Home»Jeunes talents»المقامات الدفية : الدف السادس والعشرون – الرجل الذي أُلْصِقَ به ما فعله الأقْرَع

المقامات الدفية : الدف السادس والعشرون – الرجل الذي أُلْصِقَ به ما فعله الأقْرَع

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامات الدفية : الدف السادس والعشرون  –  الرجل الذي أُلْصِقَ به ما فعله الأقْرَع

 

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلا من عامة الناس والقوم ، كان دائما عرضة للإهانة والسخرية واللوم، تطارده المُقَلُ والعيون والمتابعة في اليقظة والنوم…كان كلما قام أو بادر إلى فعل أو مجهود مستور أو مكشوف ، إلا وسُبِكتْ له التهم وفُصِّلَتْ له التقارير وضُربَتْ له الدفوف، ونُعِتَ بالمارق عن جادة الصواب وبالأحمق وبأبي « شنتوف »…يؤكد بعض الفضوليين المتخصصين في الحجامة والحلاقة مقتصدا في قوله، أن الرجل كان عاديا وبرأسه ينبت شعر طبيعي كالذين من حوله، وكان مزهوا بسواده وطوله ومُعجبا أيَّ إعجاب ببريقه وخَصْلِه…إلى أن شعر يوما بعياء وتعب أسلماه إلى أرق شديد ، شل حركة دم عروقه وخنق تنفسه من الوريد إلى الوريد، فاستسلم من حيث لا يرغب للنوم ولكن بعد جهد جهيد…وحدث يوما أن دُعِيَ إلى اجتماع طارئ حضره جمع كبير للقُرْع ، قد حضروا من كل مركز ومن كل جهة وإقليم ومن كل فرع ، ليتدارسوا ويحللوا ويفحصوا ما أصاب المنظومة من مسٍّ وصرْع…قال كبيرهم متيقنا مُخاطبا بفصاحة مُطَبِّليه ومُزَمِّريه ومُغَنِّيه، إن السبب الذي لا سبب غيره في انحدار المستوى وتدنيه ، هو فعل ذلك المتهاون سليلِ المدير وصاحبته وبنيه…فشَرَّعوا ما يمكن تشريعُه وأصدروا أحكاما وقرارات وقنَّنوا ، وتتبَّعوا ما استطاعوا وأرسلوا وذكَّروا وفي الحلول تفننوا ، وأزْبَدوا غضبا وخطَّطوا برامجهم وسطَّروا تقديراتهم وجنَّنوا…يشرح بعض الفضوليين الثقاة ومنهم مَن لا يُخْطئُ فيه يقيني ، أن « كلمة جنَّنوا » هي اشتقاق من أصل أعجمي مصدره « جيني » ، وأقسم بالله قسما عظيما وزاد وأكد بالتين والزيتون…ويضيف أن كبير القُرْع ظَلَّ مهووسا إلى حدِّ التخمة بكل ما هو مدرسي ، بالهَدْر والكفايات والإدماج والنجاح والتفاعل وحُسْن الملبس ، والزمان وتضييق العطل والأمن والخرائط وما تفرضه من محبس…أحضروا صاحبنا على الفور وأجروا له تحليلا لرأسه وزادوه تشريحا، شفطوا دماغه ومصوا عروقه ودسوا في جمجمته تلقيحا، بعد أن أسالوا مداد قراراتهم في عروقه ليزداد تسليحا…يروي أحد الفضوليين المتخصصين في البرامج والأنشطة والتجهيزات والتدابير، أنهم أحضروا الرجل مكفنا بسيل من الأحكام وما نطقت به حكمة التقارير ، وهو يبسمل مستعينا بقراءة اللطف في ما جرت به إرادة المقادير…زرعوا عدسة كاشفة بدماغه حتى يظل متأهبا دوما في اليقظة والحلم، وسلحوا عظامه بالحديد والإسمنت حتى يظل واقفا ثابتا في القسم، ونزعوا من قلبه عروق الرغبة في الجد وشرايين الراحة والنوم…استأصلوا ما علق بضميره من اجتهاد وما فاض عنه من ابتكار، وضاعفوا سُمك عينيه ليتمكن من ضبط كل مراقبة وإبصار، بعد أن ختموا ووقعوا قراراتهم ببصمات فمه لينطق باختصار…وزعوا قوامه بين منطقة للدم وأخرى للقيء ، فهذا مركز يحاسبه عن كل فعل وقول وعن كل شيء ، وَهذه جِهَةٌ تحدد له سير الدرس وشكل القسم وكمية النشء…ثم جربوا عليه كل ما فاض عن خطط واستراتيجيات الإفرنج ، وحَشَوْهُ بمنظومة هجينة ظاهرها بريق وباطنها من الإسفنج ، ثم تركوه يتخبط بين الغامض والتافه والمستقيم والمُعْوَج..

.يروي أحد الفضوليين الظرفاء العارفين الممازحين الأخيار ، أنه لما قرروا حقن دمه حتى يتناسب مع الشعار، تمتم وقال مستنكرا: وهل ما أفسده الدهر يُصلحه سواكُ العطار ؟..غضب كبير القرع وهاج المدبرون والمخططون والمراقبون ، وجذب حولهم أهل الموارد والخرائط والمحاسبون ، وأقسموا بالطلاق أنهم لا بد للرجل متربصون ومعاقبون ، وما كفاهم أنهم له في كل موسم معاتبون…أعادوا تفكيك هيكله من جديد وشقوا لسانه بالسكاكين والمناشير، وعَلَّقوهُ صَوْمَعَةً بعد أن سقطت في حلوقهم  لوثة التدابير، وقرروا أن يمسحوا بجلده ما تبقى من آثار ووجع الطباشير… ثم علقوا برقبته سواد تخلف وفشل وانهيار البلاد ، وعجَّلوا بفقء عينيه المتربصتين وأرسلوهما للبيع في المزاد ، واتهموه بكل ما ينخر أخلاق الأجيال ويدمر قيم العباد…ولما أرادوا بتر يديه ورجليه من الأصل كيدا ونكاية وضَرَرا ، وجد نفسه محاطا بخريطة تعدادها خمسة وأربعين نَفَرا ، وطباشير وأوراق وخطوط باهتة أفقدته تركيزا وبَصًرا…تحسس شعره ليطمئن على ما تبقى له من صفات البشر ، ثم لطم وجهه وصدره وقال بنوع من الشماتة والضجر ، هكذا طبعا يفعلها الأقرع وتُلصَقُ دائما بصاحب الشعر ، ثم مات متعجبا من قول وفعل القُرع مستسلما للقدر…وفي رواية أخرى أنه لما تأكد من الأقرع و فعله ، فتك برأسه ثلاثا وشقه وزاد من سيله ، ومات كما مات شعار النجاح من قبله …    

يتبع مع فضول آخر .        محمد حامدي     

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. مسك الليل
    13/01/2013 at 22:09

    سلمت أناملك ، ولا جف قلمك . تحياتي الخالصة على هذا الدف الذي هو – و لا شك – أكبر و أفيد من رأس  » كبير القرع « 

  2. سامح درويش
    14/01/2013 at 11:10

    إذن متى تجمع مقامات هزيع الزمان الحامداني في كتاب.. أتمنى ذلك قريبا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *