Home»International»صناعة الرأي العام في زمن الفضائيات

صناعة الرأي العام في زمن الفضائيات

1
Shares
PinterestGoogle+

إن الحياة العصرية وما يصاحبها من إيقاع سريع حتم أن تكون وسائل الاتصال الحديثة وبالذات الفضائيات من أرقى الوسائل التعليمية وأكثرها نفاذا وتأثيرا على الرأي العام، بما تملكه اليوم من إمكانيات حديثة ومتطورة .

وقد ألغت الفضائيات المسافات وغدا الإعلام الفضائي قضية أساسية في عصر تكنولوجيا الاتصال . وقد أصبحنا نشاهد الأحداث مباشرة، أولا بأول، وأصبحت الفضائيات من الموضوعات التي تشتغل اهتمام الأنظمة السياسية والرأي العام، لأنها من أحسن الوسائل للاتصال بالجماهير والتي تجذب نسبة عالية من المشاهدين .

ويعكس انتشار الأطباق الهوائية في الدول العربية قوة حضور التلفزيون كوسيط أعلامي، والمكانة الخاصة التي أصبح يحتلها في حياتنا المعاصرة فقد دخل كل منزل وأصبحنا مدمنين على مشاهدة المواد الإعلامية التي تقدمها القنوات الفضائية والتي تتوجه إلى مختلف فئات المجتمع المثقف والأمي، الميسور والفقير، الكبير والصغير، وتزداد متابعة البرامج التلفزيونية في العالم العربي بسبب وقت الفراغ وزيادة نسبة الأمية وغياب بدائل أخرى لتصريف الوقت، ولم يعد التلفزيون وسيلة للترفيه والتسلية فقط وإنما وسيلة لا غنى عنها لتوجيه الناس ونقل القيم والأفكار والمعتقدات وتوصيل ونشر الثقافة .

وقد أكدت التجارب أن لهذا الوسيط الإعلامي دور ايجابي من حيث توعية الجماهير بقضاياها القومية، فجل المواد التي تعرضها الفضائيات لها تأثير مباشر  أو غير مباشر على الفرد، فهي تطمح إلى خلق اتجاه فكري معين يتناسق مع الأجندة التي تحكمها.

وهكذا صارت الفضائيات جزء من الأحداث ومن حياة الناس فهي توجه آراءهم ومواقفهم وهم مستسلمين لسلطة الصورة فهي التي تصوغ لهم مسار رؤيتهم من خلال التركيز على مواضيع دون أخرى، فالفضائيات أكثر دهاءا أو ذكاءا واقل التزاما بالمعايير المهنية، وقد تتحول إلى أبواق سياسات معينة تحت ضغط أصحاب الإعلانات أو الشخصيات النافذة .

ولكن هذا لا يلغي مشهد من القنوات الفضائية التي أتاحت مجالا واسعا للحريات، وسعت إلى إسماع صوت الضعفاء في المعادلة الإعلامية، ونافست بذلك الإعلام الرسمي  الذي احتكر الساحة الإعلامية لمدة طويلة، والذي كان يميل إلى التسطيح والاستخفاف بعقل المشاهد.

لكن التحولات التي جرت في المشهد الإعلامي العربي ليست كلها مفيدة بل لازالت تعكس عجز الكثير من القنوات على تبني خطاب يرقى بالوعي السياسي لدى المواطن العربي، وتكشف أيضا عن حجم الفجوة الرقمية بيننا وبين الغرب. وبالرغم من إن الفضائيات العربية لا تزال في بدايتها –على الأقل في معظمها- مقارنة بالفضائيات الغربية، إلا أن تجربتها عل مستوى السنوات القليلة الماضية تسمح لنا بنقدها .

فالفضائيات لها دور كبير في صناعة الرأي العام وتعتمد في ذلك وسائل وطرق متعددة من خلال التركيز على معلومات معينة وإقصاء أخرى وبذلك تكون قد انتقلت من وسائل لنقل الخبر إلى أدوات للتضليل وتحريف الحقيقة وفق خطة محكمة تحت ضغط أصحاب المال والسياسة.

وصار الإنسان العربي يسأل نفسه بعد التعرض لهذه القنوات أين هي الحقيقة؟ وهو استعمار من نوع جديد يحتل العقل العربي من خلال قصفه بمضامين إعلامية ليس لخدمة الحقيقة وإنما لخدمة مصالح معينة على حساب النزاهة والموضوعية .

ولعل الثورات القائمة في الوطن العربي من أجل الحرية توضح خطورة الدور الذي تقوم به الفضائيات في توجيه الرأي العام والتأثير في سير الحراك الشعبي ضد الأنظمة، فهي تسمح بتقديم الرأي المعارض والأفكار التي كانت محرمة، بل ثبت حتى التدخلات التي يمكن أن توصف بأنها متطرفة، وعملت على تشكيل اتجاهات جديدة، حيث استيقظ وجدان المواطن العربي وتفاعل مع الصور التي كانت تبثها الفضائيات من ساحات الثورة، وتحطم حاجز الخوف عند الشعوب المتمردة. ودخلت الشعوب مرحلة جديدة بالرغم من عدم وضوح آفاق هذا المنعطف.

 

صناعة الرأي العام في زمن الفضائيات  محمد بن الهداج    

أستاذ باحث في التواصل و التنمية

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. Anonyme
    16/08/2019 at 03:47

    صحيح

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *