Home»Débats»عبد الفتاح مورو: نجحنا في تربية الحيوان وفشلنا في تربية الإنسان

عبد الفتاح مورو: نجحنا في تربية الحيوان وفشلنا في تربية الإنسان

1
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
منذ شبابنا ونحن مولعون بأدبيات حركة الاتجاه الاسلامي سابقا، النهضة حاليا، وبكتابات وحوارات مؤسسها الشيخ راشد الغنوشي، وكنا نعتبر الحوار الذي أجراه معه الصحفي السوري المقتدر قصي صالح الدرويش أحد أهم الحوارات التي كشفت عن معدن الرجل وفكره وبصيرته وحكمته واعتداله، كما كانت كتاباته وأفكاره حول المرأة، رفقة زمرة من المفكرين كالشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي والترابي وأبي شقة وفيصل مولوي، ومحمد مهدي شمس الدين… تعد نبراسا لنا علمتنا الانفتاح والتحرر منها على الخصوص كتابه المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، كما اعتبرنا كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية، الذي هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ولكن ظروف المهجر والمنفى حالت دون مناقشتها، هذا الكتاب علمنا شيئا من الفقه السياسي الإسلامي المتفاعل مع الواقع والمتجدد المرن دون أن ينسلخ عن الأصول والثوابت، وهو أشبه بكتاب الدكتور أحمد الريسوني: « نظرية التقريب والتغليب »، وكأنه جزء منه، ويرجع الفضل لهذا الكتاب في تعريفنا على العديد من الكتب الإسلامية التي تناولت موضوع الدولة والسياسة على رأسها الكتاب النفيس « غياث الأمم في الثيات الظلم » لإمام الحرمين عبد الملك الجويني.
هذا الاطلاع على أدبيات حركة النهضة ومؤلفات قيادييها جعلنا نحدد بأن حركة النهض حركة إسلامية نخبوية غرقت في الترف الفكري والثقافي وإن مثل جناحها النقابي داخل الاتحاد العام لطلبة تونس قمة النضج والوعي حتى أنه صار نموذجا فريدا تستقي منه النقابات الإسلامية الحكمة والتجربة في العمل النقابي فحسب، ولكن رغم هذا النضج النقابي الذي ميز الحركة استنكر عليها المغاربة تجاوزات تربوية غريبة لم يستسيغوها كانتشار التدخين والاختلاط في صفوف طلبتها، وإن كان البعض يخلق لهم بعضا من عذر يرجعه إلى جماهيرية الفصيل الطلابي وانتشاره.
ولكنها كحركة إسلامية ظلت ضعيفة على مستوى الخطاب التربوي، رغم المجهودات الجبارة التي بذلها أستاذان جليلان هما الدكتور الصحبي عتيق بكتاباته التربوية النيرة وقدرته على تمثل القيم الإسلامية في واقع صعب تفشت فيه العلمانية والتحرر الزائد، والدكتور أحمد الأبيض بكتاباته العصرية الحديثة ورؤيته الثاقبة وقدرته على اقتناص مواضيع تعد من متطلبات الواقع وضروريات العصر.
إن من بين الشخصيات التي تجلى فيها الفشل في الخطاب التربوي نذكر عبد الفتاح مورو كنموذج فريد من نوعه، حيث أصبح بخطابه يخبط خبط عشواء ويطلق الكلمات عشوائية هنا وهناك، يكثر من المزح إلى درجة التهريج، يتواجد في مواقف تفسد عليه مشيخته ومكانته ضمن الحركة، ولعل انفعاله السريع أثناء الكلام جعله يبتعد عن الرزانة والتركيز وصياغة خطاب علمي نسقي مطلوب. ولذا عاب العديد على حركة النهضة أن ترشحه إلى منصب رئاسة تونس.
في درس من دروسه، التي يمكن تجاوزا أن نسميها تربوية أو وعظا، أراد أن يضرب مثلا على أساس أن المثل يقرب المعنى أكثر إلى أذهان السامعين، ويلبس الحديث لبوسا واقعيا فقارن وعظ الإنسان وتربيته بتربية الأسود والكلاب والقطط، واعتبر عملية التقاط صورة لطفل على شاطئ أكثر تأثيرا في الناس من المواعظ التي يقدمها الشيوخ والخطباء والعلماء، وكأني به أراد من الخطباء أن ينزلوا من منابرهم ويأخذوا آلات التصوير كي يطمئن قلبه بأن الخطاب الإسلامي قد تجدد؟ وأنه أصبح فاعلا مؤثرا.
فهل فعلا الأمة استطاعت أن تربي الأسود والكلاب والقطط ولم يستطع خطاب الوعظ أن يربي الإنسان عندنا؟ أليس ما قام به العلماء المالكية في تونس كالإمام الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الخضر حسين، والإمام عبد السلام سحنون، وأبو زيد القيرواني، والإمام أبو الحسن علي الربعي وغيرهم كثير، وما قامت به الزيتونة بكل علمائها، هو الذي جعل شعب تونس شعبا مسلما يتعاطف مع المشروع الإسلامي الذي تتبناه النهضة فمنحها أصواته يوم 23 أكتوبر 2011 فمكنها من رئاسة حكومة الائتلاف بقيادة حمادي الجبالي.
فهل فعلا صورة عابرة لطفل ملقى على شاطئ التقطت في ظرف اثني عشرة ثانية هي التي ستغير سلوكات الناس وأخلاقهم وقيمهم وتبث فيهم وعيا وإدراكا برسالتهم؟
إن صورة ذلك الطفل السوري مرت وفرت ونسيها الناس كما نسوا ملايين الصور والأحداث، ولكن وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وتابعيهم إلى الآن وطيلة خمسة عشرة قرنا، لازال لم يمت تتلقاه الأجيال تلو الأجيال، كإرث يتوارثه الناس عبر قرون، لأنه نفس الوعظ الذي قيل في القرن الأول والثاني والثالث ولا زال يتكرر لأن مصدره واحد القرآن والسنة، لم يمت ولازال حيا تخفق له القلوب وتذرف منه الدموع، يحرك الوجدان، ويغير الأفهام، وينمي المهارات ويشحذ الفهم وينمي الوعي ويصنع الحركة والانطلاق في الآفاق.
فإذا فشل مورو في خطابه وفشلت حركته في خطابها، وهو الذي لم يربي لا إنسانا ولا حيوانا، فليس معناه فشل المسلمين في كل بقاع الأرض، فرسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: « الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة » وحتى إذا لم يكن هذا الحديث واردا فإن معناه كما قال الإمام ابن حجر صحيح، أي إن الخير لا ينقطع من أمة سيدنا محمد، وكيف سيستمر هذا الخير ويستمر الإحسان وإفشاء السلام والحفاظ على الصلاة وإخراج الزكاة وقراءة القرآن وحفظه والعمل به لولا الوعظ والتذكير والقيام بواجب الدعة والرسالة؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *