Home»Correspondants»الإضراب العام وحسابات الـرّبـح و الخـسارة

الإضراب العام وحسابات الـرّبـح و الخـسارة

0
Shares
PinterestGoogle+

مرّ يوم الإضراب بالأمس كما تمرّ سائر الأيام، وقبل غروب يوم العاشر من دجنبر ، انطلقت حرب الأرقام والنِّسب والتصريحات من هذا الطرف وذاك ..فقد صرح بعض قادة المركزيات الداعية للإضراب أن هذا الحدث كان يوما فارقا ، أكدت فيه الشغيلة عن رفضها وشجبها للسياسات الحكومية الجائرة التي توجه  سهامها في مجملها صوب الموظف المغربي البسيط ،ونحو قوته اليومي وقدرته الشرائية ، مضيفا أن نسبة المشاركة في الإضراب بلغت نحو 80 في المائة .. بينما انبرى بعض قادة الائتلاف الحكومي إلى التقليل من شأن الإضراب ومن حجم تأثيره على الحياة العامة بالمغرب ، فيما ذهب السيد مبديع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة إلى تهديد المضربين بالاقتطاع من أجورهم ، بل وإرجاع بعض المضربين الملحقين إلى وزاراتهم الأصلية ، كما هو الشأن مع موظفي البرلمان ومجلس النواب ..مشيرا في تصريح صحفي له أن « نسبة المشاركة في إضراب الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، لم تتعـدّ 30 في المائة على الصعيد الوطني ».
وبين هذا وذاك، وبعيدا عن عملية شد الحبل بين المركزيات والحكومة ، وبعيدا عن حسابات الربح و الخسارة ، يبقى الخاسر الأكبر هو الوطــن مع الأسف ،سواء على المستوى الاقتصادي الذي يمس آلية الإنتاج المادي الفعلي ،أو على مستوى البناء السياسي و ما يحيط به من روافد ديمقراطية وحقوقية ، تصب في تشكيل النموذج السياسي المغربي ، الذي ما فتأ الساسة و أصحاب القرار يهللون له ويبشرون بــه ..
لقد بلغت خسائر المغرب جراء الإضراب العام ما يتجاوز 50 مليار درهـم حسب بعض الخبراء الاقتصاديين، ناهيك عن تعطّل الكثير من مصالح الموطنين على المستوى الإداري والتربوي .. أما الخسارة على المستوى السياسي، فهي تأكيد الساسة المغاربة يوما بعد يوم ،على عدم اكتراثهم بآليات العمل السياسي وبأدنى أخلاقيات الخطاب المتعارف عليه ديمقراطيا ، وقد تبدى ذلك بوضوح في السعي إلى تبخيس هذا الإضراب والتقليل من شأنه وتأثيره على التوجه الحكومي وعدم النيل من إرادتها في المضي قدما صوب تنزيل ما تعتزم تنزيله من  » إصلاحات » على حد تعبير رئيسها ، وقد ظهر هذا أيضا في التجاهل المخزي لوسائل الإعلام الرسمية لهذا الحدث الوطني والتعتيم على المواطنين، فيما عدا بعض الإشارات السريعة خلال النشرات الاخبارية الرئيسية.. بل ذهب بعض المحسوبين على الحزب الحاكم إلى تخوين المُضربين، وفي مقدمتهم الدّاعين إلى الإضراب، مُتَدرعين بكونه مساسا بالأمن القومي ، و بالسلـم الاجتماعي و إضرارا بالاقتصاد الوطني ، وما إلى ذلك من الادعاءات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وكأن الإضراب ليس حقا دستوريا من حقوق المواطن المغربي، أو بدعـة من البدع التي ليس من حق المغاربة ممارستها أو الأخـذ بهـا ، ناسين أو متناسين أنهم في الماضي القريب جدا، كانوا  » هم أنفسهم » يَدْعُـون إلى إضرابات متتالية في كل شهر باليوم الواحد و اليومين بل بالثلاثة والأربعة أيام ..
نعم، الإضراب هو إعلان عن فشل الحكومة في إدارة الحوار الاجتماعي ، وعدم الالتزام السياسي والأخلاقي الذي يُقيد الحكومة ويُلزمها بالانخراط في حوار اجتماعي واقتصادي جاد وهادف ، بشكل ديمقراطي و تشاركي وفق رؤية شاملة تُراعي وضعية كل الأطراف، وترمي إلى حفظ حقوق الجميع ..مما يتطلب من الحكومة، وخاصة من رئيسها الكثير من الإنصات والقليل من الكلام ، والقليل من المهاترات الجانبية وتبذير الوقت في ما لا يفيد، والكثير من العمل والمثابرة على الإصلاح الحقيقي الذي ينشده كل المغاربة ، وليس الإصلاح الذي يخدم التوازنات الكبرى للحكومة فقط ..لأن المواطن لا يعترف سوى بما يمس حياته اليومية ،وما يرتبط بلقمة عيشه ارتباطا مباشرا مثل ( الأسعار، التطبيب، التعليم ، التوظيف الخ..). أما المعـادلات « الماكـرو والميكرو » اقتصادية فلا شأن له بهــا بتاتا .
