وداعا عمر السعدي

تلقيت يوم الاثنين 10 مارس 2014 وأنا في طريقي إلى وجدة نبأ وفاة المناضل والصديق والرفيق عمر السعدي عن عمر يناهز 53 سنة بعد صراع مرير مع مرض السرطان الخبيث .
نزل علي هذا الخبر كالصاعقة ، فتجمد الدم في عروقي ، وتحلب الريق في فمي ، ولم تعد رجلاي تستطيعان حملي ، ولا الكلمات قادرة على التعبير من هول المصاب .
هذا أمر طبيعي ، فالراحل عمر السعدي رجل استثنائي ، عاش حياة استثنائية مليئة بالحب والأحلام ، وظل حتى أخر نفس من حياته يعض على المبادئ والقيم ، في زمن توارى فيه المتمسكون بالمبادئ والقيم .
يعد رحيل المناضل عمر السعدي خسارة كبيرة للصف الديموقراطي والقوى الحقوقية إن على المستوى الوطني أو المحلي بحكم ما قدمه من عطاء متميز في صمت كما هو ديدن العظماء دائما .
عرفت الرفيق عمر السعدي في بداية التسعينات بعد التحاقي للعمل بمدينة بوعرفة ، عرفت فيه مناضلا سياسيا صلبا لا يلين ، ومناضلا نقابيا متمرسا بأساليب التفاوض ومناضلا حقوقيا منفتحا و متشبعا بالقيم الإنسانية الكونية .
كان الرفيق عمر السعدي بحق مناضلا سياسيا يساريا بامتياز ، في صفوف الطلبة القاعديين ، وفي الحركة من أجل الديموقراطية ، وفي حزب اليسار الاشتركي الموحد الذي سيصبح الحزب الاشتراكي الموحد .
كان الرفيق عمر السعدي مناضلا يحلم بالتغيير والغد الممكن ، مناضلا يمارس بلا هوادة لمحو الاستبداد والقهر ، فقدم في سبيل هذه القناعات تضحيات جسيمة وندوبا لم يستطع تجاوزها رغم انخراطه في مسلسل الإنصاف والمصالحة بشكل واع وناضج .
سلبت من الرفيق عمر السعدي حريته مرات متعددة ، وزار سجونا عدة أذكر منها سجن لعلو بالرباط والسجن المحلي بوجدة ،كان يترك انطباعات وذكريات جميلة بالنسبة لكل من تعرف عليه ، فكل المعتقلين الذين تقاسموا معه برودة الزنازن يشيدون بتبصره وحكمته وسمو أخلاقه المستمد من طيبوبة أخلاق أهل فجيج .
عرفت الرفيق عمر السعدي مناضلا نقاييا متمرسا ، خبر النضال النقابي في مدرسة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أولا ، وفي مدرسة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل لاحقا ، مناضلا تحمل مسؤوليات قيادية في المنظمتين معا في أوج سنوات القمع .
كان عمر السعدي يمتلك قدرات هائلة في مجال التفاوض ، ملما بشكل دقيق بالملفات النقابية ، ذو مؤهلات وقدرات هائلة على مستوى الاقتراح وعرض الحلول والبدائل الممكنة والواقعية ، وبفضل هذه الامكانيات التي يتقاسمها مع مجموعة من المناضلين والمناضلات بالمنطقة تحققت مكاسب مهمة للفئات التي كنا ندافع عنها ( الشغيلة التعليمية و الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية .)
عرفت الرفيق عمر السعدي عضوا منخرطا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وعضوا فاعلا في اللجنة المحلية بفجيج – أول لجنة محلية يتم تأسيسها على المستوى الوطني في إطار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – كان الرفيق عمر إلى جانب رفاقه حريصا على الانشغال بأهم القضايا الحقوقية التي عانت منها المنطقة (إقليم فجيج ) أي ما يسمى ب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سنوات الجمر والرصاص .
يشهد للرفيق عمر السعدي انه كان يمتلك معطيات دقيقة في مجال حقوق الإنسان بالمنطقة ، على دراية بملف المختطفين حمو وزان وبلقاسم وزان ، و بملابسات اختطافهما ومصيرهما فيما بعد ، كما كان على دراية ب أسماء الذين استشهدوا في مخافر وأقبية الدرك تحت التعذيب خاصة يوس والصنهاجي ، ملما بأهم المحطات التي مرت منها المقاومة الشعبية بفجيج في سنة 1963 و1973 ، ونتائج إحداث مولاي بوعزة على منطقة فجيج ، تلك الأحداث التي ترتب اعنها اقتطاع ثلث الأراضي الفلاحية المملوكة لأهالي فجيج والاستحواذ عليها من طرف السلطات الجزائرية .
لا أحد يمكنه أن ينكر بان الرفيق عمر السعدي هو مهندس جبر الضرر الجماعي بفجيج ، فقد تحمل مسؤولية إدارية باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لوجدة / فجيج التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، و تحمل مسؤولية منسق التنسيقية المحلية لجبر الضرر الجماعي التي أنجزت بعض المشاريع بمدينة فجيج في إطار حفظ الذاكرة الجماعية وتحصينها لعدم تكرار انتهاكات الماضي .
ستظل صورة الرفيق عمر السعدي حاضرة أمامي إلى الأبد ، بقامته المتوسطة ، بتواضعه الكبير ، ونبرات صوته الخافتة .
سأظل ممتنا ومعترفا بجميل الرفيق عمر السعدي نحوي ، ولن أنكر له إلى الأبد وقوفه إلى جانبي في محنتي سواء أثناء المحاكمة أو الاعتقال ، فقد كان متتبعا لأطوار المحاكمة من بدايتها إلى حين النطق بالأحكام ببوعرفة ابتدائيا وبوجدة استئنافيا ، أظن أنه كان مكلفا بهذه المهمة من طرف المجلس الوطني ،ورغم ذلك كنت أشاهد في عينيه تعاطفا كبيرا رغم أن وضعه كان يقتضي الحياد والتتبع الموضوعي للمحاكمة.
ساندني الرفيق عمر أثناء المحاكمة و الاعتقال وللعودة إلى العمل وتسوية الوضعية الإدارية و المالية فيما بعد ، كان يقوم بكل ذلك بصمته المعهود وبدون منة أو ضجيج .
بعد إطلاق سراحي التقيت الرفيق عمر السعدي مرات متعددة ،في المرة الأولى كان عمر من بين المستقبلين لنا فور الإفراج عنا ، ثم التقيته للمرة الثانية بشارع محمد الخامس بالرباط قبالة محطة القطار ، قبيل حفل الاستقبال الذي نظمته اللجنة الوطنية للمطالبة بإطلاق سراح الصديق كبوري والمحجوب شنو بقاعة المهدي بن بركة ، فتح حقيبة السفر وأخرج معطفا اسود طلب مني أن أرتديه اتقاء البرد.
تعددت بعد ذلك اللقاءات خاصة بمقر عمله بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وبالمقاهي التي كان يفضل ارتيادها ، و بمكتب صديقنا عبدالرحيم فرياط رئيس مصلحة الموارد البشرية بنيابة وجدة أنجاد .
في إحدى المرات التقيت الرفيق عمر بمكتب صديقنا عبدالرحيم متأبطا صور الأشعة السينية للصدر ، لما استفسرناه عن الأحوال اخبرنا انه يعاني من سعال حاد .
تطورت الأمور فيما بعد بشكل متسارع ومفاجئ ، اجري عمر السعدي عدة تحاليل في وجدة والرباط فتأكد لدى الجميع إصابته بداء السرطان على مستوى الرئة . لكن رغم الإصابة بهذا الداء الفتاك ، فقد ضل عمر متفائلا ومتشبثا بالحياة ، كان يداوم على الحصص الكيميائية بالرباط على أمل تطويق المرض الخبيث وحده من الانتشار .
كانت إرادة المرض أقوى ، وحدث ما لم يكن في الحسبان ، فقد سرى المرض في باقي أعضاء الجسم كما تسري النار في الهشيم ، إلى أن حل يوم الرحيل إلى العالم السرمدي .
نم يا با عمر مطمئن البال في حراسة العناية الإلهية .
نم قرير العين في سكينتك الأبدية
نم فالمناضل هو أول من يكون و آخر من يموت .
أخيرا أتقدم بعزائي لأفراد أسرتك ، لكافة أصدقائك ورفاقك ، ولكل من تألم لفراقك ، وانهي مرثيتي بشعر لأحد الشعراء- اعتذر لأنني لم أعد اذكر اسمه – في رثاء المفكر التقدمي حسين مروة الذي اغتالته أيادي الجهل والغدر والظلام :
ليس الأوان أوان القطاف
إننا بالكاد ننتهي من تسوية أرضنا التاعسة
استعدادا للبذار
والى أن ينتهي ذلك اليوم
يوم فرحنا الحقيقي
فمن يدري
قد لا أكون أنا وأنت داخل المشهد
الصديق كبوري
وجدة في 13 فبراير 2014





2 Comments
رحم الله الصديق عمر السعدي فقد عرفته مناضلا فذا بجامعة وجدة بداية الثمانينات وأذكر جيدا الحلقيات التي كان يؤطرها بمعية ثلة من المناضلين آنذاك وتشاء الصدف أن ألتقيه عندما عملت مدرسا بعين بني مطهر سنة 1993 حيث كان رحمه الله يعمل استاذا بثانوية ابن خلدون وساهمت معه في تأسيس مكتب نقابي الذي تشرف بقيادته بكل انضباط ومسؤولية،ومهما فرقت بيننا السبل نتيجة انتقاله إلى فجيج والتحاقي بالمركز الوطني لتكوين المفتشين بالرباط فلم يغب عن ذهني الأستاذ والمناضل عمر السعدي فرحم الله الفقيد وعزائي إلى ذويه وكافة محبيه ,إنا لله وإنا إليه راجعون.
علمت خبر وفاته الآن، عبر مقال المناضل الصديق كبوري له جزيل الشكر.
فعلا الأخ عمر السعدي من المناضلين القلائل الذين عرفتهم يعمل في صمت وبتفان تام، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه وعزائي لكل عائلته ولكل من عرفه وإنا لله وإنا إليه راجعون