هل التلميذ وحده من يتحمل مسؤولية العنف المدرسي؟

أحمد الجبلي
تعتبر الآية الكريمة التي يقول فيها الله تعالى ( لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) من أجمل الآيات القرآنية التي تنهى عن الظلم عندما يكون السبب الانحياز بدوافع عنصرية أو زبونية، أو يكون السبب دفاعا باطلا عن ذوي الشأن والجاه والأبهة.
إن الله تعالى لا يرضى لعباده المومنين أن يتنصلوا من مسؤولياتهم، أو أن يحيدوا عن الحق وما يقتضيه، كما لا يرضى لهم أن يقيموا الحدود ويشهروا بالضعيف إذا سقط أو انتكس أو صدر عنه سلوك يستحق الشجب أو القصاص أو بتر عضو من جسده كالسرقة وغيرها، ويتركوا الوجيه وذوي الحظ الاجتماعي أو الثقافي أو المالي عندما تصدر عنه نفس ما صدر عن الضعيف.
إن حادثة اعتداء تلميذ وارزازات على أستاذه قد شجبها الجميع وتنكر لها القاصي والداني، وهو موقف طبيعي لكونه سلوكا مشينا يتعارض كلية مع ما ينبغي أن يكون من تقدير ذوي الفضل، خصوصا إذا كانوا من أهل العلم والتربية التي هي مهمة الأنبياء والرسل..
إلا أن ما ينبغي التنبيه عليه، هو أن بعضا من رجال التعليم لا يحترمون أنفسهم، ويتعاملون كجبابرة متسلطين، ومهمتهم الأولى هي استفزاز التلاميذ والطلبة، واستعمال قاموس طويل عريض من السباب والشتم وأحيانا الاعتداء بالضرب والركل، وأحيانا تكون لديهم مشاكل أسرية أو مجتمعية فيجعلون من القسم مكانا يفرغون فيه هذه الضغوطات والمشاكل، فيصبون جام غضبهم في الخدود البريئة والأجساد الطرية، وهؤلاء في الحقيقة يسيئون إلى جميع رجل التعليم الشرفاء والنزهاء والجادين الذي هم بحق رجال تربية قبل أن، يكونوا رجال تعليم.
وسوف لن أتحدث عما يقع في الإعداديات والثانويات، فهذه الأخيرة همها أكبر ولكن ما لم يتحدث عنه هو ما يقع في جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا الوطنية العليا التي لم تسلم هي الأخرى من وجود مثل هذه العقليات المسطحة والكائنات الغريبة المتوحشة، حيث تعج بدكاترة وأساتذة أقل ما يقال عنهم أنهم يشعرون بأنهم من طينة خاصة، وأن الطالب ما هو إلا فرد صغير حقير، وحتى أنسجم مع ما أدعيه أدلل عليه بوقائع كثيرة البعض منها حضرته شخصيا والبعض الآخر عاشه من أعرف والبعض الثالث من خلال بعض رجال التعليم أنفسهم،
ولن أنسى وأنا أدرس بكلية الآداب ذاك الزميل عندما سأل الأستاذ أن يعيد له مسألة من المسائل المدروسة لم يفهمها، فرد الأستاذ أمام 1200 طالب قائلا: » مالك ما فهمتش واش حمار ». ولا أعتقد أن بهذا الجواب سيستطيع أي طالب أن يسأل فضيلة الدكتور العلامة الفهامة مرة أخرى.
وحدث يوما أن كنت بإدارة إحدى المدارس الوطنية العليا بمدينة وجدة سنة 2015، وبينما أنا أنتظر السيد المدير، دخلت دكتورة وتبعها أحد طلابها مسرعا وكان يريد أن يسألها عن إشكال ما أشكل عليه، وبكل أدب تقدم الطالب إلى الأستاذة واستسمح الدكتورة بأن يأخذ من وقتها دقيقة واحدة كي يسألها، وإذا بالدكتورة تثور في وجهه كالثور الهائج قائلة باللغة الفرنسية: » pourquoi t’as pas compris comme les autres. il n’est ni le moment ni le lieu pour discuter avec toi . en plus de ça
j’ai terminé mon cours »
الغريب في الأمر أن هذا الأسلوب الفظ السمج الذي تحدثت به فضيلة الدكتورة قد تفوهت به في حضرة العديد من الحاضرين من إداريين وطلبة وآباء، مما جعل الأمر قمعا وإذلالا للطالب، لا يمكن القبول به إطلاقا، وما كان للطالب المسكين إلا أن دك رأسه في صدره وانصرف في هدوء.
ومما لا يمكنني نسيانه حدث وقع بإحدى الكليات سنة 2001، وبالضبط أثناء الامتحان الشفوي، حيث جاءني بعض الطلبة غاضبين متوترين يشتكون من أستاذ يطرح أسئلة خطيرة وغريبة على طالباته، فالطالبة الأولى كان اسمها « برديل » ولما اطلع الأستاذ على بطاقة التعريف الوطنية للطالبة سألها قائلا: » ما معنى برضيل؟ » بتحويل الدال إلى ضاد، فأجابته الطالبة بكونها لا تعرف، فأجابها: « تكذبين، فأنت تعرفين ولا تريدين الإجابة » فردت الطالبة مقسمة بأغلظ الأيمان: « والله العظيم يا أستاذ إنه اسمي وهو يرافقني منذ صغري ولكنني لم أسأل نفسي أبدا ماذا تعني « برديل » ناطقة للاسم كما هو لعل الأستاذ يرجع عن غيه. وفي الأخير قال لها الأستاذ: إذن أنا سأجيبك: « البرضيل هو مكان خاص بالدعارة ».
وأما الطالبة الثانية، وكما يبدو من هيئتها إذ كانت تضع جلبابا محترما وخمارا وثلاثة خواتم في يدها اليسرى مما يعني أنها متزوجة، فسألها الأستاذ قائلا: « هل الطالبة متزوجة؟ » فأجابت بكل حياء محولة رأسها إلى أسفل: « نعم يا أستاذ » والمسكينة كانت تعتقد أن الأستاذ يعبر عن احترام « مراة الراجل » وإذا به يفاجئها بسؤال لم تكن تتوقعه إذ قال لها: « أحكي لي عن أول ليلة بينك وبين زوجك؟ »
وبهكذا أسئلة يجري الأستاذ امتحانات الشفوي، ألم يكن حريا بمثل هاتين الطالبتين أن تعملا على صفعه وركله وشتمه؟
ألم يكن حريا بالطالبة بأن تجيبه قائلة: « نعم يا أستاذ عن أي ليلة تريدني أن أتحدث؟ عن ليلة أمك أم أختك؟ »
وقد حكي لي عن أستاذ آخر يتقن الرسم، ومن عجائب الأمور وأغربها أنه يدرس سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان يحمل معه أوراقا بيضاء، وبعدما يطرح السؤال على الطالب يبدأ هو في رسم صورة معينة، وبينما الطالب منهمك في الإجابة طولا وعرضا يستمر هو في الرسم، وإذا ما سكت الطالب وانتهى من الجواب، يقول له فضيلة الأستاذ » مالي أراك قد سكتت؟ » فيقول الطالب: » لقد أنهيت الجواب يا أستاذ » فيرد الأستاذ قائلا: » لم أسمعك ..أعد » وفي الأخير يسأل الأستاذ الطالب بعدما يخفي الصورة التي كان يرسمها قائلا: » ماذا رسمت؟ » وقد عقب أحد الطلبة على هذه الحادثة بقوله: » وهل رسم الأستاذ عندي جزءا من المقرر؟ » وعقب آخر بقوله: » أنا أدرس السيرة النبوية ولا أدرس لا الفن التشكيلي ولا علم النفس »
وعبر لي أحدهم قائلا: أنا أجبته بأنه قد رسم أسدا، وآخر قال وأنا أجبته بأنه رسم سفينة، حتى أن أحدهم بلغة مناسبة قال لي: « ولد الحرام يعرف يرسم » وها هو فضيلة الأستاذ بإذلال طلابه قد أوصف نفسه إلى أن يقال فيه ما يغضبه ويغضب والديه.
وأما في مدارس عليا أخرى فحدث ولا حرج أبرزها ضعف المستوى التعليمي لدى الدكتور مما يدفعه دفعا لعدم قبول أسئلة طلابه، أو قمعهم إخفاء لعجزه وضعفه. حتى شاع بين الطلاب المثل القائل: « لا تنحني السنبلة إلا إذا كانت مثقلة » أي لا يمكن للأستاذ أن يتواضع ويتواصل ويتفاعل مع طلابه إلا إذا كان ممتلئا علما وفهما ومعرفة.





Aucun commentaire