وأما خسارة الجانب الآخر، فتتمثل في فشل المركزيات النقابية في تثبيت الحوار وفرضه بالشكل المطلوب، الذي يؤمن استمراريته وديمومته في الاتجاه الإيجابي ، وفي كل مراحل الفعل النضالي و التّطارح المطلبي ، بمعنى أنها لم تُـحسـن تدبير ملف المفاوضات ،ومن ثم فشلها في تمرير نقط الملف المطلبي الأساسية ..وها هي اليوم قد لعبت آخر أوراقهـا  » الإضراب العام » ، فماذا عساها أن تفعل بعد هذا؟؟ ألم يكن من الأحسن استراتيجيا العمل على الإضرابات القطاعية المتواصلة و المكثفة ، والعمل على الـرّفع التدريجي في عـدد أيام الإضراب، وبالتالي تحتفظ بورقة الاضراب العام كورقة ضغط تلوح بها كلما سنحت الفرصة ، بل و تهدد بها كلما نضجت الظروف لذلك نضوجا كامــلا .
نعم .. لقد كان مسار الحوار طويلا وشاقا، بفعل التماطل الحكومي والنيّـة المقصودة لرئيس الحكومة في إفراغ الحوار من معناه الحقيقي .. لكن هذا لا يبرر التسرع و الرمي بكل الأوراق مهمـا كان المحاوَر، ومهما كانت الإكراهات.. لقد عملت الحكومة على كسب الوقت ، بتشتيت انتباه المواطن ، وتوجيهه نحو مهاترات هامشية لا فائدة منها ، من اختلاق السيد رئيس الحكومة ، على المنابر الإعلامية تارة ، و على منصة البرلمان تارة أخرى ، ويبدو أن المركزيات النقابية قد ابتلعت الطّـعـم أكثر من مرّة، لتمنح الحكومة ـ عن وعي أو عدمــه ـ فسحة بعد فسحة من الزمن للتهرب من تعهداتها ووعودها أمام الناخب المغربي، الذي أتخمته الوعود والتعـهدات.. فماذا بعد الإضراب العام إذن ، وها هي الحكومة الموقرة تصرح بكل جرأة و تحتـدّ أنها ماضية في مخططاتها و » إصلاحاتها » ، رغما عن أنف المُضربين ، وضدّا على إرادة أغلب فئات الشعب ..
لم يبق للمركزيات النقابية ـ إن هي أرادت أن تصعد من حركتها النضالية ـ سوى الدعوة للنزول إلى الشارع في شكل عصيان مدني ، مع ما قد تؤدي دعوة مثل هذه إلى ما لا تحمد عواقبه ، وبالخصوص في ظرف دقيق وحساس مثل هذا ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مثل هذه الدعوة ، قد لا تجد الاستجابة المطلوبة من أغلب فئات الشعب المغربي ، ليس كما هو الشأن مع دعوة الإضراب العام .. لأن هذا ، تتداخل فيه عوامل مختلفة ومتعددة ، يأتي على رأسها العامل الأمني ، وخاصة في ظل التهديدات الإرهابية التي تستهدف المغرب في أمنــه واستقراره ، وكذا المناورات الخفية و الظاهرة التي تستهدفه في وحدته الترابية من قبل جارته الشرقية ومن يقف خلفهــا ، وبالتالي فإن هذا الخيار ـ خيار تحريك الشارع ـ يبقى خيارا بعيد المنال وصعب التحقّـق ، وتكون المركزيات ـ تبعا لهذاـ قد رَمَـت بآخر أوراقهــا ، أمام حكومة عازفـة عن الإنصات و التشارك ، ولسان حالهــا يقول:  » للشغيلة أن تُضرِبَ متى تشـاء ، وللحكومة أن تفعل مـا تـشاء  » يعني أنها سائرة في مخططاتها مهما وقع وكيفما كانت آراء الآخرين فيما تفعل.. حكومة لـم يفلح رئيسها سوى في إبداع مصطلحات غريبة ستُغني ـ من دون شك ـ القاموس السياسي المغربي ، من قبيل التماسيح و العفاريت ، دون أن يفلح في إبداع الحلول الناجعة لإبطال وساوس العفاريت وتفادي هجمات التماسيح .
مرة أخرة، وبعيدا عن حسابات الرّبح و الخسارة، نقول : إن الرّبح الحقيقي هو في تغليب مصلحة الوطن على أي مصلحة أخرى .. على الحكومة أن تكون حكومة للجميع ، لا حكومة لبعض المغاربة من ذوي المصالح والامتيازات والهبات و التحفيزات . ولذلك ، ينبغي على الحكومة في المقام الأول أن تُـكاشِف كل المغاربة وفي مقدمتهم عُموم الشغيلة والموظفين، بكل التفاصيل المتعلقة بكيفية إفلاس صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد ، التي دفع أقساطها كل الموظفين وعموم المغاربة من عرق جبينهم ، ولمُـدَد طويلة ،على أمل أن ينعموا في أواخر حياتهم بمنحة تُؤمن لهم الحد الأدنى من الراحة و العيش الكريم ، من حـقّ كل المغاربة أن يعلموا حقيقة الأمور ، ويعلموا المسؤول عن الوضعية الكارثية لهذه الصناديق ، إعمالا لمبدأ المسؤولية و المحاسبة الذي ظل رئيس الحكومة يُهلّـل به منذ وصوله إلى سُـدّة الحكـم ، كائنا من كان هذا المسؤول .. وأيا كان موقعه ، من دون ذلــك، فلا يمكن للحكومة أن تقنع المغاربة بأي إجراء يمس تقاعدهم ومعاشاتهـم بعد عمر طويل من الشقاء والكـدح ، أو بتحمل تبعات سوء تدبير الآخرين وتأدية فاتورة تهورهم ونهبهم للمال العام بمفردهم، وهنا تجدر الإشارة أيضا ، إلى ضرورة التَحلّـي بالشّجاعة والجرأة السياسية التي يتبجّح بها السيد بنكيران في كل نـادٍ ، ويُـبادر إلى التّقليص من الامتيازات والريع الحكومي الذي يطال فئة عريضة من المسؤولين و الوزراء و البرلمانيين وكبار المدراء و المنتفعين وغيرهم ، وذلك بالتقليص من أجورهم ، والتشطيب على امتيازاتهم  من الإتاوات و الهِـبات السّخية التي تُضَخّ في حساباتهم نهاية كل شهر ، ِزد على ذلك إلـغاء معاشاتهم الخيالية عن عملهم الحكومي أو النيابي ، التي تُأخذ من غير وجه حق، و بأي سند قانوني ، لأن المنصب الحكومي هو منصب سياسي مرتبط بمهمة محددة في الزمان و المكان، محكوم بقوانين وآليات معلومة ،يتقاضى بموجبها المسؤول الحكومي أجرا مقابل ما يقوم به من مهام ، وبالتالي ، فإن هذا الأجر ينبغي أن يلغى بمجرد توقف المسؤول عن أداء مَهمتّـه ..وبما أن هذا العمل الحكومي أو النيابي هو مجرد تكليف وليس توظيف ، فإن أداء معاش تقاعد عنه ، يعتبر ضَرْبـا من ضُروب الرّيع الذي يجب محاربته والقَطْـعُ معـه .
ثـم ،على الفرقاء النقابيين ، الاجتماعيين والاقتصاديين أن يكونوا أكثر حيوية والتصاقا بهموم الناس وتَفَهُّـما لأحلامهم و رَغبـاتهم ، وأن يَجعلوا من ذلك هَـمّا يوميّا وهـدفا ساميا ، ولا يُقصِروا نضالاتهم على المناسبات الانتخابية أو حَشرها في السياقات السياسية والحزبية الضيقة .. تتموقع حسب موقع الحزب المحتضن سواء داخل الحكومة أو خارجهــا ، لأن الفعل النقابي الصحيح والبَـنّـاء ، يجب أن يكون مع المصلحة المادية و المعنوية للمستخدمين والموظفين وعموم الجماهير الشعبية ، مهما تبدّلت المواقع وتغيرت السياقات، وهذا هو جوهر العمل النقابي ، وروح الفعل النضالــي .
محمد المهدي ـ
11/12/2015

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. استاذ
    13/12/2015 at 12:31

    مقال في المستوى وتعليقي المختصر هو ان هذه الحكومة الديكتاتورية لا تعترف بالشعب وشعارها « لا اريركم الا ما ارى » لكن جبانة امام صاحب الجلالة نصره الله والدليل هو تصريح رئيس الحكومة عندما ايقظه صاحب الجلالة من نومه العميق ليحل مشكل ساكنة طنجة واظن على النقابات والمجتمع المدني ان يراسل صاحب الجلالة قصد التدخل لانه كما جاء في المقال هذه الحكومة لا تعير اهتمام لما قد ينجر لا قدر الله من انفلات تكون هي المسؤولة عنه وبوادره ظاهرة للعيان مع الاطباء والاساتذة المتدربين والعنف الممارس ضدهم فحذاري ايتها الحكومة لان لهيب الربيع العربي لا زال مشتعلا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *