Home»Enseignement»أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي الجزء الرابع: أحداث وظواهر تؤثر في الطفل/التلميذ تربويا ومدرسيا

أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي الجزء الرابع: أحداث وظواهر تؤثر في الطفل/التلميذ تربويا ومدرسيا

0
Shares
PinterestGoogle+

أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي

الجزء الرابع:  أحداث وظواهر تؤثر في الطفل/التلميذ تربويا ومدرسيا

 

بقلم: نهاري امبارك*

لقد عرف قطاع التعليم بالمغرب، ومنذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أي على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات لجان، انكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها الذاتية والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين دون إطلاق تشاورات واستشارات واسعة وعلى جميع الأصعدة، ما كان يؤدي إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع المستويات، منها الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.

حيث إن أي متتبع أو متفحص لهذه الإصلاحات، يلمس بكل بساطة مجموعة من الاختلالات، تطال المكونات والعناصر الرئيسية للعملية التربوية والتكوينية التي تنهض عليها ومن أجلها المنظومة برمتها، والتي تعتبر الأسس والمرتكزات الحقيقية للإصلاح التعليمي ومنها، المؤسسة الأسرية والطفل / التلميذ(ة).

حيث، في اعتقادنا، أن أي إصلاح تعليمي يتناول، فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرسومة، ولن يحقق الأهداف المسطرة، ما دام لم تصاحبه، أو على الأصح، لم يسبقه اهتمام وعناية بالأوضاع التربوية والاجتماعية والدراسية للطفل/ التلميذ(ة) سواء داخل أسرته أو في محيطه المدرسي أو بيئته الاجتماعية أو داخل المؤسسة التعليمية نفسها بمرافقها وحجراتها ومكاتبها، أو بمختلف الأماكن العمومية التي يمكن أن يتواجد بها.

من هذه المنطلقات، فالطفل/ التلميذ(ة) يشكل، دون منازع، النواة الصلبة، وحجر الزاوية الحقيقي لكل إصلاح تعليمي: فما هي الأحداث والظواهر التي يعيشها الطفل/ التلميذ(ة) والتي تؤثر فيه نفسيا ومدرسيا واجتماعيا، والتي قد تشكل عوامل إحباط تصرفه عن التمدرس والإنتاج الدراسي وقد تؤدي به إلى مغادرة الأسلاك الدراسية؟

وحتى نجيب قدر الإمكان على هذا السؤال المحوري نعرض، واقع الطفل/ التلميذ(ة) ووضعيته، حيث يعتبر المحور الأساسي للعملية التربوية والتكوينية، كما يعتبر الاعتناء به وحمايته أسريا واجتماعيا إحدى الدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية التي ينهض عليها الإصلاح التعليمي، ونجاعة الخدمات المنتظرة من المنظومة التربوية والتكوينية حتى تضطلع بمهامها، وتؤدي رسالتها السامية تجاه تربية الأجيال المتعاقبة وتكوينهم وإعدادهم للحياة المهنية، إلى جانب خدمات مضامين المقررات الدراسية والبرامج والمناهج، وبموازاة لها، أو في تكامل معها، ومتبادل، أخذا وعطاء.

سنحاول مناولة هذه الإشكالية، مع التركيز على عدة أحداث معيشة يوميا يعاني الطفل/ التلميذ(ة) وطأتها، التي يجب التصدي إليها ليؤتي أي إصلاح تعليمي أكله حتى يشعر الطفل/ التلميذ(ة) بالأمن والأمان، والاستقرار النفسي ويتمتع بحقوقه كاملة لينخرط في الإصلاح التعليمي المرتقب، ويسهم إيجابا في العملية التربوية، ويتابع دراسته دون تعثر أو انقطاع أو مغادرته الأسلاك الدراسية.

تثبت مختلف الدراسات والنظريات التربوية والنفسية أن الطفل كائن مرهف الإحساس، هش التشكيل، سريع الانفعال والتفاعل، وسهل التأثر بما يجري حوله وما يشاهده يوميا،  داخل أسرته وخارجها، أو داخل مدرسته وخارجها أو بالفضاءات والساحات والأماكن العمومية أو في فسحة استجمام وحده أو برفقة والديه أو أحدهما.

وهكذا، كثيرا ما يصادف الطفل/التلميذ في بعض الأماكن العمومية بمختلف الحواضر وقفات احتجاجية ومظاهرات، وكثيرا ما يشاهدها، عموما، في الشوارع والأزقة أو أمام مؤسسات عمومية، أو على وسائل الأعلام المرئية منها، وما يصاحبها من إجراءات أمنية، من توفير الظروف للمتظاهرين للتعبير عن مطالبهم، أو تفريقهم سلميا ومنعهم من التجمهر، الأمر الذي يثير فضول الأطفال من أجل معرفة ما يحدث، إما بالاجتهاد اعتمادا على أنفسهم حسب مستويات وعيهم بمحيطهم، أو بفتح مناقشات مع والديهم أو إخوانهم الذين يكبرونهم سنا، لتنطلق عدة تساؤلات قصد فهم أسباب وأهداف تلك المظاهرات والوقفات المتكررة.

وقد تزداد التساؤلات حدة لما يتعرفون على نوعية الأشخاص المتظاهرين وموضوع التظاهر، ويبلغ إلى علمهم أنهم طلبة حاملو شواهد عليا ويطالبون بدمجهم في الحياة العملية بعد ما استغرقت مساراتهم الدراسية والتكوينية سنوات كثيرة.

إن هذا الوضع يطلق العنان لخيال التلاميذ، فيتراءى لهم، لأول وهلة، أن لا فائدة من الدراسة إذا كانت المدرسة غير ضامنة لحياتهم المهنية، أو كما يردد الراشدون، إذا لم تعد المدرسة غير وظيفية، فيتسرب إلى نفوس التلاميذ، ودون تفكير عميق، الشعور بمواجهتهم نفس المصير لما يكبرون ويحصلون على شواهد جامعية ومهنية. وقد لا يقتنعون بمحاولات الإقناع التي يمارسها الآباء والأطر الإدارية والتربوية، في جميع المناسبات، لتظهر واضحة ردات فعل من شدة الإحباط والتشاؤم من خلال التعبير، أو رفض إنجاز الفروض المنزلية، أو عصيان تجاه تعليمات الأساتذة، وأحيانا، رفض الذهاب إلى المدرسة.

وفي إطار التوعية التربوية، وتعريف التلاميذ بذواتهم وواقعهم ومحيطهم المدرسي والاقتصادي، يتناول الأطر الإدارية والتربوية والمستشار في التوجيه التربوي، مرارا، هذه الإشكالية الشائكة، من أجل تحفيز التلاميذ على الاهتمام والبذل والعطاء وتغيير الصور النمطية الجاهزة التي يحملونها حول المدرسة ومصير الشواهد العليا، إلا أن هذه المداخلات والنصائح قلما تجد آذانا صاغية لدى التلاميذ، ليقتنع بعضهم، ويستمر البعض يعاني وطأة الحيرة والشكوك، فيصيبهم الملل وينال منهم الإحباط من كثرة مشاهدتهم أو معايشتهم فعلا ظواهر محبطة، سواء في الساحات العمومية، أو في الشوارع والمقاهي، أو لدى أسرهم وعائلاتهم، التي لا تخلو من عاطل واحد على الأقل شارك في الاحتجاجات أم لم يشارك.

إن نسبة بطالة حاملي الشواهد العليا لا تفتأ ترتفع سنة بعد أخرى، في ظل ضعف الإدماج في الحياة العملية، وضعف مؤشر النمو الاقتصادي، حيث لا تستوعب مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية اليد العاملة المؤهلة والحاملة للشواهد الجامعية والمهنية، وليظهر جليا اختلال الثلاثية المشهورة: التربية – التكوين – التشغيل، التي تفضي إلى تراكم اختلال التوازن بين العرض والطلب، فيعيش، عموما، وفي حضن أغلب الأسر طالب حاصل على شهادة عليا، عالة على أبويه يعاني البطالة أمام أعين إخوانه الذين يتابعون دراستهم، أو أمام أعين اطفال عائلاتهم، الذين يتسرب الإحباط إلى نفوسهم ويغرقون في التفكير في آفاق مستقبلية مجهولة، رغم الشواهد والدبلومات التي قد يحصلون عليها، إن لم تستحوذ عليهم الرؤية السوداوية للمستقبل، ويغلب عليهم التشاؤم إلى حد النفور من الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية. 

(يتبع)

*بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. مفتش تربوي
    02/12/2012 at 23:41

    موضوع قيم مزيدا من البذل والعطاء؛
    موضوع ينضاف إلى سابقيه، ويرتبط بالتسلسل القائم بين مختلف المواضيع والعناصر المشكلة للمرتكزات الحقيقية لإصلاح منظومة التربية والتكوين من منظور لم يسبق مناولته في مختلف الإصلاحات السابقة لحد الآن؛
    حيث الإصلاح يبدأ كما جاء في مختلف الأجزاء إلى حدود هذا الجزء، من إصلاح أحوال الأسرة وانتشالها من براثن الفقر والعوز والهشاشة والجهل والمرض والفساد، والإصلاح ينطلق من موقع الطفل داخل البيت وظروف تربيته الأسرية وموقعه في الشارع والدرب وفي الساحات العمومية وانتشاله من الآفات والموبقات والاعتناء بالأطفال المشردين واليتامى ومحاربة المخدرات وانشال المدمنين من آفة الحشيش والكحول والمخدرات، ومحاربة المجهولين والغرباء الذين يرتادون محيط المدارس لبيع ما يفسد الروح والجسد وليسلطوا أفعالهم الدنيئة على الأطفال الأبرياء دون حسيب ولا رقيب ودون أي حس أخلاقي ووطني؛
    كما أن هناك عدة مظاهر تؤثر في نفسية الطفل كاوقفات الاحتجاجية والمظاهرات اليومية وتدخل السلطة أحيانا بعنف أمام أعين الأطفال الذين ينتابهم الخوف ويشعرون أن هذا هو مصيرهم؛
    فمزيدا من التحليل ؛
    وشكرا جزيلا

  2. نهاري مبارك
    03/12/2012 at 23:11

    أخي صاحب التعليق أعلاه شكرا جزيلا على مداخلتك القيمة التي عززت هذه التوجه الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين؛

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *