسة الملكية على النخب السياسية، رأت فيه مجموعة أخرى من المهتمين بالشأن العام قرارا حكيما بحمولته الرمزية والاستراتيجية، ويجسد الحرص الملكي الشديد على إنصاف الأمازيغية كلغة، ثم كثقافة وهوية في إطار الهوية الوطنية الموحدة في تنوع مكوناتها وروافدها.
وجدير بالذكر أن العاهل المغربي سبق له أن قال في خطابه السامي بمناسبة وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأجدير- خنيفرة، يوم 17 أكتوبر 2001: « كما أننا نريد التأكيد على أن الأمازيغية التي تمتد جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي، هي ملك لكل المغاربة بدون استثناء، وعلى أنه لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطية لخدمة أغراض سياسية، كيفما كانت طبيعتها » وأضاف قائلا: « ولأن الأمازيغية مكون أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضوره في كل معالم التاريخ والحضارة المغربية، فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية » فضلا عما واكب ذلك من مبادرات إنسانية رفيعة، ومنها الإدماج التدريجي للغة الأمازيغية في النظام التعليمي المغربي، ترسيم الحرف الأمازيغي « تيفيناغ » في عام 2003 والتنصيص عليها كلغة رسمية في دستور 2011.
فكان من الطبيعي بعد سنوات من الانتظار أن تتفاعل مع هذا القرار الملكي الرشيد شخصيات بارزة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية وغيرها، وتتسارع ردود الأفعال المثمنة له، حيث أن هناك مراقبين يرون فيه خطوة حقوقية ديمقراطية شجاعة، بصم عليها المغرب في مجال تكريس الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتؤكد على ما يوليه ملك المغرب من حرص كبير على تفعيل بنود ومقتضيات الدستور، فيما يرتبط بالبعد اللغوي والهوياتي للثقافة المغربية المتعددة الروافد، كما أنه يدخل أيضا ضمن حلقات مسلسل تنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
والأجمل من ذلك كله أن هذا الحدث التاريخي جعل منصات التواصل الاجتماعي تعج بالتدوينات التي تبارك هذه المبادرة الملكية الكريمة، التي تبعث على الفخر والاعتزاز بالنسبة لجميع المغاربة في الداخل والخارج، باعتبارها تعبيرا صادقا عن استجابة المؤسسة الملكية لأحد أهم انتظارات فعاليات المجتمع المدني المدافعة عن الأمازيغية، وتجسيدا واضحا لإصرار الملك الدائم والمتواصل منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين على تحصين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وطنية، لاسيما أنها تشكل رصيدا مشتركا للمغاربة قاطبة في مختلف ربوع المملكة.
من هنا وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية بات لزاما أن تتضافر جهود الحكومة وكل القوى السياسية والمدنية في اتجاه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا للدستور وللقانون التنظيمي الصادر في 2019. حيث أنه وكما قال رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أحمد عصيد عن ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة رسمية مؤدى عنها: بأنه « قرار تاريخي بكل المعايير » معتبرا القرار « ذا رمزية قوية من الناحية الهوياتية، إذ يجعل المغرب يعود مرة أخرى إلى ذاته وينطلق من أرضه ليحدد هويته في التاريخ كتميز حضاري وإنساني خلاق ومتفاعل مع العالم » وأضاف كذلك بأن الإقرار الملكي يعد « بمثابة احتفاء بهوية الأرض والجغرافيا، وبالعراقة التاريخية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ »
إننا إذ نثمن عاليا القرار الملكي التاريخي الحاسم والشجاع الذي أنصف اللغة الأمازيغية وأحاطها بما تستحقه من بالغ الأهمية وحسن الرعاية، من خلال إقرار السنة الهجرية عيدا وطنية وعطلة رسمية مؤدى عنها، ندعو مدبري الشأن العمومي إلى استلهام العبرة من جلالته، والعمل على اتخاذ ما يلزم من قرارات جريئة من شأنها إنصاف المواطنين وإعادة الثقة إليهم في المؤسسات الوطنية والمنتخبين، والقادرة على مواجهة غلاء الأسعار، التصدي للمضاربين والوسطاء، محاربة الفساد بمختلف أشكاله، والحد من معدلات الفقر والبطالة…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *