Home»Débats»هل حرية الاعتقاد تحتاج إلى تقنين ودسترة؟

هل حرية الاعتقاد تحتاج إلى تقنين ودسترة؟

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
لقد ظهر في العقد الأخير من هذا القرن كُتاب، معدودون على رؤوس الأصابع، يدعون إلى تقنين القول بحرية المعتقد، واعتبروا عدم التصريح بذلك في الدستور المغربي خرقا للمعاهدات الدولية التي أيدها المغرب ووقع عليها مثل الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، كما فعلت جمعية بيت الحكمة عندما اقترحت على لجنة المنوني تضمين التنصيص على « حرية المعتقد » في دستور 2011، وصرح محمد الساسي عندما قال: « يجب إعطاء حرية الاعتقاد مكانتها في الدستور المغربي وأن تكون من ضمن أولويات الصف الحداثي والديموقراطي ».
وقد ذهب بعضهم إلى اعتبار ذلك خنقا لأنفاس الناس وقمعا لهم وقطعا لدابر معتقداتهم التي تتأسس على الحرية والاختيار. كما حاول البعض أن يوهم بأن الدعوة إلى التنصيص والتقنين لحرية المعتقد ليس معناها إخراج المغاربة عن دينهم الإسلامي الذي ينص عليه الدستور المغربي. بل وذهب البعض إلى أن من أكبر المآخذات على الدستور المغربي هو حصره للدين الإسلامي كدين للدولة، أي كان عليه أن يقر حرية المعتقد ويترك الحرية للناس في اختيارهم للدين الذي يقتنعون به.
وما يثير في هذه الدعوات، هو الدافع إلى طرح سؤال جوهري وهو هل حرية الاعتقاد وممارسة الدين، كيفما كان هذا الدين، ممنوعة في المغرب حتى تحتاج إلى تقنين ودسترة؟
أي هل تمت معارضة أو محاكمة أي مواطن مغربي لا يصلي ولا يصوم قناعة منه بدين آخر أو معتقد آخر يحرم الصيام أو الصلاة؟ وهل اليهود المغاربة مثلا الذين يتقاسمون معنا هذا الوطن منذ قرون هل اشتكوا من أحد ما ضيق عليهم اعتقادهم أو منعهم من أداء شعائرهم بالشكل الذي تمليه عليهم ديانتهم؟
إن اليهود يعيشون معنا كمواطنين، ويمارسون شعائرهم بالشكل الذي يحلوا لهم، ولم يقع بينهم وبين المسلمين أي تصادم أبدا، والسؤال الثاني الذي يجب طرحه هو لماذا لم يَدْعٌ أي يهودي مغربي أو مسيحي يعيش في بلادنا إلى التأشير على حرية المعتقد في الدستور المغربي حتى يتسنى له أن يمارس حرية معتقده كما يحلو له ويريد؟
هل تعلمون لماذا لم يفعلوا ذلك؟ لأنهم، بكل بساطة، يمارسون حريتهم في الاعتقاد بكل أريحية، ولا أحد أكرههم على شيء أو منعهم من أن يفعلوا ما يعتقدونه ويدينون به،
إذن، فالدعوة لذلك لن تكون بريئة، ومثلها مثل الدعوة إلى الأكل في شهر رمضان جهرا، فالمغاربة يعرفون، والدولة تعرف جيدا أن من المغاربة من لا يصوم رمضان، ولا أحد أقام الدنيا أو أقعدها من أجل ذلك، ولم تشكل محاكم التفتيش لتتقصى من يصوم ممن لا يصوم، لأن الحرية في ذلك مكفولة شرعا وعرفا وقانونا، ولكن أن تتحول مثل هذه الدعوات إلى فتنة وزعزعة الاستقرار الذي ينعم به الوطن، أو أن تتحول إلى مخطط من شأنه أن يفتح المجال نحو طائفية تمزق هذه البلاد، فيسمح للشيعي ليمر في شوارع الرباط وهو يحمل السيوف والخناجر ويسيل الدماء ويجلد ظهره ويطعن رأسه احتفالا بعاشوراء، فتتحول البلاد إلى مأثم، وشوارعها إلى أنهار من الدماء تفزع الصغير والكبير، وبالقرب منه من يستحم ببول الأبقار ويحرم ذبحها، وآخر يبني له قبة يحج إليها، وثالث يرى في هذه القبة لعنة وحربا على معتقده فيهدمها أو يفجرها، فكل طائفة حينئذ ترى ما لا يراه غيرها، فتتداخل المحرمات والمباحات، وما يعتبر جريمة هنا يعتبر فعلا حسنا هناك، وما يعتبر شرا هنا يعتبر خيرا هناك، وعندما تتدخل الدولة لوضع حد لهذه الفتنة تبدأ التدخلات الأجنبية تحت يافطة حماية الأتباع والأقليات.
ومن قبسات هذه الفتنة ومؤشرات بداياتها، نجد بعض الداعين إلى دسترة حرية الاعتقاد كصاحب مقالات القرآن بين الشعر والشعراء، وحرية المعتقد بالمغرب، فهو في الوقت الذي يدعو فيه إلى الحرية في الاعتقاد نجده يشن حربا على معتقد أربعين مليون مغربي، طاعنا في المصدرية الربانية للقرآن الكريم ومتهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرقة والنقل أي نقل القرآن عن شعراء الجاهلية، ومحقرا للدين الإسلامي والمسلمين.
إذن، هل الأمر يتعلق بدعوة إلى حرية المعتقد وتقنينها ودسترتها؟ أم أن الأمر يتعلق بمحاربة الإسلام من خلال محاربة مصدريه القرآن والسنة؟
إن الأمر إذن لا يخرج عن كون أنها خدمة لأجندات أخرى لا يعلمها المغاربة، تعمل على زرع فتنة لها عواقب وخيمة أقلها تحويل البلاد إلى لقمة سائغة بين فكي الحروب الطائفية وتمزيق أوصال المغاربة.
إن الإسلام الذي جمع شمل المغاربة طيلة أزيد من ثلاثة عشر قرنا، وناضل وكافح لتكون البلاد في منأى عن أي فتنة، أو طائفية، وحماها من أي أطماع خارجية أو غزو مادي أو معنوي، ووفر الحرية لمواطني هذه البلاد سواء كانوا يهودا أو وافدين من النصارى والديانات الأخرى في ممارسة شعائرهم الدينية كما يحلوا لهم، لهو الدين الإسلامي الذي يعتبر الدين الأوحد الذي يوفر حرية الإعتقاد وينص عليها نصا، وفي غيابه أو محاربته لن ينعم أحد لا بحرية الاعتقاد ولا بممارسة أبسط حق من حقوقه، وهذا هو المعنى المقصود من تنصيص الدستور المغربي على أن دين الدولة الإسلام، أي أن حرية الاعتقاد مكفولة ابتداء انطلاقا من هذا النص، ولا جدوى من وجود دعوات شاذة تروم إزالة هذا النص وتعويضه بحرية الاعتقاد بما فيها حرية اعتناق الإسلام وكأنه دين جديد أو دين أقلية تحتاج لمن يدافع عنها حتى تمارس معتقداتها بحرية واختيار.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *