Home»International»القوة الناعمة للفرنكوفونية في الإعلام المغربي

القوة الناعمة للفرنكوفونية في الإعلام المغربي

0
Shares
PinterestGoogle+
 

القوة الناعمة للفرنكوفونية في الإعلام المغربي

 

إنَّ اللغة كائن حيّ، على حد تعبير جرجي زيدان، يعتريها ما يعتري أيّ كائن من عوارض، ويخضع لتقلبات الزمن نتيجةً للتطورات التي تقع، وللمتغيّرات التي تحدث، وللمستجدات التي تطرأ. وحياة اللغة من حياة أبنائها، وهي تقوى بقوتهم، وتضعف بضعفهم.

واللغة عنصر فاعل في الحضارة، وعامل مؤثر في النهضة، فكلما قامت حضارة ونما فرعها وأينعت شجرتها وأثمرت، ازدهرت اللغة واغتنت، وامتدَّ إشعاعها وانتشرت. وتطَّردُ هذه القاعدة في كل العصور، وتسري على جميع الحضارات المتعاقبة واللغات التي عرفها الإنسان. 

واللغة العربية لا تخرج عن هذا الإطار، حيث يعتبر الواقع الحالي انعكاسا للوضع الذي وصلت إليه الأمة، وهو صورة للحالة التي توجد عليها، ويقول ابن خلدون في هذا الصدد: إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات بمنزلة صُورةِِ لِمنزلةِ دولتها بين الأمم.

والناظر إلى حال اللغة العربية في الدول العربية والمغرب خصوصا، يقف على انحسار دورها وتراجع سلطانها، في كل المجالات، ويعتبر الإعلام من أخطر المجالات التي تشكل حلبة لهذا التراجع، حيث الإقبال الكثيف لجماهير المشاهدين، خاصة الإعلام المرئي والمسموع، حيث تحل العامية مكان العربية، وتطغى الفرنسية بحضورها اللافت والمسكوت عنه.

ولنا أن نتساءل ما هو الوضع الحقيقي للغة العربية في الإعلام المغربي؟  ثم لماذا لا يفتح نقاش حول الحضور الطاغي للفرنسية في المشهد الإعلامي؟

تكاد اللغة العربية تفقد مكانتها كأداة للتواصل داخل المجتمع المغربي باستثناء اللقاءات والندوات والمؤتمرات أو في نشرات الأخبار، فاللغة العربية تحس نفسها غريبة في بلد ساد الإسلام فيه قرونا عديدة، وأصبحت الفرنسية لغة الإعلام والمؤسسات،  ولغة التميز والتفوق، في الوقت الذي توصف فيه بالتخلف مقارنة مع الانجليزية، وإذا كان الخطاب الرسمي يتبنى اللغة العربية كلغة دستورية، في المقابل ينطق لسان الحال بعكس ذلك، يقول الأستاذ موليم العروسي: » إذا أنصتنا إلى الخطاب الرسمي نجد أن مؤسسات الدولة العليا معربة، بينما خطاب المؤسسات المالية والصناعية ومراكز صنع القرار الفعلي المتعلق بمصير البلاد في بنيته العميقة وفي إجرائيته فرنسي محض. »(1)

وإذا ألقينا الضوء على مجال الإعلام،  باعتباره من المجالات التواصلية الحيوية، فإن اللغة العربية تشهد تهميشا وإقصاء واضح حيث عمل المسؤولون على إحلال اللغة الأجنبية محل العربية حتى يكاد المواطن المغربي يفقد أداة التواصل اللغوية وملكة التفكير الأساسية، نظرا لكثافة المادة الإعلامية المعروضة عليه.

يقول الدكتور علي القاسمي: » إضافة إلى الفضائيات والإذاعات باللهجات المحلية، أجازت الحكومات العربية تأسيس إذاعات و فضائيات بالانجليزية في بلدان المشرق العربي وبالفرنسية في بلدان المغرب العربي، وهذه الإذاعات والفضائيات ليست موجهة للأجانب في أنحاء العالم لعرض قضايانا أو الترويج لثقافتنا، وإنما موجهة لأبنائنا لتنقل إليهم برامج من أمريكا أو فرنسا مباشرة، و قد وصف لغوي مغربي هذا الإجراء بأنه ( فتح المجال لإعادة استعمار المغرب من جديد، حيث أن هذه الإذاعات الخاصة تفتخر بإعلان تبعيتها للغة و ثقافة الفرنسيين…). »(2)

فاللغة الفرنسية أصبحت تحتل مكانة تفوق اللغة الدستورية، كما أنها تخاطب فئة من المجتمع  يمكن تسميتها قشدة المجتمع، أي الفئة المحظوظة اجتماعيا، ويبرز ذلك في البرامج الاقتصادية وبعض الأشرطة الوثائقية، والبرامج الثقافية، والمسابقات الترفيهية؛ وتجمع بعض البرامج في مادتها ولغتها بين عامية منتقاة وفرنسية طاغية، فترى المذيع أو مقدم البرنامج  وضيوفه يمزجون بينهما مزجا، فتنشأ لغة لا هي بالعربية ولا هي بالفرنسية.

وحتى برامج الأطفال لا تخلو من هذا التفرنس (نسبة إلى الفرنسية). ومعلوم أن الطفولة مرحلة البناء الفكري واللغوي، فإذا كان يتلقى تعليما فرنسيا في مؤسسات التعليم الخاصة، ويشاهد برامج باللغة الفرنسية على التلفاز، فماذا ينتظر منه حين يكبر ويشتد عوده؟

وإذا انتقلنا من القنوات المغربية الفضائية إلى الأرضية، يبرز بجلاء حضور الفرنسية في الأفلام والبرامج المقدمة للأطفال، أما اللغة العربية فتقتصر على بعض البرامج الثقافية على قلتها التي توجه إلى النخبة المثقفة ، أو نشرات الأخبار.

وفيما يخص القنوات الإذاعية فلا يختلف الأمر كثيرا عن القنوات التلفزية، فالتحليلات الصحفية وقراءة الصحف والأخبار والبرامج الترفيهية كلها تقدم في معظمها بلغة فرنسية، ولنا أن نتساءل هل أخرج أجدادنا الاستعمار من أراضينا ليعود من جديد فيحتلنا فكريا وثقافيا وتواصليا وإعلاميا؟

وارتباطا بين السياسة والإعلام، فإن الواقع يؤكد عدم وجود إرادة سياسية لحماية اللغة العربية من المد الفرنكوفوني، بل يبدي رجال السياسة دعمهم لمشاريع و مخططات تهميش العربية الفصيحة.

ولقد صدق عبد السلام المْسْدّي التونسي حين ألّف كتابا بعنان  » العرب والانتحار اللغوي » منبها إلى أن العرب قد فقدوا البوصلة وصاروا يتجهون نحو الانتحار اللغوي، لكن الأدهى أن المنتحر يُقْدم على إنهاء حياته في حالة من اليأس، لكن العرب يفعلون ذلك وهم واعون بما يفعلون.


1 عبد الله خلافة، الفرنكوفونية في المشهد الإعلامي المغربي، ، مجلة الفرقان، العدد 65/1431-2010، ص 36.

 2 الدكتور علي القاسمي، واقع اللغة العربية اليوم، مجلة الحياة الفكرية، العدد الثاني 2009، ص 21.

 

عبد النور القلعي، أستاذ التأهيلي وطالب دكتوراة.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.