Home»Jeunes talents»المقامات المزمارية : المزمار الأول – الرجل الذي سألَ أبناءَه البرَرَة عن مصير الحديث حول البقَرَة

المقامات المزمارية : المزمار الأول – الرجل الذي سألَ أبناءَه البرَرَة عن مصير الحديث حول البقَرَة

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامات المزمارية : المزمار الأول – الرجل الذي سألَ أبناءَه البرَرَة عن مصير الحديث حول البقَرَة


وبعدأن أتم الراوي أحداث الخمسة والأربعين دفّاً، ختم بالصلاة والتسليم راجيافي ذلك ستراً ولطفاً، ثم طلب من محبيه أن ينتظموا صفاً صفاً…طرح الدف جانبا ونفخ ما استطاع في المزمار، فتحلق الناس حوله وقد حشدوا همة الأسماع والأبصار، فقال بعد أن صلى وسلم على النبي المختار: حدثنا أبوالغرائب عن أبي العجائب أن رجلا من ذوي الثمانين، اشتهر بالتزامه بالأعرافوالتقاليد والقوانين، وعاش حياته يتفهم أقوال العقلاء والمجانين…كان يعيشمع زوجته وعشرة من الأولاد، وسخر حياته من أجلهم ليكونوا خيرة العباد، ولميرتح إلا بعد أن أصبحوا من علية القوم والأسياد…وحدث أن تفرق الأولادبحكم الوظيفة والعمل، وأصيبت حركة البيت في غيابهم بكامل الشلل، وزاده موتالزوجة الكثير من العناء والكلل…خُيِّر الأولاد بين الحزم أو ترك الحبلعلى الغارب، فقرروا ترحيل أبيهم إلى المكان المناسب، حتى يتمكنوا منمراعاته والقيام بالواجب…عرضوا عليه الأمر راجين وآملين الجواب منهبالقبول، فرفض رفضاً قاطعاً معتبراً ذلك خارج المعقول، خاصة وأنه عاش حياتهيتمتع بخيرات الأبقار والعجول…يروي أحد الفضوليين المتخصصين في علاقاتالأسر، أن صاحبنا ظل متشبثاً برأيه مسلماً أمره للقدر، ومقدراً ما يحظى بهمنهم من الرعاية والسهر…كانوا يزورونه بالتناوب مرتين في الأسبوع، وكانيتفقدهم بشرط عدم المبيت وضرورة الرجوع، وكان يلقى منهم كل الاستجابةوالطاعة والخضوع…كان يقلق بالهم بقاء أبيهم وحيداً، آسفين على ظروف العملالتي ألقت بهم عنه بعيداً، وكانوا يتمنون أن يقضي ما تبقى من حياتهسعيداً…اجتمعوا يوما بمنزله بمناسبة أحد الأعياد، فكسروا وحدته وسعدكثيراً بحركة وصراخ الأحفاد، وتمتع برؤيتهم يشاغبون فوق ظهور الحميروالجياد…امتلأت جنبات  المنزل بالنشاط والحيوية، وتمتعوا رفقة أبنائهم منجديد بالحياة البدوية، وطلبوا تمديد فترة عطلتهم السنوية…انشغلوا كثيراًبوضع أبيهم وتغيُّر وتبدل حالِه، بعد أن لاحظوا عليه كثرة الشرود وانشغالباله، فقرروا التفكير في طريقة لتزويجه والحفاظ على ماله…جلس الأولادخارج المنزل يستظلون تحت الأشجار، وطرحوا مشروع تزويج أبيهم للنقاشوالحوار، وظل هو يتصنت على حديثهم خلف الجدار…قرروا تزويجه من امرأة تقدرعمره حق القدر، واقترحوا بيع البقرة وجعل ثمنها مقابل المهر، على أنيتولوا هم تمويل وترتيب وتدبير بقية الأمر…شعر بشيء غريب يتحرك فيالمفاصل والضلوع، فشكرهم غيابياً على تفكيرهم في مثل هذا المشروع، وابتعدقليلا ثم أنشد يقول بالصوت المسموع:

لا أرتضي عطَـباً وحلُّهُ جاهزُ     إنَّ المشاكـلَ  للحلـول روائزُ

  سهرتْ عيوني لا تنام جفونها     وتنـاسـلت أحـزانها تتمايـز  

فصبرت صبراً قدْ جنَيْتُ ثمارَهُ     لا يعتلي شـرف المطالع عاجز

يرويأحد الفضوليين المتخصصين في علم المعاني، أن صاحبنا عبر في شعره عما كانيعاني، ورضي على ما يبذله أولاده لأجله من الجهد والتفاني…تمنى أن يشرعوافي التنفيذ في أقرب الآجال، واستعد للجواب إن هم بادروه في السؤال، قبل أنتتفاقم مشاكله وتبلغ درجة الاستفحال…غادر الأولاد القرية دون الإعلان عنفكرة الزواج، وقد لاحظوا على وجه أبيهم غياب علامات الابتهاج، واعتبرواذلك طبيعياً من أب عودهم على تقلب المزاج…انشغلوا من جديد بشؤون العملوالأولاد، وأنستهم حيوية حماسة المشروع وأهبة الاستعداد، فأخروا ذلك إلى ماتسمح به ظروف الميعاد…كرروا زياراتهم له كما كان يحدث سابقاً، وظل أمرالبقرة في خياله وذهنه عالقاً، متسائلاً عمَّا أنسى أولادَه المشروع وعمَّاكان عائقاً…كان كلما زار أحدهم زيارة خاطفة بالمدينة، إلا وتضمن حديثهحال المواشي بين الفينة والفينة، عله يحرك فيهم قصة البقرة الدفينة…تجمعالأولاد والأحفاد عنده بمناسبة عطلة الصيف، واستقبلهم على غير العادةمرحباً بهم ترحيب الضيف، فلعل اجتماعهم سيغير ما يتخبط فيه من الغبنوالحيف…مرت ثمانية أيام ولم يتبق إلا يومان على العشرة، وما تطرقوا فيهاللحديث لا عن العجل ولا عن البقرة، مما جعل صاحبنا يعيد النظر في وصفهمبالبررة…ولما دخلت الليلة الأخيرة وحان وقت السفر، أحضروا أباهم ليشاركهمشجون الحديث والسمر، وظن أنه الوقت المناسب لمفاجأته بحلاوةالخبر…تحدثوا في أمور المال والسياسة والاقتصاد، وتطرقوا إلى قضاياومشاكل الناس والعباد، وعرجوا على ما تعانيه الأسر في تربية الأولاد…ظليستمع صامتاً ولم ينطق بكلمة واحدة، متجاهلاً حديثهم معتبراً إياه بلا نفعولا فائدة، فالحديث الذي لا خبر فيه عن البقرة مجرد ثرثرة زائدة…استأذن وطلب الخروج لتفقد أحوال الماعز والخرفان، فأثار البقرة يريد منها إطلاق خوارها للعنان، حتى يتذكر الأولاد موضوعها بعد أن سقط في النسيان…ألصق أذنه بالحائط ليتصنت على ما هم فيه من الحوار، بعد أن تكسر هدوء الليل تحت أصوات النباح والخوار، لكن الحال ظل على ما هو عليه وأعياه طول الانتظار…مر الليل سريعاً وأوشك الفجر على الطلوع، ونام الأحفاد وحلا السمر على ضوء الشموع، والأبمتشوق متمنياً دخول أولاده في صلب الموضوع…حاول أن يُقحمَهم في موضوع الأرض والفلاحة، بل كاد أن يُفصح لهم عن كل شيء بالصراحة، وهم منشغلون بالحديث عن كثرة العمل وقلة الراحة…ولما صاحت الديكة وبدا لهواضحا ظل الشجرة، صرخ في وجههم سائلا عن مصير الحديث عن البقرة، ثم ماتمؤكدا اتهامَهم من خلال إمضائه بالعشرة…وفي رواية أخرى أنه لما ضاقت نفسهبكثرة الكلام، أدرك أن موضوع البقرة قد غاب عن اهتمامهم بالتمام، ثم ماتثلاثاً حفاظاً على الأخلاق وحسن الختام….


يتبع مع مزمار آخر          محمد حامدي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. متتبع
    04/05/2013 at 16:18

    من الدف إلى المزمار … فعلا إنها حالات مجتمع يكثر فيه نوع من الناس ظلوا مطبلين ومزمرين وتابعين لأولياء نعمتهم .لقد أصبت في تسمية مقاماتك أتمنى أن تجد طريقها للطبع في شكل كتاب يوثق لبعض السلوكات المشينة التي أصبحت تنخر مجتمعنا. أرجو المزيد

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *