Home»Débats»هل يمكن إصلاح التعليم؟

هل يمكن إصلاح التعليم؟

1
Shares
PinterestGoogle+

من النكت الجميلة التي يتداولها المغاربة تعبيرا عن واقع التعليم تلك النكتة التي تحكي عن متسولة طلبت من أحدهم أن يدخل الفرحة في قلوب أبنائها أي أن يعطيهم مما أنعم الله به عليه من مال، وإذا به يقول لها: أخبريهم أن الغد يوم عطلة.

العطلة، أو اليوم الذي يغيب فيه الأستاذ، تلكم هي أحب الأيام عند التلاميذ قاطبة. فما الذي جعلها كذلك إذن؟ فلا يمكن أن يكون هذا الإجماع عبثيا؟ أو أن هذا الاتفاق يعتبر طبيعيا تماما كتلك الظواهر التي تقع  في الطبيعة وفق نواميسها المضبوطة؟

فلابد من سبب حولها من الحالة الفردية المعزولة إلى الظاهرة المعممة. لأن المجموعات البشرية تجتمع على منظومات موحدة تسهم فيها ثقافة ما وأعراف وتربية على مدار أجيال متتالية.

ومن أخطر الإفرازات لهذه الظاهرة ظاهرة الخوف من الدراسة واعتبارها نارا والعطلة جنة لا يريد أن يخرج منها أحد إلا مكرها مجبرا، نجد الغش مثلا في المنظومة التربوية في بلادنا تحول إلى ظاهرة، وهذه الظاهرة وصلت إلى حد الإبداع فيها واستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة. والدولة تعتبر المبرمج المباشر للعبث التربوي التعليمي الذي يقع في البلاد، ولن يكون هناك تغيير في هذه المنظومة ما لم يكن قبله قرار سياسي يعطي الضوء الأخضر لبداية مرحلة التغيير وفق ما يشتهي المغاربة ويرجوه رجال التعليم النزهاء والأكفاء الذين يملكون من الأطروحات والخبرة ما يجعلهم في مستوى الإسهام في منظومة التغيير المنشودة.

إن التعليم هو أصل كل تنمية ولا مكان للحديث عن أي مجال من مجالات التنمية بدون استقامة المنظومة التعليمية، فالتعليم هو مصدر القيم، وهو مصدر تكوين الإنسان المطلوب الذي بإمكانه أن يحقق المعجزات في الاقتصاد والمال والرياضة والفلاحة والصحة والبيئة وكل ما من شأنه أن يسهم في رفاهية البلاد وتقدمها.

حكى لي أحد الخبراء السبعة الذين فيما سبق، من الذين أنيطت بهم مهمة أطروحة جديدة في تغيير التعليم على عهد الراحل الحسن الثاني، وقد منح شرف تهيء أرضية صالحة لتكون منطلق منهاج تعليمي رصين وقوي في ثمانين صفحة. ولكن الرجل طالب بأن يمنح سنتين كحد أقصى لإخراج هذه الأرضية من عصارة دراسات لأجود المناهج التعليمية في العالم، أي دراسات وصفية تحليلية مقارنة، يختمها بدراسة الواقع المغربي وما يتحكم فيه من ثقافات وأعراف وعلاقات ودين ولغة حتى يلائم تلك التجارب الناجحة وفق خصوصيات الواقع المغربي.

ولكن الطلب رفض، فمنح ثلاثة أشهر فقط، مما جعله يضطر إلى وضع أرضية استعجالية لا تكفي حتى لدراسة الواقع التعليمي المغربي السابق وتحديد مواقع القوة والخلل فيه وما يعتريه من عوج وعور ونتوءات مرضية، بله أن تكون كافية لوضع استراتيجية متكاملة تنطلق من منطلقات صحيحة وواقعية، وفق محددات أساسية لمدخلات ومخرجات كافية لتحقيق النموذج المرجو، والمنظومة المتكاملة التي تذوب فيها جميع العلوم الإنسانية التي تحدد طبيعة الجدليات والعلاقات في تدافع الإنسان مع المجتمع ومع جميع المكونات البيئيه والثقافية نفسيا واجتماعيا ومعرفيا وتربويا.

إن العالم المتطور قد عمل على تطوير منظوماته التربوية، وهو يبدل مجهودات حقيقية، وينفق ملايير الدولارات، ويستعين بجميع الخبراء الذين لديه، ويضع أمامهم كل الإمكانيات، ولا تستعين أي دولة بخبراء أجانب كما هو الشأن في الاقتصاد والمشاريع أو بناء المولات والقناطر وناطحات السحاب، لأن المسألة التعليمية تعتبر من أخطر الطابوهات التي يجب ألا يقربها الأجنبي لما لها من علاقة بالهوية والثقافة والدين، كما لا يمكن أن تكون هناك تجارب نمطية صالحة لكل الشعوب.

إن واقع التعليم المغربي لا يمكن أن يعرف التحول المرجو إلا إذا تأسست آلاف الأوراش وساهم فيها جميع رجال التعليم، لأن الاستغناء عن رجل الخبرة الأول يعد ضربا من الجنون، وصياغة برامج ومناهج بتوصيات وتحكم لا يمكن أن يصلح ما فسد بل لا يزيده إلا كسادا وحموضة، وستبقى دار لقمان على حالها ما لم تكن هناك إرادة حقيقية صادرة من جهات عليا تريد حقا أن يتغير التعليم من تعليم تتحكم فيه وزارة تكنوقراطية إلى تعليم شعبي حر تقوده الكفاءات المنتخبة التي يثق فيها الشعب المغربي حتى يضمن لبلاده مستقبلا واعدا راشدا وحتى يبتعد تعليمنا ولو قليلا عن المراتب الدنيا التي تحتلها بلادنا في سلم الإحصاءات الدولية.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *