Home»Débats»مسرح البيضاء الجديد والجدل المتواصل!

مسرح البيضاء الجديد والجدل المتواصل!

0
Shares
PinterestGoogle+

اسماعيل الحلوتي

منذ أن تم إعدام المسرح البلدي بالدار البيضاء بأمر من السلطات العمومية في سنة 1982، الذي كان يعد بحق منارة شامخة للثقافة والترفيه، ظلت تحتضن على خشبتها أجود العروض المسرحية والتظاهرات الفنية، من قبل أمهر وأشهر القامات الغنائية العربية والأجنبية، وكذا مختلف الفرق التي ساهمت في إغناء الساحة الفنية وخلق إشعاع ثقافي، والساكنة البيضاوية عامة ورجال الفكر وأهل الفن بشكل خاص، ينتظرون بمرارة تحرك الجهات المسؤولة في اتجاه إحداث مسرح بديل، يكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، وما تتوفر عليه العاصمة الاقتصادية من بنية تحتية.
إذ أن كل محاولات التغطية على جريمة الهدم الشنعاء عبر تلك البنايات المتناثرة هنا وهناك التي سميت بالمركبات الثقافية، باءت جميعها بالفشل ولم تنجح لا في إخماد نيران الغضب في أوساط البيضاويين ولا في الرفع من مستوى المنتوج المسرحي، حيث أنها ظلت مرتبطة فقط بالمناسبات، عوض أن تشكل ذلك الفعل الإنساني والثقافي القادر على السمو بالفكر والذوق ودعم الهوية الوطنية بجميع ثوابتها وقيمها الدينية والحضارية، مما جعل فئة عريضة من شبابنا اليوم تعيش حالة من الضياع وانعدام الحس الفني الراقي، وتلهث خلف الأعمال التافهة والمائعة…
وجدير بالذكر أن المسرح البلدي الذي تم تدشينه سنة 1920 بمدينة الدار البيضاء، احتضن إلى جانب أعمال أبرز الوجوه المغربية في المسرح كالراحلين الطيب الصديقي وثريا جبران والعروض المسرحية المتميزة لطلبة الكليات المغربية، العديد من رموز الفكر والفن الكبار، حيث غنت فيه سيدة الطرب العربي أم كلثوم أشهر أغانيها، كما غنت فيه أسماء وازنة في الساحة الفنية العالمية مثل المغني والشاعر البلجيكي الشهير « جاك بريل » سنة 1962، وألقى فيه كبار الشعراء العرب محمود درويش ومظفر النواب أروع وأرفع قصائدهم، فضلا عن المجموعات الغنائية: ناس الغيوان، جيل جيلالة، تكادة ولمشاهب وغيرها…
ففي الوقت الذي مازال الكثير من المواطنين البيضاويين يتحسرون على هدم تلك المعلمة الفنية، ويتطلع آخرون إلى رفع تلك الحالة الرتيبة من الانتظار والترقب، وأن تبادر سلطات المدينة إلى وضع حد للصراع السياسوي القائم، وتحديد موعد قريب لفتح أبواب المسرح الكبير الذي خصصت له ميزانية ضخمة تقدر ب »140″ مليار سنتيم، وتم توقيع اتفاقية إحداثه سنة 2014 تحت إشراف ملك البلاد محمد السادس. وذلك بعد أن عرفت أشغال البناء والتجهيز التي تواصلت لأكثر من ست سنوات نهايتها منذ أزيد من سنة، خاصة أن العاصمة الاقتصادية في أشد الحاجة إلى مرافق فنية وثقافية عمومية، يكون بمقدورها استيعاب المواطنين المشتاقين إلى حضور أفضل العروض المسرحية والغنائية.
وبينما يؤكد بعض المهتمين بالشأن المحلي على أن المشروع الملكي الكبير يعد من بين أهم المركبات الثقافية على الصعيد الإفريقي والعالم العربي، لما يتميز به من مواصفات عالمية وعصرية جد ممتازة، وأن أشغال الصيانة والتسيير ليست بالأمر الهين لما تتطلبه من عناية وكلفة باهظة، ويطالب البعض الآخر وزارتي الداخلية والثقافة بضرورة التدخل لإصدار الأوامر في اتجاه تسريع وتيرة أشغال باقي مشاريع المدينة المعطلة وفي مقدمتها المسرح الكبير…
هناك جهات أخرى انشغلت فقط بتسمية المسرح الجديد، حيث انقسمت الآراء بين من يطالب بأن يطلق عليه اسم الطيب الصديقي ومن يدعو إلى أن يحمل اسم عبد القادر البدوي، باعتبار الرجلين معا يعتبران من بين أبرز الشخصيات الوازنة في مجال المسرح بمختلف ألوانه، اعترافا بما قدمه الرجلان من أعمال جليلة ساهمت في تأطير زعماء الحركة الوطنية، إن على مستوى تأسيس الوعي بأهم القضايا الوطنية الكبرى أو في تشكيل ملحمة طرد المستعمر الغاشم وتحرير البلاد من قيود الاستعباد. وحتى يكون المسرح الجديد امتدادا حقيقيا للمسرح البلدي ببعده التاريخي والثقافي…
وبين هذا وذاك، هناك في المقابل عديد المؤاخذات على الهندسة المعمارية غير الموفقة والغريبة على الثقافة المغربية، التي يرى البعض بأنها تسيء إلى واجهة هذا المشروع الكبير، الذي أريد له أن يكون بالفعل معلمة حضارية تمحو من ذاكرة البيضاويين صورة المسرح البلدي، وتضاهي في ذات الوقت أرفع المركبات الثقافية في العالم من حيث عصرنتها وجماليتها، التي تعكس حقيقة فن المعمار لدى المغاربة، الذين ظلوا على مر العصور يحافظون على أصالة المعمار والتراث المغربي الضاربة جذوره في عمق التاريخ الإنساني إن على مستوى اللمسة الإبداعية أو الجمالية أو الحضارية…
إن الأمل معقود على أن تسارع الجهات المسؤولة على هذه المعلمة الثقافية، إلى طي صفحة الخلافات القائمة منذ أزيد من سنة ونصف والتوافق حول سبل التسيير والميزانية وطريقة تدبيرها، ولاسيما أن الحركة الثقافية بمدينة الدار البيضاء ما انفكت تطالب بالتعجيل بفتح أبوابها ليس فقط أمام الجمهور البيضاوي المتعطش إلى الفرجة، بل كذلك أمام الفرق المسرحية والغنائية التي تفتقر إلى فضاءات مناسبة للتدريب وتطوير منتوجها المسرحي والغنائي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *